• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مفتاح النصر الاعظم واساسه الاوحد

شخص محمد بالذات كامام او كقياده سياسيه، وما جاء به من عند اللّه كشريعه او كقانون هما الاساس الاوحد الذى بنيت عليه الامه الجديده، وهما مفتاح كل الانتصارات التى تعاقبت طوال عهد النبوه الذى استمر 23 عاما.
ودور الامه منحصر بقبول محمد كقياده سياسيه ومرجعيه، وبقبول ما جاء به كقانون نافذ، وقد اختار اللّه محمدا كامام او كمرجع او كقائد، لانه الاعلم والافهم والافضل والاتقى والاقدر حسب علم اللّه القائم على الجزم واليقين.
وقد انزل عليه القرآن ليكون بمثابه قانون نافذ يسرى عليه وعلى رعايا دولته، وقد اختار اللّه قواعد هذا القانون لانها الانسب والاصلح لتنظيم كافه العلاقات الناشئه عن وجود الدعوه والدوله معا، بمعنى ان امامه او قياده او مرجعيه محمد بالذات، وتطبيق القواعد والقوانين الالهيه تقود حتما الى الانتصار الاعظم، والى المثاليه المطلقه، التى تجلب منافع الاجتماع والدوله، وتتجنب شر حاله الاجتماع والدوله، لان الدوله اى دوله تقبض على مقاليد الامور وتحوز الارزاق وتنقلب الى قوه رهيبه لا طاقه للافراد ولا للمجتمع بمواجهتها ان لم تكن بيد امينه او تكون هنالك ضمانات فعليه بان تستعمل الدوله قواها الرهيبه استعمالا سليما.
عناصر النصر:
واذا اردنا ان نجمل ونكشف للتوضيح عناصر النصر الاعظم واساسه الاوحد، فانا نجمعها بثلاثه عناصر:
العنصر الاول:
قياده سياسيه او مرجعيه او امامه محمد صلى اللّه عليه وآله بالذات، لانه الاعلم والافهم بما انزل اللّه، الافضل والاتقى والاقدر حسب علم اللّه تعالى القائم على الجزم واليقين، وهو الحاله المثلى للحكم، اذ يقود الجماعه اعلمها وافهمها وافضلها واتقاها واقدرها، فاذا لم تكن القياده والمرجعيه والامامه لمحمد بالذات، خلال عهده الراشد فان القياده لن تكون اسلاميه، ولن تكون مثاليه، ولن تحقق الغايه من وجودها.
العنصر الثانى:
ان تكون القواعد الالهيه التى انزلها اللّه على محمد او اوحاها له، او الهمه اياها هى القانون النافذ السارى على العلاقات الناتجه عن الدعوه الالهيه والدوله الالهيه، فاذا طبق جزء من هذه القواعد، واهمل جزءا آخر فعندئذ لا يصبح القانون قانونا الهيا، وتفوت المنفعه منه ويقصر عن بلوغ الغايه من وجوده.
العنصر الثالث:
وهو قبول الجماعه المسلمه بقياده محمد بالذات وبمرجعيته او امامته، وبقبول القواعد الالهيه كحاكم وحكم لتنظيم العلاقات المنبثقه عن مسيرتى الدعوه والدوله.
فاذا لم تقبل الجماعه بالاثنين معا، فانها ليست فى الحق والحقيقه جماعه اسلاميه، انما هى شى‏ء آخر بين بين وامره الى اللّه، وبوقت يطول او يقصر ستدفع هذه الجماعه ضريبه عدم قبولها هذا.
تلك هى مفاتيح النصر والهزيمه، والعز والذل، وهى اساس الشرعيه والمشروعيه، فاذا فقد عنصر من هذه العناصر، اهتزت الشرعيه من اساساتها، وفقدت تواجدها تماما.
الامامه او القياده هى العنصر الاهم:
اهم عنصر من تلك العناصر الثلاثه هو عنصر القياده او الامامه او المرجعيه، فالامام هو اس الدين كله، ومحور كل العناصر، فلا احد يفهم المقصود الشرعى من كل نص فهما قائما على الجزم واليقين الا الامام او القائد او المرجع.
فهو الملجا الذى يلجا اليه المومنون، وهو الثقه الذى يتلقون منه بيان القواعد الالهيه، وهو المخول باجابه الامه على كل سوال، فاذا فقدت الامه نبيها او امامها او قائدها الشرعى او مرجعها الذى ينبغى ان ترجع اليه عندئذ تصبح الامه مثل جسد بغير راس، او كبدن من غير قلب، او قطعان من غير راع، ومن هنا صارت الامامه ضروره من الضرورات لا غنى عنها فى كل العقائد الالهيه، وتوصلت التشريعات الوضعيه الى هذا المطاف فاقرت بضروره الامامه او القياده او المرجعيه.
والفرق ان الامام فى العقائد الالهيه هو الاعلم والافهم والافضل، بينما القائد او الامام فى العقائد الوضعيه هو الغالب.
محور اهتمام النبى بعد الفتح:
بعد ان فتح النبى مكه، واستسلمت زعامه بطون قريش، صارت القياده او الامامه او المرجعيه من بعده هى محور كل اهتماماته، وانصب اهتمامه على ترتيب موسسه الامامه او القياده وابراز اهميتها، وتحديد الامام او القائد الذى سيخلف النبى بعد موته، وتقديمه للامه على اساس انه وليها وقائدها ومرجعها بعد موت النبى، وبيان الحكمه من اختياره بالذات، وبيان طريقه انتقال منصب الامامه او القياده او المرجعيه من امام الى امام، لان اخطر ما يواجه الامه من بعد وفاه الرسول هو الصراع على الرئاسه.
وانصب اهتمام النبى على اقناع الامه بان الامام من بعده يجب ان يكون الاعلم والافهم بالدين، والافضل والاتقى، واصلح الموجودين فى زمانه، وتلك صفات لا يعلمها الا اللّه تعالى.
ومن هنا فانه صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يحدد هذا الامام من تلقاء نفسه، ولم يقدمه للامه لتعرفه من تلقاء نفسه، انما اللّه تعالى هو الذى اختار الامام من بعده، واهله للامامه، وامر نبيه ان يقدمه للمسلمين كامام وكقائد وكمرجع لهم بعد وفاه نبيهم.
واكد لهم ان الامور البسيطه ترقب اوامر اللّه فيها فكيف بامر على مستوى خطوره الامامه (ان اتبع الا ما يوحى الى).
فاللّه سبحانه وتعالى هو الذى اختار الامام وحدده واهله وبين طريقه انتقال الامامه من امام الى امام، على اعتبار ان الامامه جزء لا يتجزء من الدين وبيانها واجب على النبى، اذن من غير المعقول ان يبين الرسول المهم ويترك الاهم.
قرار اختيار الامام من بعد النبى اعلن يوم اعلنت النبوه:
بعد الانتصار الاعظم بفتح مكه وتصفيه جيوش الشرك، ودخول الناس فى دين اللّه افواجا، بدات الامه باستعراض بط‏ى‏ء لسيره محمد، الرجل العظيم الذى صنع المعجزات، فوحد العرب وحولهم من دين الى دين بمده فعليه لم تتجاوز العشر سنين، وتبين ان رسول‏اللّه يوم اعلن النبوه والرساله والكتاب اعلن بنفس الوقت نبا ولايه العهد او الامامه من بعده، فقد صرح الرسول بنفس الجلسه التى اعلن فيها نبوته بان ولى عهده والامام من بعده هو على‏بن ابى طالب حيث قال له:
(انت اخى وخليفتى ووصيى فيهم من بعدى) او (ان هذا اخى وخليفتى ووصيى فيكم من بعدى فاسمعوا له واطيعوا)، ومن الطبيعى ان الرسول لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه، انما هو امر الهى تلقاه من ربه، وامره باعلانه بنفس الوقت الذى اعلن فيه انباء النبوه والرساله والكتاب.
ومن ذلك التاريخ لم يصدر امر الهى بالغاء او نسخ قرار تعيين الامام على وليا للعهد، وخليفه من بعد النبى، حيث بقى هذا الامر الالهى سارى المفعول من بدء الدعوه الى ما بعد الفتح، واستمر ساريا مفعوله، لانه لم يلغ ولم ينسخ، والمسلمون يعلمون ذلك، وبطون قريش تعلم ذلك علم اليقين، ومن دخل الاسلام او تظاهر بدخوله يعلم ذلك ايضا.
وعندما صدر الامر الالهى لم تحمله بطون قريش على محمل الجد، لانها استبعدت ان ينجح محمد بدعوه او بتاسيس ملك.
ولما اراد الرسول بعد نجاحه ان يذكر الناس بانه ميت لا محاله وانه قد نعى الى نفسه، وانه لا بد للناس من امام وقائد ومرجع من بعده ياخذهم بالحق ويقودهم بالهدى، وان هذا الامام هو على‏بن ابى طالب، اختاره اللّه واهله للقياده والامامه والمرجعيه من بعد النبى، وامر نبيه ان يعلن ذلك بيوم وساعه اعلان نبا النبوه والرساله، حتى تكون الامور واضحه بعد موت النبى ولا يختلف عليه اثنان.
الامام من بعد النبى كان معروفا للجميع:
والامام الذى اختاره اللّه تعالى، للامامه والقياده من بعد النبى، وهو على‏بن ابى طالب لم يكن نكره، ولا خامل الذكر فهو ابن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، المكنى بابى طالب، تعرفه وتعرف اباه وجده العرب والعجم فهم شيوخ البطاح، وابو طالب سيد مكه وحكيمها، يعرفه العرب والعجم ايضا ويعرفون انه هو الذى حمى الدعوه والداعيه، وربى النبى فى حجره، وبقى النبى فى بيته حتى تزوج خديجه بنت خويلد، والاهم من ذلك ان عليا ابن عم رسول‏اللّه، وزوج البتول، فاطمه الزهراء سيده نساء العالمين، وانه هو والد سبط‏ى الرسول، سيدى شباب اهل الجنه وريحانتى النبى من هذه الامه.
ثم ان على بن ابى طالب هو فارس الاسلام، فهو الاشجع وهو الاقوى، وهو الاكثر جهادا، فمن يدعى انه فاق عليا بهذه الامور او تقدم عليه فهو كاذب كائنا من كان، ومن كان فى شك من هذا، فليدلنى الثقلان على رجل اجاب عمروبن ود يوم الخندق غيره، مع ان عمرو هذا قد بح صوته من النداء:
هل من مبارز؟!
وليدلنى الثقلان على واقعه هرب فيها على، ولينفى الثقلان هروب غيره!!!
ثم ان عليا هو الاعلم بالنص، وهو المخول ببيان ما تختلف فيه الامه من بعد النبى بالنص، وهو الهادى بالنص، وهو المخول بان يودى عن النبى بالنص، وهو الاعدل بالنص، وهو الافضل بالضروره والعقل والنص.
وباختصار فان على بن ابى طالب فى العرب كالقمر فى رابعه السماء، يستمد نوره وبهاءه من شمس دين الاسلام، وهو محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم.
وعندما يقدمه النبى للامه كقائد وكمرجع وكامام لها من بعد النبى، فانه يقدم الذى اختاره اللّه تعالى لمهمه الامامه والقياده والمرجعيه واهله لذلك.
المعترضون على الامامه هم المعترضون على النبوه:
عندما اعلن رسول‏اللّه النبوه والرساله اعترضت بطون قريش على نبوه محمد، ولم تعترف بها وقاومت رسول‏اللّه 21 عاما رافضه رفضا مطلقا النبوه والرساله، فزعمت ان محمدا ليس موهلا للنبوه فهو غلام يتيم -على حد تعبير ابى سفيان- والافضل من النبى (رجل من القريتين عظيم).
واختلقت على النبى الاكاذيب فقالت:
انه ساحر، وشاعر، ومجنون، وكاهن، وكاذب... الى آخر اسطوانتها التى سجلها القرآن الكريم للاعتبار.
وبذلت كل جهودها لصرف النبوه عن محمد.
وتصدت للنبى عشر سنوات فى مكه، ذاق فيها هو والهاشميون من شر البطون الامرين، ولما عزم النبى على الهجره ت‏امرت كل بطون قريش على قتله، فنجاه اللّه، ثم طاردته فى طريقه الى يثرب فنجاه اللّه، ثم حاربته سبع سنين حربا مسلحه، ومع هذا رفضت الاعتراف به نبيا ورسولا، ورفضت الدخول فى دينه طوال تلك المده.
وعندما غزاها النبى ودخل مكه دخول الفاتحيين، اضطرت بطون قريش ان تعترف بان محمدا رسول ونبى لتحقن دمها!!
فهل يعقل من كان هذا موقفهم من رسول‏اللّه ان ينسوا ذلك بعد التلفظ بالشهادتين.
ومن هنا فالذين اعترضوا على نبوه محمد هم انفسهم الذين اعترضوا على امامه على، والذين اتحدوا لاجهاض نبوه محمد، هم انفسهم الذين اتحدوا لاجهاض امامه على واهل بيت النبوه.
المنافقون هم ساعد بطون قريش الايمن:
المنافقون فئه مسلمه محسوبه على المسلمين، تلفظت بالشهادتين، واظهرت الاسلام والموالاه لمحمد وآله، وابطنت الكفر والفسوق والعصيان والحقد الاسود على محمد وآله.
وقد برزت ظاهره النفاق بعد ان نجح الرسول بتكوين كيان سياسى فى المدينه المنوره، وبعد ان اعز اللّه جانبه، فلم يقو اعداوه من اهل المدينه ومن حولها على الجهر بمعاداته او السير بعكس تيار القوه الغالبه فى المجتمع، فانتشر النفاق فى المدينه وما حولها من الاعراب قال تعالى:
(وممن حولكم من الاعراب منافقون، ومن اهل المدينه مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم) (563).
وقويت شوكه منافقى المدينه وما حولها بفتح مكه وانهيار آخر معاقل الشرك، فلم يعد بوسع احد كائنا من كان الجهر بمعارضه دين الاسلام او قياده النبى فتوسعت ظاهره النفاق، اذ اضطر قاده البطون ان يظهروا الاسلام والموالاه للنبى وآله رغبه او رهبه وان يخفوا غير ذلك.
ومن هنا حدث تقارب مذهل بين منافقى المدينه وما حولها، ومنافقى مكه، والمنافقين من الاعراب قال تعالى:
(ومن الاعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائره السوء) (564).. هولاء الاعراب لا خلاق لهم ولا دين ولا هم لهم الا المغنم والمكسب المادى، فهم جميعا ضد من تدور عليه الدائره ليغنموا، ووصل التقارب بين الفرقاء الثلاثه:
(بطون قريش ومنافقى المدينه وما حولها، والاعراب) الى حد التحالف.
الجامع المشترك:
بطون قريش تحسد محمدا وبنى هاشم، لان اللّه قد اختصهم بالنبوه وفضلهم على البطون، ونتيجه للحرب التى دارت بين محمد وبين البطون فقد قتل محمد وحمزه وعلى سادات بطون قريش، فجمعت البطون مع الحسد لمحمد ولبنى هاشم الحقد عليهم لانهم قتلوا الاحبه.
فالحسد لمحمد ولال محمد، والحقد على محمد وعلى آل محمد، هو اساس التقارب والتحالف بين بطون قريش، ومنافقى المدينه وما حولها، والاعراب، واساس وحده المصالح.
النص والراى:
محمد واهل بيته والذين آمنوا يلتزمون بالنصوص الشرعيه والتوجيهات الالهيه لادراك المقاصد الشرعيه، وبطون قريش والمنافقون والذين فى قلوبهم مرض ينفرون من النص، ويعتقدون ان الذى يسميه محمد نصوصا وتوجيهات الهيه ما هى الا آراء شخصيه لمحمد تكلم بها بلحظه غضب، فيصبح رايهم مقابل راى محمد.
ومن هنا فقد اعتقدوا ان آراءهم هى اكثر توفيقا وتحقيقا للمقاصد الشرعيه من راى محمد!!
والعياذ باللّه.
ومن هنا هانت عليهم معصيه الرسول، وهان عليهم موازنه آرائهم بالنصوص الشرعيه، وترجيح آرائهم على النصوص الشرعيه.
وهان عليهم اعمال الراى واهمال النص.
وليبقوا ظاهريا ضمن اطار الشرعيه سموا تقديم الراى على النص اجتهادا، ورتبوا اجرا على ذلك فقالوا:
ان المجتهد ماجور اخطا ام اصاب، وتجاهلوا بانه لا اجتهاد فى مورد النص.
وهكذا تركوا الجزم واليقين الاتى من اللّه ورسوله، واتبعوا الظن والتخمين المتاتى من اعمال آرائهم، واتباع ما تهوى الانفس.
كيف انتهت ظاهره النفاق ومتى؟
بقيت ظاهره النفاق من ابرز الظواهر التى رافقت نشوء دوله النبى، واستمرت طوال حياته المباركه، وحتى بعيد وفاته بقليل، فلما نجحت بطون قريش بانقلابها الاسود على اهل بيت النبوه، وقف المنافقون وقفه رجل واحد مع بطون قريش التى كان يقودها عمر وابو بكر وابو عبيده رضى اللّه عنهم، لم يقف المنافقون معهم حبا بالبطون ولا بقيادتها، ولكن كانت الغايه من وقفه المنافقين الحيلوله بين اهل بيت النبوه وبين حقهم بقياده الامه، وغايه المنافقين البعيده المدى كانت تخريب النظام السياسى الاسلامى عن طريق الخطوه الكبرى المتمثله باقصاء القياده الشرعيه.
وكانت وقفه المنافقين تلك نقطه تحول فى تاريخ الامه، وفى تاريخ ظاهره النفاق، اذ من تاريخ تلك الوقفه اصلح اللّه المنافقين بيوم وليله، واختفت كلمه النفاق نهائيا، ولم يرو اى راو على الاطلاق ان احدا من المنافقين قد عارض ابا بكر، او عمر، او عثمان، او معاويه، او احد ملوك بنى اميه، او ملوك بنى العباس!
وكانهم كانوا ينتظرون موت الرسول ليصلحوا انفسهم بيوم وليله، وليوالوا اى ولى يتولى امورهم باستثناء اهل بيت النبوه، فعندما آلت الامور الى على اتحدوا ضده، ولكن بلباس المومن لا بلباس المنافق.
النبى على علم بموقف بطون قريش وموقف المنافقين:
كان النبى على علم يقينى بموقف بطون قريش وموقف المنافقين والمرتزقه من الاعراب، فى قضيه الخلافه والامامه من بعده، وكان يعلم ان الذين اعترضوا على نبوته ورسالته وحاولوا ان يصرفوا فضل النبوه والرساله عنه، سيعترضون على امامه على وسيحاولون ان يصرفوا عنه فضل الامامه، وكان على علم بحجم التقارب بين بطون قريش ومنافقى المدينه وما حولها ومرتزقه الاعراب.
لكن مثل محمد لا ينحنى امام العواصف، ولا يثنيه شى‏ء فى الدنيا عن تبليغ رسالات ربه كامله غير منقوصه، ومثله لا يصدر احكاما على ما فى نوايا الناس وضمائرهم، فقد يعدلون، او يحدث اللّه لهم ذكرا.
لذلك فقد تابع تبليغ رسالات ربه، وبلغ الامه مجتمعه ومنفرده:
ان امام الامه ومرجعها وقائدها من بعده هو على بن ابى طالب واحد عشر اماما من ولده، وركز تركيزا خاصا على على‏بن ابى طالب لانه اول الائمه من بعده، وحتى لا ينسى المومنون ربط قضيه الامامه باهل بيت النبوه، وربط اهل بيت النبوه بالقرآن الكريم، جعل القرآن هو الثقل الاكبر، واهل بيت النبوه هم الثقل الاصغر، واعلن استحاله الهدى بغير هذين الثقلين، واستحاله تجنب الضلاله بغير التمسك بهما، واعلن ان اهل بيت النبوه كسفينه نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، واعلن ان اهل بيت النبوه امان للامه، وبين للناس بان اللّه تعالى هو الذى امره بهذه الاعلانات، لانه يتبع ما يوحى اليه، وقد بلغهم هذه الاعلانات معذره اليهم.
ومضى رسول‏اللّه بتبليغ رسالات ربه، وبتقديم الامام من بعده بمختلف وسائل التبليغ وطرق الكشف، وبكشف خدع المنافقين والبطون واساليبهم الملتويه وبدون اثاره.
تحالف بطون قريش والمنافقين لاجهاض موسسه الامامه بعد موت النبى:
بعد فتح مكه وتصفيه جيوب الشرك ادركت بطون قريش، المهاجرون منها والطلقاء، بان النبى قد بدا بترتيب عصر ما بعد النبوه، وان اجل النبى قد دنى، وادرك المنافقون ما ادركته البطون وايقنوا جميعا بان محمدا يخطط ليكون الامام من بعده ابن عمه وزوج ابنته ووالد سبطيه:
على‏بن ابى طالب.
وايقنت البطون بانه اذا نجح النبى بتنصيب على بن ابى طالب اماما من بعده، فلن تخرج الامامه من الهاشميين الى يوم الدين، وستجمع الامه على قيادتهم.
وهكذا يجمع الهاشميون النبوه والامامه معا او النبوه والخلافه معا او النبوه والملك معا على حد تعبير عمربن الخطاب، فاذا فعلوا ذلك امتازوا على قومهم بجحا بجحا على حد تعبير عمربن الخطاب ايضا.
لذلك لملمت البطون نفسها لمواجهه نوايا محمد، وحدث تقارب جدى بين الذين اسلموا من البطون قبل فتح مكه وبين الطلقاء الذين اسلموا بعد الفتح.
فصار عثمان‏بن عفان رضى اللّه عنه، وهو مهاجر، حليف حقيقى لابى سفيان ومعاويه ويزيد والحكم‏بن العاص، وهم طلقاء، وتكونت وحده حال بين التسعه المبشرين فى الجنه، وبين قاده الطلقاء وافرادهم، بمعنى ان الذين اسلموا من بطون قريش قبل الفتح شكلوا جبهه واحده مع الذين اسلموا بعد الفتح، وصار لمنتسبى بطون قريش موقف موحد او مشابه من كل الاحداث.
كانت البطون تحكم بلده مكه وفق صيغتها السياسيه الجاهليه، وها هو محمد يصنع ملكا عظيما وهو حكم العرب، فلا مصلحه لبطون قريش ان تعترض على نبوه محمد فضلا عن عدم جدوى هذا الاعتراض، والافضل للبطون ان تتمسك بنبوه محمد، وان تعترف بحق الهاشميين الشرعى بالنبوه، ومقابل اعترافها هذا يجب ان يعترف الهاشميون بحق البطون بالملك.
وتلك هى القسمه العادله، للهاشميين النبوه خالصه من دون البطون، وللبطون الملك تتداوله فى ما بينها خالصا من دون الهاشميين، وهذا هو وجه الصواب والتوفيق على حد تعبير منظر البطون عمربن الخطاب رضى اللّه عنه.
ولكن محمد غير قابل بهذه القسمه، وهو يخطط لاقامه امامه يديرها اثنا عشر اماما من اهل بيته يحكمون بالتتابع، والافضل للبطون ان تترك محمدا وشانه وان تقيم تحالف حقيقى بينها وبين الجميع بما فيهم المنافقين، وهكذا اتحدت البطون بعد الفتح ضد على وبنى هاشم لاجهاض الامامه، كما اتحدت ضد محمد وبنى هاشم لاجهاض النبوه.
وتحقيقا لهذا الهدف مدت قيادات البطون ايديها الى المنافقين، ووضعتهم بما يلزم بالصوره، وتحالفت مع طلاب المصالح من الانصار.
لست ادرى كيف نفسر قول عمربن الخطاب:
(فما ان رايت اسلم حتى ايقنت بالنصر) فمن الذى اخبر عمر بان اسلم ستحضر؟!
وكيف عرف عمر ان قبيله اسلم معه وانها تويد نظامه الجديد؟!
ان الجواب المنطقى الوحيد هو ان قبيله اسلم بالصوره كامله، وانها على موعد لتاييد النظام الجديد، (حيث ضاقت بهم السكك)، على حد تعبير عمر رضى اللّه عنه.
والموكد ان بطون قريش قد اتحدت بعد الفتح ضد على وامامته وضد بنى هاشم، تماما كما اتحدت بطون قريش ضد محمد ونبوته وضد بنى هاشم، ولكنهم هذه المره قالوا بان محمدا من قريش وان عشيرته اولى به، وان عليا والهاشميين طلاب زعامه، ولا ينبغى ان يتولى الاماره طالبها!!
ومن الموكد ايضا بان بطون قريش قد تحالفت مع المنافقين فى المدينه وما حولها ومع المرتزقه من الاعراب.
ومن الموكد اخيرا بان قياده بطون قريش قد اجتذبت اليها قطاعا كبيرا من الانصار، وانهم جميعا حلفاء!!
قياده هذا التحالف:
من الموكد ان القائد العام لهذا التحالف هو عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه، فلو شاء عمر لكان هو الخليفه الاول، وان نائب القائد العام هو ابو بكر رضى اللّه عنه، فهما معا لا يفترقان فى عمل ولا مسير ولا منزل، كما قال الواقدى (565)، وقد آخى الرسول بينهما قبل الهجره وبعدها، وكلاهما نال شرف مصاهره الرسول، فقد زوج عمر ابنته حفصه لرسول‏اللّه وزوج ابو بكر ابنته عائشه لرسول‏اللّه، ومن المدهش ان عائشه وصفيه كانتا يدا واحده كما يقول الواقدى فى مغازيه، وكانتا معا حتى على الرسول نفسه، انظر الى قوله تعالى:
(ان تتوبا الى اللّه فقد صفت قلوبكما، وان تظاهرا عليه فان اللّه هو مولاه وجبريل وصالح المومنين) (566) فالف المثنى فى كلمتى تتوبا، وتتظاهرا، تشمل السيدتين عائشه وحفصه.
راجع على سبيل المثال تفسير ابن كثير (567).
ويلى ابا بكر وعمر بالاهميه ابو عبيده، ويليه بالاهميه عثمان ويليهما طلحه، وسعدبن ابى وقاص، وعبد الرحمن‏بن عوف، وكان الزبير خارج قياده بطون قريش لان هواه مع بنى هاشم ثم غيره ابنه عبداللّه، وقد عرفوا بالنفر الذى مات رسول‏اللّه وهو راض عنهم، على حد تعبير عمر، ثم عرفوا بالعشره المبشرين بالجنه.
وساعد هولاء القاده العظام بقياده بطون قريش، خالدبن الوليد، وعمروبن العاص، وابو سفيان، ومعاويه، ويزيد، وعبداللّهبن ابى سرح، وغيرهم من عظماء البطون، كالحكم‏بن العاص، والوليدبن عقبه‏بن ابى معيط، وكلهم موتور وحاقد على على واهل بيت النبوه، فما من احد منهم الا وقتل على اباه او اخاه او ابن عمه، وساعد هولاء القاده العظام من الانصار اسيدبن حضير، وبشيربن سعد وغيرهم.
ويمكنك القول ان اقوى اركان قياده هذا التحالف كان عمربن الخطاب، وهو الاجرء فلو سكت لسكتوا، ولو رضى لرضوا لان النبى قد خلق تيارا غلابا من القبول بولايه على، كما تدل على ذلك رساله معاويه لمحمد بن ابى بكر.
اهداف قاده البطون من هذا التحالف:
هدف قاده البطون من تشكيل هذا التحالف هو منع الهاشميين من ان يجمعوا بين النبوه والخلافه، حتى لا يجحفوا على قومهم، وتثبيت مبدا النبوه لبنى هاشم والخلافه لبطون قريش تتداولها فى ما بينها، والحيلوله بين الامام على بالذات وبين حقه بالامامه، لان على قد قتل سادات قريش، ولا تقبل به البطون اماما، حتى وان اختاره اللّه نفسه!!
والحيلوله بين اى هاشمى وبين الاماره، لان اى هاشمى اذا تسلم الاماره فسيدعوا لخلافه او امامه اهل بيت النبوه، وعلى هذا اجمعت قياده بطون قريش ومن تحالف معها.
وبطون قريش تعترف بالنبى وتدين بالاسلام، ولكنها ترفض ان يجمع الهاشميون مع النبوه الملك (الخلافه والنبوه معا).
روح الفريق:
ساد هذا التحالف روح الفريق، والالتزام بالهدف، ففى سقيفه بنى ساعده وعندما قال الانصار لا نبايع الا عليا وعلى غائب، عندئذ قال ابو بكر:
انى قد رضيت لكم احد هذين الرجلين:
عمر وابا عبيده فبايعوا ايهما شئتم.
عندئذ قال الاثنان:
معاذ اللّه ان نتقدم عليك، فقفز بشيربن سعد فبايع ابا بكر وبايعه عمر وابو عبيده وعندما مرض ابو بكر مرضه الذى مات منه، دعا عثمان ليكتب له عهدا، فقال ابو بكر:
(انى قد وليت عليكم..) فاغمى عليه من شده الوجع، فاتمها عثمان من تلقاء نفسه وكتب:
(انى قد وليت عليكم عمربن الخطاب)، فلما افاق ابو بكر من غيبوبته طلب من عثمان ان يقرا له ما كتب، ولما قرا عثمان ارتاحت نفس ابى بكر، وقال لعثمان:
(واللّه لو كتبت نفسك لكنت اهلا لها).
فانت تلاحظ ان عثمان قد كتب كلمه عمر من تلقاء نفسه، لانه يعرف ان الخليفه حسب الاتفاق عمر، ثم انظر الى قول ابى بكر:
(واللّه لو كتبت نفسك لكنت اهلا لها)، بمعنى ان الجميع يتصرفون بروح الفريق وضمن مخطط معلوم بغض النظر عن الديكور.
وعندما مرض عمر مرضه الذى مات منه كان واضحا ان الخليفه من بعده عثمان بكل المقاييس، فعثمان كان يعرف بالرديف اى الرجل الذى يلى الرجل، ولكن عمر اراد ان يتولى عثمان الخلافه بديكور خاص، ويتولى الطاقم الذى اختاره عمر فى ما بعد صد الامام على عن حقه بالامامه، حيث يفتح شهيه اكبر عدد من الطامعين بالخلافه فيكونون للامام فى ما بعد مجتمعين ندا!!
ولم ينس عمر الذين ساعدوه على انشاء التحالف، فقال بحسره:
(لو كان ابو عبيده حيا لوليته واستخلفته) وابو عبيده ثالث الثلاثه من المهاجرين الذين دخلوا سقيفه بنى ساعده، وقال عمر:
ولو كان خالدبن الوليد حيا لوليته واستخلفته وكان لخالد دور عظيم بتثبيت اركان الحكم الجديد، فقد كان مع السريه التى كلفت باحراق بيت فاطمه بنت محمد على من فيه، وهو الذى قتل مالك‏بن نويره الصحابى الذى ولاه رسول‏اللّه، ومع هذا تزوج امراته بنفس الليله بدون عده.
ولا فرق عند التحالف بين عربى وعجمى، والدليل ان عمر بن الخطاب قال فى مرضه:
(ولو كان سالم مولى ابى حذيفه حيا لوليته واستخلفته)، وسالم هذا من الموالى ولا يعرف له نسب فى العرب.
وقد كانت حجه المهاجرين فى السقيفه ان عشيره محمد اولى بميراثه، وان العرب لا تولى هذا الامر الا من كانت النبوه فيهم، ومع هذا فان عمر قال:
(ولو كان معاذ بن جبل حيا لوليته واستخلفته)، ومعاذ من الانصار، وحسب اقوال الثلاثه فى السقيفه فان الخلافه لم تكن جائزه للانصار!!!
بمعنى ان التحالف كان يتصرف كفريق واحد، والمهم عنده تحقيق الهدف بالحيلوله بين ان يجمع الهاشميون الملك والنبوه معا، وان تكون النبوه لبنى هاشم والخلافه لغيرهم، ومن باب سد الذرائع الحيلوله بين اى هاشمى وبين الاماره حتى ولو كانت على بلده صغيره لان التحالف يخشى ان يستغل الهاشمى امارته للتوطيد للهاشميين!!
وسيله هذا التحالف لتحقيق اهدافه:
ملخص هدف التحالف:
ادركت بطون قريش ان نبوه محمد قدر لا مفر منه، وان الاسلام اصبح حقيقه من حقائق الحياه، ولا مطمع للبطون بصرف النبوه عن محمد، او القضاء على دينه لان هذا غير ممكن.
وهدف البطون منصب على صرف الامامه والقياده والمرجعيه عن على‏بن ابى طالب من بعد النبى، والحيلوله دون اعطاء اهل بيت النبوه دورا مميزا فى الامه بعد وفاه الرسول، وذلك حتى لا يجمع الهاشميون بين النبوه والملك، او النبوه والخلافه.
فيصير النبى منهم والخلفاء منهم ويذهبوا بالشرف كله، وتحرم بقيه البطون من هذا الشرف.
وحيث ان المنافقين يكرهون محمدا واهل بيت محمد فقد اتحدوا مع البطون لغايات صرف الامامه من بعد النبى عن على‏بن ابى طالب، والحيلوله دون اعطاء اهل بيت النبى دورا مميزا بعد وفاه الرسول، والمرتزقه من الاعراب مع البطون ومع المنافقين، مما جعل من هذه العناصر الثلاثه حلفا واقعيا حقيقيا له قيادته، وله اهدافه، وله مويدوه.
كيف تتحقق اهداف هذا الحلف؟ لا طاقه لهذا التحالف على مواجهه الرسول عن طريق الحرب، وربما كانت قياده هذا التحالف عزوفه عن فكره الحرب بسبب اواصر النسب بينها وبين الرسول، ولا طاقه لهذا التحالف بمواجهه الرسول عن طريق المنطق، لان قيام هذا التحالف عمل ضد المنطق، وليس بامكان هذا التحالف ان يواجه الرسول عن طريق الشرع، لان هذا التحالف ما قام الا لهدم الجانب السياسى من الشرع!!!
انه تحالف نشا فى الظلام، ولكن ليس بامكان قاده التحالف ان يقفوا مكتوفى الايدى، مشلولى الحركه، بالوقت الذى يوطد فيه محمد الامر من بعده لعلى، ويبرز الدور المميز لاهل بيته من بعده!!
لقد ادرك قاده التحالف خطوره البيان النبوى، وهو لا يتوقف عن القول بانه يتبع ما يوحى اليه، وانه لا ينطق عن الهوى.
فاذا استطاعت قياده التحالف ان تشكك بقول الرسول وبشخصيته، فانها ستبطل مفعول البيان النبوى المنحصر فى حديث الرسول، وقاده التحالف وافراد التحالف اقل واذل من ان يواجهوا رسول‏اللّه بذلك.
ومن هنا لم يبق امام قياده التحالف الا مواجهه النبى بحرب الشائعات، وذلك باطلاق سلسله من الشائعات تتظافر للتشكيك فى قول الرسول وشخصيته، واستحاله ان تكون كل اقوال الرسول من عند اللّه.
فاذا نجحت هذه الشائعات بزعزعه الثقه ببيان الرسول المتعلق بالامور السياسيه، يكون اجله قد دنا، ولا تمهله المنيه لبناء ما هدمته قياده التحالف، عندئذ يتم توزيع الادوار بين كتائب التحالف، واثناء انشغال العتره الطاهره بتجهيز النبى، ينصب خليفه من بطون قريش، حيث يجمع الخليفه بيده الجاه والمال وتاييد التحالف ويواجهوا عليا واهل بيت النبوه وبنى هاشم بامر واقع.
وبعد ذلك تقوم السلطه الجديده بتحويل تلك الشائعات الى قناعات، ثم يتناقلها العامه بالوراثه، وتصبح جزءا من الدين!!!
تلك هى خطه التحالف لتحقيق هدفه!!!
المواجهه عن طريق الشائعات:
الشائعه الاولى: رسول‏اللّه بشر ولا يحمل كل كلامه محمل الجد:
لقد اشاعت قياده التحالف بان رسول‏اللّه بشر يتكلم فى الغضب والرضى، ولا ينبغى ان يحمل كلامه على محمل الجد، وبالتالى لا ينبغى تنفيذ كل ما يقوله الرسول، فضلا عن عبثيه كتابه اقوال الرسول.
قال عبد اللّه بن عمرو بن العاص:
(كنت اكتب كل شى‏ء اسمعه من رسول‏اللّه اريد حفظه، فنهتنى قريش، وقالوا تكتب كل شى‏ء سمعته من رسول‏اللّه، ورسول‏اللّه بشر يتكلم فى الغضب والرضى، فامسكت عن الكتابه، فذكرت ذلك لرسول‏اللّه، فاوما باصبعه الى فمه وقال:
اكتب، فوالذى نفسى بيده ما خرج منه الا حقا) (568).
من الذى يجرو على هذا النهى؟ وما هى مصلحته بعدم كتابه احاديث رسول‏اللّه؟ وكيف يقوم بهذا العمل الخطير اثناء حياه الرسول سرا ودون علم الرسول؟ ان الشخص الوحيد القادر على هذا العمل الخطير، والقول الاشد خطوره هو عمربن الخطاب رضى اللّه عنه، فهو قائد التحالف، وهو المعنى الاول بتحقيق الهدف الذى قام التحالف لتحقيقه، وهو مبتدع نظريه (النبوه لبنى هاشم والخلافه للبطون)، وهو المقتنع بصواب وعداله هذا التوزيع، ثم انه ليس موضع شك، فهو مهاجر وهو صهر الرسول.
والشخص الاخر القادر على فعل ذلك هو ابو بكر رضى اللّه عنه، فهو نائب قائد التحالف، ومن المويدين لنظريه عمر والمقتنعين بصوابها، ثم انه ليس موضع شك فهو مهاجر، وهو صهر الرسول، ومن الموكد ان عثمان رضى اللّه عنه شريكهما بهذا النهى، فهو من رجال عمر، ومن المقتنعين بنظرياته، وهو اموى ونوه الهاشميون باقاربه شيوخ الوادى، وهو يعتقد ان التحالف قد ينجح، ومن الممكن ان يحصل على نصيبه وافرا، ومن جهه ثانيه، فليس هو بمتهم فهو مهاجر وصهر الرسول ايضا!!
دليلنا على ان هذا النهى صدر عن الثلاثه وان الاشاعه قد انطلقت منهم
لما آلت الخلافه الى ابى بكر الصديق كان اول مشروع فعله هو جمعه للاحاديث النبويه التى كتبها هو شخصيا وقيامه باحراقها، كما روت السيده عائشه ابنته وام المومنين.
وكان مشروعه الثانى ان جمع الناس وقال لهم:
(انكم تحدثون عن رسول‏اللّه احاديثا تختلفون فيها، والناس بعدكم اشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول‏اللّه شيئا، فمن سالكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب اللّه) (569).
فهذا الموقف المعلن من ابى بكر، وقناعته بان التحديث عن رسول‏اللّه يورث الخلاف، وقيامه باحراق الاحاديث التى جمعها شخصيا يدل على حساسيته المفرطه من احاديث رسول‏اللّه، وانه احد الذين نهوا ابن عمرو عن كتابه احاديث الرسول، تحت شعار انه يتكلم فى الغضب والرضى، ثم من هى قريش ان لم يكن ابو بكر وهو احد شيوخها منها!!
وعندما آلت الخلافه، الى عمربن الخطاب بعد موت ابى بكر، كان اول مشاريعه ان طلب من الناس وناشدهم لياتوه باحاديث رسول‏اللّه التى كتبوها، وظن الناس ان عمر يريد ان يجمع احاديث رسول‏اللّه فاتوه بها، فلما اتوه باحاديث رسول‏اللّه المكتوبه امر بحرقها جميعا، وحرقت بالفعل (570).
جاء فى كنز العمال:
حديث (انه ما مات عمر حتى بعث الى اصحاب رسول‏اللّه فجمعهم من الافاق:
عبداللّهبن حذيفه وابا الدرداء وابا ذر وعقبه‏بن عامر وقال لهم:
ما هذه الاحاديث التى افشيتم عن رسول‏اللّه فى الافاق)؟ قالوا:
اتنهانا؟ قال:
لا، اقيموا عندى لا واللّه لا تفارقونى ما عشت، فنحن اعلم ناخذ منكم ونرد عليكم) (571).
وروى الذهبى فى تذكره الحفاظ بترجمه ابى بكر، ان عمر حبس ثلاثه بتهمه (انهم اكثروا الحديث عن رسول‏اللّه) (572).
ولقد نهى عمر جيوشه عن التحديث عن رسول‏اللّه (573)، وهذه السياسه الصارمه نحو روايه الاحاديث، ونحو حرق المكتوب منها، تدل على حساسيته المفرطه تجاه احاديث رسول‏اللّه، حتى ولو كان شخصيا هو الذى سمعها، وموقفه بالحجره المباركه ومواجهته للرسول وجها لوجه، وقوله للرسول:
حسبنا كتاب اللّه يوكد هذه الحساسيه، وان لم يكن ابو حفص مع قريش التى نهت عبداللّه بن عمرو عن كتابه احاديث الرسول، فمن هى قريش اذا؟، صحيح انه لم يكن واحدا من ساده قريش قبل الاسلام، وانه كان شخصا عاديا، ولكنه نال الشرف بالاسلام، ونال العلا بمصاهرته لرسول‏اللّه فاصبح من ساده قريش، فمن غير الممكن ان تنهى قريش فى غياب عمر!!!
ولما آلت الخلافه الى عثمان بعد موت عمر كانت اول مشاريعه ان اصدر مرسوما بعدم جواز روايه اى حديث لم يسمع به فى عهدى ابى بكر وعمر (574).
تلك هى قريش التى نهت عبداللّهبن عمروبن العاص عن كتابه احاديث رسول‏اللّه، بحجه ان الرسول بشر يتكلم فى الغضب والرضى.
والغايه الحقيقيه من النهى كانت لغايات ابطال مفاعيل الاحاديث النبويه المتعلقه بموسسه الامامه من بعد النبى وبالدور المميز لاهل بيت النبوه بعد وفاته!!
معاويه يبين الغايه من الاشاعه:
معاويه بن ابى سفيان احد قاده التحالف، وقد اصدر مرسوما ملكيا بعد عام الجماعه، وارسل نسخا من هذا المرسوم الى كل عماله، حيث امر فيه بالحرف:
(ان برئت الذمه ممن روى شيئا من فضل ابى تراب واهل بيته)، روى ذلك المدائنى فى كتابه الاحداث كما فى شرح النهج لعلامه المعتزله، فمعاويه ابرز بيت القصيد والغايه من منع كتابه احاديث رسول‏اللّه، حتى لا ينتشر فضل ابى تراب واهل بيته فى الامه، وحتى لا يعرف المسلمون حقهم الثابت شرعا بقياده هذه الامه!!(575).
الشائعه الثانيه: رسول‏اللّه كان يفقد السيطره على اعصابه
فيشتم ويلعن ويسب:
قلنا ان قياده التحالف قد صممت نهائيا على اقصاء الامام على عن حقه بالقياده والامامه من بعد النبى، وعلى الغاء الدور المميز لاهل بيت النبوه وتجريدهم من كافه حقوقهم السياسيه، وانها عزمت على ان تتصدى للحمله المركزه، التى كان يقودها رسول‏اللّه قبل وفاته لتثبيت الشرعيه.
وتحقيقا لهذه الاهداف، اطلقت قياده التحالف اشاعتها الاولى التى مفادها ان رسول‏اللّه بشر يتكلم فى الغضب والرضى، ولا ينبغى ان يحمل كلامه على محمل الجد، ولا ينبغى ان يكتب كلام الرسول، وقد اثبتنا ذلك.
ولتدعيم هذه الاشاعه اطلقت قياده التحالف شائعتها الثانيه:
روى البخارى فى صحيحه، كتاب الدعوات، باب قول النبى من آذيته، ومسلم فى صحيحه، كتاب البر والصله، باب من لعنه النبى ما يلى وبالحرف:
(ان رسول‏اللّه كان يغضب، فيلعن، ويسب، ويوذى من لا يستحقها، ودعى اللّه ان تكون لمن بدرت منه زكاه وطهورا).
وهكذا صوروا رسول‏اللّه صاحب الخلق العظيم الذى وصفه اللّه تعالى بايه محكمه (وانك لعلى خلق عظيم) (576) بصوره الرجل الذى يفقد السيطره على اعصابه، فيتصرف مثل تلك التصرفات التى الصقوها ظلما برسول‏اللّه.
لان الشخص العادى الذى لا تتوفر فيه موهلات النبوه يترفع عن سب ولعن وايذاء الناس بدون سبب فكيف بسيد الخلق واعظمهم؟!!!
ما هو القصد من هذه الاشاعه؟
القصد منها دعم الاشاعه الاولى، والتشكيك بشخصيه الرسول وبصحه حكمه على الرجال، والنيل من على بن ابى طالب واهل بيته، وابراز مظلوميه اعداء اللّه، ورفع خامل ذكرهم، اذ من الثابت ان رسول‏اللّه قد لعن اعداء اللّه، وبالذات الكثير من قاده هذا التحالف كما يروى البخارى والسيوط‏ى والترمذى، والنسائى، واحمد، وابن جرير، والبيهقى، ونصربن مزاحم، والحلبى.
وراجع كتابنا الخطط السياسيه (577)، تجد الذين لعنهم رسول‏اللّه، وراجع بعث اسامه فى كل السير تجد ان رسول‏اللّه قد لعن الذين يتخلفون عن جيش اسامه.
ومن جمله الذين لعنهم رسول‏اللّه ابو سفيان، ومعاويه، ويزيد، والحكم‏بن العاص، و... الخ.
بموجب هذه الشائعه، فان الذين لعنهم رسول‏اللّه صاروا مطهرين او زاكين، وهكذا فاقوا منزله اهل البيت الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا!!
واذا كان لقول الرسول بعلى واهل بيته قيمه، فلماذا لا يكون لقوله هذا بقاده التحالف قيمه، وهذا يعزز الشائعه الاولى التى اطلقها قاده التحالف بضروره عدم حمل كلام الرسول على محمل الجد، وبالتالى عدم جدوى كتابته!!
ومن جهه اخرى فلن يعترض معترض على مروان بن الحكم او على معاويه بن ابى سفيان، اذا آلت اليهم الخلافه يوما ما!
فاذا قال لمعاويه قائل:
لقد لعنك رسول‏اللّه فكيف تت‏امر على امه محمد الذى لعنك؟ عندئذ يجيبه معاويه بلسان فصيح:
فظ اللّه فاك، لقد دعى لى رسول‏اللّه، ان تكون لعنته لى زكاه وطهورا، ودعوات الانبياء مستجابه، لذلك فانى زاك بالنص ومطهر بالنص، واصحابك اهل بيت النبوه مطهرين فقط، فانا اولى بالقياده منك ومنهم!!
وشر البليه ما يضحك!!
الشائعه الثالثه: النبى يخيل اليه انه يفعل الشى‏ء وما فعله:
ولدعم الشائعتين السابقتين، وامعانا بالتشكيك بقول الرسول وشخصه، اطلقت قياده التحالف شائعتها الثالثه.
النص الحرفى لهذه الشائعه:
روى البخارى فى كتاب بدء الخلق، باب صفه ابليس وجنوده، وفى كتاب الطب، باب هل يستخرج السحر، وكتاب الادب، باب ان اللّه يامر بالعدل، وكتاب الدعوات، باب تكريم الدعاء، وروى مسلم فى صحيحه، باب السحر ما يلى وبالحرف:
(ان بعض اليهود سحروا رسول‏اللّه، حتى ليخيل اليه انه يفعل الشى‏ء وما فعله).
وهذا قمه الشكيك فى كل ما يصدر عن رسول‏اللّه، وما يعنى التحالف بالدرجه الاولى، ما صدر ويصدر عن رسول‏اللّه بالامور المتعلقه برئاسه الدوله، وبالمكانه الخاصه التى تصوروا ان رسول‏اللّه قد خص بها اهل بيته الكرام.
الشائعه الرابعه: الرسول يسقط من القرآن:
ولدعم الشائعات الثلاثه، وللتشكيك فى ذاكره الرسول حتى بالامور المتعلقه بالقرآن الكريم، فقد اطلق قاده التحالف اشاعتهم الرابعه:
روى البخارى فى باب قوله تعالى:
(وصل عليهم) وكتاب الشهادات، باب شهاده الاعمى ونكاحه، وروى مسلم فى كتاب فضائل القرآن، باب الامر بتعهد القرآن ما يلى وبالحرف:
(ان النبى سمع رجلا يقرا فى المسجد فقال الرسول:
رحمه اللّه اذكرنى كذا وكذا آيه اسقطتها من سوره كذا)!!!
فانت ترى انه لولا هذا القارى‏ء، لما تذكر النبى بزعمهم الايه التى اسقطها من سوره كذا!!!
وهذا تشكيك بقوه ذاكره الرسول حتى بالامور المتعلقه بالقرآن الكريم، فكيف بالامور السياسيه!!!
الشائعه الخامسه: الرسول يهجر، ان رسول‏اللّه قد هجر، ما شانه اهجر !!؟:
ثم بلغت حمله قاده التحالف على رسول‏اللّه المدى، عندما قالوا له وجها لوجه وفى بيته:
(رسول‏اللّه يهجر، ان رسول‏اللّه قد هجر، ما شانه اهجر).
والذين قالوا هذا لرسول‏اللّه هم حزب عمربن الخطاب، وعمر نفسه هو اول من قال كما ذكر ذلك ابو حامد الغزالى فى كتابه (578)، وكما ذكر ذلك السبط الجوزى فى كتابه (579).
وبعد ذلك تجرا حزب عمر وقالوا:
(القول ما قاله عمر ان رسول‏اللّه يهجر، وان رسول‏اللّه قد هجر، وما شانه (اى الرسول) اهجر)!!!
واصح الصحاح عند شيعه قاده التحالف هما صحيح بخارى وصحيح مسلم، وقد روى البخارى هذه الواقعه الاليمه بست صيغ، ورواها مسلم فى صحيحه، واحمد فى مسنده، والنووى بشرح صحيح مسلم، وابن ابى الحديد بشرح النهج، واذا اراد القارى‏ء الكريم ان يقف على تفاصيل هذه الحقيقه بدقه ويقف على كامل المراجع فعليه ان يراجع كتابنا نظريه عداله الصحابه والمرجعيه السياسيه فى الاسلام.
ولا يقوى احد فى الدنيا على انكار هذه الواقعه، او الاعتذار عنها (580).
من اول من اتهم رسول اللّه بالهجر؟
اول من اتهم رسول‏اللّه بالهجر، ورفع بوجهه شعار:
(حسبنا كتاب اللّه) هو عمر بن الخطاب، حيث حضر هو وثله من حزبه ليطمئنوا على الوضع الصحى لرسول‏اللّه، ومن الموكد ان شخصا ما اخبر عمر بان الرسول سوف يكتب وصيه تلك الليله، فاحضر عمر عددا كبيرا من حزبه ليحول بين الرسول وبين كتابه وصيته كما اقر عمر بذلك (581).
وما ان قال الرسول:
(قربوا اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا)، حتى تصدى له عمر بن الخطاب فقال فورا دون ان يسال عن مضمون الكتاب:
(حسبنا كتاب اللّه، ان رسول‏اللّه قد هجر) وبدون تروى صاح الحاضرون من حزب عمر فقالوا:
القول ما قاله عمر!!
ان رسول‏اللّه يهجر واستغرب الحاضرون من غير حزب عمر وصعقوا من هول ما سمعوا فقالوا عفويا:
قربوا يكتب لكم رسول‏اللّه، وكان الحاضرون من حزب عمر يشكلون الاكثريه لانهم اعدوا للامر عدته فصاح عمر واعوانه:
(حسبنا كتاب اللّه ان الرسول يهجر)، واختلف الفريقان وتنازعوا، وصدم عمر وحزبه خاطر النبى فقال النبى للجميع:
(قوموا عنى، ولا ينبغى عندى التنازع، وما انا فيه خير مما تدعونى اليه)، ولقد اصاب ابن عباس عندما سمى ذلك اليوم بيوم الرزيه!!!
تكييف هذه الحادثه:
الرسول مريض ومسجى فى بيته لا فى بيت عمر، ويبدو واضحا ان عمر تلقى اشاره ما من بيت الرسول تفيد بانه سيوصى تلك الليله، فجمع عمر عددا من افراد حزبه، احدهم ابو بكر فهما لا يفترقان ابدا كما اثبتنا، وفوجى‏ء الرسول بدخولهم، ولكنه مضى وقال:
(قربوا اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده).
وكان عمر يعرف مضمون الكتاب، وتناسى عمر انه وحزبه زوار فى بيت الرسول، وان من حق المريض ان يقول فى بيته ما شاء، وقواعد الادب تفرض على الزائر ان يلتزم حدوده، لقد تناسى عمر وصحبه ذلك وتصدوا للنبى فى بيته، وحالوا بينه وبين ما يريد، تلك حادثه لم يسبق لها مثيل فى تاريخ البشريه!!
فعندما مرض ابو بكر قال:
قربوا اكتب فقربوا بكل الاحترام، فقال لعثمان:
اكتب انى قد وليت عليكم.. واغمى عليه اغمى وانتظروه حتى افاق.
كان عمر حاضرا وهو يقول للناس:
(ايها الناس اسمعوا واطيعوا قول خليفه رسول‏اللّه) (582).
وعمر نفسه اوصى ولم يعترضه احد.
لم يقل عمر:
ان ابا بكر هجر، ولم يقل حزب عمر ذلك!!
ولم يقولوا:
لا حاجه لوصيه ابى بكر حسبنا كتاب اللّه!!
ما لهم كيف يصنعون ذلك برسول‏اللّه!!
ماذا بقى من اسلام المسلم عندما يقول للرسول فى بيته انت تهجر!!
ولسنا بحاجه لكتابك، لان القرآن عندنا وهو يكفينا!!
تلك حادثه غريبه لا مثيل لها فى تاريخ البشريه.
ومع هذا بقى اصحاب هذه الحادثه ابطالا، ولم يتعرضوا للوم لائم!!
ان هذا لامر عجاب.
الشائعه السادسه: القرآن وحده يكفى ولا حاجه لحديث الرسول او وصيته:
لقد تجاوز قاده التحالف حدود العقل والمنطق، عندما اطلقوا اشاعتهم السادسه فقالوا للرسول نفسه:
عندنا القرآن ولا حاجه لنا بكتابك او وصيتك، لان القرآن وحده يكفينا.
اول من اطلق هذه الاشاعه:
لقد اطلق عمر بن الخطاب هذه الاشاعه فى بيت الرسول، وامام الرسول، ورددها الحاضرون من حزب عمر، وقد اطلقت مع الاشاعه الخامسه (ان رسول‏اللّه قد هجر) وتفصيل ذلك ان رسول‏اللّه اراد ان يلخص الموقف لامته قبل وفاته، لانه على علم بالفتن التى تتربص بالامه وتنتظر وفاته لتنقض عليها فقال:
(قربوا اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا)، وما ان اكمل الرسول جملته حتى تصدى له عمربن الخطاب، وقال:
ان الرسول قد هجر حسبنا كتاب اللّه.
وعلى الفور ردد الحاضرون من حزب عمر ما قاله عمر فقالوا:
ان الرسول يهجر وحسبنا كتاب اللّه (583).
وصعق من فى بيت الرسول من غير حزب عمر فقالوا:
قربوا يكتب لكم رسول‏اللّه، وعمر وحزبه يرددون قولهم الاول، فاختلفوا وتنازعوا وكثر اللغط فقال لهم رسول‏اللّه:
قوموا عنى ولا ينبغى عندى تنازع ونجح عمر وحزبه بالحيلوله بين رسول‏اللّه وبين كتابه ما اراد (584).
ايمان قاده التحالف بهذه الاشاعه:
ان ايمان ابو بكر وعمر وعثمان رضى اللّه عنهم بهذه الاشاعه ايمان لا يتزعزع، وهم مقتنعون ان القرآن وحده يكفى، ولا حاجه لحديث رسول‏اللّه، ولا لوصيه الرسول شخصيا.
اما ابو بكر وعمر فقالا هذا الكلام للرسول نفسه، واكداه اثناء توليهما للخلافه، واما عثمان فقد اعط‏ى مفاده للرجلين لانه اقتنع بانهما سينتصران يوما، وان سار فى ركابهما سيستفيد فائده عظيمه.
والدليل:
ان اول عمل عمله ابو بكر بعد ان تسلم الخلافه ان (جمع الناس وقال:
انكم تحدثون احاديثا تختلفون فيها، والناس بعدكم اشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول‏اللّه شيئا، فمن سالكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب اللّه) (585).
لقد تصور ابو بكر ان سبب الخلاف والاختلاف يكمن فى احاديث الرسول، لذلك اصدر امره بعدم نشر احاديث الرسول، وكان هو شخصيا يحتفظ بمجموعه مكتوبه من احاديث الرسول فجمعها واحرقها) لان القرآن وحده يكفى حسب رايه، ولا حاجه لاحاديث الرسول.
عمر بن الخطاب طلب من الناس ان ياتوه بما عندهم من احاديث الرسول المكتوبه، وظن الناس انه يريد ان يجمعها ويامر بكتابتها من جديد فاتوه بها، فلما وضعت بين يديه امر بحرقها، وحرقت فعلا (586).
ولم يكتف بذلك انما نهى الناس عن الحديث، وفرض على المحدثين الاقامه الجبريه، وحبس بعضهم بجرم التحديث عن رسول‏اللّه!!(587).
وما ذلك الا لان عمر مقتنع ان القرآن وحده يكفى، ولا حاجه لما قاله الرسول او ما سيقوله حتى وان كان الرسول موجودا!!(588).
وجاء عثمان فسار على مسيره صاحبيه، حيث استهل عهده باصدار مرسوم مفاده انه (لا يحل لمسلم يروى حديثا لم يسمع به فى عهد ابى بكر وعمر) (589).
وكان معاويه بن ابى سفيان اكثر وضوحا من الذين سبقوه، حيث دخل بالموضوع مباشره، فاصدر مرسوما ملكيا وجه منه نسخه الى كل عماله:
(ان برئت الذمه ممن يروى شيئا بفضل ابى تراب واهل بيته).
فغايه الجميع واحده وهى منع روايه وكتابه احاديث الرسول كلها حتى لا يروى الناس شيئا من فضل على واهل بيت النبوه.
وقدر معاويه انه لم يعد هنالك ما يبرر هذه التوريه فدخل بالموضوع مباشره، وحصر المنع بما يعط‏ى حقا او فضائلا لعلى واهل بيت النبوه.
اما ابو بكر وعمر وعثمان فقد كانوا يراعون مشاعر المسلمين، ولم يفصحوا عن قصدهم ويوضحوه كما افصح عنه معاويه ووضحه.
عدم منطقيه الاشاعه:
كافه الاشاعات السابقه غير منطقيه، واكثرها بعدا عن المنطق هذه الشائعه، فالقرآن يحتاج الى بيان، ومهمه النبى ان يبين للناس ما نزل اليهم من ربهم، وان يوضح المقاصد الالهيه العامه والخاصه من كل نص توضيحا قائما على الجزم واليقين.
ومن هنا كان بيان النبى -اى نبى- جزءا لا يتجزء من المنظومه الالهيه التى اوحاها اللّه لذلك النبى.
على اعتبار ان هذا النبى او ذلك هو الاعلم والافهم، وان بيانه للقواعد الالهيه هو بالضبط عين المقصود الالهى، فالكتاب لا يغنى عن الرسول فكلاهما متمم للاخر، وطاعه النبى هى طاعه اللّه، ومعصيه النبى هى معصيه اللّه، فهما وجهان لعمله واحده (وللّه المثلى الاعلى)، فوضع قطعه العمله رسميا بين المتداولين والاشتراط عليهم ان لا ينظروا الا لجهه واحده من العمله امر غير معقول!!
ومن جهه ثانيه هذا تفريق بين اللّه ورسوله، وبين الرسول ومعجزته؟!
فباى منطق نجعل الدين كتاب اللّه المنزل فقط ونتجاهل كل ما صدر عن نبى اللّه المرسل؟!
واذا امكننا فهم ان شخصا لا يريد حديث الرسول الذى ينقل عنه بالروايه!!
فكيف تفهم بربك، الشخص الذى يقول للرسول انت تهجر، ولا حاجه لنا بقولك او وصيتك، لان عندنا القرآن وهو يكفينا؟!
كيف تفهم شخصا كتب احاديثا عن رسول‏اللّه، ثم قام باحراقها تحت شعار ان القرآن وحده يكفى؟!(590)
الشائعه السابعه: النبى مجتهد:
قصد قاده التحالف من اطلاق هذه الشائعه ان يلقوا بروع المسلمين ان الرسول ليس اكثر من مجتهد يقول برايه فى الامور العامه، وان راى الرسول ليس ملزما، ومن حق اى مجتهد آخر ان يتبنى اجتهاده الذى يخالف اجتهاد الرسول، ولا حرج على هذا المجتهد الاخر، فهو ماجور بمخالفته لرسول‏اللّه سواء اخطا ام اصاب.
وهذه الشائعه ثمره طبيعيه للاشاعات السابقه، ونتيجه ملطفه لها.
التطبيق العملى للشائعه:
الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم- كان يقسم المال بين الناس بالسويه، لا فضل فى ذلك لمهاجرى على انصارى، ولا لعربى على عجمى، ولا صريح على موالى، لان حاجات ابناء البشر الاساسيه متشابهه، وتلك امور تدرك بالعقل وبالفطره السليمه، فجميع ابناء البشر ياكلون ويشربون وينامون ويتزاوجون.
ثم ان الرسول لا ينطق عن الهوى، فهو يتبع ما يوحى اليه من ربه، فامر بهذه الخطوره يتلقى فيه التوجيه الالهى، وطوال عهده الشريف وهو يقسم بين المسلمين بالسويه لا يفضل احدا على احد حتى اصبح عمل الرسول هذا سنه فعليه، وجزءا من المنظومه الالهيه، على اعتبار انها تشريع من اهم التشريعات الماليه فى الاسلام.
وعندما قبضت قياده التحالف على مقاليد الامور لم تقو على مخالفه هذا التشريع، فطول عهد ابى بكر وهو ملتزم بهذه السنه النبويه الفعليه.
ولما تسلم عمر مقاليد الخلافه راى ان سنه الرسول هذه ليست مناسبه، فلا يعقل ان تكون قريش كالانصار!!
ولا يعقل ان يكون العرب كالعجم، وان يكون الصريح كالمولى!!
ومن هنا فقد فضل المهاجرين كلهم على الانصار كلها، وفضل العرب على العجم، وفضل الصريح على المولى، واعط‏ى زوجات الرسول عطاء خاصا يفوق التصور والتصديق، وزائدا عن حاجه كل واحده منهن!!!
حتى انه لم يساو بالعطاء بين زوجات الرسول نفسه!!
فميز بينهن، واعط‏ى بعضهن اكثر من بعض.
وتصور عمر ان اسلوبه بتوزيع العطاء هو افضل من اسلوب النبى، ومع الايام اكتشف عمر انه قد غرس فى المجتمع المسلم بذور الطبقيه، وانه قد اوجد بعمله هذا الغنى الفاحش والفقر المدقع جنبا الى جنب!!
فطلحه والزبير وعثمان وابن عوف يملكون الملايين!!
وعمار وبلال وعامه الناس يموتون من الجوع!!!
ونتيجه عمله هذا اشعل بيديه دون ان يدرى نار الصراع القبلى بين ربيعه ومضر، وبين الاوس والخزرج، وبين العرب والعجم، وبين الصريح والمولى (591).
وظلت نيرانه تلك تكبر وتكبر، حتى التهمت المجتمع الاسلامى وافقدته صوابه!!
عمر يكتشف ان رسول‏اللّه اهدى منه:
نجح عمر بالغاء سنه الرسول التى تساوى بين الناس بالعطاء والمستنده الى وحى الهى.
ونجح باحلال سنته الشخصيه محل سنه الرسول.
وبعد تسع سنين من تطبيق سنته الشخصيه، اكتشف ان رسول‏اللّه اهدى من عمر، وان سنه رسول‏اللّه خير من سنه عمر، بعد ان شاهد بعض الاثار المدمره لسنته الشخصيه، التى وضعها بالقوه محل سنه الرسول.
واعلن عزمه على الرجوع الى سنه رسول‏اللّه!!
فقال:
(وان عشت هذه السنه، ساويت بين الناس فلم افضل احمر على اسود، ولا عربيا على عجمى، وصنعت كما صنع رسول‏اللّه وابو بكر) (592).
عمر كان يعرف انه الغى سنه رسول‏اللّه!!
بمعنى ان عمر عندما الغى التسويه بالعطاء كان يعلم انها سنه رسول‏اللّه، وان صاحبه ابو بكر قد اتبعها، ومع هذا الغى التسويه بالعطاء مع سبق العلم والاصرار، ثم عاد بعد تسع سنين ليفكر باعاده السنه التى عطل احكامها طول تلك المده!!!(593)
تعطيل احكام آيه محكمه:
الشارع الحكيم حرم على آل محمد الصدقه، وجعل لهم حقا فى الخمس بوصفهم ذوى قربى النبى (ولذى القربى) «الانفال 41»، وبين الرسول الايه فجعل خمس الخمس لذوى القربى وهم بنو هاشم الذكر منهم والانثى وبنو المطلب (594).
بالاضافه الى يتيم الهاشميين ومسكينهم وابن سبيلهم، والحكمه من هذا التشريع كانت ابراز التمييز لذوى القربى، وسد حاجاتهم بايجاد سبيل لحياه كريمه لهم، ولان الصدقه محرمه عليهم (595).
وبالرغم من وضوح الايه، ومن تواتر بيان النبى لهذه الايه، الا ان عمربن الخطاب ابى ان يعط‏ى بنى هاشم كل سهمهم (596) بحجه (ان قريش كلها ذو قربى) (597).
قال ابن عباس:
(سهم ذوى القربى لقربى رسول‏اللّه، قسمه لهم رسول‏اللّه، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضا فرايناه دون حقنا فرددناه عليه، وابينا ان نقبله) (598).
وباختصار شديد، ترك عمر نص الايه المحكمه، وبيان النبى لهذه الايه المتمثل بسنته الشريفه طوال عهده، واتبع رايه لانه اعتقد ان رايه اقرب للعدل كما يراه، واسهل لتحقيق ما يريده لبنى هاشم.
ندم عمر:
من الموكد ان عمر عندما كان على فراش الموت استعرض بمخيلته كل حماسه واندفاعه، وندم على ما كان منه، وقال:
(ليت ام عمر لم تلده) (599).
ومن الموكد ان عمر على الاقل اعترف بانه قد اخطا عندما رفع حكم اللّه، والغى سنه رسول‏اللّه التى ساوت بين الناس فى العطاء، ووضع بدلا منهما سنته الشخصيه التى فضلت بالعطاء، وعبر عن هذا الندم بقوله:
(ان عشت هذه السنه ساويت بين الناس، وصنعت كما صنع رسول‏اللّه وابو بكر).
العذر العجيب:
على الرغم من ندم الخليفه عمر على تعطيله لحكم اللّه، وعلى الغائه لسنه رسول‏اللّه، واعلانه لهذا الندم، واعترافه بخطا ما فعل او اجتهد برايهم، فانهم بعد مماته اخذوا يزدادون بحب الرجل، ويلتمسون له اعذارا عجيبه لا يقرها العقل.
يقول القوشجى فى معرض اعتذاره عن رفع سنه اللّه التى تامر بالمساواه بين الناس فى العطاء، واعطاء خمس الخمس لبنى هاشم وبنى المطلب، واحلال سنه عمر التى تقضى بالمفاضله بدلا من المساواه بين الناس، ومنع الهاشميين حقهم يقول:
(واجيب عن هذه الوجوه بان ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه، فانه من مخالفه المجتهد لغيره فى المسائل الاجتهاديه) (600).
تكييف مقاله القوشجى وشرح معناها:
معنى ذلك ان الرسول عندما اعط‏ى الناس بالسويه خلال عهده الراشد كله، فعل ذلك كمجتهد، وان مساواه الرسول للناس بالعطاء هى من قبيل الاجتهاد الشخصى من رسول‏اللّه كذلك فانه عندما اعط‏ى الخمس لذوى القربى لم يفعل ذلك تطبيقا للايه القرآنيه، انما فعل ذلك بوصفه مجتهدا!!
وعندما آلت الخلافه الى عمر قرر العدول عن اجتهاد الرسول، وايجاد اجتهاد بديل منه، راى عمر انه افضل!!
وهذا العمل لا يشكل قدحا فى عمر باى وجه من الوجوه، لانه من قبيل مخالفه مجتهد وهو عمر لمجتهد آخر وهو رسول‏اللّه!!
ولا حرج على عمر من مخالفته لرسول‏اللّه، لان كلاهما مجتهد!!!(601)
قال ابن ابى الحديد:
(لم يخرج عمر بحكمه عن طريق الاجتهاد وما ادى اليه اجتهاده)!!
وقال فى معرض اعتذاره عن تخلف ابى بكر وعمر عن جيش اسامه:
(ان الرسول كان يبعث السرايا عن اجتهاد لا عن وحى يحرم مخالفته) (602).
وباختصار لقد تحولت تلك الاشاعه الى قناعه عامه، وصار الرسول مجرد مجتهد، ليس الا، ومن حق الخليفه المتغلب فى اى زمان، ان ياتى باجتهاد يغاير اجتهاد الرسول.
ويبدو ان مزيه التنافس بين النبى المجتهد وبين غيره محصوره بالخلفاء الثلاثه ابو بكر وعمر خاصه وعثمان بدرجه اقل، وبمستوى ادنى ملوك بنى اميه بوصفهم صحابه كرام!!!
واخيرا برايهم ان النبى مجتهد، والقاعده العامه:
ان المجتهد ماجور اخطا ام اصاب، والفرق ان المصيب له اجران وللمخط‏ى‏ء اجر واحد، ومن حق المجتهد، اى مجتهد ان يخالف مجتهدا آخر!!(603)
والاهم من ذلك ان الاجتهاد وارد حتى فى العبادات فزياده الاذان الثالث يوم الجمعه من قبيل الاجتهاد (604)!!
والاجتهاد قد يقع فى حد من حدود اللّه، قال القوشجى فى معرض الاعتذار عن اسقاط عثمان القود عن عبيداللّهبن عمر:
(انه اجتهد وراى انه لا يلزمه حكم هذا القتل، لانه وقع قبل عقد الامامه له) (605).
والاجتهاد قد يستفيد منه اعداء اللّه، فالحكم‏بن العاص عدو للّه كان يوذى رسول‏اللّه فى الجاهليه والاسلام، لعنه الرسول، ولعن اولاده (606).
واصدر الرسول اوامره بتغريب الحكم وولده، وقال:
(لا يساكننى ولا ولده)، وعندما تولى ابو بكر الخلافه راجعه عثمان للسماح بعوده الحكم‏بن العاص فرفض ابو بكر، وبعد توليه عمر راجعه عثمان لنفس الغايه فرفض عمر، وعندما تولى عثمان الخلافه ادخله معززا مكرما، والبسه جبه من طيلسان (607) واعطاه صدقات المسلمين البالغه 300 الف درهم (608).
ولما مات الحكم ضرب عثمان على قبره فسطاطا (609).
حزنا عليه، ولما قيل لشيعه عثمان:
لم فعل عثمان ذلك؟ قالوا:
(اداه اجتهاده الى ذلك لان الاحوال تتغير) (610).
روى الحاكم عن عبدالرحمن‏بن عوف قال:
(كان لا يولد لاحد مولود الا اتى به النبى فدعا له، فادخل عليه مروان‏بن الحكم فقال الرسول:
(هذا الوزع بن الوزع الملعون‏بن الملعون) (611).
ومع هذا اصبح هذا الولد بالاجتهاد رئيسا لوزراء المسلمين!!!
واعط‏ى هذا الولد فدكا، وهى التى اخذت من بنت رسول‏اللّه!!(612)
كل هذه التناقضات قد جرت بدعوى الاجتهاد!!!
وكثمره من ثمرات الشائعات التى اطلقها قاده التحالف، والتى تظافرت معا وخلقت وضعا حقوقيا لا مثيل له!!
وعلى فرض ان الرسول قد قال للناس:
(ان على‏بن ابى طالب هو وليكم من بعدى و... الخ)، فاقوال الرسول هذه ليست ملزمه للاسباب الوارده وبالشائعات الانفه الذكر، وان اقوال الرسول من قبيل الاجتهاد، وليست وحيا يحرم مخالفته!!!
وهذه هى المرامى البعيده لتلك الشائعه المشوومه.
اشاعتان معا:
1- الرسول لم يستخلف احدا انما خلى على الناس امرهم.
2- الرسول لم يجمع القرآن والخلفاء الثلاثه هم الذين جمعوه.
معنى هاتين الشائعتين:
اطلقت هاتان الاشاعتان معا ومفادهما الترك، فعلى المستوى القيادى فان رسول‏اللّه قد خلى للناس امرهم، ولم يستخلف احدا من بعده لا على‏بن ابى طالب ولا غيره، بل ترك امته بلا راع ولا قائد، ولا بين لها كيف تختار ولا من تختار.
فجاء الخلفاء الثلاثه ورتبوا امر القياده من بعد النبى وتلافوا بعبقريتهم الفذه ما اغفله النبى!!
هذا على الصعيد القيادى.
اما على الصعيد القانونى فان الرسول قد انتقل الى جوار ربه، وترك القرآن فى صدور الرجال ولم يجمعه، وخشى الخلفاء الثلاثه ان يضيع القرآن بعد ان يقتل حفظته او يموتوا، لذلك شمروا عن سواعدهم وجمعوا القرآن، ولولا بعد نظر اولئك الخلفاء لضاع القرآن واندثر، وهكذا تلافى الخلفاء العباقره ما اغفله النبى، وبخطوتهم المباركه حفظوا القرآن من الضياع!!
اثبات الشائعتين:
1 - اثبات شائعه ترك الرسول للامه دون راع كقول ابى بكر:
(ان اللّه بعث محمدا نبيا، وللمومنين وليا، فمن اللّه تعالى بمقامه بين اظهرنا حتى اختار اللّه له ما عنده، فخلى على الناس امرهم ليختاروا لانفسهم ما فيه مصلحتهم متفقين لا مختلفين، فاختارونى عليهم وليا ولامورهم راعيا..) (613).
فابو بكر هو اول من اشاع بان الرسول قد خلى على الناس امرهم، اى ترك امته بعده بغير راع وترك للامه حريه اختيار هذا الراعى فى ما بعد، وبيان كيفيه اختيارهم له!!
وجاء فى تاريخ الطبرى ان ابا بكر قال فى مرضه الذى توفى منه:
(ووددت انى سالت رسول‏اللّه لمن هذا الامر فلا ينازعه احد؟!!
ووددت انى كنت سالته هل للانصار فى هذا الامر نصيب؟!)(614)
فابو بكر يوكد هنا صحه هذه الشائعه.
وعمر هو ثانى من اشاع شائعه ترك الامه بدون راعى:
اخرج ابو نعيم فى حليته، ومسلم فى صحيحه، والبخارى فى صحيحه، والبيهقى فى سننه، وابن الجوزى فى سيره عمر ما يلى:
(ان ابن عمر قال لابيه:
ان الناس يتحدثون انك غير مستخلف، ولو كان لك راعى ابل او راعى غنم، ثم جاء وترك رعيته، رايت انه قد فرط، ورعيه الناس اشد من رعايه الابل والغنم!!
ماذا تقول للّه عز وجل اذا لقيته ولم تستخلف على عباده؟ قال ابن عمر:
فاصابته ك‏ابه، ثم نكس راسه طويلا ثم رفع راسه وقال:
واى ذلك افعل فقد سن لى (ان لم استخلف فان رسول‏اللّه لم يستخلف، وان استخلف فقد استخلف ابو بكر)!!(615)
وانت تلاحظ ان عمر قد جعل فعل ابى بكر سنه، وجعل فعل النبى سنه، واعط‏ى نفسه صلاحيه اتباع اى السنتين ولم يفرق بينهما!!
وقد توصل الى هذه النتيجه بعد تفكير طويل، والحديث مروى عن ابنه، ورواه الثقات من شيعه الخليفتين!!
وعمر يوكد فى هذا الحديث بان الرسول لم يستخلف!!
وروى المسعودى فى مروج الذهب ان عبد اللّه بن عمر دخل على عمربن الخطاب وهو يجود بانفاسه، فقال له:
(يا امير المومنين استخلف على امه محمد، فانه لو جاءك راعى ابلك او غنمك، وترك ابله او غنمه لا راعى لها للمته، وقلت له:
كيف تركت امانتك ضائعه؟ فكيف يا امير المومنين بامه محمد؟) فاجابه عمر:
(ان ادع فقد ودع من هو خير منى -يعنى الرسول- وان استخلف فقد استخلف من هو خير منى -يعنى ابا بكر-) (616).
فعمر يصرح بان الرسول لم يستخلف، ويساوى بتصريحه هذا بين فعل ابى بكر وفعل الرسول!!
وروى ابن قتيبه فى الامامه والسياسه ص‏22 ان عمر لما احس بالموت قال لابنه عبداللّه:
(اذهب الى عائشه واقرئها السلام، واستاذنها ان اقبر مع رسول‏اللّه ومع ابى بكر.
فاتاها عبد اللّه، فاعلمها فقالت:
حبا وكرامه، ثم قالت:
يا بنى ابلغ عمر سلامى وقل له لا تدع امه محمد بلا راع.. استخلف عليهم، ولا تدعهم بعدك هملا، فانى اخشى عليهم الفتنه!!
فاتى عبداللّه عمر فاعلمه فقال عمر:
ومن تامرنى ان استخلف لو ادركت.. الخ) (617).
واخرج البلاذرى فى انساب الاشراف عن ابن عباس قال:
(قال:
عمر لا ادرى ما اصنع بامه محمد وذلك قبل ان يطعن؟ فقلت:
ولم تهتم وانت تجد من تستخلفه؟...) (618).
تكييف هذه الشائعه:
راجت الشائعه التى روجها قاده التخالف، وقد اتضح ان اول من اطلقها هو ابو بكر وعمر وبفضل وسائل اعلام التحالف التى كانت تحت سيطره قيادات التحالف طوال التاريخ، تحولت هذه الشائعه الى قناعه آمنت بها الاكثريه الساحقه، لانها صدرت عن ابى بكر وعمر وهما فوق الشبهات.
وقد راينا ان عبد اللّه بن عمر وصف حاله ترك الامه بدون راع بانها تضييع للامانه، وانها تفريط، وانها محل لوم يترفع عن الوقوع فيها راعى الابل او راعى الغنم، وان ترك الامه بدون راع يعنى تركهم هملا على حد تعبير عائشه، ويودى الى الفتنه حسب توقع ام المومنين!!!
فهل يعقل بربكم ان يكون راعى الغنم او الابل او عبد اللّه ابن عمر او ام المومنين ابعد نظرا، وادرك لعواقب الامور من رسول‏اللّه وهو صفوه الجنس البشرى؟!!
وهل يعقل ان يكون ابن عمر او ابوه او ام المومنين او ابن ابى قحافه اكثر رحمه من النبى بامته!!!
ثم فكره ترك الرسول للامه دون ان يعين خليفه من بعده، او يبين على الاقل طريقه تعيينه، فكره تتعارض مع كمال الدين وتمام النعمه!!
وهل يعقل ان يبين الرسول المهم ويترك الاهم!!!(619)
لاردنها للذى دفعها الى اول مره:
اخرج الطبرى فى الرياض النضره (620) كما اخرج ابو ذر عن ابن عمر انه قال:
(لما طعن عمر قلت:
يا امير المومنين لو اجهدت نفسك وامرت عليهم رجلا؟.. فقال عمر:
(والذى نفسى بيده لاردنها للذى دفعها الى اول مره) ويقصد به عثمان حيث كلفه ابو بكر بكتابه عهده فقال لعثمان:
اكتب (انى قد وليت عليكم... ثم اغمى على ابى بكر من شده الوجع فكتب عثمان (عمر)، اى اكملها عثمان من تلقاء نفسه، ولما افاق ابو بكر طلب من عثمان ان يقرا له ما كتب، فسر الخليفه وقال لعثمان:
(لو كتبت نفسك لكنت اهلا لها)، بمعنى ان الذى ردها اليه هو عثمان وبالفعل فقد بر الخليفه بقسمه فولى عثمان عمليا بالرغم من (الديكور) او طريقه الاخراج.
العجب العجاب:
المدهش انه اذا كان رسول‏اللّه قد ترك الناس ولا راعى، او بتعبيرهم خلى على الناس امرهم، فلماذا لم يقتد الخليفتان بمحمد؟!
ولماذا لم يخليا على الناس امرهم!!
فقد استخلف ابو بكر عمر، واستخلف عمر عثمان عمليا والسته نظريا؟!!!
ومن العجب العجاب ان عمليه استخلاف ابى بكر لعمر، واستخلاف عمر لعثمان تمت بامر الرجلين وهما على فراش الموت، فابو بكر يامر والرعيه تنفذ، وعمر يامر، والرعيه تجرى وتنفذ وصيته كانها نص الهى.
وبالمناسبه لست ادرى لماذا لم يعامل الرسول بمثل هذه المعامله، ولم يحترم مثل هذا الاحترام!!
فما ان قال الرسول:
(قربوا اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا)، حتى تصدى له عمر وحزبه فقال:
ان الرسول قد هجر حسبنا كتاب اللّه!!!
انه من العجب العجاب حقا ان تعلو مكانه الخليفه على مكانه النبى، وان يكرم الصحابى اكثر مما يكرم النبى، ومع هذا لا احد يعتذر!!
ولا احد يقف عند هذه القاصمه، ولا احد يوجه اى لوم لفاعليها!!
عظمه الخلفاء وجمع القرآن:
وقد اشاعوا ان النبى لم يكتف بترك امته ولا راعى لها فحسب، انما ترك معجزته العظمى وهى القرآن دون جمع ولا كتابه، ولولا الخلفاء الثلاثه لضاع القرآن واندثر، فاضطروا ان يشمروا عن سواعدهم وان يجمعوا القرآن، وقد اثبتنا عدم صحه هذه الاشاعه بكتابنا الخطط السياسيه لتوحيد الامه الاسلاميه ص‏45.






_________________
563- سوره التوبه آيه 101.
564- سوره التوبه آيه 98.
565- الواقدى، المغازى 2/449.
566- سوره التحريم آيه 4.
567- ابن كثير 4/635 636طبعه احياء التراث العربى.
568- سنن ابى داوود،2/126وسنن الدارمى،1/125ومسند احمد،2/162، 207، 216ومستدرك الحاكم،1/105، 106وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 1/85 569- تذكره الحفاظ للذهبى 1/302.
570- الطبقات لابن سعد 5/140.
571- كنز العمال،5/239حديث 4865ومنتخب الكنز 4/61.
572- تذكره الحفاظ للذهبى 1/2، 3.
573- بيان العلم وفضله لابن عبد البر،2/147وتذكره الحفاظ للذهبى 1/4، 5.
574- منتخب الكنز هامش مسند الامام احمد 4/64.
575- شرح النهج لعلامه المعتزله تحقيق حسن تميم 3/595، 596.
576- سوره القلم آيه 24.
577- الخطط السياسيه لتوحيد الامه الاسلاميه ص‏101.
578- سر العالمين وكشف ما فى الدارين ص‏21.
579- تذكره الخواص ص‏62.
580- صحيح البخارى،7/9، 4/31، 1/37، 5/137، 2/132، 4/65 66وصحيح مسلم 2/16، 5/75، 11/94 95بشرح النووى، ومسند احمد 1/955وتاريخ الطبرى،2/193والكامل لابن الاثير 2/320وشرح النهج 3/114سطر 27، 12/79سطر 3، 3/167الخ.
581- شرح النهج 3/114سطر 27الطبعه الاولى مصر وبيروت، و 12/79سطر 3تحقيق ابى الفضل و 2/803طبعه مكتبه الحياه، و 3/67طبعه دار الفكر.
582- كتابنا الخطط السياسيه لتوحيد الامه الاسلاميه ص ،367وتاريخ الطبرى 1/138ط اوروبا.
583- كتابنا نظريه عداله الصحابه ص 287وما فوق.
584- كتابنا الخطط السياسيه لتوحيد الامه الاسلاميه ص 297وما فوق.
585- تذكره الحفاظ للذهبى 1/2، 3.
586- طبقات بن سعد 5/140ترجمه محمد بن ابى بكر.
587- راجع كتابنا الخطط السياسيه لتوحيد الامه الاسلاميه ص 302وما فوق.
588- راجع كتابنا نظريه عداله الصحابه والمرجعيه السياسيه فى الاسلام ص 287وما فوق، تجد توثيق تلك الواقعه وتفصيلها.
589- منتخب الكنز بهامش مسند الامام احمد 4/64.
590- كتابنا الخطط السياسيه لتوحيد الامه الاسلاميه ص 298وما فوق.
591- تاريخ اليعقوبى 2/106و 107وشرح النهج لابن ابى الحديد 8/111.
592- تاريخ اليعقوبى،2/7وابن ابى الحديد،1/111وتاريخ الطبرى 5/22.
593- تاريخ الطبرى ص 22سيره عمر باب حمله الدرر!!.
594- سنن ابى داود،2/50والطبرى فى تفسيره،1/50واحمد فى مسنده،4/81والمغازى للواقدى، غزوه خيبر.
595- صحيح مسلم 3/12باب قبول النبى الهديه، وصحيح البخارى،1/181وصحيح مسلم،3/117وسنن ابى داود 1/212باب الصدقه على بنى هاشم، وسنن الدارمى ،1/383ومجمع الزوائد للهيثمى،3/89والبحار 66/76حرمه الزكاه على بنى هاشم.
596- صحيح مسلم،5/195ومسند احمد،1/248و 294و 304وسنن الدارمى 2/225ومسند الشافعى ص 183وحليه ابى نعيم 3/205.
597- تفسير الطبرى 10/5والاحوال لابى عسير ص‏233.
598- مسند احمد 1/244، 320وسنن ابى داود 2/51وسنن النسائى 1772وسنن البيهقى 6/344و345.
599- الامامه والسياسه لابن قتيبه الدينورى 1/15وما فوق.
600- شرح التجريد للقوشجى ص‏408.
601- شرح النهج لابن ابى الحديد 2/153و3/80.
602- شرح النهج لابن ابى الحديد 4/178.
603- شرح التجريد للقوشجى ص 408وشرح النهج لابن ابى الحديد 4/178و 2/153و 3/180ومنهاج السنه لابى تيميه 3/203وتاريخ ابن كثير 14/135ومنهاج السنه 3/193والصواعق المحرقه لابن حجر ص‏112.
604- منهاج السنه 3/204.
605- شرح التجريد 49وشرح النهج لابن ابى الحديد 1/243.
606- انساب الاشراف للبلاذرى 5/27و 28ومستدرك الحاكم 4/479، 481.
607- تاريخ اليعقوبى 2/164.
608- المصدر نفسه 2/168.
609- انساب الاشراف 5/27.
610- شرح النهج لعلامه المعتزله 1/233.
611- مستدرك الحاكم 4/479، 481.
612- شرح النهج لابن ابى الحديد 1/67والمعارف لابن قتيبه ص‏84.
613- ابن قتيبه الدنيورى فى الامامه والسياسه 1/15.
614- تاريخ الطبرى 4/53وفى العقد الفريد 2/254.
615- حليه الاولياء 1/44.
616- مروج الذهب 2/253.
617- الامامه والسياسه لابن قتيبه ص 22واعلام النساء 2/786.
618- انساب الاشراف للبلاذرى 5/16.
619- كتابنا الخطط السياسيه لتوحيد الامه الاسلاميه ص 371وما فوق تجد التنظير المنطقى لهذه الشائعه.
620- 2/74.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page