نقول : إنّ ما سقناه من روايات نقلناها عن محمّد أبو زهرة ، ومحمّد فريد وجدي ، وأحمد عطية الله ، وأحمد أمين ، وحسن إبراهيم حسن ، والمقريزي ، والذهبي ، وابن حزم ، وعبد القاهر البغدادي ، وعلي بن إسماعيل الأشعري، وابن كثير ، والشهرستاني ، والطبري ، وهؤلاء يمكن أن يصنّفوا في مجموعات ثلاث هي:
باحثون معاصرون ، وأصحاب موسوعات ، وفقهاء .
أصحاب المقالات والفرق .
أصحاب التاريخ والسير والمغازي .
المجموعة الأولى : الباحثون المعاصرون ، وأصحاب الموسوعات ، والفقهاء ، وهم :
محمّد فريد وجدي في دائرة معارف القرن العشرين : أشار إلى أنّه نقل ذلك عن الطبري .
محمّد أبو زهرة في تاريخ المذاهب الإسلامية : يشير أنّه نقل عن الطبري .
أحمد عطية الله في القاموس الإسلامي : نجده في مادة "سبأ" ينقل رواية تشابه رواية الطبري وابن كثير .
أحمد أمين في فجر الإسلام : اقترب إلى ما قاله السيد محمّد رشيد رضا في كتابه السنة والشيعة ، وكذلك ينقل عن ابن خلدون والطبري في صفحة (423) وكذلك في صفحة (438) ، وفي نهاية هذا المبحث ينقل عن المستشرق ولهوسن .
حسن إبراهيم حسن في كتابه تاريخ الإسلام السياسي : وهو يسجّل في هامش الصفحة (352) أنّه نقل من الطبري .
محمّد رشيد رضا في كتابه السنة والشيعة ـ والذي نقل عنه أحمد أمين ـ يقول : إنّ التشيّع ، لعلي كان مبدأ تفرّق هذه الأمّة ، وكان مبتدع أصوله يهودي ، واسمه عبد الله بن سبأ ، أظهر الإسلام خداعاً ، وقد نص في كتابه على أنّ المصدر الذي اعتمد عليه الكامل في التاريخ لابن الأثير .
ولهوسن ـ والذي اعتمد عليه أحمد أمين كأحد مصادره ـ في كتابه الدولة الأموية وسقوطها ، وقال تحت عنوان "السبئية وروح النبوة" : وتبرز في هذه الظروف فرقة في الكوفة كانت بعيدة عن الأنظار يطلق عليه اسم السبئية تغيّر شكل الإسلام تغييراً تامّاً ، ويقول : إنّ السبئية مشتقة من ابن سبأ ، وهو يهودي من اليمن . وقال تحت عنوان :
"السبئية متطرّفون تقمصيون" وللمتطرفين أسماء مختلفة لا تدل إلاّ على ظلال لا قيمة لها من المعاني ، وكانوا أوّلا يسمّون السبئية . ويقول سيف بن عمر : إنّ السبئية كانوا من أوّل الأمر من أهل الشر والسوء في تاريخ حكم الله ، هم قتلة عثمان، فتحوا باب الحرب الأهلية ، وأسسوا فرقة الخوارج . وبعد أن حدد اسم سيف في موضعين مختلفين يشير إلى أنّه استند في مصدره إلى الطبري .
فهذه هي المصادر التي اعتمد عليها هذا الصنف من الناس تنحصر في "ابن خلدون وابن الأثير وابن جرير الطبري" وسوف نبحث في هذه المصادر التي اعتمدوا عليها .
المجموعة الثانية : أصحاب المقالات والفرق ، وهم :
علي بن إسماعيل الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين ، و عبد القاهر البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق ، وابن حزم في كتابه الفصل بين الملل و النحل ، والشهرستاني في كتابه الملل والنحل وغيرهم .
والحق أنّهم أخذوا هذه المقالات من أفواه الناس ، ومن معاصريهم دون سند ، وما أوردوه من سند مما تكلّموا به إنّما هو أقوال تُحكى عن فلان عن فلان ، مع ما في كتبهم من تناقض وسخف بيّن قد أوردنا بعضه ، وسوف نكمله فيما بقي لنا من كلام .
المجموعة الثالثة : أصحاب التاريخ والسير والمغازي ، وهم :
المقريزي المتوفى 848هـ في الخطط : أورد كلاماً يشبه كلام أهل الفرق ، وأقوالا أخرى تشبه روايات سيف بن عمر .
وابن خلدون المتوفي 808 هـ في تاريخه : المبتدأ والخبر ، فإنّه قد أورد قصّة السبئية في ذكره حادثة الدار والجمل ، فقال : هذا أمر الجمل ملخصاً من كتاب أبي جعفر الطبري اعتمدناه للوثوق به وسلامته من الأهواء الموجودة في كتب ابن قتيبة وغيره من المؤرخين(1) .
وأمّا ابن كثير المتوفى 774 هـ ، فقد أورد القصّة في ج7 من تاريخه البداية والنهاية "باب ذكر مجيء الأحزاب إلى عثمان للمرّة الثانية من مصر" فقال في ص173 منه : سيف بن عمر التميمي عن محمّد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان ، وقاله غيرهم أيضاً ، قالوا : لمّا كان في شوال سنة خمس وثلاثين ، خرج أهل مصر في أربع رقاق على أربعة أمراء ومعهم ابن السوداء ، وكان أصله ذمياً فأظهر الإسلام ، وأحدث بدعاً قولية وفعلية ، قبّحه الله .
ونقل القصّة حتّى إذا انتهى من سرد واقعة الجمل ص 252 منه قال : هذا ملخص ما ذكره أبو جعفر بن جرير(رحمه الله) .
والذهبي المتوفى 748 هـ في كتابه تاريخ الإسلام : فإنّه قد أورد ذكر ابن سبأ في حوادث سنة خمس وثلاثين لدى ذكره مقتل عثمان بن عفان في ج 2/169 ، وقال سيف بن عمر عن عطية عن يزيد الفقعسي قال : لمّا خرج ابن السوداء إلى مصر... الحديث .
وهو هنا ينقل من سيف بن عمر وكتابه الفتوح والردة حيث جعله أحد مصادره التي ذكرها في مقدّمة كتابه قال : طالعت على هذا التأليف من الكتب مصنفات كثيرة ، ومادته من : الفتوح لسيف بن عمر ، وتاريخ ابن الأثير ، وتاريخ الطبري(2) .
ابن الأثير المتوفى 630 هـ في كتابه الكامل في التاريخ : يذكر القصة كاملة في حوادث سنة 30-36هـ ، وهو يرجعها كما قال في مقدّمته إلى الطبري ، قال : فإنّي لم أضف إلى ما نقله أبو جعفر شيئاً إلاّ ما فيه زيادة بيان أو اسم إنسان أو مالا يطعن على أحد منهم في نقله ، وإنّما اعتمدت عليه من بين المؤرخين إذ هو الإمام المتقن حقاً الجامع علماً ، وصحة اعتقاد وصدقاً .
وبذلك فإنّ هؤلاء الكتّاب يرجعون إلى الطبري في ما ينقلون عن عبد الله بن سبأ والسبئية ، فما هو مصدر الطبري؟
الطبري المتوفى سنة 310هـ في كتابه "تاريخ الأمم والملوك" في حوادث سنة 30 ـ 36هـ ذكر قصة ابن سبأ والسبئية في مقتل عثمان وحرب الجمل عن طريق سيف وحده ، وللطبري إلى أحاديث سيف طريقان ،
الطريق الأوّل : في ما رواه مشافهة عن عبيد الله بن سعيد الزُهري عن عمّه يعقوب بن إبراهيم عن سيف.
الثاني : السري بن يحيى عن شعيب بن ابراهيم عن سيف .
ومن تتمة البحث أن نعرف قيمة هذه الروايات ، ومدى صحتها ، ومن هم هؤلاء الرجال عن طريق ترجمة رجال السندين؟
____________
1- ابن خلدون ، التاريخ ، 2/438 .
2- الذهبي ، تاريخ الإسلام ، المقدّمة 1 : 12 .