• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الأمر الثاني : الثيوقراطية


التقارب في الآراء من الشيعة والفرس ، وأنّ كلا مهما يقول بالحق الإلهي في الحكم ، وأنّ الحاكم نائب عن الله ، وأنّ الإمامة تكون بالوارثة ، وهذا ما ذهب إليه أحمد أمين وبعض المستشرقين يقول محمّد أبو زهرة : بعض العلماء ومنهم دوزي المستشرق وقرروا أنّ أصل المذهب الشيعي نزعة فارسية إذ أنّ العرب تدين بالحرية والفرس تدين بالملك والوراثة ولا يعرفون معنى الانتخاب ، إلى أن قال إنّ الشيعة قد تأثّروا بالأفكار الفارسية حول الملك ووراثته(1) .
ونقول : إنّ إدعاء من يقول إنّ كلا من الفرس والشيعة يقولون بالحق الإلهي في الحكم ، وأنّه يحكم بتفويض من الله أو نيابة عنه فهذا خطأ ; لأنّ الشيعة تؤمن بأنّ الإمامة منصب إلهي كالنبوة ، فالإمام منصوص عليه من قبل الله تعالى من طريق النبي أو الإمام . فأيّ وراثة في هذا؟! فهذا خطأ علمي فادح ; لأنّ الشيعة لا تنظر للإمامة على أنّها إرث ، بل تذهب إلى أنّ تعيين الإمام بنص وكتب الشيعة طافحة بذلك .
وإنّ أهل السنة قالوا بأنّ الخلافة تكون بالشورى بالنص واستدلّوا بقوله تعالى (وشاورهم في الأمر)(2) ، وقوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم)(3) .
ولكن الآيتين أجنبيتان عن موضوع الشورى ، فالآية الأولى جاءت مدحاً للأنصار الذين كانوا قبل الإسلام إذا أرادوا عمل شيء تشاوروا في ذلك . وقيل : نزلت في مشاورة أهل الرأي(4) . وقال علماؤنا : المراد بها الاستشارة في الحرب ، ولاشك في ذلك ; لأن الأحكام لم يكن لهم فيها رأي بقول ، وإنّما هي بوحي مطلق من الله عزّ وجل أو باجتهاد من النبى(صلى الله عليه وآله) في مورد يجوز له الاجتهاد(5) .
والآية الثانية جاءت ليشاور في الحرب ، ولتطيب نفوس أصحاب الرسول(صلى الله عليه وآله)(6) . وبهذا فالآيتان لم تنـزلا من باب التشريع لاختيار الخليفة .
أمّا الشيعة فإنّهم ذهبوا : أوّلا : إلى أنّ النبي كان إذا عزم على الخروج في بعض أسفاره أو مغازيه أمّر على المدينة أمير حتّى يخلفه في الناس .


ثانياً : إنّ الشريعة تفرض على المسلم أن يوصي عند موته فيما يهمّه ، قال تعالى : {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالاَْقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ}(7) فكيف يترك رسول الله(صلى الله عليه وآله) الأمّة ، دون وصي يرعى الأمّة ، وبدونه تؤول الأمور إلى فوضى وتنازع؟!


ثالثاً : تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة على أنّ الإمامة بجعل من الله ; وذلك لقوله تعالى : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}(8) .

ويضاف إلى ذلك أحاديث وردت عن النبي(صلى الله عليه وآله) ، منها حديث الغدير : وأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) حينما بلغ غدير خم جمع الناس وقال : "ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى . قال : اللهم فاشهد ، ثمّ أخذ بيد علي بن أبي طالب ورفعها حتّى بَانَ بياض إبطيهما للناس وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، وأخذل من خذله ، والعن من نصب له العداء والبغضاء" .
وفي ذلك أحاديث كثيرة وبطرق عدّة ، فقد روى هذا الموضوع مائة وعشرين صحابياً ، وأربعة وثمانين تابعياً ، وكان عدد طبقات رواته من أئمة الحديث يتجاوز ثلاثمائة وستين راوياً ، وقد ألّف في هذا الموضوع أكثر من عشرين مؤلّفا من الشيعة والسنة مما أشبعوا هذا الأمر بحثاً(9) .
وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم قال : "قام رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى "خماً" بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ، ثمّ قال : أمّا بعد ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربى فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور... ثمّ قال : وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي..."(10) .
يقول ابن حجر الهيتمي : إنّ حديث الغدير صحيح لا مرية فيه ، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد ، وفي رواية أحمد أنّه سمعه من النبي(صلى الله عليه وآله) ثلاثون صحابياً ، وشهدوا به لعلي لمّا نوزع أيام خلافته ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ، ولا يلتفت لمن قدح في صحته ، ولا لمن ردّه(11) .
ويقول سبط ابن الجوزي : "اتّفق علماء السير على أنّ قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي(صلى الله عليه وآله) من حجّة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجّة ، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفاً ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه (الحديث) . نص(صلى الله عليه وآله) على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة . وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده : أنّ النبى(صلى الله عليه وآله)لمّا قال ذلك طار في الأقطار وشاع في البلاد والأمصار(12) .
وبعد هذا الثابت والمدوّن الصحيح تجد من يخرج عليك ليقول : إنّ هذا لم يرد إلاّ عند الشيعة ، وقد تسمع من يقول وتقرأ : أنّ الشيعة دسّوا هذه الروايات في كتب السنة ، وهى حكايات أشبه بخرافات العجائز .
وبذلك فقد أوضحنا نصوص الشيعة التي يستندون عليها في عقائدهم في أنّ الإمام بجعل من الله ، وأنّ إمامته بالنص دون الاختيار ، وأنّ الذين ذهبوا إلى القول بالشورى اعتمدوا على اجتهاد من عند أنفسهم عندما ظنّوا أنّه ليس هناك نص أو أنكروا النص ; لأنّ أحاديث الغدير والولاية لا تدين من حارب علياّ فحسب ، وإنّما تدين كذلك أولئك الذين اعتزلوه ، وبذلك تلقي الضوء على حروب علي التي اشتبه المسلمون والتبس فيها وجه الحق(13) .
والشيعة يتساءلون عن الشورى وأركانها؟ وكيفيتها؟ وهل تحققت في أيام الخلفاء؟ وهل اختيار الخلفاء كان بموجب هذه النظرية؟
إنّ الذين بايعوا أبي بكر في السقيفة اثنان من المهاجرين هما أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح ، وعمر بن الخطاب ، ولذلك قالوا أهل السنة أنّ البيعة تنعقد برجلين من أهل الشورى (أهل الحل والعقد) ، ويقول الخليفة الثاني عمر بن الخطاب : إنّها كانت فلتة وقى الله شرّها . وهذه العبارة تدل بجلاء على أنّ هذه البيعة لم تتم وفق معايير منهجية .   
ولكن هل تحققت البيعة والشورى في الخليفة الثاني أم كانت عن طريق التعيين ، كما وصّى بها أبو بكر؟ وهل الخليفة الثالث جاء عن طريق بيعة أم عن طريق تأييد ثلاثة من خمسة(14)؟
إنّ الموضوعية في البحث تقول إنّ هذه الحالات الثلاث لا يمكن أن تعبّر عن نظرية الشورى فعلا ، وهل طبيعة هذه الحالات تتسق مع أدلتهم كقول الله تعالى : {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}(15) ومع كل هذا تجد من يقول إنّ البيعة تتحقق ببيعة واحد فقط ، كما ذهب ابن العربي المالكي(16) !!
ومن كل هذا وغيره نقول بأنّ نظرية الشورى لمّا كانت غير ناهضة ولا تقف على أرضية محكمة بعكس نظرية النص والتعيين ، تجد من يقول بأنّ هذه النظرية هي نظرية الفرس الذين أدخلوها في التشيّع لتكون وراثة ، إلاّ أنّ الإمامة ليست وراثة ولكنها تعيين ، وليست موضوعة ولكن سندها من الكتاب والسنة ، وليست متأخرة في الفكر الإسلامي ولكنها تمثّل أحد أهم الركائز الاعتقادية عند الشيعة قبل دخول الفرس الإسلام وقبل تشيّعهم وعندما كانوا موالين للأمويين .
ورغم ذلك كله تجد أمثال الدكتور أحمد شلبي في تاريخ المناهج الإسلامية(17) يقول : وكان عدم تدوين الأحاديث فرصة أمام مدعي التشيّع ليضعوا حشداً من الأحاديث وينسبوها للرسول(صلى الله عليه وآله) ، ولعل حديث غدير خم كان في مطلعها .
ويقول أحمد أمين : ونظم ، أي : السيد الحميري حادثة غدير خم ، وهي ما تزعمه الشيعة من أنّ النبى(صلى الله عليه وآله) يوم غدير خم أخذ بيد علي وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه(18) .
ومن قبلهم قال ابن خلدون : والأمر الثاني : هو شأن العهد مع النبي(صلى الله عليه وآله) وماتدّعيه الشيعة من وصية علي(رضي الله عنه) ، وهو أمر لم يصح ، ولا نقله أحد من أئمة أهل النقل(19) .
إنّ نفي هذه الأحاديث مكابرة وإخفاء للحقيقة فحديث الغدير والولاية رواه من أهل السنة ابن حجر العسقلانى في الإصابة(20)والمقريزي في خططه(21) ، والمحب الطبري في الرياض النضرة(22) ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء(23) ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد(24) ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة(25) ، والمسعودي في مروج الذهب(26) والغزالي في سرّ العالمين وكشف ما في الدارين(27) ، والمتقي الهندي في كنز العمال(28) ، والنسائي في الخصائص(29) ومسلم في صحيحه(30) .
ونختم هذا الأمر بقول الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله ، والتصديق برسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس"(31) . فصفة الإسلام ثابتة لمن شهد الشهادتين سواء اعتقد أنّ الإمامة بالنص ، فهي حق إلهي أو بالشورى ، فهي حق للجماعة يضعوها حيث تتوفّر فيه من يتحّملها ، وحتّى لو لم يكن للإمامية في نظريتهم لنصب الإمام دليل ، بل لو ذهب القوم إلى أبعد من ذلك فابتدعوا وكانوا من أهل البدع فإنّه يتعيّن على علماء المسلمين ألاّ ينبذونهم ويكفّروهم .
فكيف وعندهم الدليل الصحيح الثابت في كتب أهل السنة أنفسهم؟!

____________
1- تاريخ المذاهب الإسلامية 1 : 40 .
2- آل عمران : 159 .
3- الشورى : 38 .
4- الحافظ ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ، 3/420 .
5- ابن العربي المالكي ، أحكام القرآن الكريم ، 2/297 .
6- الحافظ ابن كثير ، مرجع سابق ، 3/118 .
7- البقرة : 180 .
8- السجدة : 24 .
9- الجزء الأوّل من كتاب الغدير للأميني ، الإصابة لابن حجر في ترجمة الإمام علي ، الاستيعاب لابن عبد البر في ترجمة الإمام علي ، أعيان الشيعة ج3 باب الغدير محسن الأمين العاملي ، تفسير الرازي ، الدرّ المنثور في تفسير الآية 67 من سورة المائدة .
10- مسلم ، صحيح مسلم ، 7/122 ، 123 .
11- ابن حجر الهيتمي ، الصواعق المحرقة ، ص42 .
12- سبط ابن الجوزي ، تذكرة الخواص ، ص30 ، 31 .
13- حسن عباس ، الصياغة المنطقية للفكر السياسي ، ص35 .
14- ابن العربي المالكي ، أحكام القرآن ، 3/57 .
15- الشورى : 38 .
16- ابن العربي المالكي، أحكام القرآن، 3/57 .
17- أحمد شلبي ، تاريخ المناهج الإسلامية 4/213 .
18- أحمد أمين ، ضحى الإسلام ، ص309 .
19- ابن خلدون ، المقدّمة ، فصل ولاية العهد ، ص212 .
20- ابن حجر العسقلاني ، الإصابة ، 2/15 ، 4/568 .
21- المقريزي ، الخطط ، 2/92 .
22- المحب الطبري ، الرياض النضرة ، 2/172 .
23- السيوطي ، تاريخ الخلفاء ، ص169 .
24- الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، 7/437 .
25- ابن قتيبة ، الإمامة والسياسة ، 1/109 .
26- المسعودي ، مروج الذهب 2/437 .
27- أبو حامد الغزالي ، سرّ العالمين وكشف ما في الدارين ، ص10 .
28- المتقي الهندي ، كنز العمال ، 1/167 ، 168 .
29- النسائي ، الخصائص ، ص39 ، 40 ، 41 .
30- صحيح مسلم ، 7/122 ، 123 .
31- شرف الدين ، الفصول المهمة ، ص18 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page