• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الأوّل : خلفاء الرسول


بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الميامين ، وبعد.
خلق الله تعالى الخلق متمايزين في صفاتهم الخلقية من الطول والقصر والصحة والسقم والنحافة والبدانة وغيرها ، وتلك سنّة الله تعالى في خلقه وكونه .
إنّ أمّة الإسلام التي بعث فيها رسول الله(صلى الله عليه وآله) أمة عالمية، ودعوته للناس كافة، وهذا الكيان الضخم ليس أنموذجاً متكرراً في البشر ، وليس بالكيان المتكلّس في الفهم والوعي ، ولكن كيان متمايز حتّى في حياة النبي(صلى الله عليه وآله) ، فمن أصحابه من طفق في السوق يبيع ويشتري(1) ، ومنهم من لازم النبي(صلى الله عليه وآله) على العلم والصحبة ، ومنهم من أحبّ الرسول(صلى الله عليه وآله)حبّاً شديداً فوق نفسه(2) ، ومنهم من كان وسطاً بين العلم والكسب(3) ،ومنهم من فهم إشارات الرسول(صلى الله عليه وآله) وتلميحاته ، ومنهم من كان وعاء للعلم ، وكلّهم من رسول الله(صلى الله عليه وآله) أخذ ، وهذه قسمة الله تعالى في خلقه ، وكذلك ميّزهم وعدّدهم .
بيد أنّه بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) بدأت الأُمّة مرحلة أُخرى من التمايز الخُلقي الذي جعل فئة من الأمّة تتباعد رويداً رويداً ، غير أنّ الإسلام يتّسع لكل هؤلاء على اختلافهم وتمايزهم .
وبموت النبي(صلى الله عليه وآله) اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ينظرون في أمر الأمّة ، ولمن تؤول قيادة الأمّة ، حتّى أصبح أبو بكر خليفة ، وكان هذا موضع خلاف ، وفيه ثلاثة آراء :
الرأي الأول : أنّ النبي استخلف أبو بكر بالنص الخفي أو الجلي .
ومن ذلك ما روي عن جبير بن مطعم قال : "أتت امرأة النبي(صلى الله عليه وآله)فأمرها أن ترجع إليه ، فقالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك(صلى الله عليه وآله) كأنّها تقول : الموت . قال(صلى الله عليه وآله) : "إن لم تجديني فأتي أبا بكر" .
وفي الصحيحين عن عائشة عن أبيها رضي الله عنهما ، قالت : "دخل على رسول الله(صلى الله عليه وآله) في اليوم الذي بُدىء فيه ، فقال : ادعي لي أباك وأخاك حتّى أكتب لأبي بكر كتاباً ، ثمّ قال : "يأبى الله والمسلمون إلاّ أبا بكر" .
وفي رواية "فلا يطمع في هذا الأمر طامع" .
وفي رواية قال : "ادعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر لأكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه ، ثمّ قال : معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر" .
وروي عن عائشة رضي الله عنها ، أنّها سئلت من كان رسول الله مستخلفاً لو استخلف؟
والظاهر ـ والله أعلم ـ أنّ المراد أنّه لم يستخلف بعهد مكتوب ، ولو كتب عهداً لكتبه لأبي بكر ، بل قد أراد كتابته ثمّ تركه ، وقال : "يأبى الله والمسلمون إلاّ أبا بكر" . فكان هذا أبلغ من مجرد العهد ، فإنّ النبي(صلى الله عليه وآله)دلّ المسلمين على استخلاف أبي بكر ، وأرشدهم إليه بأمور متعددة ، من أقواله وأفعاله ، وأخبر بخلافته إخبار راض بذلك ، حامد له ، وعزم على أن يكتب بذلك عهداً ، ثمّ علم أنّ المسلمين يجتمعون عليه ، فترك الكتاب اكتفاءً بذلك ، ثمّ عزم على ذلك في مرضه يوم الخميس ، ثمّ لما حصل لبعضهم شك ، هل ذلك القول من جهة المرض؟ أو هو قول يجب اتّباعه؟ ترك الكتابة اكتفاءً بما علم أنّ الله يختاره والمؤمنون من خلافة أبي بكر . فلو كان التعيين مما يشتبه على الأمّة لبيّنه بياناً قاطعاً للعذر ، لكن لمّا دلّهم دلالات متعددة على أنّ أبا بكر المتعيّن ، وفهموا ذلك ، حصل المقصود(4) .
الثاني : أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) نص على خلافة علي بن أبي طالب بالنص الصريح الواضح المتواتر في أكثر من موضع .
منها : ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم قال : "قام رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى (خما) بين مكة والمدينة ، فحمد الله ووعظ وذكره ، ثمّ قال : أمّا بعد ، ألا أيها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم الثقلين أوّلهما كتاب الله .. ثمّ قال : وأهل بيتى"(5) .
الثالث : الشورى العامّة وعدم الاستخلاف ، وأنّ الأمر شورى بين المسلمين .
ذهب إلى ذلك جماعة من أهل الحديث والمعتزلة والأشعرية ، وأنّ خلافة أبي بكر ثبتت بالاختيار ، وكذا ذهبت السيّدة عائشة .
واستدل البعض : بطلب سعد بن عبادة البيعة لنفسه ، وكذلك الحباب ابن المنذر حينما تقدّماً كلاّ منهما لطلب البيعة والخلافة في السقيفة .
احتجّ الذين قالوا لم يستخلف ، بالخبر المأثور عن عبد الله بن عمر عن عمر رضي الله عنهما ، أنّه قال : "إن أستخلف ، فقد استخلف من هو خير منّي ، يعني أبا بكر ، وإن لا أستخلف ، فلم يستخلف من هو خير منّي ، يعني رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، قال عبد الله : فعرفت أنّه حين ذكر رسول الله(صلى الله عليه وآله) غير مستخلف(6) .
ولكن الشيعة رفضوا القول بالشورى وعدم الاستخلاف ، وذهبوا إلى :
أ ـ أنّ النبي كان إذا أراد الذهاب في سفر لا يترك المدينة دون خليفة عليها ولو كان سفره يوماً واحداً ، فكيف يترك أمر الناس بعده دون راع .
ب ـ من الثابت أنّ الشريعة الإسلامية تفرض الوصية على المسلم حتّى في بعض الميراث البسيط ، وفي ذلك يقول القرآن الكريم : {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالاَْقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ}(7) .
فكيف يترك الرسول(صلى الله عليه وآله) هذا الأمر بدون أن يوصي به والحال أنّ استقرار الأمّة متوقف على ذلك ، وبدون ذلك يؤول الأمر إلى تنازع(8) .
يقول ابن حجر الهيتمي في "الصواعق المحرقة" إنّ حديث الغدير صحيح لا مرية فيه ، وطرقه كثيرة جدّاً ، ومن ثمّ رواه ستة عشر صحابياً ، وفى رواية لأحمد أنّه سمعه من النبي(صلى الله عليه وآله) ثلاثون صحابياً ، وشهدوا به لعلي لمّا نوزع أيام خلافته ، وكثير من أسانيده صحاح وحسان ، ولا يلتفت لمن قدح في صحته ولا لمن ردّه"(9) .
وفي الخصائص للنسائي عن زيد بن أرقم قال : "لما رجع النبي(صلى الله عليه وآله)من حجّة الوداع ، ونزل في غدير خم ، أمر بدوحات فقمن ، ثمّ قال : كأنّي دعيت فأجبت ، وإنّي تارك فيكم الثقلين : أحدهما أكبر من الآخر ،
كتاب الله وعترتى أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، ثمّ قال : إنّ الله مولاي وأنا وليّ كل مؤمن ، ثمّ أخذ بيد علي(رضي الله عنه) فقال : من كنت وليه ، فهذا وليه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، فقلت لزيد : سمعته من رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : نعم ، وإنّه ما كان في الدوحات أحد إلاّ ورآه بعينه وسمعه بأذنيه"(10) .
وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم عن زيد بن أرقم قال : "لمّا رجع رسول الله(صلى الله عليه وآله) من حجّة الوداع ، ونزل غدير خم أمر بدوحات فقمن ، فقال : كأنّي دعيت فأجبت ، وإنّي تارك فيكم الثقلين : أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، ثمّ قال : إنّ الله عزّ وجل مولاي وأنا وليّ كل مؤمن ، ثمّ أخذ بيد علي(رضي الله عنه) ، فقال : من كنت وليه ، فهذا وليه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه" .
يقول الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وقد أخرجه الحافظ الذهبي في تلخيصه على المستدرك(11) .
وفي كنز العمال للمتقي الهندي "أنّ الله مولاي وأنا وليّ كل مؤمن ، من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه" . وأخرج هذا الحديث عن جابر وأبي سعيد وابن عباس وزيد بن أرقم وأبي هريرة .
ويقول الشهرستاني في الملل والنحل : "ومثل ما جرى في كمال الإسلام وانتظام الحال حين نزل قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(12) .
فلمّا وصل غدير خم أمر بالدوحات فقمن ، ونادوا : الصلاة جامعة ، ثمّ قال عليه الصلاة والسلام وهو على الرحال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار ، ألا هل بلّغت؟ ثلاثاً"(13) .
إنّ حديث الغدير من الأحاديث المتواترة ، وقد رُوي من قِبَل الصحابة والتابعين وعلماء الحديث في كل قرن بصورة متواترة ، فقد نقل حديث الغدير ورواه (110) من الصحابة ، و(89) من التابعين ، و(3500) من العلماء والمحدّثين ، وفي ضوء هذا التواتر لا يبقى مجال للشك في أصالة وصحة هذا الحديث ، كما أنّ فريقاً من العلماء ألّفوا كتباً مستقلة حول حديث الغدير .
وتأسيساً على ما سبق نسوق تلك المحاورة التي دارت بين عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس : "كان الخليفة الثاني يأنس بابن عباس ويميل إليه كثيراً ، فقال له يوماً : يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها هل بقي في نفس عليّ شي من الخلافة . قال ابن عباس : قلت : نعم ، فقال عمر : لقد كان من رسول الله في أمره ذروة من قول لا تثبت حجة ولا تقطع عذراً ، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا وحيطة على الإسلام فعلم رسول الله أنّي علمت ما في نفسه فأمسك" .
وما جاء في البخاري والطبقات : "أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال في مرضه الأخير : عليَّ بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً ، فقال عمر : إنّه يهجر ، وقد غلب عليه الوجع"(14) .
وفي النهاية لابن الأثير في مادة (هجر)(15) .
وفي هذا المعنى يقول أحد الشعراء :

أوصى النبي فقال قائلهم     قد راح يهجر سيّد البشـر
لكن أبا بكر أصاب ولـم     يهجر وقد أوصى إلى عمر

____________
1- منهم عبد الرحمن بن عوف الذي آخى النبي(صلى الله عليه وآله) بينه وبين سعد بن الربيع الخزرجي ، فقال له : إنّ لي زوجين فانظر أيّهما شئت حتّى أطلّقها لتتزوجها وأشاطرك نصف مالي ، فقال : بارك الله لك في مالك وأهلك ، ولكن دلّوني على السوق . تاريخ الإسلام للذهبي 2 : 104 .
2- صهيب بن سنان الرومي منعته قريش بأن يلحق بالرسول في هجرته ، فقال لهم : أرأيتم إن تركت مالي ، أمخلّون أنتم سبيلي؟ قالوا : نعم ، فترك لهم ماله أجمع ، فبلغ ذلك النبي(صلى الله عليه وآله) ، فقال : ربح صهيب .. المرجع السابق 2 : 235 .
3- من هؤلاء أبو بكر وعثمان والزبير وغيرهم .
4- ابن أبي العز الحنفي ، شرح العقيدة الطحاوية ، ص472 ـ 474 .
5- صحيح مسلم 2 : 122 ـ 123 .
6- ابن أبي العز الحنفي ، مرجع سابق ، ص474 .    الصفحة 22    
7- البقرة : 180 .
8- د. الشيخ أحمد الوائلي ، هوية التشيع ، ص110 .
9- ابن حجر الهيتمي ، الصواعق المحرقة ، ص42 .
10- النسائي ، الخصائص ، ص40 ـ 41 .
11- الحاكم النيسابوري ، المستدرك على الصحيحين 3 : 109 .
12- المائدة : 67 .
13- الشهرستاني، الملل والنحل 1: 163 .
14- البخاري ، صحيح البخاري 5 : 137 ، طبقات ابن سعد 4 : 61 .
15- ابن الأثير ، النهاية 5 : 246 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page