مرض رسولاللّه ليس مفاجاه، لقد اعلن رسولاللّه مرارا وتكرارا بانه سيمرض فى ذلك العام، ويموت فى مرضه لانه قد خير فاختار ما عند اللّه، فقال للناس فى حجه الوداع لعلى:
لا القاكم بعد عامى هذا، وقال للناس فى غديرخم:
يوشك ان ادعى فاجيب.. لقد قعد رسولاللّه على فراش المرض، فى بيت عائشه ام المومنين، واحيط الناس علما بان الرسول سيموت من مرضه هذا، كل شىء واضح تماما، اكمل اللّه الدين واتم النعمه، ولقد جرت العاده ان تجتمع الاسره عند مريضها، وان تستمع اليه، فيلخص لها الموقف.
وجرت العاده ان تجتمع عليه القوم عند زعيمهم اذا مرض مرض الموت ليلخص لهم الموقف وليعبروا له عن ارتباطهم به، وعن تقديرهم لجهده المميز الذى بذله طوال فتره قيادته لهم، هذا امر طبيعى قد الفته البشريه كلها، وحدث ويحدث مع كل ارباب الاسر وزعماء العالم فكيف بسيد ولد آدم محمد رسولاللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وهو قائد الدعوه وقائد الدوله، العارف بماضيه وحاضره ومستقبله المشفق على امته الرووف الرحيم بها؟!
فهو الاولى بتلخيص الموقف، واصدار توجيهاته النهائيه بالوقت الذى يراه مناسبا، ولم لا فمحمد سيبقى رسميا رسولاللّه ومتمتعا بحقوق الرساله حتى يلفظ آخر انفاسه الطاهره، ويبقى قائدا للدوله واماما ووليا للامه ومتمتعا بكافه صلاحياته حتى اللحظه التى تصعد فيها روحه الطاهره الى بارئها عز وجل!!.
ثم ان رسولاللّه كان يقعد على فراش مملوك له، وداخل بيته المملوك له لا فى بيوت الناس، ومن حق المريض اى مريض على الاطلاق ان يقول ما يشاء!!
ومن حق صاحب البيت اى صاحب بيت انه يقول داخل بيته ما يشاء، هذا حق طبيعى للانسان تعارفت عليه البشريه واحترمته على مختلف الوانها ومعتقداتها، ومحمد كسيد ولد آدم وكانسان هو الاولى بممارسه هذا الحق!!
ثم ان محمد رسولاللّه على صله دائمه باللّه تعالى، وعلى ارتباط عميق بالوحى والملائكه تنزل وتصعد فى كل لحظه، واهل السماء فى شغل شاغل لتغطيه حدث موته وهو يعى وعيا تاما ما يدور حوله، ومتاثر بحفاوه اهل السماء به!!
ثم ان محمدا بهذا الوقت يخطط ويعبىء ويشرف على تسيير جيش اسامه للاصطدام مع احدى القوتين الاعظم فى العالم آنذاك!!
ومن كانت حاله كحاله النبى هذه، لا يمكن ان يكون قاصرا، ولا يمكن ان يكون بحاجه الى توجيهات رعاع العرب، وليس مجنونا، او فاقدا للسيطره على نفسه، ولا هاجرا او يهجر، كما زعم عمربن الخطاب، والانقلابيون الذين اقتحموا عليه الغرفه المقدسه!!
الرسول يضرب موعدا لكتابه توجيهاته النهائيه:
من الموكد ان رسولاللّه، قد حدد موعدا لكتابه توجيهاته النهائيه، وتلخيصه للموقف، ومن الموكد انه قد طلب حضور عدد من اهل ثقته ومن خواصه ليشهدوا كتابه توجيهاته، حتى يكونوا عونا لولى الامر من بعده، وحجه على خصمه، فمحمد ليس رجلا عاديا، انما هو خيره اللّه من خلقه، ورسولاللّه، وولى الامه، وقائد دولتها، فمن غير الممكن عقلا ان لا يستحضر احدا عند كتابه توجيهاته النهائيه.
من الذى اخبر عمر بن الخطاب عن هذا الموعد:
طالما ان الرسول قد حدد الموعد داخل بيته، ولم يعلم به الا اهل بيت النبوه وزوجات الرسول فكيف عرف عمر بن الخطاب بهذا الموعد المحدد حتى جاء اليه ومعه حشد هائل من انصاره ومن قاده التحالف ليحولوا بين رسولاللّه وبين كتابه توجيهاته النهائيه؟ ومن الذى اخبر عمر عن مضمون التوجيهات النهائيه حتى عرفها تماما وحشد حشده، اعترف عمر بن الخطاب فى ما بعد قائلا:
(لقد اراد رسولاللّه فى مرضه ان يصرح باسم على بن ابى طالب فمنعته) (1125).
مما يعنى:
ان عمر عرف وقت كتابه التوجيهات النهائيه، ومضمون هذه التوجيهات من مصدر ما داخل بيت الرسول!!
عندئذ كانت مع عمر المده الكافيه ليجمع قاده التحالف، ويخبرهم بالموعد وبالمضمون معا ويتفق واياهم على خطه للحيلوله بين الرسول وبين كتابه ما اراد.
فمن هو هذا المصدر من بيت الرسول الذى انبا عمر بموعد كتابه التوجيهات النهائيه وبمضمون هذه التوجيهات؟
المصدر الذى اخبر عمر بالموعد:
هذا المصدر او المخبر يكره على بن ابى طالب بالضروره، ويعارض خلافه على للنبى، وتربطه بعمر وبابى بكر علاقه قويه جدا ومميزه!!
ومن المستحيل استحاله مطلقه ان يكون من اهل بيت النبوه، اذن لا بد ان يكون احد الخدم، او احدى زوجات الرسول، والخدم لا يجروون اطلاقا على مثل هذا العمل الخطير، فيبقى الاحتمال الموكد ان احدى زوجات الرسول قد اطلعت عمر على وقت كتابه التوجيهات وعلى مضمون هذه التوجيهات لانها سمعت الرسول يتكلم بذلك مع على بن ابى طالب.
وبهذه الحاله تقفز الى الذهن حفصه زوجه الرسول وابنه عمر بن الخطاب، وتقفز عائشه زوجه الرسول وابنه ابو بكر، قال الواقدى فى مغازيه:
ان ابا بكر وعمر لا يفترقان، وان عائشه وحفصه ابنتاهما كانتا معا.
ربما كانتا معا قد اخبرتا عمر، او كانت احداهما قد اخبرت عمر عن موعد كتابه التوجيهات النهائيه وعن مضمون هذه التوجيهات.
وقد اخبرنا اللّه تعالى عن تظاهر زوجتين من زوجات الرسول عليه فقال (وان تظاهرا عليه فان اللّه هو مولاه) (1126).. وقال عمر بن الخطاب فى ما بعد ان اللتين تظاهرتا على الرسول هما حفصه وعائشه، هكذا اخرج البخارى فى تفسير هذه الايه (1127)، وان اللّه سبحانه وتعالى طلب منهما ان تتوبا الى اللّه، والتوبه لا تطلب الا من المذنب (1128).
واتلو ما انزل اللّه تعالى:
(ان تتوبا الى اللّه فقد صغت قلوبكما) (1129).. قالت عائشه للنبى يوما:
(انت الذى تزعم انك رسولاللّه) (1130)، ولهما ضرب اللّه مثلا امراه نوح وامراه لوط (1131).
كل هذا يرجح ان تكون احداهما قد اخبرت عمر بموعد كتابه التوجيهات النهائيه وبمضمون هذه التوجيهات.
ولكن من منهما؟ لنتابع استقراءنا للنصوص:
روى البخارى فى صحيحه (كتاب الجهاد والسير) باب ما جاء فى ازواج الرسول عن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب قال:
(قام النبى صلى اللّه عليه وآله وسلم خطيبا فاشار نحو مسكن عائشه فقال:
(ها هنا الفتنه، ها هنا الفتنه، ها هنا الفتنه -ثلاثا- من حيث يطلع قرن الشيطان) راجع صحيح بخارى مطابع الشعب ج4 ص100!!
وفى لفظ آخر خرج رسولاللّه من بيت عائشه فقال:
(راس الكفر من ها هنا، من حيث يطلع قرن الشيطان) (1132).
فاذا اخذنا بعين الاعتبار ان الرسول كان مريضا فى بيت عائشه وان المواجهه بين الرسول وبين عمر بن الخطاب تمت فى بيت عائشه قرب الاحتمال ان تكون عائشه زوج النبى هى التى اخبرت عمر بن الخطاب عن موعد كتابه التوجيهات النهائيه، وعن مضمون هذه التوجيهات!!
وعلى اثرها استعد عمر وحشد عددا كبيرا من اعوانه فكسروا خاطر النبى الشريف وحاولوا بينه وبين كتابه ما اراد.
ومن جهه اخرى، فان عائشه ام المومنين كانت تكره الامام على وتحقد عليه ولا تطيق ولا تحتمل ان تلفظ حتى اسمه بدليل:
ا- عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن مسعود عن عائشه قالت:
لما ثقل رسولاللّه واشتد به وجعه.. فخرج بين رجلين تخط رجلاه الارض بين ابن عباس (تعنى الفضل) وبين رجل آخر قال عبيد اللّه فاخبرت عبد اللّه بن عباس بالذى قالت عائشه فقال لى عبد اللّه بن عباس هل تدرى من الرجل الاخر الذى لم تسم عائشه؟ قال:
قلت لا.
قال:
ابن عباس هو على بن ابى طالب ثم قال:
ان عائشه لا تطيب لها نفسا بخير) (1133).
ب- عن عطاء بن يسار قال:
جاء رجل فوقع فى على وفى عمار عند عائشه فقالت عائشه:
(اما على فلست قائله لك فيه شىء واما عمار فقد سمعت رسولاللّه يقول فيه (لا يخير بين امرين الا اختار ارشدهما) (1134).
ج- وفى ما بعد خرجت على الامام على، وحاربته ونبحتها كلاب الحواب، بدعوى المطالبه بدم عثمان مع انها هى التى افتت بقتله (1135).
ومع ان عائشه قد خسرت حربها، ووقعت اسيره بعد ان ثارتها فتنه عمياء الا ان الامام على اكرمها واعادها معززه مكرمه لما قتل عثمان كانت تتصور ان الناس سيبايعون ابن عمها طلحه قال البلاذرى فى انساب الاشراف (1136):
(كانت عائشه فى مكه حين بلغها قتل عثمان، ولم تكن تشك فى ان طلحه هو صاحب الامر فقالت بعدا (لنعثل) اى لعثمان وسحقا، ايه ذا الاصبع ابا شبل ايه يا ابن عم لكانى انظر الى اصبعه وهو يبايع)، تعنى بذلك ابن عمها طلحه.
ولما علمت ان طلحه لم يبايع، وان الناس قد اجتمعوا على على بن ابى طالب صعقت فقالت (واللّه، ليت ان هذه انطبقت على هذه) اى انطبقت السماء على الارض ثم قالت ردونى ردونى وقادت فتنتها العمياء بالتعاون مع طلحه والزبير اكثر المولبين على عثمان للمطالبه بدم عثمان (1137)!!
د ومع ان الامام على اكرمها واعادها معززه الى بيتها التى خرجت منه وقد امرت ان تقر فيه الا انه لما بلغها موت الامام على (سجدت للّه شكرا) (1138).
فقد قيل تبت وعلى غمضا فلم سجدت الشكر لما قبعا راجع النص والاجتهاد للامام العاملى ص457.
هذه طبيعه مشاعر ام المومنين نحو على بن ابى طالب، فمن الطبيعى ان تتحالف مع اى كان لصرف الامر عنه، ومن الطبيعى ان تخبر عمر وابا بكر عن موعد كتابه التوجيهات النبويه النهائيه وعن مضمون هذه التوجيهات وان تشترك معهما باتخاذ كل ما يلزم للحيلوله بين الامام على وحقه الشرعى بالقياده من بعد النبى، وهى تعلم علم اليقين ان على هو صاحب الامر شرعا من بعد النبى.
ه- ولكن كيف تحب من قتل اولاد عمها فى بدر، انها تكره على وتكره ذريته.
فعندما ارادوا دفن ابن النبى الحسنبن على بجانب جده رسولاللّه، ركبت عائشه بغلا، واستعونت بنى اميه ليحولوا بين الحسن وبين ان يدفن بجانب جده، راجع ترجمه الحسن من مقاتل الطالبيين، وجاءها القاسمبن محمدبن ابى بكر وقال لها (يا عمه ما غسلنا رووسنا من يوم الجمل الاحمر اتريدين ان يقال (يوم البغله الشهباء) ولولا حكمه الحسن لاثارتها ثانيه فتنه عمياء) (1139).
فعلت كل هذا وقد اذنت ان يدفن ابيها، وعمر بن الخطاب مع ان الدار لرسولاللّه لا لها، ولها منها 9ر1 الثمن فقط وفى ذلك يقول القائل:
فتجملت تبغلت ولو عشت تفيلت فلك التسع من الثمن وبالكل تملكت و- والسيده التى تفعل كل هذا يهون عليها ان تخبر عمر بن الخطاب وقاده التحالف عن موعد كتابه التوجيهات النبويه النهائيه وعن مضمون هذه التوجيهات.
ز- والمكانه التى تمتعت بها عائشه فى عهدى ابى بكر وعمر، تجعلنا نجزم بانها هى التى اخبرتهما بموعد ومضمون التوجيهات النبويه الالهيه، حتى اعدا العده، وحالا بين الرسول وبين كتابه ما اراد، وكسرا خاطره الشريف.
فلا احد من المسلمين والمسلمات كان ياخذ عطاء اكثر من عائشه، وحفصه فلكل واحده منهما اثنى عشر الفا فهما مميزتان على نساء الرسول اللواتى اعطيت لكل واحده منهن عشره آلاف.
وكلمه عائشه عند عمر كانت امرا، انظر الى قوله:
(ومن تامرنى ان استخلف) ذلك انه لما طعن عمر ارسل ابنه عبد اللّه بن عمر ليستاذن عائشه فيدفن فى بيت الرسول الى جانبه وجانب ابى بكر، فقالت عائشه حبا وكرامه، ثم قالت لعبداللّه بن عمر (يا بنى ابلغ عمر سلامى وقل له لا تدع امه محمد بلا راع، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا، فانى اخشى عليهم الفتنه!
عندئذ قال عمر:
ومن تامرنى ان استخلف) (1140)!!
فلو امرته ام المومنين ان يستخلف اعرابيا من الباديه لفعل، فهو مدين لها بمنصب الخلافه، فلو لم تخبره بموعد ومضمون التوجيهات النبويه النهائيه لسار الامر سيرا طبيعيا ولما اختلف اثنان فى ما بعد.
والخلاصه وعلى ضوء ما ذكرنا:
فان عائشه ام المومنين هى المصدر او المخبر الذى اخبر عمر بن الخطاب وقاده التحالف بموعد كتابه التوجيهات النبويه النهائيه وبمضمون هذه التوجيهات، مما اعطى عمر الوقت والفرصه ليجمع قاده التحالف ويقتحم بهم بيت رسولاللّه فيحولوا بينه وبين كتابه ما اراد.
الاعلان عن وجود انقلاب وعن وجود قاعده شعبيه تدعم هذا الانقلاب:
منذ اعلان النبوه والرساله، وبطون قريش بحركه دائمه لا يعتدلها، ولا يستقيم لها حال، وهمها الاعظم صرف شرف النبوه عن محمد الهاشمى، والحيلوله بين العرب وبين الاعتراف بهذه النبوه، لا كراهيه بالدين الجديد، فليس فى الدين الجديد ما تعافه النفس البشريه، ولكن حسدا لبنى هاشم، وبعد مقاومه ضاريه، وحرب ضروس دامتا 21 عاما قتل الهاشميون خلالهما خيره ابناء بطون قريش، صارت البطون تحقد على محمد والهاشميين لانهم قتله الاحبه وهكذا جمعت البطون مع الحسد لبنى هاشم الحقد عليهم، وفوجئت البطون بجيش جرار قوامه عشره آلاف مقاتل يغزوها فى عقر دارها بقياده محمد والهاشميين، فاستسلمت، وتلفظت بالشهادتين، ولكن الحسد والحقد على بنى هاشم كانا قداستقرا فى نفوس ابناء البطون نهائيا.
ولم ينقب الرسول الكريم عما فى نفوس البطون بل اكتفى بالظاهر لان البواطن اختصاص الهى، وفتح النبى صفحه جديده، وقالت البطون انها قد نسيت الماضى، واسفت عليه وانها تفتح صفحه جديده ايضا.
وكان فتح مكه فرصه لالتقاء ابناء قبيله قريش، المهاجر منهم والطليق، وفرصه لتذكر الاحبه الذين قتلت اكثريتهم على يد الهاشميين وبسبب محمد، وكانت فرصه لتذكر الصيغه السياسيه القائمه على اقتسام مناصب الشرف بين البطون، وعلى التوازن والتعادل فى ما بينها.
وركز النبى تركيزا خاصا على منصب القياده من بعده على اعتبار انه النظام الواقعى الامثل الذى يبقى جموع المسلمين داخل اطار الشرعيه والمشروعيه، وبامر من ربه قدم الرسول علىبن ابى طالب كاول امام وقائد للامه من بعده.
المواجهه فى الموعد المحدد وسببها المباشر:
حضر الذين اصطفاهم النبى ليكتب امامهم التوجيهات النهائيه وليلخص امامهم الموقف، وفجاه حضر عمر بن الخطاب ومعه قاده التحالف وعدد كبير من اعوانه، الذين اتفق معهم عمر على خطه تحول بين النبى وبين كتابه ما اراد.
وحضور اعوان عمر لم يكن بالحسبان،!!
كيف يفعل النبى امام هذه المفاجاه؟ هل يلغى الموعد، ويضرب موعدا جديدا، او يمضى قدما الى حيث امره اللّه؟، لقد اختار النبى الحل الاخير فقال:
(قربوا اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا)، وفى روايه ثانيه:
(ائتونى بكتاب اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا، وفى روايه ثالثه (ائتونى بالكتف والدواه او اللوح والدواه اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا، وفى روايه اخرى (ائتونى بكتاب اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ابدا)، وفى روايه خامسه (ائتونى اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا)، وفى روايه سادسه قال (ائتونى بكتف اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ابدا)، وفى روايه سابعه قال الرسول (هلم اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده).
هذا ما قال الرسول حسب كل الروايات، وهذا سبب المواجهه المباشر بين الرسول وعمر بن الخطاب وحزبه.
هل هذا السبب يوجب المواجهه مع الرسول؟
انظر مليا الى هذه الروايات السبع التى اسندت للرسول:
هل فيها خطا؟ هل فيها غلط!!
هل فيها اساءه لاحد!!
من يرفض التامين ضد الضلاله، ولماذا، ولمصلحه من هذا الرفض؟ ثم ان الرسول فى بيته، ومن حق الانسان ان يقول داخل بيته ما يشاء، ثم ان الرسول مسلم ومن حق المسلم ان يوصى، والذين يسمعونه احرار فى ما بعد باعمال اقواله او اهمالها ثم ان الرسول ما زال رسولا وقائدا للدوله وسيبقى حتى تصعد روحه الطاهره الى بارئها متمتعا بصلاحياته كرئيس.
انه وبكل المعايير العقليه والانسانيه والدينيه لا يوجد ما يبرر مواجهه الرسول بسبب قوله (هلم اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ابدا) بل ان المومن الصادق يستجيب للّه ولرسوله، ويفرح بهذا العرض الذى يحصن الامه ضد الضلاله ابدا!!!
قائد التحالف عمر بن الخطاب يتصدى للنبى:
ما ان اتم رسولاللّه جملته:
(قربوا اكتب لكم كتابا..) حتى تصدى له عمر بن الخطاب وقال متجاهلا النبى وموجها كلامه للحاضرين (ان النبى يهجر وعندكم القرآن حسبنا كتاب اللّه) (1141).
قاده التحالف يرددون خلف عمر:
وما ان اتم عمر كلامه حتى قال اعوانه بصوت واحد متجاهلين وجود الرسول وموجهين كلامهم للحضور:
(هجر رسولاللّه، ان رسولاللّه يهجر، ما شانه اهجر؟ استفهموه؟، ماله اهجر؟ استفتموه؟ وردد اتباع عمر مع كل جمله من الجمل الاربعه قافيه (القول ما قال عمر) متجاهلين بالكامل وجود الرسول.
الحضور من غير حزب عمر:
صعق الحضور من غير حزب عمر من هول ما سمعوا فقالوا:
قربوا يكتب لكم الرسول، ويرد عمر عليهم متجاهلا وجود النبى:
(ان النبى يهجر، وعندنا كتاب اللّه حسبنا كتاب اللّه)، -وعلى الفور- يضج اتباعه بالقافيه:
القول ما قال عمر ان النبى يهجر، ماله استفهموه اهجر؟ ما شانه اهجر!!
النسوه يتدخلن فى الامر:
قال ابن سعد فى طبقاته (1142):
(لما مرض الرسول قال:
(ائتونى بصحيفه ودواه اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا، قالت النسوه:
الا تسمعون رسولاللّه قربوا.. فقال عمر:
انكن صويحبات يوسف، فقال الرسول:
(دعوهن فانهن خير منكم) يبدو ان النساء المتجمعات فى بيت رسولاللّه بمناسبه مرضه سمعن اللغط والمشاده بين عمر واتباعه من جهه، الذين يحاولون بكل ما اوتوا من قوه ان يحولوا بين الرسول وبين كتابه ما اراد وبين المومنين الصادقين الحاضرين الذين استجابوا للّه وللرسول، فعندئذ تجمعن امام الباب او من وراء الستر، وتعجبن مما يفعل عمر وحزبه فقلن.. عندئذ نهرهن عمر وقال انتن صويحبات يوسف فرد الرسول عليه ذلك الرد الموجع.
نتيجه تصرفات عمر وحزبه:
كثر اللغط، وكثر اللغو، وكثر الاختلاف، وارتفعت الاصوات، وتنازع الفريقان، فريق عمر، والفريق الذى يويد الرسول وسمعت النساء بما جرى وهتفن:
الا تسمعون رسولاللّه وصاح عمر وحزبه بالنساء ورد الرسول على عمر وحزبه ردا موجعا، وصارت الكتابه بهذا الجو مستحيله، لان عمر وحزبه كانوا على استعداد لفعل اى شىء يحول بين الرسول وبين كتابه ما اراد، وقد ادرك الرسول ذلك وراى الكثره التى جلبها لهذه الغايه.
الرسول يحسم الموقف وينصرف الجميع:
راى رسولاللّه كثره حزب عمر، واصرارهم على فعل اى شىء للحيلوله دون الرسول ودون كتابه ما اراد، فلو اصر الرسول على كتابه ما اراد، لاصر عمر وحزبه على اثبات هجر رسولاللّه، مع ما يجره هذا الاتهام من عواقب مدمره للتشكيك بكل ما قاله الرسول، وبما ان اللغط والاختلاف، وارتفاع الاصوات عند النبى قد كثر، وحدثت مشاده كادت تودى للتنازع، بل وبدا التنازع فعلا، لذلك راى رسولاللّه ان يصرف النظر عن كتابه توجيهاته النهائيه، وتلخيصه للموقف، وحسم موضوع هذا التجمع، فعندما وصل الامر بالنساء لانتقاد تصرفات عمر، ورد عمر وحزبه على النساء متهمين اياهن (بانهن صويحبات يوسف)، تكلم رسولاللّه واجاب عمر وحزبه (بانهن خير منكم) (1143)، وقال الرسول:
(دعونى فالذى انا فيه خير مما تدعونى اليه)، او (ذرونى فالذى انا فيه خير مما تدعونى اليه)، او قال:
(قوموا عنى ولا ينبغى عندى التنازع)، او قال:
(قوموا عنى).
وهذا ما تمناه عمر وحزبه، فبعدما نجح عمر وحزبه بالحيلوله دون رسولاللّه وكتابه ما اراد، فقد تحققت الغايه من اقتحامهم لبيت الرسول، ولم يعد ما يوجب البقاء (1144).
لماذا استمات عمر وحزبه ليحولوا بين الرسول وكتابه ما اراد؟
لقد اعترف عمر فى ما بعد، بانه وحزبه لم يحولوا بين الرسول وبين كتابه ما اراد لان المرض قد اشتد به، او لان القرآن وحده يكفى كما زعموا يومها، انما صدوا النبى عن كتابه ما اراد حتى لا يجعلوا الامر لعلىبن ابى طالب (1145)!!
حوادث مشابهه ومكر الليل والنهار!!:
مرض ابو بكر:
مرض ابو بكر مرضا شديدا قبل ان يموت، دعى ابو بكر عثمان قبيل وفاته بقليل ليكتب توجيهاته النهائيه، وطلب من عثمان الا يسمع احد وقال لعثمان اكتب:
(انى قد وليت عليكم.. -فاغمى على ابى بكر من شده الوجع- فكتب عثمان اسم (عمر) (انى قد وليت عليكم عمر) فلما افاق ابو بكر من غيبوبته، طلب من عثمان ان يقرا له ما كتب، فقرا عثمان، فسر ابو بكر وقال:
(لو كتبت نفسك لكنت اهلا لها).
واصغى المسلمون لابى بكر ونفذوا تعليماته وعاملوه بكل التوقير والاحترام ولم يقولوا ان ابا بكر هجر، ولا قالوا ان المرض قد اشتد به، ولا قالوا حسبنا كتاب اللّه (1146).
عندما اراد ابو بكر ان يكتب توجيهاته النهائيه وهو مريض وقبيل وفاته كان عمر جالسا مع الصفوه التى اختارها ابو بكر ليشهدوا كتابه توجيهاته النهائيه ومعه شديد مولى ابى بكر حاملا للصحيفه.
فكان عمر يقول:
(ايها الناس اسمعوا واطيعوا قول خليفه رسولاللّه، انه يقول انى لم آلكم نصحا (1147)).
قارن بين موقف عمر وحزبه من رسولاللّه وموقفهم من ابى بكر، لم يقل عمر ان ابا بكر قد اشتد به الوجع، مع ان وجع ابى بكر اشد من وجع الرسول!!
ولم يقل عمر:
(ان ابا بكر قد هجر كما قال هو وحزبه عن الرسول!!)
ولم يختلف الحضور ولم يتنازعوا ولم يكثر اللغظ ولم تتدخل النساء، ان هذا لامر عجاب!!
هل لابى بكر قيمه عند عمر وحزبه وقداسه اكثر من قيمه الرسول وقداسته!!
اجب كما يحلو لك!!
مرض عمر:
طعن عمر بن الخطاب، قال طبيبه:
لا ارى ان تمسى فما كنت فاعلا فافعله، واشتد بعمر الوجع، وقال:
لو ان لى ما اطلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع!!
الويل لعمر ولام عمر ان لم يغفر اللّه لعمر!!
وقال لابنه عبد اللّه ضع خدى على الارض لاام لك (1148)!!
ومع هذا كتب عمر توجيهاته النهائيه وعهد لسته نظريا وعهد لعثمان عمليا، وامر بضرب عنق من يخالف تعليماته النهائيه (1149).
لقد كتب عمر ما اراد، ولم يعترضه احد، ولم يقل احد ان المرض قد اشتد بعمر، مع ان المرض قد اشتد به فعلا اكثر مما اشتد المرض برسولاللّه!!
ولم يقل احد ان عمر يهجر كما قال ذلك عمر وحزبه لرسولاللّه، ولم يقل احد عندنا كتاب اللّه وهو يكفينا ولا حاجه لوصيتك، انما عومل عمر بكل التوقير والتقديس والاحترام، ونفذت تعليماته النهائيه حرفيا كانها كتاب منزل من عند اللّه واكثر!!
فهل لعمر وابى بكر قداسه عند الناس اكثر من رسولاللّه!!
وباى كتاب انزل بان الاثنين اولى بالاحترام والطاعه من رسولاللّه!!
اجب بما يحلو لك، فانك لن تغير الحقيقه المره!!
لم يصدف طوال التاريخ:
لم يصدف طوال التاريخ ان عومل ولى الامر سواء اكان خليفه او ملكا وهو مريض بالقسوه والجلافه التى عومل بها رسولاللّه!!
ولم يصدف ان اعترض المسلمون اى خليفه اذا اراد ان يكتب تعليماته النهائيه او يستخلف من بعده بل على العكس، قال ابن خلدون فى مقدمته (ان الخليفه ينظر للناس حال حياته، وتبع ذلك ان ينظر لهم بعد وفاته ويقيم لهم من يتولى امورهم من بعده) (1150).
لم يقل احد لاى خليفه (قد اشتد به الوجع!!
ولم يقل احد انه قد هجر!!
ولم يقل احد عندنا كتاب اللّه حسبنا، كما قيل لرسولاللّه فهل للخليفه وقار عند المسلمين اكثر من الرسول!!
وهل له مكانه اعظم من مكانه الرسول!!
ان هذا لامر عجاب!!
اجب بما يحلو لك!
لقد قالوها بصراحه ان الخليفه اعظم من الرسول (1151).
الاعلان عن وجود انقلاب، وقاعده شعبيه له:
موقف عمر وحزبه فى الحجره المقدسه، وقولهم للنبى:
(انت تهجر) وحيلولتهم بين النبى، وبين كتابه ما اراد، والحشد الذى جمعه عمر واقتحم به بيت رسولاللّه، ونجاحه بالحيلوله بين الرسول وبين كتابه ما اراد واعلانه رسميا بتاييد من حزبه ان القرآن وحده يكفى، ولا حاجه لرسولاللّه ولا لتوجيهاته هو بمثابه اعلان عن وجود انقلاب تدعمه قاعده شعبيه وبان الانقلابيين سيستولون قريبا على السلطه بالقوه، وانباء المواجهه التى جرت فى حجره الرسول بين الرسول ومن والاه من جهه وبين قائد الانقلاب عمر بن الخطاب ومن والاه من جهه اخرى شقت طريقها بكل تفاصيلها الى اسماع اهل المدينه وما حولها من الاعراب، وسمع بها المنافقون، وشعروا بالسعاده لانها بشائر انهيار الاسلام ونظامه السياسى بالنسبه لهم، واغتبط المنافقون لان عمر وحزبه كسروا خاطر الرسول وقالوا له:
(انت تهجر)، وحالوا بينه وبين كتابه ما اراد، وارتفعت اسهم عمر وقاده التحالف عند المنافقين ارتفاعا عظيما.
وتذكر المنافقون ان عمر بن الخطاب وطلحه من قاده التحالف بعد ان فروا من معركه احد واشيع بان النبى قد قتل، قالوا (ليت لنا من ياتى عبد اللّه بن ابى سلول -زعيم المنافقين- لياخذ لنا امانا من ابى سفيان قبل ان يقتلونا) كما سنوثق ذلك (1152)، وسنسوق عشرات المصادر فى ما بعد.
وشعر المنافقون بالارتياح، لان ذلك النفر هم (قاده الانقلاب)، وتصور المنافقون ان الفرج عليهم قريب!!.
______________
1125- شرح النهج لعلامه المعتزله بن ابى الحديد ج 3ص ،105وكتابنا النظام السياسى فى الاسلام ص142.
1126- سوره التحريم آيه 4.
1127- صحيح البخارى 3/136، 3/137.
1128- الكشاف،4/566وتفسير الرازى،8/332والدر المنثور للسيوطى،6/239، 342وتفسير القرطبى،18/177، 188وفتح الغدير للشوكانى،5/250وتفسير ابن كثير 4/387، 388.
1129- سوره التحريم آيه 4.
1130- آداب النكاح من الاحياء 2/35لمحمد الغزالى، وذكره فى مكاشفه القلوب باب 94ص237.
1131- تفسير القرطبى،18/202وفتح القدير للشوكانى 5/255.
1132- صحيح مسلم كتاب الفتن باب الفتنه من المشرق 2/560، 18/31 33بشرح النووى.
1133- الطبقات الكبرى لابن سعد 2/29بسند صحيح ط ليدن، 2/232طبعه دار صادر بيروت، وصحيح البخارى باب مرض النبى ووفاته 5/139 140طبعه دار الفكر (ولكن البخارى حذف لا تطيب لها نفسا بخير)، وراجع السيره الحلبيه 3/334.
1134- مسند الامام احمد بن حنبل 6/113.
1135- تاريخ اليعقوبى،2/152وشرح النهج تحقيق ابى الفضل ،6/215،216وتذكره الخواص ص،61، 64وتاريخ الطبرى ،4/407والكامل لابن الاثير /3ر206.
1136- انساب الاشراف ص217.
1137- الغدير للعلامه الامينى ج 9ص،2والنص والاجتهاد للامام العاملى ص436، 437.
1138- مقاتل الطالبيين لابى فرج الاصفهانى ص،43وكتاب الجمل للشيخ المفيد 83 84.
1139- مروج الذهب للمسعودى، والنص والاجتهاد للامام العاملى 457، 458.
1140- على سبيل المثال الامامه والسياسه لابن قتيبه الدينورى 1/22.
1141- تذكره الخواص للسبط بن الجوزى الحنفى ص،62وسر العالمين وكشف ما فى الدارين لابى حامد الغزالى ص21.
1142- الطبقات لابن سعد 2/243، 244.
1143- طبقات ابن سعد 2/243، 244.
1144- صحيح البخارى كتاب المرض باب قول المريض قوموا عنى،7/9وصحيح مسلم فى آخر كتاب الوصيه،5/75وصحيح مسلم بشرح النووى،11/95ومسند الامام احمد،4/356ح ،2992وصحيح بخارى،4/31وصحيح مسلم،2/16ومسند احمد ،3/286و،1/355وتاريخ الطبرى،2/192والكامل لابن الاثير ،2/320وتذكره الخواص للسبط بن الجوزى ص،62وسر العالميين وكشف ما فى الدارين لابى حامد الغزالى ص21.
1145- شرح النهج لعلامه المعتزله ابن ابى الحديد 3/114سطر 27الطبعه الاولى مصر وبيروت، 2/79سطر 3بتحقيق ابو الفضل، 3/802طبعه مكتبه الحياه، 3/167طبعه دار الفكر، كتابنا نظريه عداله الصحابه.
1146- تاريخ الطبرى،3/429وسيره عمر لابن الجوزى ص ،37وتاريخ ابن خلدون،2/85وكتابنا النظام السياسى فى الاسلام، ص159.
1147- تاريخ الطبرى، ط اوروبا 1/2138.
1148- الامامه والسياسه لابن قتيبه،1/21 22والطبقات لابن سعد،2/364وكتابنا النظام السياسى فى الاسلام ص ،119وكتابنا الخطط السياسيه لتوحيد الامه الاسلاميه ص367 ، 369.
1149- الطبقات لابن سعد،3/247وانساب الاشراف للبلاذرى ،5/18وتاريخ الطبرى 5/33.
1150- مقدمه ابن خلدون ص،177وكتابنا الخطط السياسيه لتوحيد الامه الاسلاميه ص 382وما فوق.
1151- تاريخ ابن كثير،10/7، 8وسنن ابى داود،4/210 209الحديث،4642ومروج الذهب للمسعودى،3/147والعقد الفريد لابن عبد ربه،5/52، 5/51وتاريخ الطبرى 5/61حوادث ،89وابن كثير،9/76وكتابنا الخطط السياسيه لتوحيد الامه الاسلاميه 385،387.
1152- النص والاجتهاد ص327.