كان أهل السنة قبل تصدر أحمد بن حنبل منصة الإمامة في مجال العقائد، على فرق متعددة وطوائف مختلفة، بين مرجئ يرى أنه لا علاقة بين الايمان والعمل، فلا يضر مع الايمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وقدري ينكر القدر إلى جهمي ينفي كل صفة لله سبحانه وخارجي.. وغلى غير ذلك من الاختلافات الفكرية والعقائدية. حتى جاء أحمد بن حنبل فقضى على سائر المذاهب الدارجة بين أهل الحديث، ووحدهم على أصول اختارها، وادعى أنها عقائد السلف الصالح من الصحابة والتابعين. وفي واقع الحقيقة أن نسبة هذه الأصول والعقائد إلى أحمد أقرب واصدق من نسبتها على الصحابة والتابعين، فلم تكن معروفة، ولا متفقاً عليها قبل ظهور ابن حنبل، والاختلافات العقائدية عند السنة في تاريخهم وإلى الآن كاشفة عن هذا الأمر.
وقد أخذت هذه العقائد الحنبلية في الذيوع والانتشار في أيام المتوكل الذي قرّب أحمد إلى بلاطه وفتح له المجال حتى صار إمام العقائد من غير منازع، واستمر على هذا الحال حتى ظهر أبو الحسن الأشعري في الساحة العقائدية، بعد أن تاب من الاعتزال والتحق بالعقائد الحنبلية، ولكنه لم يكتف بتقليد ابن حنبل فعمل على تغليف وعقلنة عقائده فظهر باعتقادات لم يوافق فيها أحمد كل الموافقة ولم يخالفه، ورغم ذلك فإن مذهبه الجديد أتيح له الانتشار في كافة الاقطار الاسلامية حتى تمكن من سحب البساط من تحت أقدام ابن حنبل في الامامة العقائدية، فاصبح المذهب الاشعري هوالمذهب الرسمي لأهل السنة، يقول المقريزي بعد أن يشير إلى اصول عقيدة الإمام الأشعري: (هذه جملة من أصول عقيدته التي عليها الآن جماهير أهل الأمصار الإسلامية، والتي من جهر بخلافها أريق دمه)(1). فتأججت بذلك نار النزاع بين الأشاعرة والحنابلة على طل العصور المختلفة. فكان الحنابلة يتمسكون بروايات التشبيه والتجسيم ويثبتون لله تعالى صفات لا يجوز نسبتها إليه، وكان الأشاعرة يتبرأون من هذه الأمور.
ولكن إذاتجاوزنا المشاكل يمكننا أن نقسم المعقتدات السنية إلى مدرستين هما الاشاعرة والحنابلة، بعد أنقراض المعتزلة تقريباً ، وسوف نتناول في هذا الفصل نماذج من المدرستين.
____________
1- الخطط المقريزية ج2 ص390.
لمحة تاريخية
- الزيارات: 524