طباعة

المرجعية الدينية

إنّ المرجعية الدينية عند الاُمم السالفة كانت منحصرة في الغالب بأيدي رجال الدين أو الكهنة إذا صح التعبير، وكانت السلطة الزمنية منفصلة عن السلطة الدينية، فكان فراعنة مصر رغم اعتبارهم أنفسهم من نسل الآلهة، إلاّ أنّ ذلك كان في الحقيقة لقباً تشريفياً لهم أكثر منه واقعياً، فالملوك لم يكونوا يتولون من الاُمور الدينية إلاّ بعض أشكال شعائرها التي كان الكهنة في الغالب يقومون بتحضير طقوسها، وكان هؤلاء الكهنة هم المرجع الديني لأهل البلاد، وكان ملوك مصر يحكمون في الغالب في الاُمور التي تتعلق بسياسة الملك وإدارة البلاد، بينما كان الكهنة في معابدهم يتولون الاُمور المتعلقة بشعائرهم الدينية، ويقال مثل ذلك عن معظم الاُمم الاُخرى.
وفي الديانات السماوية تحوّلت الوظائف الدينية الى أيدي الحاخامات في الديانة اليهودية، والبابوات في الديانة المسيحية، حيث كانت السلطة السياسية منحصرة في أيدي الساسة الذين كانوا يتولون ادارة البلاد، وإن كانوا ـ حرصاً على موالاة الشعب ـ يتظاهرون بتمسّكهم بتعاليم رجال الدين ويضفون عليهم هالات التقديس والتعظيم، تاركين لهم التصرف في الشؤون المتعلقة بالدين، بينما ينصرفون هم الى تدعيم ملكهم وممارسة سلطاتهم الزمنية.
وعندما هاجر النبيّ(صلى الله عليه وآله) الى يثرب تشكّلت نواة دولته الإسلامية فيها، وأصبح النبيّ(صلى الله عليه وآله) جامعاً للسلطتين الدينية والزمنية معاً، فهو المعلّم والمرشد في كل ما يتعلق باُمور الشريعة، وبيان الأحكام الشرعية داعياً أتباعه للاستنان بسنّته في كلّ ماله علاقة بالدين، حتى قال لهم: "صلّوا كما رأيتموني اُصلي"، وهو في الوقت ذاته القائد السياسي الذي ينظّم شؤون دولته، كما تجلّى ذلك في الصحيفة التي كتبها في بدء هجرته وعلى أساسها تمّ تنظيم العلاقة بين أتباعه من جهة، وبينهم وبين سكان المدينة الآخرين ممن لم يتّبعوه كاليهود وغيرهم من جهة اُخرى، وكان هو القائد العام للجيش الذي قاد المعارك الكبرى، وكان يبعث السرايا ويُؤمّر عليها بعض أصحابه كلّما دعت الحاجة الى ذلك، فكان النبيّ(صلى الله عليه وآله) هو قائد المجتمع بكلّ معنى الكلمة، الماسك بزمام السلطتين معاً.
لقد فهم المسلمون من تدابير النبي(صلى الله عليه وآله) أنّ هذا الأمر مستمر بعده، وأنّ الذي سوف يخلفه يجب أن يقتدي به، فهو الإمام المتّبع الموكّل بحفظ الشريعة المتمثّلة بالحكم بكتاب الله وما في سنّة النبي(صلى الله عليه وآله)، الى جانب كونه الحاكم الذي يدير اُمور الدولة الإسلامية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فالدين في الإسلام لا ينفصل عن السياسة العامة للدولة الإسلامية، والذي يخلف النبيّ(صلى الله عليه وآله) ينبغي أن يعمل وفق هذا الخط، وبما أنه لا يمكن أن يتساوى أفراد المجتمع الإسلامي في درجة الكفاءة للقيام بمثل هذه المهمة البالغة الخطر، فلابد إذاً من أن تجتمع في الخليفة صفات ومواهب خاصة تمكّنه من القيام بعمله وحفظ الشريعة وصيانة الدولة من أيِّ خطر يتهددها في كلّ مجال.
وإذا كانت بعض الشؤون المتعلقة بالسلطة الزمنية قابلة للاجتهاد فيها حسب مقتضيات المصلحة، فإنّ الاُمور المتعلقة بالناحية الشرعية لا تقبل مثل هذا الاجتهاد الذي قد يقود الى الاستخفاف والتهاون بالشريعة شيئاً فشيئاً، ممّا يعرّض المرجعية الدينية الى عواصف قد لا تصمد أمامها على مرّ الأيام فينشأ من هناك الخطر من وقوع التحريف في هذه الشريعة، وبالتالي ضياع كثير من الأحكام الشرعية، وتكثر العثرات في تطبيقها. لذا يمكن القول بأنّ للمرجعية الدينية شروطاً لا يمكن لمن لم تتوفر فيه أن يتصدى لتولّي هذه المرجعية بما يحمله ذلك من الخطر عليها، ومن هنا تبرز أهمية أن نعرف ما إذا كان النبيّ(صلى الله عليه وآله)قد حدّد خطوط هذه المسألة، وبيّن شروط المتصدّي لها، ونصّ على شخص أو أشخاص بعينهم، أم أنّه ترك الأمر للاُمة لكي تقرّر ذلك وتبيّن الأصلح للتصدّي لهذه المرجعية حسب مقتضيات ما تراه من المصلحة.
شروط المرجعيّة الشاملة:
بعد ما اتّضحت أهمية المرجعية الدينية في حفظ الشريعة، أصبح من الضروري بيان الشروط الواجب توفّرها فيمن يتصدّى لهذه المرجعية، وهي تتمثل في الكفاءة والموهبة التي يملكها المتصدّي لهذا الأمر، وهذا بدوره يتطلب وجود نصّ أو نصوص من النبيّ(صلى الله عليه وآله)على وجود هذه الكفاءة في المنصوص عليه بحيث لا تصبح هذه المسألة موضع نقاش وجدل بين أفراد الاُمة بحيث يؤدي الى تشتت الآراء ووقوع الخلاف الذي نهت الشريعة عنه.
الكفاءة أولى شروط المرجعية الشاملة:
عندما نستعرض تاريخ الدعوة الإسلامية والسيرة النبوية الشريفة، تطالعنا جملة من النصوص أشار فيها النبيّ(صلى الله عليه وآله)الى من تتوفر فيه هذه الكفاءة، فقد أخرج المحدّثون أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)بعد رجوعه من حجة الوداع، نزل في مكان من الجحفة يقال له غدير خم، فأمر بدوحات هناك فقمِّمن، ثم جعل له من أقتاب الإبل شبه المنبر، فرقيه حتى رآه الناس، فكان ممّا قال لهم:
"كأنّي دُعيت فأجبت، إنّي قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض" ونصّت بعض الروايات على أمر مهمّ هو: "ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا"(1).
قال ابن حجر الهيثمي المكّي ـ بعد إيراده لعدة روايات في حديث الثقلين ـ:
ثم اعلم أنّ لحديث التمسك بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيّف وعشرين صحابيّاً، وفي بعض تلك الطرق، أنّه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة، وفي اُخرى أنه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي اُخرى أنه قال ذلك بغدير خم، وفي اُخرى أنّه قاله لما قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف... ولا تنافي. إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة(2).
يمكننا أن نستخلص من نصوص الحديث ومن تعليق ابن حجر: أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)قد بيّن بوضوح من تتمثّل فيه المرجعية الدينية من بعده، ونصّ بذلك على مرجعية عترته وأهل بيته، واعتبرهم قُرناء للكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالقرآن هو المصدر الأوّل للشريعة، وهو الثقل الأكبر، وأهل بيته صلّى الله عليه وآله هم المصدر الثاني لها وهم الثقل الأصغر، وفي تكرار الإشارة إليهم وترديد ذلك في عدة مناسبات دلالة على عظيم أهمية هذا الأمر، وإتاحة الفرصة لمن لم يسمع بالسماع، وتذكير لمن سمع.
ولكنّ النبي(صلى الله عليه وآله) لم يكتف بهذا النصّ على أهل بيته، بل حسم الأمر بشكل أكثر وضوحاً، حيث أخرج المحدثون أنّ أباذر الغفاري(رضي الله عنه)، كان يقول وهو آخذ بباب الكعبة: أيّها الناس، من عرفني فأنا من عرفتم، ومن أنكرني فأنا أبوذر، سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)يقول: "مَثَلُ أهل بيتي مَثَلُ سفينة نوح، من ركبهانجا ومن تخلّف عنها غرق"(3).
وفي نصّ آخر عن ابن عباس وغيره، أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال:
"النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لاُمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس"(4).
وصرّح في بعضها قوله(صلى الله عليه وآله)، عن الثقلين "فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم"(5).
وقد أكّد ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، في مواضع من خطبه، منها قوله(عليه السلام): "انظروا أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم واتّبعوا أثرهم، فلن يُخْرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم في ردى، فإن لبدوا فالبدوا، وان نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلّوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا"(6).
وجاء عن علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام): "... فمن الموثوق به على إبلاغ الحجة وتأويل الحكم إلاّ أعدال الكتاب وأبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى، الذين احتجّ الله بهم على عباده، ولم يدع الخلق سدىً من غير حجة؟! هل تعرفونهم أو تجدونهم إلاّ من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، وبرّأهم من الآفات، وافترض مودّتهم في الكتاب؟!"(7).
فتبيّن ممّا سبق أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قد عيّن ـ بلا ريب ـ لاُمته من بعده من ترجع إليه، وهم أهل بيته(عليهم السلام) وأكّد على وجوب التمسّك بهم مع القرآن، بل وأنذر بأنّ التخلف عنهم، أو مخالفتهم والإعراض عنهم يؤدي الى الهلكة، والوقوع في الضلال.
ولو سألت: ماالذي جعل النبيّ(صلى الله عليه وآله) يحصر هذه المرجعية الدينية في أهل بيته؟
إنّ التسليم بأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) لا ينطق عن الهوى، معناه أن يكون عمله هذا بأمر من الله سبحانه وتعالى، والله قد خصّ أهل البيت(عليهم السلام)بمواهب تؤهلهم لهذه المهمة الخطيرة.
كما تدلّ محكمات كتابه على ذلك منها قوله عزّ من قائل: (إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(8).
فأثبت الله سبحانه لهم الطهارة والخلوص من كلّ العيوب التي يتّصف بها معظم البشر، وطهارتهم هذه تستلزم عصمتهم من الذنوب والعيوب والزلل، ومنها الكذب، أو التقوّل على الله وادّعاء ما لا يصح عليه.
ومن جهة اُخرى فقد أثبت النبيّ(صلى الله عليه وآله) لهم صفات اُخرى مثل كونهم أعلم الاُمة بشريعة الله تعالى، وهذا يستلزم مرجعيّتهم للاُمة.
وفي حثّ النبي(صلى الله عليه وآله) على الاقتداء بهم والاهتداء بهديهم، وعدم التقدم عليهم أو التأخّر عنهم، وعدم تعليمهم، ما يثبت لهم الكفاءة لهذا المنصب المهمّ، ولا يمكن أن يكون ذلك محاباةً لهم; إذ النبيّ(صلى الله عليه وآله) لم يحاب عمّه أبا لهب رغم قرابته له.
هويّة أهل البيت(عليهم السلام)
لقد حاول البعض أن يدخل في أهل البيت(عليهم السلام) من ليس منهم، وقد تصرّف النبي(صلى الله عليه وآله)في عدّة مواضع بما يرفع الريب ويدفع سائر المحتملات ويجعل هوية أهل البيت محدّدة وواضحة للعيان، فقد أخرج المحدّثون عن عدد من الصحابة روايات تتضمن ذلك بشكل واضح، منها ما جاء عن اُم المؤمنين اُمّ سلمة رضي الله عنها أن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، قال لفاطمة(عليها السلام): "ائتني بزوجك وابنيك"، فجاءت بهم فألقى عليهم كساءً فدكياً، ثم وضع يده عليهم، ثم قال: "اللهمّ إنّ هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنّك حميد مجيد"، قالت اُم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي وقال: "إنّكِ على خير"(9).
وعن اُم المؤمنين عائشة، قالت: خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله) غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليّ فأدخله، ثم قال: "(إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)"(10).
ومن الاُمور التي لا خلاف فيها أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)، قد باهل وفد نجران بهذه المجموعة نفسها، فقد أخرج المحدّثون والمفسرون عن عدد من الصحابة، منهم سعد بن أبي وقاص، أنه لما أنزل الله هذه الآية: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأنْفُسَنَا وَأنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ)(11) دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله)
عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: "اللهمّ هؤلاء أهلي"(12).
وقد يسأل سائل: إذا كان أهل البيت هم هؤلاء، فَلِم قالت الشيعة الإمامية الاثني عشرية بأنّ الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام)، هم اثني عشر إماماً؟
والجواب: أنّ النصوص التي جاءت عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) في صدد تحديد خلفائه قد حدّدتهم بهذا العدد، فقد أخرج المحدّثون والحفّاظ ـ واللفظ للبخاري ـ عن جابر ابن سمرة، قال: سمعت النبيّ(صلى الله عليه وآله) يقول: "يكون اثنا عشر أميراً"، فقال كلمة لم اسمعها، فقال أبي إنّه قال: "كلّهم من قريش"(13).
النصّ من شروط المرجعية الشاملة
لقد أوردنا فيما سبق الأدلّة التي تثبت لأهل البيت(عليهم السلام) جدارتهم في التصدي للمرجعية الدينية الإسلامية بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وقدّمنا بعض الشواهد على كفاءتهم لهذه المهمّة باشارات ونصوص صريحة من القرآن الكريم ومن أقوال النبي(صلى الله عليه وآله). وقد ذكرنا فيما سبق أنّ المرجعية الدينية في الإسلام لا تنفصل عن ممارسة القيادة السياسية، وقد مارس الرسول(صلى الله عليه وآله) ذلك وعلى الأخصّ بعد هجرته الشريفة الى المدينة المنوّرة، وأدرك المسلمون هذا التلاحم بين السلطتين الدينية السياسية، فكان النصّ منه على المرجعية الدينية لابد وأن ينسحب على المرجعية السياسية أيضاً، وعلى هذا الأساس عيّن النبيّ(صلى الله عليه وآله) الحاكم الأوّل من بعده، كما عيّن من يليه، ومن ثم أخذت الاُمور مجراها، حيث تولّى كل منهم النصّ على من بعده أيضاً كما أخبره الرسول(صلى الله عليه وآله).
وعندما نستعرض السيرة النبوية الشريفة، نجد أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قد أولى هذه القضية عناية خاصة منذ بدء الرسالة، حيث اهتمّ بإعداد القائد الذي سيخلفه على أمر اُمته من بعده، وقد شاءت العناية الإلهيّة أن تتهيأ الأسباب لهذه التربية النبوية حتى قبل أن يصدع النبيّ برسالته، ويصف لنا ابن اسحاق ـ فيما ينقل عنه ابن هشام ـ ذلك بقوله: كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب، ومما صنع الله له وأراده به من الخير، أنّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله)، للعباس عمّه ـ وكان من أيسر بني هاشم ـ: يا عباس إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه فلنخفّف عنه من عياله، آخذ من بنيه
رجلاً، وتأخذ أنت رجلاً فنكفلهما عنه. فقال العباس: نعم. فانطلقا حتى أتيا أباطالب فقالا له: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا ما شئتما.
فأخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله) علياً فضمّه إليه.. فلم يزل عليّ مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبيّاً، فاتبعه علي(رضي الله عنه) وآمن به وصدقه، ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه(14).
وقد أشار النبيّ(صلى الله عليه وآله) الى مسألة سبق علي(عليه السلام) الى الإيمان والإسلام، ضمن إشاراته الكثيرة الى دوره المستقبلي، الذي كان يعدّه للقيام به، فقال ـ كما عن سلمان وأبي ذر رضي الله عنهما ـ: "إنّ هذا أوّل من آمن بي، وهو أوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الاُمة، يفرّق بين الحقّ والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين"(15).
وقد أشار علي بن أبي طالب(عليه السلام) الى دور هذه التربية النبوية العظيمة له منذ نعومة أظفاره في تكوين شخصيته وإعدادها للاُمور العظيمة، فقال في خطبة له(عليه السلام): "أنا وضعت بِكلاكل العرب، وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر، وقد علمتم موضعي من رسول الله(صلى الله عليه وآله)بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد يضمني الى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده، ويُشمّني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يُلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل. ولقد قرن الله به(صلى الله عليه وآله)من لُدن أن كان فطيماً أعظم مَلَك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره. ولقد كنت اتّبعه اتباع الفصيل أثَر اُمه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه عَلَماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله(صلى الله عليه وآله)وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوة. ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه(صلى الله عليه وآله)، فقلت: يا رسول الله! ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلاّ أنك لست بنبيٍّ، ولكنّك لوزير، وإنّك لعلى خُبر"(16).
النصوص النبويّة على الاستخلاف
لقد كانت مسألة الاستخلاف من الاُمور التي طال الجدل والمناظرة حولها بين مختلف الفرق الإسلامية وبخاصة بين الجمهور القائلين بعدم وجود نص صريح من النبيّ(صلى الله عليه وآله) على أحد حول الخلافة والإمامة من بعده، وقد حاولوا سدّ هذه الثلمة زاعمين بأنه ترك الأمر للاُمة لتختار لنفسها ما تشاء، وبين الشيعة الذين قالوا بوجود هذا النص منه(صلى الله عليه وآله) على علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)قد نصّبه علماً وهادياً للاُمة وإماماً لها من بعده.
وحين نستعرض سيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله)، نجده كان يعطي أهمية عظيمة للإمارة والخلافة، حتى في أبسط المواقف، حيث يدعو الرجلين المسافرين الى تأمير أحدهما، وهو لا يغادر المدينة في غزو أو سفر إلاّ ويستخلف أحداً عليها، يعيّنه بنفسه ولا يترك الأمر للناس ليختاروا من يشاؤون، فإذا كان النبيّ(صلى الله عليه وآله) يهتمّ هذا الاهتمام بمسألة الاستخلاف في حياته، فحريّ به أن يهتم بهذا الأمر الخطير لما بعد وفاته، لما سيتركه بعد رحيله من فراغ كبير في حياة الاُمة.
وقد تنبّه لهذا الأمر جلّ المسلمين، فهذا أبو بكر يستخلف عمربن الخطاب بأمر منه على نحو الالزام ولا يترك للاُمة أن تقرر نيابة عنه ذلك، وهذا عمر بن الخطاب يقرّ أنه لو كان سالم مولى أبي حذيفة، أو أبو عبيدة بن الجراح حيّين لاختار أحدهما، واستخلفه دون تردد، وهومع ذلك لم يترك الاُمور لاختيار الاُمة بشكل مطلق، حيث حصر الأمر في ستة رشحهم بنفسه وأمر باختيار أحدهم لمنصب الخلافة من بعده.
ولا يمكننا أن نتصور أنّ هؤلاء الصحابة قد أدركوا أهمية الاستخلاف والنبيّ(صلى الله عليه وآله) قد غفل عن ذلك أولم يدرك أهميته، وهو أعقل الناس وأحرص منهم على مصالح الرسالة والاُمة دون تردّد.
وعندما نعود ونستعرض هذه السيرة المباركة للنبي(صلى الله عليه وآله)، تطالعنا نصوص كثيرة تفيد أنه لم يكن قد أهمل هذا الأمر الخطير المتعلق بمستقبل الاُمة، وأ نّه قد حدّد ملامح هذه المرجعية الرائدة مثلما حدّد المرجعية الرائدة، وكان ذلك في بدايات الدعوة الإسلامية، فقد ذكرت لنا مصادر الجمهور، أنّه لما نزل قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين)(17)، وكان ذلك في السنة الثالثة من البعثة النبوية الشريفة، دعا النبي(صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب(عليه السلام) وقال له: "يا علي! إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أني متى اُباديهم بهذا الأمر، أرى منهم ما أكره، فصمتُّ عليه حتى جاءني جبرئيل، فقال: يا محمد، إنّك إلاّ تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك. فاصنع لنا صاعاً من طعام،واجعل عليه رِجل شاة، واملأ لنا عُسّاً من لبن، ثم اجمع لي بني عبدالمطلب حتى اُكلّمهم واُبلغهم ما اُمرت به".
[قال] ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبولهب; فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به، فلما وضعته تناول رسول الله(صلى الله عليه وآله) حذية من اللحم فشقّها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصفحة، ثم قال: "خذوا باسم الله"، فأكل القوم حتى مالهم بشيء حاجة. وما أرى إلاّ موضع أيديهم، وأيم الله الذي نفس عليّ بيده، إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم، ثم قال: "اسق القوم"، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعاً، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يكلّمهم، بَدَرَه أبو لهب الى الكلام فقال: لهدّ ما سحركم صاحبكم! فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقال: "الغد ياعلي، إنّ هذا الرجل سبقني الى ما قد سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن اُكلّمهم، فعدّ لنا من الطعام بمثل ما صنعت ثم اجمعهم لي".
قال: ففعلت ثم جمعتهم، ثم دعاني بالطعام فقربته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى مالهم بشيء حاجة، ثم قال: "اسقهم" فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعاً، ثم تكلّم رسول الله(صلى الله عليه وآله)فقال: "يا بني عبدالمطلب، إنّي والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟" قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت ـ وإنّي لأصغرهم سنّاً وأرمصهم
عيناً وأعظمهم بطناً وأخمشهم ساقاً ـ: أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه!
فأخذ برقبتي، ثم قال: "إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا".

قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع!(18) إنّ هذا النص الذي يطالعنا في بداية الدعوة الإسلامية تجده متضمناً لهذه العبارات الصريحة، والتي بلغ من صراحتها ودلالتها أنّ بعض المؤرخين والمؤلفين قد قاموا بحذفها كلياً أو قاموا بحذف الأجزاء المهمة منها، لتؤكّد على أن النبيّ(صلى الله عليه وآله) قد نصّ على خليفته من بعده، وألزمهم طاعته، حتى ضحكوا من أبي طالب وتهكّموا عليه بضرورة اطاعته لابنه.
نصوص نبوية اُخرى
دأب النبيّ(صلى الله عليه وآله) على الإشادة بعلي بن أبي طالب(عليه السلام) من خلال نصوص، تظهر للناس مكانته عند النبي(صلى الله عليه وآله)، تهيئةً للأذهان لما يريده منه في مستقبل الرسالة، فوجّه المسلمين الى اُخوّة علي(عليه السلام)واختصاصه به في بداية الهجرة، فقد أخرج الحفاظ ـ واللفظ لابن هشام ـ عن ابن اسحاق قال: وآخى رسول الله(صلى الله عليه وآله)بين أصحابه المهاجرين والأنصار، فقال: "تآخوا في الله أخوين أخوين"، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب، فقال: "هذا أخي"، فكان رسول الله
(صلى الله عليه وآله)سيد المرسلين وإمام المتقين ورسول رب العالمين ـ الذي ليس له خطير ولا نظير في العباد ـ وعلي بن أبي طالب(رضي الله عنه)أخوين(19)...
وفي السنة التاسعة من الهجرة، خرج النبيّ(صلى الله عليه وآله) الى غزوة تبوك، وخلّف علي بن أبي طالب (عليه السلام) على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة ـ أخا بني غفار ـ فأرجف المنافقون بعلي بن أبي طالب وقالوا: ما خلّفه إلاّ استثقالاً وتخفّفاً منه، فلمّا قال ذلك المنافقون، أخذ عليّ سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو بالجرف فقال: يا نبيّ الله، زعم المنافقون أنّك إنّما خلفتني إنك استثقلتني وتخفّفت مني! فقال: "كذبوا، ولكني إنّما خلفتك لما ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلاّ أنه لا نبيّ بعدي".
فرجع علي الى المدينة، ومضى رسول الله(صلى الله عليه وآله) على سفره(20).
وبذلك أثبت النبيّ(صلى الله عليه وآله) لعليّ(عليه السلام) كلّ مراتب هارون من موسى كالوزارة وخلافته على قومه باستثناء النبوّة.
مهمة التبليغ عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)
لم يكتف النبيّ(صلى الله عليه وآله) بما ذكرنا من مواقف كاشفة عن كفاءة علي(عليه السلام) وجدارته، بل إنه أراد أن يبيّن لأصحابه، تميزّه عليهم جميعاً في التبليغ عنه (صلى الله عليه وآله)، فقد أجمعت الأخبار على أنه في العام التاسع للهجرة، بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله) أبابكر بسورة براءة الى أهل مكة، ثم أتبعه بعليّ(عليه السلام)، فقال له: خذ الكتاب فامضِ به الى أهل مكّة. فلحقه فأخذ الكتاب منه فانصرف أبو بكر وهو كئيب، فقال لرسول الله(صلى الله عليه وآله): أنزلَ فيَّ شيء؟ قال:"لا، إلاّ أني اُمرت أن اُبلغه أنا أو رجل من أهل بيتي"(21).
علي وليّكم بعدي:
كانت النصوص تتوالى من النبيّ(صلى الله عليه وآله) في علي بن أبي طالب(عليه السلام)على مرّ الأيام والسنين، وكان النبيّ(صلى الله عليه وآله) يصرّح في بعضها بما لا يدع مجالاً للتشكيك في مقصده، وقد تمثل ذلك في تصريحه بولاية علي (عليه السلام)على المسلمين كافة، فعن بريدة، قال: بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله)علياً أميراً على اليمن، وبعث خالد بن الوليد على الجبل، فقال: "إن اجتمعتما فعليٌّ على الناس" فالتقوا وأصابوا من الغنائم مالم يصيبوا مثله، وأخذ عليّ جارية من الخمس، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال: اغتنمها، فأخبر النبيّ(صلى الله عليه وآله) بما صنع، فقدمت المدينة ودخلت المسجد ورسول الله(صلى الله عليه وآله)في منزله، وناس من أصحابه على بابه، فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟فقلت: خيراً، فتح الله على المسلمين، فقالوا: ما أقدمك؟ قال: جارية أخذها عليّ من الخمس، فجئت لأخبر النبي(صلى الله عليه وآله). فقالوا: فأخبر النبيّ(صلى الله عليه وآله)فإنه يسقط من عين رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ورسول الله(صلى الله عليه وآله) يسمع الكلام، فخرج مغضباً وقال: "ما بال أقوام ينتقصون علياً؟! من ينتقص علياً فقد انتقصني، ومن فارق علياً فقد فارقني، إنّ علياً مني وأنا منه، خُلق من طينتي وخُلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم"، وقال: "يا بريدة، أما علمت أنّ لعليّ أكثر من الجارية التي أخذ؟ وإنّه وليّكم بعدي".
فقلت: يا رسول الله، بالصحبة إلاّ بسطت يدك حتى اُبايعك على الإسلام جديداً. قال: فما فارقته حتى بايعته على الإسلام(22).
فالنبيّ (صلى الله عليه وآله) قد أثبت في هذا الحديث الصحيح الولاية المطلقة لعلي (عليه السلام)على كافة المسلمين دون استثناء، بما فيهم الشيخان أبوبكر وعمر، لأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) لم يستثنِ أحداً.
التتويج
لقد كانت مسألة الربط بين المرجعية الدينية والسلطة الزمنية من الاُمور التي أكّد عليها النبي(صلى الله عليه وآله)، وحاول أن يجعل الاُمة تعيها وعياً تاماً، ومن ثم حاول توجيه أنظار الاُمة الى أن أهل بيته(عليهم السلام) هم المؤهلون لتولّي هاتين المهمّتين الجسيمتين في حفظ الشريعة، وإدارة الاُمور في الدولة الفتية التي أنشأها، لذا فإنّه كان يربط في أكثر المناسبات بين التمسّك بأهل بيته وبين ولاية علي(عليه السلام)، باعتباره عميد أهل البيت من بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله). ولقد تجلّى ذلك على أتمّ وجه بعد عودة النبيّ(صلى الله عليه وآله)من حجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة، ـ وقد أوردنا الحادثة عند الكلام على حديث الثقلين ـ وقلنا إنّ النبيّ قال فيه: "اني اُوشك أن اُدعى فاُجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عزّ وجلّ، وعترتي. كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما"، ثم قال: "إنّ الله عزّ وجلّ مولاي، وأنا مولى كلّ مؤمن"، ثم أخذ بيد عليّ فقال: "من كنت مولاه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاده".(23)
ثم قام النبيّ(صلى الله عليه وآله)، فتوّج علي بن أبي طالب بعمامته (السّحاب)، وقال له: "يا علي، العمائم تيجان العرب".
مؤهلات الإمام علي(عليه السلام) للمرجعية:
لاشك أنّ اختيار النبيّ(صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب(عليه السلام) للمرجعية العامة للمسلمين من بعده لم يأتِ اعتباطاً ولا محاباة لابن عمّه أو لأنه زوج ابنته، فإنه لم يكن ليتصرف أو لينطق عن هوى نفسه، بل كان متّبعاً لأمر ربّه في كلّ اُموره، ولم تكن محاباة الأقرباء بأهمّ أو أعظم أهميّة عنده من أمر الاُمة الإسلامية، التي حرص طيلة ما يقرب من ربع قرن على تكوينها وجاهد في سبيل ذلك، وتحمّل من المشاق مالا يوصف، حتى تكوّنت نواة هذه الدولة التي كان قدرها أن تقود الإنسانية الى طريق الخير والصلاح في دنياها والفلاح في اُخراها، فالنبيّ(صلى الله عليه وآله) كان حريصاً مشفقاً على اُمته، يرشدها في حياته الى ما ينفعها، فهل يكتفي بذلك ويتركها من بعده ترتطم باللجج دون أن يبيّن لها الطريق السليم الذي يأمن به عليها من الانحراف عن جادة الصواب والوقوع في متاهات الضلال؟! هذا ممّا لا يمكن تصوّره في حقّ النبي(صلى الله عليه وآله)، الذي نطق القرآن بأنّه: (عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)(24).
وعلى هذا فاختيار النبيّ(صلى الله عليه وآله) لعلي كان في الحقيقة اختياراً تابعاً لإرادة الله تعالى، كما اختار الله طالوت لما وهبه من بسطة في العلم وفي الجسم، علماً بأنّ الاصطفاء من عند الله سبحانه وهو أدرى بمصلحة عباده في اختيار القادة لهم.
ومن هذا المنطلق نقول: أنّ عليّاً(عليه السلام) كان قد حوى كلّ المواهب التي أهّلته للقيام بدوره القيادي، من العلم والشجاعة وغيرها، والوقائع تثبت كلّ ذلك، إذ طالما أصحر النبيّ(صلى الله عليه وآله) بتميّزه بهذه المواهب في كثير من أقواله وأفعاله.
عليّ أعلم الاُمـة:
لاشك أنّ التصدي للمرجعية بشقيها الديني والزمني، يتطلب علماً غزيراً باُمور الدين والشريعة من جهة، وباُمور السياسة والقيادة من جهة اُخرى. وقد أثبتت الشواهد أن عليّاً
(عليه السلام)كان أعلم وأحكم وأقضى الاُمة بعد النبي(صلى الله عليه وآله)، شهد له بذلك النبيّ(صلى الله عليه وآله) أوّلاً، وشهد له الصحابة ثانياً، واثبتته الوقائع ثالثاً، فقد أخرج المحدّثون عن ابن عباس وغيره، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)، قال: "أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب"(25).
وقال أيضاً: "أنا دار الحكمة وعليّ بابها"(26).
وهذه بعض الأحاديث التي كان النبيّ(صلى الله عليه وآله) يلفت بها نظر اُمته الى امتياز علي(عليه السلام) بالعلم الذي يؤهلّه للمرجعية الإسلامية العامة من بعده. وقد ربط النبيّ(صلى الله عليه وآله)بين الأمرين بشكل واضح في حديث سلمان، إذ قال: قلت: إنّ لكلّ نبيّ وصيّاً، فمن وصيّك؟ فسكت عنّي، فلما كان بعد رآني فقال: "يا سلمان"، فأسرعت إليه وقلت: لبيك، قال: "تعلم من وصىّ موسى"؟ [قلت]: نعم، يوشع بن نون. قال: "لم"؟ قلت: لأنه كان أعلمهم يومئذ، قال: "فإن وصيّي وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب"(27).
ولقد عبّر بعض الصحابة عن هذه الحقائق التي وعوها عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وشاهدوا مصاديقها بأنفسهم، فقد سأل بعض الناس ابن عباس، فقالوا: أيّ رجل كان علي (عليه السلام)؟ فقال: كان ممتلئاً جوفه حِكَماً وعلماً وبأساً ونجدة، مع قرابته من رسول الله(صلى الله عليه وآله) (28).
وعن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قلت لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: لم كان صَغْوُ الناس ـ يعني ميلهم ـ إلى علي بن أبي طالب(عليه السلام)؟ قال: يا ابن أخي، إنّ علياً كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم، وكان له البسطة في العشيرة، والقِدَم في الإسلام، والصهر برسول الله والفقه في السنّة، والنجدة في الحرب، والجود في الماعون (29).
وعن عبد الملك بن سليمان، قال: قلت لعطاء: أكان في أصحاب محمد أعلم من علي؟قال: لا والله لا أعلم (30).
وكان علي(عليه السلام) يقول: "سلوني عن كتاب الله، فإنّه ليس من آية إلاّ وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل"(31).
وعن ابن عباس أنّ عمر قال: أقضانا علي(32).
وقال ابن مسعود: كنّا نتحدث أنّ أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب(عليه السلام)(33).
ولم يكن قول أحدهم إلا صادراً عن شهادة النبيّ(صلى الله عليه وآله) له، حيث قال: "أقضى اُمتي علىّ"(34).
فهذه الأخبار ـ وهي غيض من فيض ـ تثبت تحقق شرط الأعلمية لعلي(عليه السلام)، كما تحققّ في طالوت من قبل، حتى اعترف خصوم علي(عليه السلام) له بهذه الفضيلة، فقد قال معاوية ـ عندما بلغه قتله ـ: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب (35).
عليّ أشجع الاُمة
إنّ شجاعة علي (عليه السلام) وشدّة بأسه ونكايته في العدو من الاُمور التي لا يختلف عليها اثنان، وإنّ الأعداء لتشهد له بذلك قبل الأصدقاء، بل لقد أصبح هذا الأمر من الاُمور المشهورة المتواترة التي تتناقلها الأجيال عبر القرون، فقد كان (عليه السلام)حامل لواء رسول الله(صلى الله عليه وآله)في كل زحف(36).
عليّ في بدر
وكان بلاؤه في بدر عظيماً حتى ذكرت كتب السيرة والتاريخ، أنه قتل معظم المشركين الذين صرعوا في تلك المعركة الفاصلة.(37)
عليّ في اُحد
وفي معركة اُحد "كان المسلمون قتلوا أصحاب اللواء..وكان الذي قتل أصحاب اللواء علي.. فلما قتلهم أبصر النبيّ(صلى الله عليه وآله) جماعة من المشركين، فقال لعلي: "احمل عليهم" ففرّقهم وقتل فيهم، ثم أبصر جماعة آخرين ففرّقهم وقتل فيهم، ثم أبصر جماعة آخرين، فقال له: "احمل عليهم"، فحمل عليهم وفرّقهم وقتل فيهم، فقال جبرائيل: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذه المواساة! فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "إنه مني وأنا منه"، فقال جبرائيل: وأنا منكما; فسمعوا صوتاً: "لا سيف إلاّ ذوالفقار، ولا فتى إلاّ علي"!.(38)
علي في الخندق
وفي معركة الأحزاب، حفر المسلمون خندقاً بإشارة من سلمان الفارسي، فامتنع المسلمون به، ولكن بقيت فيه مواضع غير حصينة جداً، "فأقام رسول الله (صلى الله عليه وآله)والمسلمون وعدوّهم محاصرهم، ولم يكن بينهم قتال، إلاّ أنّ فوارس من قريش، منهم عمرو بن عبدود ابن أبي قيس، أخو بني عامر بن لؤي..وعكرمة بن أبي جهل، وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان، وضرار ابن الخطاب الشاعر ابن مرداس، أخو بني محارب بن فهر، تلبّسوا للقتال ثم خرجوا على خيلهم حتى مرّوا بمنازل كنانة، فقالوا: تهيّأوا يا بني كنانة للحرب، فستعلمون من الفرسان اليوم، ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا: والله إنّ هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها... ثم تيمّموا مكاناً ضيّقاً من الخندق فضربوا خيلهم فاقتحمت منه، فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع وخرج علي بن أبي طالب(عليه السلام) في نفر معه من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا منها خيلهم، وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم، وكان عمرو بن عبدود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة، فلم يشهد يوم اُحد، فلما كان يوم الخندق خرج معلماً ليرى مكانه، فلما وقف هو وخيله، قال: من يبارز؟ فبرز له علي بن أبي طالب، فقال له: يا عمرو، إنك كنت قد عاهدت الله ألاّ يدعوك رجل من قريش الى إحدى خلّتين إلاّ أخذتها منه، قال: أجل.
قال له علي: "فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام". قال: لا حاجة لي بذلك.
قال: "فإني أدعوك إلى النزال" فقال له: لِمَ يا ابن أخي؟ فو الله ما أُحبّ أن أقتلك. فقال له علي: "لكني والله اُحبّ أن اقتلك" فحمي عمرو عند ذلك، فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي;، فتنازلا وتجاولا، فقتله علي(عليه السلام) وخرجت خيلهم منهزمة(39).
وقال السيوطي في تفسيره (الدر المنثور) في ذيل تفسير قوله تعالى (وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال)(40)، وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن مسعود (رضي الله عنه)أنه كان يقرأ هذا الحرف (وكفى الله المؤمنين القتال)بعلي بن أبي طالب.
كما أورد الذهبي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ (وكفى الله المؤمنين القتال)بعلي.(41) وكان المسلمون مشفقين من مبارزة عمرو بن عبد ودّ لما يعلمون من شدّة بأسه، حتى أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) أشفق من خروج علي لمبارزته. وقد فصّل أبو جعفر الاسكافي ـ فيما يرويه عنه ابن أبي الحديد المعتزلي ـ في هذه الواقعة وحال النبيّ(صلى الله عليه وآله) فيها، بما وجده في السير والأخبار "من اشفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى الله عليه وآله وحذره عليه، ودعائه له بالحفظ والسلامة، حتى قال(صلى الله عليه وآله)يوم الخندق ـ وقد برز علىّ إلى عمرو ـ ورفع يديه الى السماء بمحضر من أصحابه: "اللهم إنّك أخذت مني حمزة يوم اُحد، وعبيدة يوم بدر، فاحفظ اليوم عليّا(ربّ لاتذرني فرداً وأنت خير الوارثين)"(42)، وكذلك ظنّ به عن مبارزة عمرو حين دعا عمرو الناس إلى نفسه مراراً، في كلّها يحجمون ويقدم علي، فيسأل الإذن له في البراز، حتى قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنه عمرو!"، فقال:"وأنا علي"، فأدناه وقبّله وعمّمه بعمامته، وخرج معه خطوات كالمودّع له، القلق لحاله، المنتظر لما يكون منه، ثم لم يزل(صلى الله عليه وآله) رافعاً يديه إلى السماء، مستقبلاً لها بوجهه، والمسلمون صموت حوله، كأنما على رؤوسهم الطير، حتى ثارت الغبرة، وسمعوا التكبير من تحتها، فعلموا أنّ علياً قتل عمراً، فكبّر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكبّر المسلمون تكبيرة سمعها مَن وراء الخندق مِن عساكر المشركين، ولذلك قال حذيفة بن اليمان: لو قُسّمت فضيلة علىّ (عليه السلام) بقتل عمرو يوم الخندق بين المسلمين بأجمعهم لوسعتهم، وقال ابن عباس في قوله تعالى: (وكفى الله المؤمنين القتال)، قال: بعلي بن أبي طالب(43).
عليّ في خيبر
وفي العام السابع من الهجرة النبوية الشريفة، توجّه النبي(صلى الله عليه وآله)على رأس جيشه لفتح حصون خيبر الحصينة وأرسل إليها بعض أصحابه فلم يصنعوا شيئاً، فعن بريدة قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربما أخذته الشقيقة فيلبث اليوم واليومين لا يخرج، فلما نزل رسول الله(صلى الله عليه وآله)أخذته الشقيقة فلم يخرج الى الناس، وأن أبا بكر أخذ راية رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً ثم رجع، فأخذها عمر فقاتل قتالاً شديداً هو أشد من القتال الاول، ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: "أما والله لاُعطينّها غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه اللهُ ورسوله، يأخذها عنوة"، قال: وليس ثمَّ علي (عليه السلام)، فتطاولت لها قريش ورجا كلّ واحد منهم أن يكون صاحب ذلك.
فأصبح، فجاء عليّ(عليه السلام) على بعير له حتى أناخ قريباً من خباء رسول الله(صلى الله عليه وآله)،وهو أرمد قد عصّب عينيه بشقة برد قطري، فقال رسول الله: (صلى الله عليه وآله) "مالك"؟ قال: رمدت بعد. فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "اُدن مني"، فدنا منه فتفل في عينيه، فما وجعها حتى مضى لسبيله، ثم أعطاه الراية، فنهض بها معه وعليه حلة أرجوان حمراء قد أخرج خملها، فأتى خيبر، وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر معصفر يمان وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه وهو يـرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب     شاكي السلاح بطل مجرّب
فقال علي(عليه السلام):
أنا الذي سمّتني اُمي حيدرة     أكيلكم بالسيف كيل السندرة
ليث بغابات شديد قسورة
فاختلفا ضربتين، فبدره علي فضربه، فقدّ الحجر والمغفر ورأسه حتى وقع في الأضراس، وأخذ المدينة.
وعن أبي رافع مولى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله)برايته، فلما دنا من الحصن، خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده، فتناول علي (رضي الله عنه) باباً كان عند الحصن فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه.(44) وقد أخرج المحدّثون القصة أيضاً، فقد أخرج الحاكم عن علي(عليه السلام)، أنه قال (لأبي ليلى): يا أبا ليلى، أما كنت معنا بخيبر؟ قال: بلى. قال: فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)بعث أبابكر إلى خيبر فسار بالناس وانهزم حتى رجع.
وعنه أيضاً قال: سار النبي(صلى الله عليه وآله) إلى خيبر، فلما أتاها بعث عمر ومعه الناس إلى مدينتهم أو قصرهم، فقاتلوهم، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه، فجاءوا يجبّنونه ويجبّنهم...(45)
عليّ في حنين:
وفي حنين، عندما أعجبت المسلمين كثرتهم، حيث خرج النبي (صلى الله عليه وآله)في عشرة آلاف من جنده الذين فتح بهم مكة وألفين من مسلمة الفتح. فحملت عليهم هوازن وحلفاؤها حملة شديدةً انهزمت منها جموع المسلمين على كثرتهم، وثبت النبيّ(صلى الله عليه وآله) في تسعة من أهله ورهطه الأدنين، وقد فرّ المسلمون كلّهم، والنفر التسعة محدقون به: العباس آخذ بحكَمة بغلته، وعليّ بين يديه مصلتٌ سيفه، والباقون حول بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمنة ويسرة، وقد انهزم المهاجرون والأنصار...(46) وعن أنس قال: لما كان يوم حنين، انهزم الناس عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)إلاّ العباس بن عبدالمطلب وأبو سفيان بن الحارث ـ يعني ابن عمّ النبي(صلى الله عليه وآله) ـوأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن ينادى: يا أصحاب سورة البقرة، يا معشر الأنصار، ثم استمر النداء في بني الحرث بن الخزرج، فلمّا سمعوا النداء أقبلوا، فو الله ما شبهتهم إلاّ الابل تحن إلى أولادها، فلما التقوا، التحم القتال، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "الآن حمي الوطيس" وأخذ كفاً من حصى أبيض فرمى به وقال: هزموا وربّ الكعبة. وكان علي بن أبي طالب يومئذ أشدّ الناس قتالاً بين يديه.(47) فهذه المشاهد تشهد كلّها لعليّ(عليه السلام) بأنه كان رجل الحرب المقدام الذي يصلح أن يقود الاُمّة في أحلك الظروف، كما قاد طالوت اُمته للنصر، وأخرج جالوت ورهطه من أرض فلسطين، وأنهى تيه بني اسرائيل في الصحراء.
أسباب الخلاف
ليس هدفنا الآن استعراض فضائل علي (عليه السلام) ـ وهي أكثر من أن تحصى، وقد صُنفت فيها كتب عديدة ـ بل هدفنا قبل كل شيء أن نوضّح الدواعي الحقيقية التي دفعت بالنبيّ(صلى الله عليه وآله) الى الاشادة بعليّ(عليه السلام)، وإظهار دوره المهم في حياة الاُمة في السلم والحرب، والتي لا يمكن أن تكون مجرد محاباة لابن عمّه وأهل بيته كما بيّنا من قبل، بل إنّ الهدف كان لفت انتباه أبناء الاُمة إلى أهلية علي وأهل بيته(عليهم السلام) للقيام بمهام المرجعية الإسلامية من بعده، وبيان مدى تقبّل الاُمة لذلك والتي تباينت مواقف أفرادها بين التسليم المطلق لإرادة النبي(صلى الله عليه وآله)باعتبارها تستمد شرعيتها من وحي السماء، وبين ما كان يجول في خواطر أفراد آخرين من أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)ربما كان يحابي ابن عمّه وأهل بيته(عليهم السلام)، وبالتالي تصوّروا أنّ لهم الحقّ في إبداء الرأي أو حتى الاعتراض الذي ربما كان ناجماً في بعض الأحيان عن احساس بالحسد الذي قلّما ينجو منه أفراد البشر. وليس ما نقوله هو مجرد ادعاء غير مستند الى الحقائق، بل إنّ الأخبار متوافرة على إثبات هذه الحقيقة، وقد مرّ فيما سبق رواية عن بريدة تؤكد أنّ خالد بن الوليد قد أرسله ليشكو عليّاً(عليه السلام)للنبيّ(صلى الله عليه وآله)، ويبدو أنه كان يتحيّن مثل هذه الفرصة، لذا قال خالد لبريدة: إغتنمها، كما تبيّن الأمر في أقوال الصحابة الذين حثّوا بريدة على هذه الشكاية وأعلموه بأنّ ذلك يسقط عليّاً (عليه السلام)من عيني النبي(صلى الله عليه وآله)، ممّا جعل النبيّ(صلى الله عليه وآله) يخرج عليهم مغضباً ويخبرهم بأنّ من يؤذي علياً فانّما يؤذي شخصه الكريم (صلى الله عليه وآله).
وجاء عن جابر: قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى علي بن أبي طالب يوم الطائف واطال مناجاته فرأى الكراهية في وجوه رجال، فقالوا: قد أطال مناجاته منذ اليوم، فقال: "ما انتجيته، ولكن الله انتجاه"(48).
وعن زيد بن أرقم، قال: كانت لنفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)أبواب شارعة من المسجد، فقال يوماً: "سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب علي" فتكلم في ذلك ناس، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله)فحمد الله وأثنى عيله، ثم قال: "أما بعد، فإني اُمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب علي، فقال فيه قائلكم، والله ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكن اُمرت بشيء فاتبعته"(49).
وعن سعد بن أبي وقاص، قال،: كنت جالساً في المسجد، أنا ورجلين معي، فنلنا من علي، فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) غضبان، يعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه، فقال: "ما لكم ومالي؟! من آذى علياً فقد آذاني"(50).
وعن علي (عليه السلام) قال: "بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة، إذ أتينا على حديقة، فقلت: يا رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ما أحسنها من حديقة! فقال: "إنّ لك في الجنة أحسن منها.."، فلما خلا لي الطريق اعتنقني ثم أجهش باكياً، قلت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ما يبكيك؟! قال: "ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلاّ من بعدي"، قال: قلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، في سلامة من ديني؟ قال: "في سلامة من دينك"(51).
وعن حيّان الأسدي قال: سمعت عليّاً يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن الاُمّة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على ملّتي. وتقتل على سنّتي، من أحبّك أحبّني، ومن أبغضك أبغضني، وإنّ هذه ستخضب من هذا"، يعني لحيته من رأسه.(52) لقد كانت الأرضية النفسية المعقّدة تستعد لمحاولة صرف الخلافة عن أهل البيت(عليهم السلام)، وكان الحسد أحد الأسباب التي جعلت مسألة جمع الخلافة والنبوّة في بني هاشم من الاُمور التي لا تستسيغها نفوس أقوام استعظمت اجتماع الأمرين في بيت واحد من قريش، رغم علم هؤلاء بأنّ هذا البيت هو الأحقّ بذلك، وقد تبين هذا الموقف جليّاً في عدّة محاورات جرت بين ابن عباس والخليفة الثاني، فقد روى عبد الله بن عمر، قال: كنت عند أبي يوماً وعنده نفر من الناس، فجرى ذكر الشعر، فقال: من أشعر العرب؟ فقالوا: فلان وفلان، فطلع عبد الله بن عباس فسلّم وجلس، فقال عمر: قد جاء الخبير! من أشعر الناس يا عبدالله؟ قال: زهير بن أبي سلمى. قال: فانشد مما تستجيده له، فقال: يا أمير المؤمنين، إنه مدح قوماً من غطفان يقال لهم بنوسنان، فقال:
لوكان يقعدفوق الشمس من كرم     قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
قوم أبوهم سنان حين تنسبهم     طابوا وطاب من الاولاد ما ولدوا
إنس إذا أمنوا، جنّ إذا فزعوا     مرزّؤون بهاليل إذا جهدوا
محسّدون على ما كان من نعم     لا بنزع(53) الله منهم ما له حسدوا فقال: والله لقد أحسن، وما أرى هذا المدح يصلح إلاّ لهذا البيت من هاشم، لقرابتهم من رسول الله(صلى الله عليه وآله). فقال ابن عباس: وفّقك الله يا أمير المؤمنين، فلم تزل موفقاً. فقال: يابن عباس! أتدري ما منع الناس منكم؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، قال: لكني أدري، قال: ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوّة والخلافة، فتجخفوا جخفاً، فنظرت قريش لنفسها فاختارت ووفّقت فأصابت. فقال ابن عباس: أيميط أمير المؤمنين عني غضبه فيسمع؟ قال: قل ما تشاء، قال: أما قول أمير المؤمنين: إنّ قريشاً كرهت، فإنّ الله تعالى قال لقوم: (ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم)(54) وأما قولك إنا كنّا نجخف، فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة، ولكنّا قوم أخلاقنا مشتقّة من خلق رسول الله (صلى الله عليه وآله)
الذي قال الله تعالى: (وإنّك لعلى خلق عظيم)(55)، وقال له: (واخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين)(56). وأمّا قولك: فإنّ قريشاً اختارت، فإنّ الله تعالى يقول: (وربّك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة)(57) وقد علمت يا أمير المؤمنين أنّ الله اختار من خلقه لذلك من اختار، فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها، لوفّقت وأصابت قريش! فقال عمر: على رسلك يابن عباس، أبت قلوبكم يا بني هاشم إلاّ غشاً في أمر قريش لا يزول، وحقداً عليها لايحول. فقال ابن عباس: مهلاً يا أمير المؤمنين! لا تنسب هاشماً إلى الغش، فإنّ قلوبهم من قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله)الذي طهّره الله وزكّاه، وهم أهل البيت، الذين قال الله تعالى لهم: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا) (58) وأما قولك: حقداً فكيف لا يحقد من غُصب شَيْؤُه، ويراه في يد غيره!
فقال عمر: أمّا أنت يابن عباس، فقد بلغني عنك كلام أكره أن اُخبرك به فتزول منزلتك عندي. قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ أخبرني به، فإن يك باطلاً، فمثلي أماط الباطل عن نفسه، وإن يك حقاً فإنّ منزلتي عندك لا تزول به.
قال: بلغني انّك لا تزال تقول: اُخذ هذا الأمر منكم حسداً وظلماً، قال: أما قولك يا أمير المؤمنين: حسداً، فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنة، فنحن بنو آدم المحسود.
وأما قولك ظلماً، فأمير المؤمنين يعلم صاحب الحق من هو.
ثم قال: يا أمير المؤمنين! ألم تحتجّ العرب على العجم بحق رسول الله(صلى الله عليه وآله)! واحتجّت قريش على سائر العرب بحق رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ فنحن أحق برسول الله من سائر قريش.
فقال له عمر: قم الآن فارجع إلى منزلك. فقام، فلما ولّى هتف به عمر: أيها المنصرف، إني على ما كان منك لراع حقّك.
فالتفت ابن عباس فقال: إنّ لي عليك يا أمير المؤمنين وعلى كل المسلمين حقّاً برسول الله، فمن حفظه فحقّ نفسه حفظ، ومن أضاعه فحق نفسه أضاع...(59).
وفضلاً عن ذلك، فإنّ من الحجج التي التمسها القوم لصرف الأمر عن علي (عليه السلام)، هو قتله رؤوس المشركين في معارك الإسلام الكبرى، ممّا يدل على أنّ القلوب كانت ما تزال منطوية على ضغائنها رغم اعتناق الإسلام، وقد صرّح عثمان بن عفّان بذلك، فيما روى ابن عباس، قال: وقع بين عثمان وعلي (عليه السلام)كلام، فقال عثمان: ما أصنع إن كانت قريش لاتحبّكم، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين، كأنّ وجوههم شنوف الذهب، تصرع أنفهم قبل شفاههم!(60)
اجراءات خط الاجتهاد:
كانت تدابير (خطّ الاجتهاد في قبال النص) قوية وحاسمة في صرف الأمر عن أهل البيت(عليهم السلام)، وقد بدأت هذه الاجراءات قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، فبعد حادثة الغدير، أصبح من الواضح أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)يعدّ علياً (عليه السلام)لتولي أمر المرجعية الإسلامية المطلقة بعده، ليحلّ محلّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)في إدارة شؤون البلاد السياسية والعسكرية والاقتصادية والدينية بأجمعها، ثم أراد النبيّ(صلى الله عليه وآله)بسبب مارآه من عصيان البعض وتقاعسهم في اللحاق ببعث اُسامة ـ بدافع من الشعور بأن مرض النبي (صلى الله عليه وآله) قد يكون بداية النهاية لعصر الرسالة، وأنّ شخص النبيّ(صلى الله عليه وآله)سيختفي من الساحة، وبذلك يتحتم أن يحلّ شخص آخر محله ـ وكان أصحاب الخط الأول قد بدأوا يقلقون من الأمر فعلاً، فالنبيّ(صلى الله عليه وآله) يتهيأ للانتقال إلى جوار ربه ويخلي الساحة، وهم يتهيأون لمغادرة المدينة المنورة إلى أرض بعيدة ضمن حملة عسكرية لا يعرفون نتائجها بالنسبة إلى مصائرهم، وبما أنّ علياً ومؤيديه لم يكونوا من ضمن هذه الحملة، فالأمر الطبيعي أن يكتشف هؤلاء أنّ هذا التدبير من النبيّ(صلى الله عليه وآله)كان مقصوداً لذاته، فإبعاد المعارضة عن مركز الحكم سوف يهيء الجوّ الملائم لتولي علي (عليه السلام)مهام الخلافة بعد رحيل النبي(صلى الله عليه وآله) بسهولة ويسر، حتى إذا عادت البعثة العسكرية من مهمّتها بعد أيّام متطاولة، يكون الأمر قد تمّ على أحسن وجه، وتمّت البيعة لعلي (عليه السلام)واستقرت الاُمور، فلا يبقى للمعارضة حينئذ إلاّ الإذعان للأمر الواقع، والدخول فيما دخل فيه الناس.
لقد أدرك أصحاب الخط المعارض هذه الحقيقة، فراحوا يتثاقلون في إرسال بعث اُسامة. ورغم إلحاح النبيّ(صلى الله عليه وآله) على الإسراع في إرسال هذا الجيش، وقوله المستمر: "انفذوا بعث اُسامة"، ممّا كان يعبّر عن قلق النبيّ(صلى الله عليه وآله) من فشل تدبيره إذا عاجلته المنيّة قبل خروج البعث وابتعاد المعارضة عن مركز الحكم وانقطاع الأخبار عنها، ممّا دفع النبيّ(صلى الله عليه وآله) في نهاية الأمر إلى محاولة اتخاذ إجراء آخر يحسم به الموقف بشكل نهائي، ويعهد إلى عليّ(عليه السلام) بالأمر من بعده في صورة كتاب خطّي لا يمكن تأويله أو دفعه، فبادر إلى الطلب من أصحابه بأن يأتوه بالقرطاس والدواة ليكتب لهم كتاباً لا يضلّون بعده كما مرّ خبره فيما سبق.
لم يكن من الصعب على خط الاجتهاد أن يكتشف فحوى هذا الكتاب، فالنبي (صلى الله عليه وآله) على فراش الموت، وفي مثل هذه الحالة فإنه لا يتوقع منه إلاّ أن يكون الكتاب الذي يريد كتابته إنما هو وصيّته ـ كما هو متوقع ـ ولم يكن كلام النبي (صلى الله عليه وآله)ليدل على أنّ الوصية تتعلق بشؤون الميراث أو ما شابه ذلك، لأنّ قول النبيّ(صلى الله عليه وآله): "لا تضلون بعده" يدل على أنّ الأمر يتعلق بمستقبل الاُمة والدعوة الإسلامية، إذ الشريعة كانت متكاملة، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى بذلك في قوله عزّ من قائل:
(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)(61).
وبمقارنة قول النبيّ(صلى الله عليه وآله): "لا تضلون بعده" بقوله في حديث الثقلين: "ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا"، أصبح من الواضح أنّ النبيّ إنّما يريد الوصاية لأهل بيته من بعده، وفي طليعتهم عميدهم علي(عليه السلام)، فعندها تصدّى أصحاب الخط المعارض بكل حزم وقوة لإرادة النبيّ(صلى الله عليه وآله)، زاعمين أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) يهذي ـ والعياذ بالله ـ بتأثير المرض(62).
ولم يجد النبيّ(صلى الله عليه وآله) ـ إزاء هذا التعسف ـ ما يفعله تعبيراً عن سخطه على هذا الاُسلوب في المعارضة سوى أن يطرد الجمع من مجلسه قائلاً لهم: "قوموا عني"!
وليس هذا مجرد استنتاج من عندنا، فقد صرّح عمر نفسه بذلك، فيما روى عنه ابن عباس، حيث قال: دخلت على عمر في أوّل خلافته، وقد اُلقي له صاع من تمر على خصفة، فدعاني إلى الأكل، فأكلت تمرة واحدة، وأقبل يأكل حتى أتى عليه، ثم شرب من جرّ كان عنده، واستلقى على مرفقة له، وطفق يحمد الله، يكرر ذلك، ثم قال: من أين جئت يا عبد الله؟ قلت: من المسجد، قال كيف خلّفت ابن عمّك؟ فظننته يعني عبدالله بن جعفر، قلت: خلّفته يلعب مع أترابه، قال: لم أعنِ ذلك، إني عنيت عظيمكم أهل البيت. قلت: خلّفته يمتح بالغرب(63) على نخيلات من فلان، وهو يقرأ القرآن، قال: يا عبدالله، عليك دماء البُدن إن كتمتنيها; هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟ قلت: نعم، قال: أيزعم أن رسول الله(صلى الله عليه وآله)نصّ عليه؟ قلت: نعم، وازيدك، سألت أبي عمّا يدّعيه، فقال: صدق، فقال عمر: لقد كان من رسول الله(صلى الله عليه وآله)في أمره ذرو(64) من قول لا يثبت حجة ولا يقطع عذراً، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام، لا وربّ هذه البنيّة، لا تجتمع عليه قريش أبداً; ولو وليها لا نتقضت عليه العرب من أقطارها، فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله)انّي علمت ما في نفسه فأمسك، وأبى الله إلاّ إمضاء ما حتم.(65)





____________
1- المستدرك: 3/109، 533، وصححه ووافقه الذهبي في التلخيص، وانظر مسند أحمد:
5 /181، 189، جامع الترمذي: 2/308، 5/328 ح 3874، خصائص أمير المؤمنين(عليه السلام)للنسائي: 21، كنز العمال: 1/44، 47، 48، صحيح مسلم: باب فضائل علي(عليه السلام)، سنن الدارمي: 2/431، الصواعق المحرقة: 89، الطبقات الكبرى لابن سعد القسم الثاني: 2/2، فيض القدير للمناوي: 3/14، حلية الأولياء: 1/355، ح 64، مجمع الزوائد: 9/163، 164.
2- الصواعق المحرقة: 230 ـ 231.
3- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 2/343 و 3/150، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم، كنز العمال: 6/216، مجمع الزوائد: 9/168، حلية الأولياء: 4/306، تاريخ بغداد للخطيب: 12/19، ذخائر العقبى للمحب الطبري: 20، كنوز الحقائق: 132، وفيض القدير للمناوي: 4/356، الصواعق المحرقة: 352، وورد في بعض هذه الروايات: انّهم باب حطّة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً.
4- المستدرك على الصحيحين: 3/149، 458 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، كنز العمال: 6/116، الصواعق المحرقة: 353، مجمع الزوائد: 9/174، فيض القدير للمناوي: 6/297، ذخائر العقبى للمحب الطبري: 17.
5- الصواعق المحرقة: 230.
6- نهج البلاغة: 2/190 ط دار الأندلس.
7- الصواعق المحرقة: 233.
8- الأحزاب: 33.
9- مسند أحمد: 6/296، 323، المستدرك: 3/108، 147، كنز العمال: 7/102، 217، مجمع الزوائد: 9/167.
10- صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله)، المستدرك على الصحيحين: 3/147وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، سنن البيهقي: 2/149، تفسير الطبري: 22/5، وأوردها الفخر الرازي في تفسير آية المباهلة وقال: واعلم أنّ هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث، جامع الترمذي: 2/209، 319، مسند أحمد: 6/306، اُسد الغابة: 4/29.
11- آل عمران: 61.
12- جامع الترمذي: 2/166، المستدرك على الصحيحين: 3/150 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، صحيح مسلم: باب فضائل علي بن أبي طالب(عليه السلام)، سنن البيهقي: 7/63، أسباب النزول للواحدي: 75 وجميع المفسرين.
13- صحيح البخاري: 9/101 كتاب الأحكام، باب الاستخلاف، سنن الترمذي: 4/501، سنن أبي داود: 4 /106، المعجم الكبير: 2/196، وفي بعضها لفظ: خليفة، رجل، قيّم.
14- السيرة النبوية لابن هشام: 1/246، المستدرك على الصحيحين: 3/576، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 13/198 عن الطبري: 2/313.
15- المعجم الكبير للطبراني: 6/269 ح 6184، كنز العمال: 11/616 ح 3299، تاريخ دمشق: 12/130، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: 13/228.
16- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: 13/197.
17- الشعراء: 214.
18- تاريخ الطبري: 2/319، الكامل لابن الأثير: 2/62، كما أخرجه عدد من المؤرخين والحفاظ ولكن بتغيير بعض ألفاظه كقولهم: "يا بني عبدالمطلب، إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة" كما في تاريخ الإسلام للذهبي، السيرة: 145، دلائل النبوة للبيهقي: 1/428، مجمع الزوائد: 9/113، وفي بعضها: "فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي"، انظر المنتظم لابن الجوزي: 2/376، وفي بعضها: "على أن يكون أخي وكذا وكذا"، كما في البداية والنهاية لابن كثير: 3/53، وكذلك تفسير ابن كثير لآية الإنذار من سورة الشعراء، وتفسير الطبري لها! كما ذكرها محمد حسين هيكل في الطبعة الاُولى من كتابه (حياة محمد)، ولكنه عاد وحذفها من الطبعات اللاحقة.
19- السيرة النبوية: 1/504، جامع الترمذي: 5/595 ح 3720، المستدرك على الصحيحين: 3/16 ح 4289، الطبقات الكبرى: 2/60، السيرة الحلبية: 2/20، مصابيح السنة: 4/173 ح 4769، مشكاة المصابيح: 3/356 ح 2609، الرياض النضرة: 3/111، 164، الفضائل لأحمد بن حنبل: 94 ح 141، تاريخ دمشق: 12/136، تذكرة الخواص: 24 وصححه، كنز العمال: 13/106 ح 36345، مسند أبي يعلى: 1/347 ح 445.
20- تاريخ الطبري: 3/103، الكامل لابن الأثير: 2/278، صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب مناقب علي بن أبي طالب(عليه السلام)، صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي بن أبي طالب(عليه السلام)، صحيح الترمذي: 2/300، مسند الطيالسي: 1/29، حلية الأولياء: 7/195، تاريخ بغداد: 1/324 و 4/204، و 9/394، خصائص النسائي: 14 و 15، المستدرك على الصحيحين: 2/337، مسند أحمد: 1/170 ـ 175 و177، 184، 330 و6/369، الطبقات الكبرى لابن سعد: 3 قسم 1 ص 14 و15، اُسد الغابة: 5/8، كنز العمال: 3/154 و 5/40 و 6/154، 156، 395، 405 و8/215، مجمع الزوائد: 9/109، 110، 111، الرياض النضرة: 2/162، 164، 195، ذخائر العقبى: 120.
21- الخصائص للنسائي: 20، صحيح الترمذي: 5/257 ح 3091، مسند أحمد: 3/283، 1/3، 151، 330، كنز العمال: 1/246، تفسير الطبري: 10/46، 47، المستدرك: 3/51، فتح القدير: 2 /334، الرياض النضرة: 3/119، البداية والنهاية: 5/44 حوادث سنة 9 هـ، و 7/394 حوادث سنة 40 هـ، تاريخ الطبري حوادث سنة 9 هـ، الكامل لابن الأثير حوادث سنة 9 هـ، السنن الكبرى للنسائي: 5/128 ح8461، الأموال لأبي عبيد: 215 ح 457، تاريخ دمشق: ترجمة الإمام(عليه السلام) رقم 890، الدر المنثور: 4/125، مختصر تاريخ دمشق: 18/6، شرح نهج البلاغة: 12/46 خطبة 223، المنتظم لابن الجوزي: 3/372.
22- المعجم الأوسط للطبراني: 6/232، تاريخ دمشق لابن عساكر: 42/191 وفيه أن بريدة، قال: فرأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد غضب غضباً لم أره غضب مثله قط، إلاّ يوم قريظة والنضير، فنظر اليَّ فقال: "يا بريدة، إن علياً وليّكم بعدي، فأحبّ علياً فإنّه يفعل ما يؤمر"، وقال عبدالله بن عطاء: حدثت بذلك أبا حرب بن سويد بن غفلة فقال: كتمك عبدالله بن بريدة بعض الحديث، إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال له: "أنافقت بعدي يا بريدة؟!"، مسند الطيالسي: 360 ح 2752 وفيه عن ابن عباس أن رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال لعلي: "أنت ولي كل مؤمن من بعدي"، وأخرجه ابن عبدالبر بنفس السند في الاستيعاب: 3/1091، وقال: هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد لصحته وثقة نقلته، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: 12/80 عن عمران بن حصين وفيه أن رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال: "ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ علي مني وأنا من علي، وعلي وليّ كل مؤمن بعدي"، وأخرجه أحمد في مسنده: 4/438، 5/356، وفيه: "دعوا علياً، دعوا علياً، إنّ علياً مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي"، وانظر جامع الترمذي: 5/632، خصائص النسائي: 109، مسند أبي يعلى: 1/293 ح 355 وقال محققه: رجاله رجال الصحيح، كنز العمال: 13/142، الرياض النضرة: 3/129، المعجم الكبير للطبراني: 18/128، الأوسط: 5/425، المستدرك: 3/110، تاريخ بغداد: 4/339، تاريخ دمشق: 42/102، اُسد الغابة: 3/604، كنز العمال: 11/608.
23- التوبة: 128.
24- المستدرك على الصحيحين: 3/126 وقال: هذا حديث صحيح الاسناد، تاريخ بغداد: 4/348، 7/127، 11/48، 49 وقال الخطيب: قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال هو صحيح، اسد الغابة: 4/22، تهذيب التهذيب: 6/320، 7/427، كنز العمال: 6/152، فيض القدير: 3/46، مجمع الزوائد: 9/114، الرياض النضره: 2/193، كنوز الحقائق للمناوي:43، الصواعق المحرقة:73.
25- جامع الترمذي: 2/299، حلية الاولياء: 1/64، كنز العمال: 6/401.
26- مجمع الزوائد: 9/113 وقال: رواه الطبراني، ولا يخفى أن سؤال النبي لسلمان عن سرّ وصاية يوشع لموسى كان بهدف إظهار أعلمية علي (عليه السلام)، والسيرة النبوية لابن اسحاق: 825، باختلاف يسير في اللفظ، تحقيق الدكتور سهيل زكار.
27- الرياض النضرة: 2/194 وقال: أخرجه أحمد في المناقب.
28- تهذيب التهذيب لابن حجر: 7/338.
29- اسد الغابة: 6/22، الاستيعاب: 2/462، فيض القدير: 3/46، الرياض النضره: 2/194.
30- طبقات ابن سعد 2: 2 ص 101 عن أبي الطفيل، تهذيب التهذيب: 7/337، وقال فيه: سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء إلاّ أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار...، الإصابة: 4/270، الاستيعاب: 2/463، تفسير الطبري: 26/116، كنز العمّال: 1/228.
31- صحيح البخاري. باب تفسير قوله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها)، المستدرك: 3/305، مسند أحمد: 5/113، حلية الأولياء: 1/65.
32- المستدرك على الصحيحين: 3/135، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، طبقات ابن سعد: 2 قسم 2 ص 102، اُسد الغابة: 4/22، نور الأبصار للشبلنجي: 73.
33- الرياض النضرة: 2/198، الاستيعاب لابن عبدالبر: 1/8 أورد عدة روايات عن عدد من الصحابة في هذا المعنى، وقال: وروي عن عمرمن وجوه: عليّ أقضانا.
34- الاستيعاب: 2/463.
35- المستدرك على الصحيحين: 3/111 و 499، الاستيعاب: 3/173، الطبقاب الكبرى: 3/15، مسند احمد: 1/368، تهذيب التهذيب: 3/475، اُسد الغابة: 4/20،، كنز العمال: 5/295، الرياض النضرة: 2/191، مجمع الزوائد: 5/321، سنن البيهقي: 6/207.
36- مغازي الواقدي: 1/147 تسمية من قتل من المشركين ببدر، السيرة النبوية لابن هشام: 1/ 708.
37- تاريخ الطبري: 2/514، الكامل لابن الاثير: 2/154، سيرة ابن هشام: 2/100، الرياض النضرة: 3/137، المعجم الكبير للطبراني 1/297 ح 941، تاريخ دمشق: ترجمة الامام علي (عليه السلام) كفاية الطالب للكنجي: 227 باب 69 عن الامام الباقر (عليه السلام)، مناقب الخوارزمي: 167 ح 200، وقعة صفين: 478، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 14/251 وقال: قد روى هذا الخبر جماعة من المحدثين وهو من الاخبار المشهورة.
38- السيرة النبوية لابن هشام: 2 /244، تاريخ الطبري 2/573، الكامل لابن الاثير: 2/181 المستدرك 3/32.
39- الأحزاب: 25.
40- ميزان الاعتدال: 2/17.
41- الأنبياء: 89.
42- شرح نهج البلاغة: 13/283 ـ 284.
43- تاريخ الطبري: 3/11 حوادث سنة سبع للهجرة، غزوة خيبر. الكامل لابن الاثير: 2/219، سيرة ابن هشام: 2/ 334.
44- المستدرك على الصحيحين: 3/37 كتاب المغازي، وصححها ووافقه الذهبي في التلخيص.
45- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 13/278.
46- مجمع الزوائد: 6/180وقال رواة ابو يعلى والطبراني في الاوسط: ورجالها رجال الصحيح غير عمران بن دوار.
47- المعجم الكبير للطبراني: 2/186، تاريخ دمشق لابن عساكر: 2/312.
48- المستدرك على الصحيحين: 3/15.
49- مجمع الزوائد: 9/29 وقال: رواه ابو يعلى والبزار باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح غير محمود بن خداش وقنان، وهما ثقتان.
50- مجمع الزوائد: 9/118.
51- المستدرك: 3/142، صححه ووافقه الذهبي.
52- في المصدر (لا بنزع...) وهذه لا تلائم الوزن الشعري، والصحيح: لا ينزع.
53- سورة محمّد: 9.
54- القلم: 4.
55- الشعراء: 215.
56- القصص: 68.
57- الأحزاب: 33.
58- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/52.
59- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 9/22.
60- المائدة: 3.
61- من الواضح من الروايات أن عمر بن الخطاب قد قال: إن النبي ليهجر، أي يهذي، وقد أحس المحدثون بشناعة هذه الكلمة، فابدلوها في بعض الروايات التي تكشف عن أن القائل هو عمر، بعبارة: غلبه الوجع.
62- المتح: جذبك الرشاء تمد بيد وتأخذ بيد على رأس البئر، كتاب العين: 3: 196، والغرب: الدلو.
63- ذرو: طرف.
64- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12 / 20 ـ 21 وقال: ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في كتابه مسنداً.
65- قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: 5/214 نقلاً عن الذهبي: وصدر الحديث، متواتر، أتيقن أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قاله، وأما "اللهم وال من والاه" فزيادة قوية الإسناد، وقال ابن الجزري في أسنى المطالب: 48 هذا حديث حسن من هذا الوجه، صحيح من وجوه كثيرة، متواتر عن أمير المؤمنين علي(رضي الله عنه)، هو متواتر أيضاً عن النبي(صلى الله عليه وآله) رواه الجمّ الغفير عن الجم الغفير، وقال ابن حجر المكي في الصواعق المحرقة: 187 رواه عن النبي(صلى الله عليه وآله) ثلاثون صحابياً، وأن كثيراً من طرقه صحيح أو حسن.