هدم الإسلام من خلال التستّر بالتشيّع ، وقولهم إنّ الفرس استتروا بالتشيّع لهدم الإسلام ، وفي ذلك يقول أحمد أمين : والحق أنّ التشيّع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد ، ومن كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية ، ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته ، كل هؤلاء كانوا يتّخذون آل البيت ستاراً .
وقد ذهب مذهبه كلاّ من الدكتور أحمد شلبي ومحب الدين الخطيب وغيرهم ، وهذا الادّعاء يسوقنا أن نطرح سؤال مفاده :
هل الفرس برؤيتهم الإلحادية أرادوا هدم الإسلام ولذلك تشيّعوا؟ أم أنّهم انضمّوا إلى الإسلام فمنهم سنة ومنهم شيعة؟
فإذا كانوا الفرس دخلوا الإسلام متظاهرين بتشيّعهم ومحبّتهم لأهل البيت محاولين بذلك هدم الإسلام فلا بدّ أنّهم قصدوا الدخول من الباب القوي أو الركن الشديد حتّى يستطيعوا قيادة هذه الأمّة وتحريف دينهم ، وبذلك يكون المذهب الشيعي هو أصل الإسلام ومادّته .
وأمّا إن قلنا إنّهم دخلوا الإسلام ، فمنهم من تشيّع وهم قلّة ، ومنهم من اعتنق المذهب السني كانوا مناصرين للأمويين ، وهؤلاء كانوا الأعم الأغلب ، ورغم أنّ أهل العلم من السنة كانوا في الأغلب من الفرس والموالي ، ولا نرى في ذلك عيباً أو انتقاصاً ، فإنّ الإسلام حرّم العصبية ،وجعل الناس متساويين كأسنان المشط لا فرق لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى .
وقد يقول آخر : إنّ عقائد الشيعة في البداء ، والرجعة ، والعصمة ، والمهدي خارجة عن أهل الإسلام ومعتقداتهم ومقالاتهم ، وهي تخالف أصل الدين .
نقول : إنّ كلاّ من البداء ، والرجعة والعصمة والمهدي يقولها كل أهل الإسلام ألا ترى أنّ في مقولة أهل السنة أنّ الصحابة كلّهم عدول يجعل منهم أهل عصمة ، وكذلك القول بالبداء فإنّ له وجه عند أهل السنة يؤيّده أدلّتهم في حديث المعراج من فرض الصلاة ، وأحاديث كثيرة تؤيد البداء لله ، وكذلك .
الرجعة والمهدي ، ورغم هذا فإنّ هذه الأمور ليست من القضايا التي تخرج منكرها من الملّة ، أو أنّ معتنقها من أهل الجنة ، فلماذا كل هذا الصراخ والعويل المفتعل ، ومن المستفيد من تبديد هذه الطاقات في خصومه لا فائدة فيها غير ضعف الأمّة وانقسامها وقطع ذات البين ، وإلى الله المشتكى .
إنّ الشيعة حتّى القرن الثاني من الهجرة لم يكونوا في فارس غير أفراد قلائل في (قم) ليس لهم دعوة ، وإنّما كانوا متستّرين خشية البطش ، ولقد كانت خراسان ، وسجستان ، وأصفهان ، وشاش ، وطوس سنية ، فقد أخرج ابن قتيبة في رواية عن محمّد بن علي بن عبد الله بن عباس في كلمته التي قالها لرجال دعوته حين وجّههم : أمّا الكوفة سوادها ، فهناك شيعة علي بن أبي طالب ، وأمّا البصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكف ، وأمّا الجزيرة فحرورية مارقة ، وأمّا أهل الشام فليس يعرفون إلاّ آل أبي سفيان وطاعة بني مروان ، وأمّا أهل مكة والمدينة فقد غلب عليهما أبو بكر وعمر ، ولكن عليكم بخراسان فإن هناك العدد الكثير ، والجلد الظاهر ، وصدوراً سليمة ، وقلوباً فارغة لم تتقسمها الأهواء ، ولم تتوزعها النحل ، ولم تشغلها ديانة(1) .
ولقد ظلّ القليل من الشيعة في فارس وما ورائها مضطهدين طوال فترة حكم الأمويين وكذلك العباسيين .يقول أبو بكر الخوارزمي في رسالته إلى جماعة الشيعة في نيسابور بعد أن عدد أعمال الأمويين قال : "فبعث عليهم أبا مجرم لا أبا مسلم ، فنظر ـ لا نظر الله إليه ـ إلى صلابة العلوية ، وإلى لين العباسية ، فترك تقاه واتّبع هواه ، وباع آخرته بدنياه ، وسلّط طواغيت خراسان ، وخوارج سجستان ، وأكراد أصفهان على آل أبي طالب ، يقتلهم تحت كل حجر ومدر ، حتّى سلّط الله عليه أحب الناس إليه فقتله"(2) .
____________
1- ابن قتيبة ، عيون الأخبار ، 1/204 .
2- رسائل أبي بكر الخوارزمي ، ص128 .
الأمر الثالث : هدم الإسلام من خلال التستّر بالتشيّع
- الزيارات: 905