إنّ عقيدة الشيعة هي عقيدة كل مسلم ، ومصادرها أربع هي : الكتاب والسنة والإجماع والعقل . وفي ذلك يقول الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء : "المسلمون متّفقون على أنّ أدلة الأحكام الشرعية منحصرة في الكتاب والسنة ثمّ العقل والإجماع ، ولا فرق في هذا بين الإمامية وغيرهم" .
أمّا واعتقادهم في التوحيد فيقول فيه ابن بابويه القمي : إنّ الله تعالى واحد ليس كمثله شي ، قديم لم يزل ولا يزال سميعاً بصيراً حكيماً حيّاً قيّوماً عزيزاً قدّوساً قادراً ، لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض ، خارج عن الحدّين حدّ الإبطال وحدّ التشبيه .
وأمّا اعتقادهم في القرآن فيقول فيه : أنّه كلام الله ووحيه وتنزيله وكتابه ، وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ، ومن نسب إلينا أنّا نقول إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب . هذا ما كتبه ابن بابويه الذي عاش في القرن الرابع ، وتوفى سنة 381هـ (1) .
وقد جاء في كلام السيد محسن الأمين العاملي : وعقيدة الشيعة أنّ كل من شك في وجود الباري تعالى أو وحدانيّته ، أو نبوة النبي(صلى الله عليه وآله) أو جعل له شريكاً في النبوة فهو خارج عن دين الإسلام ، وكل من غالى في أحد من الناس من أهل البيت أو غيرهم وأخرجه عن درجة العبودية لله تعالى ، أو أثبت له نبوة أو مشاركة فيها ، أو شيئاً من صفات الألوهية فهو خارج عن ربقة الإسلام ، والشيعة يبرؤن من جميع الغلاة والمفوّضة وأمثالهم(2) .
وقال الشيخ محمّد رضا المظفر : (ونعتقد أنّ النبوة وظيفة إلهيّة وسفارة ربّانيّة يجعلها الله لمن يختاره من عباده الصالحين ، فيرسلهم إلى سائر الناس لإرشادهم . ونعتقد أنّ الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلاّ بالاعتقاد بها ، ويجب النظر فيها كما يجب النظر في التوحيد و النبوة ، وهي كالنبوة لطف من الله تعالى(3) .
وأهم الأصول الاعتقادية عند الشيعة الإمامية هي : التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد .
والاسلام يعتمد على ثلاثة أركان : التوحيد والنبوة والمعاد ، فلو أنكر الرجل واحداً منها فليس بمسلم ، وإذا دان بتوحيد الله ونبوة سيّد الأنبياء محمّد(صلى الله عليه وآله) واعتقد بيوم الآخرة فهو مسلم حقاً له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، ودمه وماله وعرضه حرام . ويطلق أيضاً على معنى أخص يعتمد على تلك الأركان الثلاثة وركن رابع وهو العمل بالدعائم التي بني الإسلام عليها ، وهي خمس : الصلاة ، والصوم والزكاة والحج والجهاد. وبالنظر إلى هذا قالوا : الإيمان اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان(4) .
وكل مورد في القرآن اقتصر على ذكر الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر يراد به الإسلام والإيمان بالمعنى الأوّل . وكل مورد أضيف إليه ذكر العمل الصالح يراد به المعنى الثاني ، والأصل في هذا التقسيم قوله تعالى : {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}(5) ، وزاده تعالى إيضاحاً بقوله بعدها {اِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}(6) وبذلك فإنّ الإيمان قول ويقين وعمل ، فهذه الأركان الأربعة هي أصول الإسلام والإيمان بالمعنى الأخص عند الجمهور ، ولكن الشيعة زادوا ركناً خامساً وهو الاعتقاد بالإمامة ، وأنّها منصب إلهي كالنبوة ، فكما أنّ الله تعالى يختار من يشاء من عباده للنبوة والرسالة ، ويؤيّده بالمعجزة ، فكذلك يختار للإمامة من يشاء ، ويأمر نبيّه بالنص عليه ، وأن ينصبه إماماً للناس من بعده للقيام بالوظائف التي كان النبي يقوم بها سوى أنّ الإمام لا يوحى إليه كالنبي ، والإمامة متسلسلة في اثني عشر كل سابق ينصّ على اللاحق ، ويشترطون أن يكون معصوماً كالنبي عن الخطأ وإلاّ لزالت الثقة به(7) .
وعن أبي جعفر محمّد بن علي صلوات الله عليه أنّه قال : الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان ، ثمّ أدار وسط راحته دائرة وقال : هذه دائرة الإيمان . ثمّ أدار حولها دائرة أُخرى وقال : هذه دائرة الإسلام أدارهما على مثل هذه الصورة فمثل الإسلام بالدائرة الخارجة والإيمان بالدائرة الداخلة ; لأنّه معرفة القلب كما تقدّم القول فيه ، وبأنّه إيمان يشرك الإسلام ولا يشركه الإسلام ، يكون الرجل مسلماً غير مؤمن ، ولا يكون مؤمناً إلاّ وهو مسلم(8) .
فهذه مجمل عقيدة الشيعة في التوحيد والنبوة والإسلام والإيمان والولاية .
وإذا كان الإسلام هو الشهادة بالتوحيد والنبوة والمعاد فمن أنكر واحدة منها فليس بمسلم ، فإذاً قضايا مثل : البداء والعصمة والمهدي وغيرها قضايا لا تدخل ضمن معنى الإسلام ، ولكنها قضايا مرتبطة بالمذهب فمن اعتقد بها فهو على مذهبهم ، ومن لم يعتقد بها فهو ليس على مذهبهم ، فويل للذين يكفّرون إخوانهم ، ويوغرون الصدور عليهم ، وينفخون في كل نار حتّى تلتهب .
فهذه هي مصادر التشريع عند الشيعة كما هي عند غيرهم من فرق ومذاهب أهل الإسلام وهذه هي عقائدهم ، فما هو معنى وصف الشيعة بالخارجين عن الدين أو بالفارسية؟!
وتجد البعض يقول : بأنّ المضمون الفكري عندهم فارسي! وعجيب هذا ، فكيف يستساغ فارسية الفروع مع إسلامية الأصول؟! وممّا قدمنا يتّضح الهوية العريقة للتشيع التي هي عربية المهد واللغة ، ولأجل هذا ذهب الباحثون الموضوعيون أنّ التشيع عربي بكل خواصه ، وأنّ هذه الأقوال التي ترمى الشيعة بالفارسية نشأت متأخرة لأسباب ، منها : تحوّل الفرس من المذهب السني إلى المذهب الشيعي منذ القرن العاشر ، ومنها سياسية : ترتبط بالنزاع الذي دار بين الصفويين والعثمانيين ، فلقد حورب المذهب الجعفري الاثني عشري في عهد العثمانيين والأتراك مئات السنين محاربة عنيفة لئيمة متواصلة ، وتفنن المفرّقون بالافتراءات عليهم في ذلك العهد الظالم اللئيم ، فلم يتركوا وسيلة من وسائل الإيذاء إلاّ اقترفوها(9) ، كما أنّ السلطان سليم الأوّل استصدر من الهيئة الإسلامية فتوى تجيز إعدام الذين اعتنقوا المذهب الشيعي من رعايا الدولة ، واعتبارهم مرتدّين عن الإسلام ، وقررت الهيئة أيضاً شرعية الحرب التي يخوضها الجيش العثماني ضد الشاه إسماعيل الصفوي في بلاد فارس عام 1514م تأسيساً على أنّ الدولة الصفوية تتخذ المذهب الشيعي مذهباً رسمياً لها ، وتحاول نشره خارج حدود الدولة الصفوية(10) .
وهناك مجموعة كبيرة من الباحثين لم يسعهم من ناحية إنكار عروبة التشيّع في الوقت الذي أرادوا فيه شتم الشيعة عن طريق شتم الفرس منهم :
1 ـ علي حسين الخربوطلي قال : وهناك فريق من العرب تشيّع لعلي بعد أن آلت الخلافة إلى أبي بكر ، ويرى جولد تسهير أنّ الحركة الشيعية نشأت في أرض عربية بحتة ، فقد مال لاعتناق التشيّع قبائل عربية تشبّعت بالآراء الثيوقراطية ، وبشرعية حق علي بالخلافة ، فأقبلت على تعاليمه في لهفة وحماسة أهل العراق من الفرس ، ورأوا أنّ الإمامة ليست من المصالح التي تفوّض إلى نظر الأمّة ، ويُعيّن القائم بها تعييناً باختيار جماعة المسلمين وانتخابهم ، بل هي ركن الدين وقاعدة الإسلام ، فيجب تعيين الإمام ، ويكون معصوماً ، وأنّ علياً هو الذي عيّنه الرسول(11) .
2 ـ المستشرق فلهوزن قال : أما أنّ آراء الشيعة تلائم الإيرانيين فهذا ممّا لاشك فيه ، وأمّا كون هذه الآراء انبعثت من الإيرانيين فليست تلك الملائمة دليلا عليه ، بل الروايات التاريخية تقول عكس ذلك إذ تقول إنّ التشيّع الواضح الصريح كان قائماً أوّلا في الدوائر العربية ثمّ انتقل إلى الموالي(12) .
3 ـ المستشرق آدم متز قال : إنّ مذهب الشيعة لا كما يعتقد البعض ردّ فعل من جانب الروح الإيرانية تخالف الإسلام ، فقد كانت جزيرة العرب شيعية كلها عدى المدن الكبرى ، كمكة وتهامة وصنعاء ، وكان للشيعة غلبة في بعض المدن ، مثل : عمان وهجر وصعدة وفي بلاد خوزستان التي تلي العراق فكان نصف أهلها على مذهب الشيعة ، أمّا إيران فكانت سنية عدا قم ، وكان أهل أصفهان يغالون في معاوية حتّى اعتقد بعضهم أنّه نبي مرسل(13) .
4 ـ جولد تسهير قال : إنّ من الخطأ القول إنّ التشيّع في منشئة ومراحل نموّه يمثّل الأثر التعديلي الذي أحدثته أفكار الأمم الإيرانية في الإسلام بعد أن اعتنقته وخضعت لسلطانه عن طريق الفتح والدعاية ، وهذا الوهم الشائع مبني على سوء فهم الحوادث التاريخية ، فالحركة العلوية نشأت في أرض عربية بحتة(14) .
5 ـ نولدكه قال : ظلّت بلاد فارس في أجزاء كبيرة منها تدين بالمذهب السني ، واستمر ذلك حتّى سنة1500م عندما أعلن التشيّع مذهباً رسمياً فيها بقيام الدولة الصفوية(15) .
6 ـ المستشرق كيب قال : إنّ الفكرة الخاطئة والتي لازالت منتشرة التي تقول بأنّ بلاد فارس كانت الموطن الأصلي للتشيّع لا أصل لها ، بل الروايات التاريخية تثبت بأنّ الزرادشتيين كانوا أميل عموماً لاعتناق المذهب السني(16) .
هذا ولدينا شواهد على أنّ التشيع لم ينتشر في بلاد فارس إلاّ بعد زوال دولة بني عباس .
هذا ، ولم نعرف عرقاً فارسياً نهض في نصرة آل البيت العلوي زمن العباسيين ، بل على العكس سمعنا أنّ يحيى البرمكي تعهّد للرشيد بقتل الإمام الكاظم(عليه السلام) ، ووفى بعهده له ، وسمعنا أنّ الحسن بن سهل يوشي بالإمام الرضا(عليه السلام) في عهد المأمون ، ويسعى به عند المأمون ; وذلك أنّ الذين أحبّوا القومية الفارسية ، وسلّموا زمام الأمر في الدولة لرجال فارس العباسيون حتّى كانت دولتهم شبه فارسية ، ثمّ صارت أيام المعتصم شبه تركية .
ولقد بلغ العباسيون غايتهم في التنكيل بأئمة البيت العلوي ، ونقضوا العهود ، ونكثوا الأيمان ، وأغدقوا العطاء لمن انتقد زعماء وأئمة البيت العلوي في مجالسهم ، ولقد أرسل موسى بن عيسى العباسي رجلاً إلى عسكر الحسين صاحب فخ حتّى يراه ويخبره عنه ، فمضى الرجل وتعرّف على عسكر الحسين ، فرجع ، قال لموسى بن عيسى : ما أظن القوم إلاّ منصورين .
فقال : وكيف ذلك يا بن الفاعلة؟
قال الرجل : لأنّني ما رأيت فيهم إلاّ مصلياً أو مبتهلا ً أو ناظراً متفكّراً ، أو معدّاً للسلاح .
فضرب موسى يداً على يد وبكى ، ثمّ قال : هم والله أكرم خلق الله ، وأحق بما في أيدينا منّا ، ولكن الملك عقيم ، لو أنّ صاحب هذا القبر يعني النبي صلى الله عليه وسلم نازعنا الملك ضربنا خيشومه بالسيف(17) .
ولقد كانت خراسان من البلاد التي تتشيّع للعباسيين وليس للعلويين ، هذا ما جاء في كلام الصادق(عليه السلام) عن أهل خرسان يوم أن جاءه عبد الله المحض وقال له : هذا كتاب أبي سلمة يدعوني فيه إلى الخلافة قد وصل على يد بعض شيعتنا من أهل خراسان . فقال الصادق : ومتى صار أهل خراسان من شيعتك وهم يدعون إلى غيرك(18) .
ولقد قال محمّد بن علي بن عبد الله بن عباس في كلمته التي ألقاها لرجال الدعوة حينما أراد بثّهم في البلدان : وأمّا الكوفة وسوادها فهناك شيعة علي بن أبي طالب وولده وأمّا البصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكف ، وأمّا الجزيرة فحرورية مارقة ، وأمّا أهل مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر ، ولكن عليكم بخراسان فإنّ هناك العدد الكثير، والجلد الظاهر ، وهناك صدور سليمة ، وقلوب لم تتقسمها الأهواء ، ولم تتوزعها النحل ، ولم تشغلها ديانة(19) .
بل إنّ قم مركز الإشعاع الشيعي في المنطقة والعالم الآن لم تمصر إلاّ في سنة 83هـ ، ولم يدخلها التشيّع إلاّ في تلك السنة على يد سعد بن مالك بن عامر الأشعري كما حكى الحموي(20) .
وقد روى البيهقي أنّ المأمون العباسي همّ بأن يكتب كتاباً في الطعن على معاوية ، فقال له يحيى بن أكثم : يا أمير المؤمنين ، العامّة لا تتحمّل هذا ولاسيّما أهل خراسان ، ولاتأمن أن يكون نفرة(21) . وبذلك ندرك أنّ خراسان كانت تتولّى معاوية حتّى أيام المأمون ، وأنّ سجستان وأصفهان وشاش وطوس كانت كلها ناصبة العداء لآل البيت العلوي أيام الخوارزمي وابن سبكتكين المتوفى سنة 421 هجرية .
وبلغ الجور والتعسّف الذي لحق بآل البيت العلوي حتّى قال أحد الشعراء :
يا ليت جور بني مروان دام لنا وليت عدل بني العباس في النار
وقال آخر :
تالله إن كانت أمية قد أتت قتل ابن بنت نبيها مظلـومـا
فلقد أتته بنـو أبيه بمثـله هذا لعمرك قبره مهــدوما
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا في قتله فتتبعوه رميما
____________
1- عرفان عبد الحميد ، دراسات في الفرق والعقائد الإسلامية ص18 .
2- الأمين ، أعيان الشيعة ، 1/91 .
3- المظفر ، عقائد الإمامية ، ص43 .
4- ابو حنيفة النعمان، دعائم الإسلام، 1/12، 13.
5- الحجرات : 14 .
6- الحجرات : 15 .
7- محمّد حسين آل كاشف الغطاء ، ص101 ـ 102 بتصرّف .
8- أبو حنيفة النعمان ، دعائم الإسلام ، 1/12 .
9- محمّد جواد مغنية ، الإمام جعفر الصادق ، ص113 .
10- فتحية النبراوي ومحمّد نصر مهنا ، تطوّر الفكر السياسي في الإسلام ، 2/402 .
11- حسن الخربوطلي ، الدولة العربية ، ص127 .
12- فلهوزن ، الشيعة والخوارج ، ص241 .
13- آدم متز ، الحضارة الإسلامية ، 1/101 .
14- آدم متز ، العقيدة والشريعة ، ص202 .
15- عرفان عبد الحميد ، دراسات في الفرق والعقائد الإسلامية ، ص326 .
16- المرجع السابق ص26 .
17- تاريخ أبي الفداء ، 2/11 .
18- ابن الطقطقي ، الفخري في الآداب السلطانية ، ص137 .
19- ابن قتيبة ، عيون الأخبار : 1/204 .
20- الحموي ، معجم البلدان ، 7/160 .
21- البيهقي ، المحاسن والمساوىء ، 1/108 .
ثالثاً : الأصول الاعتقادية عند الشيعة
- الزيارات: 3505