• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المواجهه مع القبائل الطامعه بغزوه لمغنم

الجزء الاكبر من الجزيره العربيه صحارى، والموارد شحيحه لا تكفى سكانها حتى مع السلطه النافذه والعداله بالتوزيع، مما جعل الكثير من القبائل تعتمد بسد الكثير من حاجاتها على الغزو، فيغزوا بعضها البعض.
ولما نجح الرسول بتكوين كيانه السياسى فى المدينه، وهزم خصومه وغنم اموالهم، ولان المدينه واحه وسط صحراء، فقد فكرت الكثير من القبائل المحتاجه بغزوها، لا كراهيه لمحمد او لدينه، ولا انتقاما منه ولكن طمعا بالمغنم وما يسد بعض حاجاتها.
ولقد راودت فكره غزو المدينه اذهان العديد من القبائل والجماعات، وتهيات بالفعل للغزو وشرعت به، ولكن النبى كان لها بالمرصاد واستعمل معها اسلوبا لم تعهده العرب وهو الحرب الوقائيه، فعندما تتوفر لديه المعلومات بان هذه القبيله او تلك تستعد لغزو المدينه كان النبى يسارع ويجهز حمله فيغزوها قبل ان تغزوه.
وبهذا الاسلوب المميز استطاع الرسول ان يربح المواجهه مع القبائل الطامعه فى غزوه، وان ينزع من اذهانها التفكير بغزوه، وان يشعرها بوجوده وبقدرته على ان ينال كل من تسول له نفسه الكيد به.
وهذا ما فعله فى غزوه قرقره الكدر بجمع ثعلبه ومحارب، ومثل حملته على تجمع بنى سليم، وسريته على طليحه، ومسلم‏بن خويلد، ومثل غزوه ذات الرقاع التى قادها الرسول لارهاب جموع انمار وثعلبه، وغزوه دومه الجندل، وغزوه المريسيع على بنى المصطلق من خزاعه، وحملته على القرطاء من بنى بكر، وسريته الى الغمر بجمع بنى محارب وثعلبه، وسريه زيد الى بنى ثعلبه، وسريه على‏بن ابى طالب الى سعدبن بكر بفدك، وسريه عبداللّه بن رواحه لاسيربن زارم فى غطفان، وسريه ابى بكر الى بنى كلاب فى نجد، وسريه الليثى الى بنى عواد وبنى عبدبن ثعلبه، وسريه بشيربن سعد الانصارى الى عين اجبا لتشتيت جمع من غطفان، وسريه ابى العوجا الى بنى سليم، وسريه بنى الملوح، وسريه هوازن، وغزوه ذات السلاسل الى قضاعه، وسريه ابن ابى تقاده‏بن ربعى الى غطفان بمنطقه نجد، وسريه عيينه‏بن حصن الى بنى تميم اذ فاجاهم وشتت شملهم، وسريه قطبه‏بن عامر الى خثعم، وسريه علقمه‏بن مجزر الى الاحباش فى جده، وسريه الضحاك الى كلاب (537).
ومثل مواجهته الاخيره مع بطون قريش يوم نقضت عقده، ولم تف بعهده فجهز جيشا وفتح مكه.
المواجهه مع الخائنين والناكثين لعهده:
هنالك قبائل وجماعات اعطت الرسول العهد والعقد، ثم نقضت عقدها ولم تف بعهدها، فتصدى لها رسول‏اللّه وواجهها جماعه جماعه، والحق بها الهزيمه، كما فعل مع يهود بنى قينقاع، وكما فعل مع يهود النضير، ومع يهود بنى قريظه، ومع قبيله لحيان الذين غدروا باصحابه، وكما فعل مع الذين اعترضوا زيدبن حارثه اثناء سفره الى الشام، ومع النفر الذين قدموا المدينه واسلموا، ثم قتلوا مسلما وفروا، ومثل سريه موته لمعاقبه قتله الحارث‏بن عمير وهم من بنى غسان (538).
المواجهه مع الذين يعتدون عليه:
هنالك فئات اعتدت على النبى، اما تشهيا، او كرده فعل، فتصدى لهم النبى وواجههم، وجعلهم يدفعون ثمن عدوانهم عليه، مثل ذلك يوم قاد بنفسه حمله لمعاقبه كرزبن جابر الفهرى الذى اغار على مسرح المدينه واستاقه، وتعقبه الرسول حتى وادى بدر، ولم يدرك كرز.
ومثل ذلك ابو سفيان الذى حلف ان يثار من محمد قبل ان يغتسل، فجاء المدينه واحرق تبنا وبيوتا، وقتل انصاريا واجيرا له، فتعقبه النبى فى غزوه السويق ولكنه لم يدرك ابا سفيان.
ومثلها غزوه الغايه التى قادها الرسول للانتقام من عيينه‏بن حصن، الذى هاجم ضاحيه الغابه، وقتل ابن ابى ذر، وما زال الرسول يلاحقه حتى قتل منهم اناسا، منهم حبيب‏بن عيينه‏بن حصن، ومثل ذلك سريه غالب‏بن عبداللّه التى ارسلها الى مصاب اصحاب بشيربن سعد فصبحهم (539).
الموادعه:
كما عرف النبى المواجهه وعرفته فقد عرف الموادعه، فوادع القبائل الواقعه بين مكه والمدينه، وحاول بالحسنى هدايتها الى الاسلام كما فعل مع بنى ضمره، اذ اتفق مع سيدهم محشى‏بن عمرو الضمرى ان لا يغزوه، ولا يكثروا عليه جمعا، ولا يعينوا عدوا، وتعهد الرسول بان لا يغزوهم، ومثل سريه عبدالرحمن‏بن عوف الى كلب بدومه الجندل اذ طلب منه موادعتهم وقال له:
ان استجابوا لك فتزوج ابنه ملكهم، فمكث عندهم واسلم منهم عدد كبير، وسريه الخبط بقياده ابى عبيده الى حى من جهينه مما يلى ساحل البحر (540).
الانتصار الاعظم واستسلام بطون قريش:
فى الجاهليه كانت خزاعه حليفه لعبد المطلب جد الرسول، اعطاها عقده وعهده، وبطون مكه كلها تعلم ذلك، ولما جاء الاسلام اعتنقه الكثير من افراد قبيله خزاعه، وتعاطف مسلمهم ومشركهم مع النبى اثناء صراعه مع بطون قريش، وهم الذين اخبروه بمسيره الاحزاب، وعندما تم صلح الحديبيه وخلت البطون بين محمد وبين العرب، فمن شاء دخل فى عهد محمد وحلفه، ومن شاء دخل فى عهد بطون قريش وحلفها، عندئذ قفز الحاضرون من خزاعه واعلنوا دخولهم فى عقد محمد وعهده، وقالوا انهم يفعلون ذلك نيابه عن خزاعه كلها، ودخل من حضر من بنى بكر فى حلف قريش وقالوا:
انهم يفعلون ذلك نيابه عن بنى بكر كلها.
وكان بين خزاعه وبنى بكر عداوات قديمه هدات ولكنها لم تزل.
وجاءت الشراره التى اججت العداوه من جديد يوم هجا انس‏بن زنيم الديلى رسول‏اللّه، فسمعه غلام من خزاعه فضربه وشجه، وذهب انس الى قومه ف‏اراهم شجته، فثاروا واعتقدوا انها الفرصه الملائمه للانتقام من خزاعه وللثار منهم، وكلمت بنو نفاثه قاده البطون بذلك فاستخفوهم، وساعدت البطون بنى بكر بالسلاح والكراع والرجال سرا، وفوجئت خزاعه بالهجوم عليها، وهى لاهيه لا تعرف شيئا، وقتل 23 رجلا من خزاعه كان ذلك على راس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبيه.
وهكذا نقضت بطون قريش عمليا عهدها وعقدها مع النبى، وبالتالى الغيت الهدنه، ورجعت حاله الحرب بين الطرفين، هكذا قيمت قريش الواقعه، وهكذا قيمها النبى.
وسمع النبى بهذا القدر، ثم خرج عمروبن سالم الخزاعى فى اربعين راكبا من خزاعه ليضعوا النبى بالصوره ويخبرونه بما حدث ويستنصرونه، وقدم عمرو والرسول بين اصحابه فى المسجد وانشده قصيدته المشهوره:
فاللهم انى ناشد محمدا حلف ابينا وابيك الاقلدا فان قريشا اخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك الموكدا (541) غضب النبى غضبا شديدا مما فعلته البطون، ولكنه كتم غضبه، وقال لعمروبن سالم واصحابه:
(ارجعوا وتفرقوا فى الاوديه)، وقام رسول‏اللّه ودخل بيته، وقد ذكرت السيده عائشه انها سمعته يقول:
(لا نصرت ان لم انصر بنى كعب) (542).
ومن الموكد ان النبى العظيم قد صمم نهائيا ليضع حدا لوجود بطون قريش، وصمم على اجبارها على الاستسلام، ولكن بدون اراقه دماء، لذلك كتم ما فى نفسه، ليفاجئها.
وادركت بطون قريش انها قد نقضت العهد، وان محمدا سيلغى الاتفاق وسيغتنم فرصه حاله الاسترخاء وعدم الاستعداد التى عاشتها البطون خلال فتره الهدنه التى استمرت 23 شهرا، فيتقدم بجيش جرار ويفتح مكه، لذلك اوفدت ابا سفيان الى رسول‏اللّه للاعتذار وللاستمرار بالهدنه، وفشل ابو سفيان بمهمته واجابه الرسول باقتضاب شديد.
وامر رسول‏اللّه اصحابه بالتجهيز للغزو دون ان يعلم احدا الوجهه التى يريدها رسول‏اللّه، ولكن التوقعات اتجهت الى ان رسول‏اللّه يريد المسيره الى مكه، وارسل رسول‏اللّه الى اوليائه من خارج المدينه طالبا منهم الاستعداد للمسيره معه (543).
ثم وزع الرايات فاعط‏ى عليا رايه، والزبير اخرى، وسعدبن ابى وقاص رايه ثالثه، ورايه مع ابى نائله، ورايه مع قتاده‏بن النعمان، ورايه مع ابى برده، ورايه مع جبربن عتيك، ورايه مع ابى لبابه، ورايه مع اسير الساعدى، ورايه مع عبداللّهبن زيد، ورايه مع قطبه‏بن عامر، ورايه مع عماره‏بن حزم، ورايه مع سليطبن قيس.
وكان المهاجرون سبعمائه ومعهم 300فرس، وكانت مزينه الفا معهم 100فرس ومائه درع وثلاثه الويه، وكانت اسلم اربعمائه معهم 30فرسا، وكانت جهينه 800معهم 50 فرسا، وكانت بنو كعب‏بن عمرو خمسمئه.
وبعد ان رتب الرسول اموره، وجهز جيشه المولف من عشره آلاف مقاتل خرج يوم الاربعاء الموافق العاشر من رمضان.
كل ذلك والناس لا يدرون من سيغزو رسول‏اللّه، ولا يزيد على القول عندما يسال.
(حيث يشاء اللّه)، وكلما سار انضم اليه جمع من الاعراب، ولما دنى من مكه راى العباس ابا سفيان ومعه حكيم‏بن حزام وبديل‏بن ورقاء، فجاء بهم الى رسول‏اللّه واسلم حكيم وبديل، وشهد ابو سفيان بوحدانيه اللّه، واعلن ان فى نفسه شى‏ء من كون محمد رسول‏اللّه، ثم اضطر ابو سفيان ان يشهد بان محمدا رسول‏اللّه، وراى جيش الاسلام، ومكانه النبى بين اتباعه، فذهل وقال للعباس:
(ما رايت يا ابا الفضل ملكا هكذا قط لا ملك كسرى ولا ملك بنى الاصفر)!!
وهكذا كيف ابو سفيان النبوه على انها ملك (544).
وسمعت بطون قريش بزحف النبى ورات جيشا ما رات مثله قط ياتمر بامره ويحيط بهم، ورات البطون قائدها ابو سفيان يسير فى ركاب النبى، فاستسلمت وسلمت فاخذ على اللواء الاعظم ودخل به مكه فغرزه عند الركن، ودخل جيش الاسلام مكه من كل الجهات.
وانتهى رسول‏اللّه الى الكعبه فرآها، واستلم الركن وكبر، فكبر المسلمون حتى ارتجت مكه بالتكبير، والمشركون فوق الجبال ينتظرون، ثم طاف حول الكعبه، وامر بالاصنام فكسرت ثم جلس فى ناحيه، ثم نهض واشرف على الناس، ثم قال:
(الحمد للّه الذى صدق وعده ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده، ماذا تقولون وماذا تظنون؟ قالوا:
نقول خيرا ونظن خيرا، اخ كريم وابن اخ كريم، وقد قدرت.
فقال رسول‏اللّه:
فانى اقول كما قال اخى يوسف:
(لا تثريب عليكم يغفر اللّه لكم وهو ارحم الراحمين) والقى كلمه جامعه (545).
واعلن ان مكه قد احلت ساعه من نهار ولا تحل لغيره، وصعد بلال على ظهر الكعبه واذن الظهر.
وعبرت جويريه بنت ابى جهل عن الوضع النفسى للبطون بقولها لما سمعت الاذان:
(قد لعمرى رفع لك ذكرك اما الصلاه فسنصلى، واللّه لا نحب من قتل الاحبه ابدا) (546).
وقال خالد بن اسيد:
(الحمدللّه الذى اكرم ابى فلم يسمع هذا)، وقال الحارث‏بن هشام:
(واثكلاه ليتنى مت قبل هذا اليوم)، وقال الحكم‏بن العاص:
(هذا واللّه الحدث العظيم ان يصيح عبد بنى جمح على بنيه ابى طلحه) وقال ابو سفيان:
(اما انا فلا اقول شيئا لو قلت شيئا لاخبرته هذه الحصباء)، فاتى جبريل فاخبر النبى بما قالوا (547).
وتوافدت زعامه البطون فنطقت بالشهادتين امام رسول‏اللّه.
وقال النبى مخاطبا مكه:
(واللّه انك لخير ارض اللّه، واحب ارض اللّه الى، ولولا انى اخرجت منك ما خرجت) (548).
المواجهه مع هوازن وثقيف فى حنين:
لما فتح النبى مكه اجتمعت هوازن كلها بقياده مالك‏بن عوف، وقسم كبير من ثقيف، ومن اجلبوا معهم، وايقنوا ان محمدا سيسير اليهم ليفتح الطائف كما فتح مكه، لذلك اجمعوا امرهم واتفقوا على ان يسيروا لمواجهه محمد، ومعهم اموالهم ونساوهم وذرياتهم ليقاتلوا دفاعا عن كل شى‏ء.
واخذوا معهم دريدبن الصمه تيمنا به.
وسمع رسول‏اللّه بهذا التجمع وبمسيرته، وخرج من مكه ومعه اثنا عشر الفا من المسلمين، وهو اكبر تجمع فى تاريخ الاسلام، ومعه فى الجمع الطلقاء الذين تلفظوا بالشهادتين يوم الفتح، ومن الموكد ان اعدادا كبيره من هذا التجمع لم تخرج للجهاد، ولا طمعا بالشهاده، او لنصره دين اللّه او النبى، انما خرجوا طمعا بالغنيمه ممن تدور عليه الدائره سواء اكان محمدا او تجمع ثقيف وهوازن وحلفائهم.
ومنهم ابو سفيان‏بن حرب الذى اخرج معه الازلام وسار فى اثر محمد يلتقط ما يسقط منهم من متاع حتى اوقر، والحارث‏بن هشام، وعبداللّهبن ربيعه، ومعاويه ويزيد ابنى ابى سفيان.
وحمل الرايه على‏بن ابى طالب، واعطيت رايات كثيره لغيره، واخذت هوازن مواقعها فى الوادى، وتربصت حتى قدم جيش الاسلام، فانقضت عليه فانكشفت الخيل الاسلاميه وفرت، وكان يقودها خالدبن الوليد، وتبعهم اهل مكه، ثم انهزم الناس فى اثرهم، وتركوا رسول‏اللّه ومعه اهل بيته على والعباس وابو سفيان‏بن الحارث‏بن عبد المطلب وعتبه ومعتبا ابن ابى لهب، ونفر قليل من الانصار كسعدبن عباده والحباب‏بن منذر.
فامر النبى العباس ان يصرخ:
(يا معشر الانصار، يا اصحاب الشجره)، واستمر النبى وعلى والهاشميون ومن ثبت معهم بالقتال وحدهم حتى آب الناس وعادوا بعد الهزيمه، ولما عاد الناس وحمى الوطيس والنبى على بغلته، يدعو ربه قائلا:
(اللهم انى اسالك وعدك، لا ينبغى لهم ان يظهروا)، وطلب من العباس ان يناوله حصيات، فناوله العباس حصيات من الارض، فرمى بها رسول‏اللّه المشركين، وقال:
(انهزموا ورب الكعبه).
فولى تجمع هوازن وثقيف الادبار وانهزموا الى حصونهم، تاركين اموالهم وذراريهم ونساءهم غنيمه لمحمد ومن معه، وتبعهم الرسول وحاصرهم خمسه عشر يوما، ثم قدر ان المحاصرين كالثعلب ان انتظر استخرجه وان تركه خرج بنفسه، فقرر تركهم، موقنا من استسلامهم.
سوال للنبى وجواب النبى عليه:
سالت ام سلمى رسول‏اللّه فقالت:
(ارايت هولاء الذين اسلموك وفروا عنك وخذلوك لا تعف عنهم... ان امكنك اللّه منهم فاقتلهم كما تقتل هولاء المشركين!)
فقال النبى للسائله:
(يا ام سلمى قد كفى اللّه، عافيه اللّه اوسع) (549).
ومن الموكد ان ملائكه قد قاتلت مع النبى، وان حالات من الرعب قد صورها اللّه للمشركين، اذ لو انتصروا لكانت كارثه حقيقيه.
طبيعه بعض الذين كانوا فى جيش النبى:
الجيش الذى قاده النبى الى حنين هو اكثر الجيوش التى قادها عددا حتى ذلك التاريخ لكن الكثير من افراد هذا الجيش وقواده قد خرجوا بالدرجه الاولى للغنيمه وبتعبير ادق لغنيمه المغلوب حتى ولو كان محمدا.
فمن جمله هذا الجيش طلقاء الفتح كابى سفيان ويزيد ومعاويه ابناه، وامثالهم.
صحيح انهم نطقوا بالشهادتين قبل اسبوع من خروجهم، ولكن تلفظهم بالشهاده لا يكفى وحده ليقاتلوا مع النبى.
لقد خرجوا مع النبى ينظرون لمن تكون الدائره فيصيبون من الغنائم، ولا يكرهون ان تكون الصدمه لمحمد واصحابه، وخرج ابو سفيان‏بن حرب فى اثر العسكر كلما مر بترس ساقط او رمح او متاع من متاع النبى (صلى اللّه عليه وسلم) وحمله الازلام فى كنانته حتى اوقر (550)، وخرج معه سادات البطون الذين نطقوا بالشهادتين.
حتى ان بعض سادات البطون تعاهدوا ان يقتلوا محمدا اذا كانت الدائره عليه.
(فشيبه‏بن عثمان‏بن ابى طلحه تعاهد هو وصفوان‏بن اميه اذا رايا على رسول‏اللّه دائره ان يكونا عليه فيقتلانه!!!)(551).
وانت فهمت طبيعه اسلام هولاء القوم يوم سمعوا بلالا يوذن على الكعبه لاول مره بعد الانتصار وفتح مكه.
فجويريه بنت ابى جهل تيقنت ان ذكر النبى قد ارتفع حقا، وعزمت على الصلاه، ولكنها عبرت عن حقيقه مشاعرها ومشاعر سادات البطون عندما قالت:
(اما الصلاه فسنصلى واللّه لا نحب من قتل الاحبه ابدا... وقال خالدبن اسيد:
الحمدللّه الذى اكرم ابى فلم يسمع هذا اليوم!
-اى اكرمه بالقتل على الشرك فلم يسمع الاذان-... وقال الحكم‏بن ابى العاص:
هذا واللّه الحدث العظيم ان يصيح عبد بنى جمح على بنيه ابى طلحه،... وقال ابو سفيان:
-وكان اكثر ذكاء- اما انا فلا اقول شيئا، لو قلت شيئا لاخبرته هذه الحصباء) (552).
ومع هذا فانهم خرجوا مع جيش المسلمين، كمسلمين، وعيينه‏بن حصن احد قاده الجيش الاسلامى يستاذن من الرسول حتى ياتى حصن الطائف لاقناعهم بالاستسلام ومع هذا يدخل الحصن، ويقول للمشركين:
(فداكم ابى وامى، واللّه لقد سرنى ما رايت منكم،...-واللّه ما لاقى محمد مثلكم قط، ولقد مل المقام فاثبتوا فى حصنكم...) (553).
ويعود الى الرسول ليزعم انه حاول اقناع اهل الطائف بالاستسلام فاخفق والرسول ساكت ويعلم ان عيينه كاذب ومنافق.
وعيينه نفسه يعبر عن حقيقه وجوده فيقول:
(واللّه ما جئت معكم اقاتل ثقيفا، ولكنى اردت ان يفتح محمد الطائف فاصيب جاريه من ثقيف فاطاها لعلها تلد لى رجلا) (554).
ورجل من اسلم يقدم للنبى شيئا قائلا انه هديه فيساله النبى:
وممن انت؟ قال الرجل:
من اسلم، فيقول النبى:
انا لا اقبل هديه مشرك، فيقول الرجل لرسول‏اللّه:
انى مومن باللّه وبرسوله، فيقول له الرسول:
حتى نصل، وتبين ان هدف الرجل الحصول على قطيع من الغنم!!(555).
واثناء عودته الى الجعرانه اخذت الاعراب تساله واحاطت به لتوحى له بانها مسلمه، ولتحصل على جزء من الغنيمه، وفكروا ان ياخذوا رداءه.
فانسل الرسول وهو يقول:
(اعطونى ردائى!
اعطونى ردائى!
لو كان لى عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدونى بخيلا ولا جبانا ولا كذابا) (556).
الغنائم:
وصل النبى الى الجعرانه عائدا من الطائف، ليوزع الغنائم التى كانت محبوسه هنالك، وكانت الاغنام بالالاف فلا يعلم عددها، فقد قيل انها اربعون الف واكثر، وكانت الابل 24-الف، وفضه كثيره حوالى اربعه آلاف اوقيه.
ووضعت الغنائم تحت تصرف الرسول ليقسمها فاعط‏ى المولفه قلوبهم اول الناس حيث طلب ابو سفيان فاعطاه اربعين اوقيه ومائه من الابل، وقال ابو سفيان:
اعط‏ى ابنى يزيد فاعطاه رسول‏اللّه مثل ابيه، ثم قال ابو سفيان:
اعط ابنى معاويه.
فاعطاه الرسول مثل ابيه واخيه فرضى ابو سفيان وقال للنبى:
(انك الكريم فداك ابى وامى ولقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ثم سالمتك فنعم المسالم انت) (557).
واعط‏ى بقيه زعماء البطون، كحكيم‏بن حزام وصفوان بن اميه.. وبينما كان الرسول يوزع الغنائم اتاه ذو الخويصره وقال له:
(اعدل يا رسول)، فقال له الرسول:
(ويلك من يعدل اذا لم اعدل)... وعاش ذو الخويصره حتى قاتل على بن ابى طالب (558)...
وفد هوازن:
قدم وفد هوازن الى رسول‏اللّه وقد اوشك على الانتهاء من توزيع الغنائم ورجوه فقال النبى:
(لقد استانيت بكم حتى ظننت انكم لا تقدمون وقد قسم السبى.
فقال ابو صرد زهيربن صرد:
(يا رسول‏اللّه انا اهلك وعشيرتك، وقد اصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك، انما فى هذه الحظائر عماتك وخالاتك، وحواضنك... انهن حضنك فى حجورهن وارضعنك بثديهن وانت خير المكفولين)، وارتجل قصيده (559).
فقال النبى:
(ان احسن الحديث اصدقه وعندى من ترون من المسلمين، فابناوكم ونساوكم احب اليكم ام اموالكم؟) قالوا:
(يا رسول‏اللّه خيرتنا بين احسابنا وبين اموالنا، وما كنا نعدل بالاحساب شيئا، فرد علينا ابناءنا ونساءنا).
فقال النبى:
(اما ما لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم)، ولما صلى رسول‏اللّه استشفعوا به امام الناس فكرر مقاله، وقال المهاجرون:
(ما كان لنا فهو لرسول‏اللّه)، وقالت الانصار:
مثل ذلك (560).
وقال الاقرع بن حابس:
(اما انا وبنو تميم فلا)، وقال عيينه‏بن حصن:
(اما انا وفزاره فلا)، وقال عباس‏بن مرداس:
(اما انا وبنو سليم فلا) (561).
(واستعمل رسول‏اللّه صلى اللّه عليه وسلم عتاب‏بن اسيد على مكه، وخلف معاذبن جبل وابا موسى الاشعرى يعلمان الناس القرآن والفقه فى الدين) (562)، وعاد الرسول الى المدينه بعد ان حقق هذا الانتصار العظيم، وقد غمره السرور بنصر اللّه والفتح، وما ان استقر قليلا، حتى بدات الوفود تتقاطر عليه، معلنه استسلامها او اسلامها على يديه او متظاهره بذلك، وخلال هذه الفتره كان النبى يتفقد ما بقى من جيوب الشرك، ويرسل سراياه وبعوثه ورسله لتطهيرها وهدايه اهلها.
وارتاحت نفسه الشريفه وهو يرى ان بلاد العرب قد توحدت ولاول مره فى التاريخ، وبكلفه بشريه لا تتجاوز اربعمائه قتيل، وبمده زمنيه لم تتجاوز تسع سنين، واطمان قلبه الطاهر وهو يرى دين الاسلام قد اصبح دينا لكل سكان بلاد العرب وصرح النبى علنا بان الشيطان قد يئس من ان يعبد فى بلاد العرب.
خلق التماس مع الدولتين الاعظم:
لقد اقلقت هذه الانجازات الهائله مضاجع قاده الدولتين الاعظم آنذاك خاصه الاباطره، واشيع بان الروم قد حشدوا جيشا كبيرا على حدود الجزيره، فاستنفر النبى المسلمين وجهز حمله كبرى قوامها 30-الف مقاتل معهم 15-الف بعير وعشره آلاف فرس فى ظروف صعبه، وسار بهذا الجيش قرابه ستمائه كيلومتر ووصل الى تبوك، واخضع دومه الجندل، ووطد سلطان الاسلام بهيبته وسمع الروم بخروجه ولكنهم احجموا عن ملاقاته بعد ان قذف اللّه الرعب فى قلوبهم.
وحققت الغزوه اهدافها النفسيه، واحجم حتى قيصر عن ملاقاه النبى، وكانت الغزوه مليئه بالعبر والاسرار، فقد جمعت غزوه تبوك الاخيار والاشرار فى جيش واحد، وثبت للاخيار بان النبى وآله لو فتحوا اقطار الدنيا وملكوها للمجرمين فلن يرضوا عن محمد وآل محمد، بالوقت الذى يتلفظ فيه اولئك المجرمون بالشهادتين ويدعون الاسلام، واكبر دليل على ذلك الايات القرآنيه النازله فى غزوه تبوك والتى فضحتهم.
والمثير للدهشه حقا انهم بنفس الوقت الذى كانوا يعدون فيه موامره قتل النبى عند عودته من غزوه تبوك، كانوا يبنون مسجدا ويرجون من النبى ان يفتحه لهم تبركا به!!
ولما قيل للنبى:
لما لم تقتلهم؟ فقال النبى:
انى اكره ان يقول الناس ان محمدا لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين، وضع يده فى قتل اصحابه!!
فقيل:
يا رسول‏اللّه فهولاء ليسوا باصحاب!
قال الرسول للسائل:
اليس يظهرون ان لا اله الا اللّه؟ قال السائل:
بلى ولا شهاده لهم، قال الرسول:
اليس يظهرون انى رسول‏اللّه؟ قال السائل:
بلى ولا شهاده لهم.
ولم يستوعب السائل.
فقال النبى:
قد نهيت عن قتل اولئك!!
بمعنى ان هذا الصنف من المسلمين يتلفظ بالشهادتين ويمارس كل الاعمال الظاهريه التى تدل ظاهريا على اسلامه، ولكنه بنواياه وقلبه كافر بكل ذلك، ويخرج عن صلاحيه النبى ان يحاكم الناس على ما فى نواياهم وما فى قلوبهم، ولكن الرسول يكشف صفاتهم للمخلصين حتى يحذرهم المسلمون فلا يقعوا فى احابيلهم ولا ينخدعوا بمظاهرهم، لانهم هم العدو الحقيقى.
ولم يتوقف النبى فى هذه المرحله عن ترسيخ العقيده وبيان الطريقه المثلى لكشف المنافقين وعزلهم بعد ان اصبحوا خطرا يتهدد الاسلام ومستقبله.
نتائج فتح مكه:
بفتح مكه سقطت عاصمه الشرك، وتلقت عقيده الشرك ضربه قصمت ظهرها تماما، وهدمت اركانها، وباستسلام قاده البطون هزم انصار الشرك، وقضى تماما على وجوده، وتكرس نهائيا مبدا التوحيد، فلم يعد بوسع احد ان يعلن عن شركه، او يجاهر بمعارضته لعقيده التوحيد.
لقد احترقت رايه الشرك والمعارضه التى كانت تلجا اليها العرب، فاذا سلم قاده البطون واسلموا واعطوا القياده لمحمد وهم الد اعدائه، فما هى مصلحه الاخرين بمعارضه محمد!!
ومن الذى يقف بوجه محمد الذى قضى على الحركه اليهوديه بكل قوتها ومكرها، ودوخ القبائل العربيه واذهب ريحها مع كثرتها، ثم ركع قاده بطون قريش بكل فخرها وشرفها، لقد كان فتح مكه اعلانا وبخط عريض بان محمدا سيد الجزيره بغير منازع، والمالك الحقيقى لخيراتها، والمخول بتوزيع الادوار كلها على سكانها، وان الدين الذى جاء به محمد هو الدين الرسمى للسكان، فمن لم يوال محمدا او يتظاهر بموالاته، ومن لم يعتنق دين محمد او يتظاهر باعتناقه فقد اسقط ضمنيا حقه بالرزق، والملك، والجاه، والنفوذ، وبالمستقبل كله، ورضى ان يعيش خائفا فى مجتمع موعود بالامن والاستقرار، وبفتح وباستسلام هوازن والطائف، سقطت آخر حصون المقاومه، للنبوه وللدين، واخذت قبائل العرب تتوافد على النبى لتعلن قبولها بولايته واعتناقها للدين، حتى سمى عام الفتح بعام الوفود، كان محمدا يبحث عن الناس، والناس الان يبحثون عن محمد، كان محمدا يركض خلفهم، وصار العرب يركضون الى محمد، واخذ جباته يتحركون بين القبائل ويجبون الاموال، ليوزعها محمد على الوجه الشرعى.
وباختصار فانك لا تجد الا مسلما او متظاهرا بالاسلام، ومواليا للنبى او متظاهرا بالولاء، لقد اصبحت الجزيره دوله اسلاميه واحده، قامت لاول مره فى التاريخ، وحدها النبى خلال مده لا تتجاوز العشر سنين، ونالت شرف رئاسه النبى لهذه الدوله.
فاعظم مظاهر وحدتها كانت رئاسه النبى المباركه، فقد والته كل العرب او تظاهرت بموالاته بدون اكراه، ودخلت فى دينه او تظاهرت بالدخول فى دينه وبدون اكراه ايضا.
لقد اصبح محمد نظام وحده العرب، ونظام وحده الدوله، ونظام وحده القانون لقد اختلط محمد بالدين، واختلط الدين بمحمد فهما وجهان لعمله واحده.
فلو قمت بكل واجباتك الدينيه من صلاه وصيام وحج وقراءه قرآن وصدقه وقيام ليل، ولكنك لا توالى محمدا فانت كافر بلا خلاف، بمعنى ان الرئاسه اختلطت بالدين، فاذا امكن الفصل بين الرئيس وبين الدين، عندئذ تتحول الدوله الى دوله غير اسلاميه وتصبح ملكا، لقد صار الرئيس بمثابه خيط سبحه اذا قطع الخيط تبعثرت حبات السبحه.





______________
537- طبقات ابن سعد،2/57 63وكتابنا النظام السياسى فى الاسلام.
538- كتابنا النظام السياسى فى الاسلام ص،،236 237تجد التفصيل، والطبقات لابن سعد 2/8و 28 29و 57 58و 74 75و 78 79و 88و 89و 90و 93و،128المغازى للواقدى ج 1وج‏2.
539- كتابنا النظام السياسى فى الاسلام ص 239والطبقات لابن سعد 2/3و 9و 48و 49و 80،82والمغازى للواقدى ج 1و2.
540- كتابنا النظام السياسى فى الاسلام ص 237وطبقات ابن سعد 2/8و 89و 132والمغازى للواقدى ج‏2.
541- المغازى للواقدى 2/780، 789وما فوق.
542- المصدر نفسه 2/791.
543- المصدر نفسه 2/800.
544- المغازى للواقدى 2/816، 818.
545- المصدر نفسه 2/835.
546- المصدر نفسه 2/846.
547- المغازى للواقدى 2/846.
548- المصدر نفسه 2/780 870.
549- المغازى للواقدى 3/904.
550- المصدر نفسه 3/895.
551- المصدر نفسه 3/909ثارا لابويهما اللذان قتلا فى بدر واحد!!.
552- المصدر نفسه 2/846.
553- المصدر نفسه 3/932.
554- المغازى للواقدى 3/937.
555- المصدر نفسه 3/941 942.
556- المصدر نفسه 3/942.
557- المصدر نفسه 3/945.
558- المصدر نفسه‏3/948.
559- المغازى للواقدى 3/950.
560- المصدر نفسه 3/951.
561- المصدر نفسه 3/951،952.
562- المصدر نفسه 3/959.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page