• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الأوّل الإمامة

إنّ الإمامة أو الخلافة تعني القيادة، وقد أصبحت مصطلحاً لقيادة المسلمين بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والتي لا يمكن لأحد أن ينكرها بهذا المفهوم، ذلك أنّ القيادة مطلب فطري لأية جماعة، وقد كان اختلاف المسلمين من السنة والشيعة حول طريقة تعيين الإمام أو الخليفة والدور الذي يقوم به، وهو يعدّ من أعظم الاختلافات بينهم على الاطلاق، وإنّ باقي الاختلافات ما هي إلاّ نتيجة طبيعية لهذا الاختلاف الكبير، ذلك أنّ الإمامة كما يراها الشيعة بنص من الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)ومختصة بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، وأنّ معرفة أحكام الإسلام بعد رحيل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)يكون بالرجوع إلى هؤلاء الأئمة أو إلى الصحيح مما روي عنهم، وإذا تعارض قولهم مع قول غيرهم فإنّه يجب الأخذ بقولهم بوصفهم الخزانة الأمينة لسنة المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم).
وأمّا الإمامة عند أهل السنة فإنّهم قالوا: إنّها بالشورى، ولكنّهم لا يمانعون أن تكون بنص من الخليفة السابق إلى اللاحق، كما في حالة الخليفة أبو بكر(رضي الله عنه)الذي نص على خلافة عمر(رضي الله عنه)، وكذلك يجوزون أن تؤخذ الخلافة بالقّهر وغلبة السيف كما في حالة الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية. وأما معرفة أحكام الإسلام عندهم فإنّها تكون بالرجوع إلى الصحيح مما روي عن طريق الصحابة من غير تفريق بينهم، حيث اعتبروا جميع الصحابة عدولاً وثقاة بالرغم من أن قسماً كبيراً منهم تورط في معركتي الجمل وصفين، وقد أعملوا القتل ببعضهم البعض في تلك المواقع وغيرها من الحوادث التي تجعل عدالة كثير منهم في محل شك وتساؤل. وسترى شرحاً وافياً حول عدالة الصحابة في فصل لاحق إن شاء الله.
وما دامت الحال هكذا، وبوجود الاختلاف بين الشيعة وأهل السنة، فالأجدر قبل إصدار حكم ببطلان مذهب أو تفضيل طريقة على أخرى التريّث والنظر فيما ذهب إليه كل فريق من حجج وبراهين، وقد خصصنا بحثنا لهذا الغرض، حيث نجمل فيما يلي النصوص التي تمسك بها الشيعة كأدلة تثبت مذهبهم في الإمامة ورد أهل السنة على ذلك على النحو التالي:
أولاً: الأدلة في إثبات إمامة أهل البيت.
ثانياً: الأدلة في إثبات عدد أئمة أهل البيت.
ثالثاً: الأدلة في إثبات استخلاف النبي لعلي بن أبي طالب(عليه السلام).

إنّ الإمامة أو الخلافة تعني القيادة، وقد أصبحت مصطلحاً لقيادة المسلمين بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والتي لا يمكن لأحد أن ينكرها بهذا المفهوم، ذلك أنّ القيادة مطلب فطري لأية جماعة، وقد كان اختلاف المسلمين من السنة والشيعة حول طريقة تعيين الإمام أو الخليفة والدور الذي يقوم به، وهو يعدّ من أعظم الاختلافات بينهم على الاطلاق، وإنّ باقي الاختلافات ما هي إلاّ نتيجة طبيعية لهذا الاختلاف الكبير، ذلك أنّ الإمامة كما يراها الشيعة بنص من الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)ومختصة بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، وأنّ معرفة أحكام الإسلام بعد رحيل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)يكون بالرجوع إلى هؤلاء الأئمة أو إلى الصحيح مما روي عنهم، وإذا تعارض قولهم مع قول غيرهم فإنّه يجب الأخذ بقولهم بوصفهم الخزانة الأمينة لسنة المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم).
وأمّا الإمامة عند أهل السنة فإنّهم قالوا: إنّها بالشورى، ولكنّهم لا يمانعون أن تكون بنص من الخليفة السابق إلى اللاحق، كما في حالة الخليفة أبو بكر(رضي الله عنه)الذي نص على خلافة عمر(رضي الله عنه)، وكذلك يجوزون أن تؤخذ الخلافة بالقّهر وغلبة السيف كما في حالة الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية. وأما معرفة أحكام الإسلام عندهم فإنّها تكون بالرجوع إلى الصحيح مما روي عن طريق الصحابة من غير تفريق بينهم، حيث اعتبروا جميع الصحابة عدولاً وثقاة بالرغم من أن قسماً كبيراً منهم تورط في معركتي الجمل وصفين، وقد أعملوا القتل ببعضهم البعض في تلك المواقع وغيرها من الحوادث التي تجعل عدالة كثير منهم في محل شك وتساؤل. وسترى شرحاً وافياً حول عدالة الصحابة في فصل لاحق إن شاء الله.
وما دامت الحال هكذا، وبوجود الاختلاف بين الشيعة وأهل السنة، فالأجدر قبل إصدار حكم ببطلان مذهب أو تفضيل طريقة على أخرى التريّث والنظر فيما ذهب إليه كل فريق من حجج وبراهين، وقد خصصنا بحثنا لهذا الغرض، حيث نجمل فيما يلي النصوص التي تمسك بها الشيعة كأدلة تثبت مذهبهم في الإمامة ورد أهل السنة على ذلك على النحو التالي:
أولاً: الأدلة في إثبات إمامة أهل البيت.
ثانياً: الأدلة في إثبات عدد أئمة أهل البيت.
ثالثاً: الأدلة في إثبات استخلاف النبي لعلي بن أبي طالب(عليه السلام).

نصوص الإمامة - أولاً: الأدلة في اثبات إمامة أهل البيت(عليهم السلام)

نصوص الإمامة

أولاً: الأدلة في اثبات إمامة أهل البيت(عليهم السلام)

إنّ النصوص المروية عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في إمامة أهل البيت على الأمة من بعده كثيرة، نورد هنا أشهرها:
فمن صحيح مسلم، بسنده عن زيد بن أرقم قال: إنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإنّي تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به.... وأهل بيتي، اذكركم الله في أهل بيتي، اذكركم الله في أهل بيتي، اذكركم الله في أهل بيتي" (1).
ومن صحيح الترمذي، بسنده عن جابر بن عبدالله قال: "رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصوى يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس، إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي" (2).
وهذا الحديث لو لم يوجد غيره لكفى في إثبات أحقية مذهب الشيعة الذي يوجب التمسك بأهل البيت(عليهم السلام) بالإضافة إلى الكتاب الكريم، حيث نجد في هذا الحديث أمر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)واضحاً في أتم صور الوضوح بالتمسك بأهل البيت(عليهم السلام)من بعده، وإن هذا التمسك بالإضافة إلى الأخذ بالقرآن الكريم هو شرط النجاة وعدم الضلال.
وبالرغم من أن مسلماً وكثيراً غيره من علماء الحديث من أهل السنة قد أخرجوا هذا الحديث في صحاحهم ومسانيدهم، إلاّ أنّه ولدهشتي الكبيرة أجد معظم أهل السنة يجهلونه بل وينكرونه عند سماعهم به وكأنه غير موجود، ومحتجين بأن الصحيح في ذلك هو ما رواه أبو هريرة بأن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: "إنّي قد خلفت فيكم ما لن تضلوا بعدهما أبداً ما أخذتم بهما أو عملتم بهما: كتاب الله وسنتي"(3).
وعند التقصي عن مصدر هذه الرواية، وجدت أنّها لم تروَ في أي من الصحاح، وقد ضعّفها (4) كل من البخاري والنسائي والذهبي وغيرهم، وقد رواها الحاكم في مستدركه الذي يعتبر بإجماع علماء أهل السنة أقل درجة من صحيح مسلم الذي أورد حديث "...كتاب الله وعترتي أهل بيتي" (5).
وعلى فرض عدم تعارض الروايتين، فإنّه لابد من التسليم بأن المقصود بكلمة "سنتي" في رواية الحاكم هو السنة المأخودة عن طريق أهل البيت النبوي وليس غيرهم كما يتبين بوضوح في رواية مسلم.
أما التمسك برواية الحاكم ".... كتاب الله وسنتي" وترك رواية مسلم ".... كتاب الله وعترتي أهل بيتي" فإنّ في ذلك مخالفة ليس فقط لما أجمع عليه علماء الحديث من أهل السنة بتقديم أحاديث مسلم على أحاديث الحاكم، بل ومخالفاً أيضاً للمنطق والعقل، ذلك أنّ كلمة "سنتي" مجردة كما في رواية الحاكم لا تفيد علماً، فجميع الطوائف الإسلامية تزعم أنها تتبع سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبالنظر إلى وجود الاختلافات الكثيرة بين هذه الطوائف، والتي غالباً يكون سببها الاختلاف في السنة النبوية المنقولة إليها عبر طرق مختلفة والتي تعتبر مفسرة ومكملة للقرآن الكريم الذي أجمعت جميع طوائف المسلمين على صحة نقله، وهكذا فإن الاختلاف في الحديث المنقول ـ والذي أدّى إلى الاختلاف أيضاً في تفسير القرآن ـ أصبحت السنة النبوية سنناً متعددة والمسلمون تبعاً لذلك أصبحوا مذاهب وفرقاً متعددة أيضاً، رُوي أنّ عددها ثلاث وسبعين فرقة.....فأي سنة من تلك السنن أحق بالاتباع؟، وإنّه لسؤال فطري يدور في خلد كل من يتمعن في هذا الاختلاف والذي جاء الحديث أعلاه ليجيب عليه حتى لا يترك المسلمين هكذا يحيرون في إسلامهم بعد رحيل مبلغه، فكانت التوجيهات النبوية المقدسة تقضي بأخذ السنة النبوية المطهرة عن طريق أهل البيت النبوي الذي نطق القرآن بتطهيرهم، وهي بذلك واضحة لا تحتمل ألفاظها أي معنى آخر، وإنّ ذلك الأخذ هو وحده الأمان من الفتنة والضلال.
وهنا يطرح سؤالان لا تكتمل الصورة وضوحاً إلاّ بالإجابة عليهما:
أولهما: من هم أهل البيت المقصودون في الحديث السابق؟
ثانيهما: لماذا خصص الحديث الأخذ عن أهل البيت فقط وليس عموم الصحابة كما يقول أهل السنة؟
من هم أهل البيت؟
يروي مسلم في صحيحه، بسنده عن صفية بنت شيبة قالت: "قالت عائشة: خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(6).(7) ومن صحيح مسلم أيضاً: "... ولما نزلت هذه الآية ـ (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم)(9) ـ دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي (8).
فمن الحديثين السابقين يتبين أنّ أهل البيت في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هم: علي وفاطمة وابناهما، ولكن ماذا بالنسبة لنساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
يروي مسلم في صحيحه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، بسنده عن زيد بن أرقم أنّه قال: "... ألا وإنّي تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عزَّوجلّ هو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة، وفيه فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا، وأيم والله إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده" (10).
ومن صحيح الترمذي بسنده عن عمرو بن أبي سلمة ربيب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "لما نزلت هذه الآية ـ ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) ـ في بيت أم سلمة، فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً وعلي(عليه السلام) خلف ظهره، فجللهم بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء هم أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك وأنت على خير" (11).
ومن مسند أحمد بسنده عن أم سلمة: "أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال لفاطمة(عليها السلام): وائتيني بزوجك وابنيك، فجاءت بهم، فألقى عليهم كساءً فدكياً (قال) ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم إنّ هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنّك حميد مجيد، قالت: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال: إنك على خير" (12).
وبالرغم من وضوح الأدلة السابقة في تعيين أهل البيت، إلاّ أنّ البعض يعارض ذلك محتجاً بالآيات التالية من سورة الأحزاب في دلالتها على شمول أهل البيت لنساء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتنَّ تُردنَ الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أُمتّعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً وإن كنتنَّ... إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا)(13) وكما يظهر، فإن حجة هؤلاء القائلين باشتمال أهل البيت على نساء النبي إنما تأتي لوقوع ـ (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) ـ في نفس الآية التي نزل جزء منها في نساء النبي، ويمكن تفنيد هذا الرأي من عدة وجوه منها:
1 ـ إنّ نزول الآيات القرآنية بشأن تهديد نساء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بالطلاق، ومن ثم إرادة الله بتطهير أهل البيت جاء متتابعاً، لا يعني بالضرورة أن يكون المقصود بالمناسبتين هو نساء النبي، ذلك أنّه يوجد كثير من الآيات في القرآن الكريم من هذا النوع حيث تجدها تحوي أمرين مختلفين ولعل سبب وقوعهما معاً في نفس الآياية هو التوافق في زمن حصول المناسبتين، ومن أمثلة هذه الآيات: (حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلَّ لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنطيحة وما أكل السبع إلاّ ما ذكّيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً * فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم)(14)، حيث تجد في هذه الآية مجيء الحديث بشأن إكمال الدين في وسط الحديث بشأن المأكولات المحرمة.
2 ـ ما يؤكد عدم دخول نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمقصود هذه الآية هو أنّ الكلام بشأن نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)جاء بضمير الجمع المؤنث، كنتن.... منكن.....لستن.... تخضعن...وقرن في بيوتكن....تبرجن....وعندما بدأ الكلام بشأن التطهير تحول ضمير المخاطب إلى ضمير الجمع المذكر ـ عنكم..... ويطهركم ـ وليس عنكن.... ويطهركن.
3 ـ الأحاديث الصحيحة السابقة من صحاح مسلم والترمذي ومسند أحمد وغيرها تثبت بدلالة قاطعة عدم دخول نساء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ضمن أهل البيت. حيث كانت إجابة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)عندما سألته أم سلمة(رضي الله عنه) ـ....وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك أنت على خير ـ، وفي رواية مسلم: ".... من أهل بيته؟ نساءه؟ قال: لا....".
4 ـ وفي حديث الثقلين الذي رواه مسلم وأحمد وغيرهما:
"... يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي" يظهر أن المقصودين في ذلك يجب التمسك بهم، فإذا فرضنا جدلاً أنّ نساء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) هن المقصودات أو هن ضمن المقصودين في الحديث، فبأي صورة من الصور سيتمسك بهن المسلمون بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ويجب مراعاة أنهن قد أمرن بالتزام بيوتهن. في الإجابة على هذا السؤال فضلاً عن أنّهن وجدن جميعاً في عصر واحد، وإذا قيل أنّ التمسك بهن يكون بالأخذ مما روي عنهن من أحاديث فنقول: إنّه وجد منهن من لم ترو ولو حديثاً واحداً.
5 ـ إن الرجس المقصود في الآية: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)يعني في اللغة القذر وهو للدلالة على الإثم، والطهارة في اللغة تعني النظافة وهي للدلالة هنا على التقوى.
فالمراد من إذهابه سبحانه وتعالى الرجس عنهم هو تبرئتهم وتنزيههم عن الأمور الموجبة للنقص فيهم، وأي ذنب مهما صغر فإنّه موجب في نقص مقترفيه، وهذا يعني أنّ الله تعالى أراد تطهير أهل البيت من كل الذنوب صغيرها وكبيرها، وما ذاك إلاّ العصمة والتطهير. وأما إذا قيل أنّ المراد بالتطهير في هذه الآية هو مجرد التقوى الديني بالاجتناب عن النواهي والامتثال للأوامر، فإن ذلك مردود لأن التطهير بهذا المعنى ليس مختصاً بأهل البيت وإنما هو لجميع المسلمين المكلفين بأحكام الدين كقوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهّركم ويتم نعمته عليكم)(15).
وهكذا، فإنه إذا سلمنا بعصمة من نزلت الآية بحقهم، فإن نساء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لسن من ضمنهم لأنهن لسن من المعصومات، فبالإضافة إلى أنّه لم يقل أحد من الأولين أو الآخرين بذلك فإنّه عرف تهديد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لهن بالطلاق وغير ذلك مما ستراه في فصل لاحق.
شواهد إضافية على عصمة أهل البيت:
1 ـ حديث الثقلين: "...إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي" حيث يظهر من هذا التوجيه النبوي أنّ شرط عدم الضلالة هو التمسك بالكتاب والعترة، وليس من المعقول أن من يحتمل وجود الخطأ أو الزلل فيه يكون مأمناً من الضلال، وهذا دليل على عصمة الثقلين، كتاب الله (الثقل الأكبر) الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأهل البيت (الثقل الكبير).
2 ـ الآية القرآنية: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمّهنّ *قال إنّي جاعلك للنّاس إماماً * قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) (16).
ففضلاً عن أنّ هذه الآية تشير إلى علو منصب الإمامة ورفعته، فإنّها تدلّ كذلك على أنّ نيل عهدالله (إمامة البشرية) لا يمكن أن يكون من نصيب ظالم، والخطيئة بصغيرها وكبيرها تجعل من مرتكبها ظالماً، فكان لابد أن يكون الإمام معصوماً عن ارتكاب أي خطيئة أو إثم.
3 ـ وفي مستدرك الصحيحين، يروي الحاكم بسنده عن حنش الكناني: "قال: سمعت أبا ذر يقول وهو آخذ بباب الكعبة: يا أيها الناس من عرفني فأنا من عرفتم ومن أنكرني فأنا أبوذر، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق" (17). قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
4 ـ وفي مستدرك الصحيحين أيضاً، بالسند عن ابن عباس: "قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الإختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب، اختلفوا فصاروا حزب إبليس "(18).
5 ـ ولمزيد من التوضيح في تبيان تلك المنزلة الرفيعة التي حظي بها أهل البيت، نذكر بعض الأحاديث المروية في صحيح البخاري والتي تشير إلى نعت أهل البيت بكلمة(عليهم السلام) وقد اختصوا بهذا النعت دون غيرهم من جميع الصحابة وأزواج النبي، وهذه أمثلة لذلك كما رواها البخاري في صحيحه:
"عن علي(عليه السلام) قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم، وكان النبي (ص) أعطاني شارفاً من الخمس، فلما أردت أن ابني بفاطمة(عليها السلام) بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)..."(19) وكذلك: "... وطرق النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)باب فاطمة وعلياً(عليهما السلام) ليلة للصلاة"(20) وفي رواية أخرى: "... قال: رأيت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وكان الحسن بن علي(عليهما السلام) يشبهه...."(21) وكذلك: "...عن علي بن الحسين(عليهما السلام)أخبره...."(22)، وقد يقول قائل إن ذلك لا يدل على تميزهم، ولكن السؤال: لماذا اختصوا بها وحدهم دون غيرهم؟
6 ـ وقد أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن تكون الصلاة على آل بيته ملازمة للصلاة عليه، ففي الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه بالسند عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: أهدى لي هدية؟ إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)خرج علينا فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد"(23)، ووجه الإرتباط في هذا الحديث بين سيدنا إبراهيم(عليه السلام) وآله من جهة، وبين سيدنا محمد وآله من الجهة الأخرى، هو أنّ إبراهيم(عليه السلام) كان نبيّاً وآله أيضاً كانوا أنبياء ومرجعاً للناس من بعده، وهكذا كان آل محمد الخزانة الأمينة للرسالة المحمدية حيث أنّ المسلمين قد أمروا بالرجوع إليهم بعد وفاة المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم)، إلاّ أنّهم كانوا أئمة وليسوا أنبياء كآل إبراهيم، وكما جاء في حديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي(عليه السلام): "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه ليس نبي بعدي" (24) وسيأتي الكلام في هذا الحديث لاحقاً.
ويفهم من جميع ما سبق أنّ الله جل وعلا قد اختص أهل البيت(عليهم السلام)بالعصمة والتطهير، بوصفهم من يملأ الفراغ الذي تركه الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بشأن حمل الرسالة إلى الأجيال اللاحقة، وسلامة حفظها من تحريف المحرّفين وتشكيك المشكّكين، فما هي فائدة سلامة تبليغ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)للشريعة الإلهية إذا لم تكن لتحفظ بعد رحيله بأيدي أمينة؟ وما حدث للشرائع السابقة ما فيه الإجابة الوافية على هذا التساؤل، حيث أنّ اتباعها كانوا يأخذون معالم شرائعهم بعد رحيل مبلغيها عن أي من كان، فحصل التحريف الذي أخبر عنه جل وعلا: (افتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) (25)، ومن نافلة القول أن حفظ النصوص القرآنية من الزيادة أو النقصان لا يكفي وحده بأي حال من الأحوال لحفظ الشريعة الإلهية من التحريف.
فالإمامة بذلك تعتبر امتداداً للنبوة في وظائفها العامة عدا ما يتصل بالوحي فإنّه من مختصات النبوة، والمقصود بامتدادية الإمامة للنبوة هو حفظ الشرع علماً وعملاً، فلزمت عصمة الأئمة للزوم ضرورة نقل التشريع الإلهي للأجيال اللاحقة عن طريق نقية وأصيلة والتي تمثلت بالأئمة الإثني عشر من أهل البيت النبوي.

ثانياً: الأدلة في إثبات عدد الأئمة (خلفاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)):

ثانياً: الأدلة في إثبات عدد الأئمة (خلفاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)):
لقد أخبر المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ الأئمة أو الخلفاء من بعده هم من قريش وأنّ عددهم اثنا عشر، وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن جابر بن سمرة: "قال: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي إنّه قال: كلهم من قريش"(26).
وفي صحيح مسلم: "لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش" (27).
وفي صحيح مسلم: "لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً "(28).
وفي مسند أحمد بسنده عن عبدالله بن مسعود، أنّه قال: "سئل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بشأن الخلفاء، فقال: اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل" (29).
وفي التوراة عند أهل الكتاب ما معناه: "إنّ الله تعالى بشر إبراهيم بإسماعيل وإنّه سينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر أميراً وأمة عظيمة" (30). فالأمة العظيمة المقصودة هي أمة سيدنا محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)الذي انحدر نسله من إسماعيل(عليه السلام)، والإثنا عشر أميراً هم الأئمة أو الخلفاء بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والذين ينحدر نسلهم منه، وهم نفس المقصودين بالأحاديث الصحيحة أعلاه.
ولعل هذه المسألة تعد من أكثر المسائل التي حار فيها علماء أهل السنة، ولم يستطيعوا تقديم تفسير موحد أو مقنع يحدد ماهية هؤلاء الخلفاء الإثني عشر، والذين تتحدث عنهم الأحاديث الصحيحة الكثيرة المتواجدة في صحاحهم، حتى أصبحت هذه المسألة لغزاً محيراً عندهم، حيث إنّ تفسيراتهم يشوبها الإضطراب، وغالباً ما تصل إلى طريق مسدود من حيث عدم انطباق عدد (اثني عشر) على أي مجموعة من الخلفاء، ابتداءً بالأربعة الأوائل ومروراً بالأمويين والعباسيين والعثمانيين، وهل هم منتخب من أولئك جميعاً؟
ونورد مثالاً يظهر مدى اضطرابهم في تفسير هذا الحديث، حيث قال السيوطي: "وقد وجد من الإثني عشر، الخلفاء الأربعة، والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبدالعزيز، هؤلاء ثمانية، ويحتمل أن يضم إليهم المهدي العباسي لأنه في العباسيين كعمر بن عبدالعزيز في الأمويين، والطاهر العباسي أيضاً لما أوتيه من العدل ويبقي الاثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه من أهل البيت" (31).
وعندما نقول بحيرتهم في تفسير لغز الخلفاء الإثني عشر، فإننا نقصد العلماء منهم، وأما العوام فإنّهم وفي أغلب الحالات لم يتطرق إلى سمعهم مثل هذه الأحاديث، التي تثبت عدد خلفاء الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)أو الحديث الذي يأمر بالتمسك بالثقلين وغيرها الكثير مما فيه إشارة إلى فضائل أهل البيت(عليهم السلام)، بالرغم من وجودها في الكتب الصحاح عندهم.
وكم كان استغرابي كبيراً عندما قال الدكتور أحمد نوفل (الاستاذ في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية) أثناء حوار لي معه بأن حديث الإثني عشر خليفة هو من اختلاقي وليس له وجود في كتب الحديث عند أهل السنة، ثم غادر المكان من فوره ورفض تكملة الحوار. وقد حدث ذلك بعد القائه محاضرة في مانيلا وإجابته لبعض أسئلة الحضور حول نشأة الشيعة والتشيع، وبصورة مغايرة للحقيقة التي اعتقد مما دفعني للإعتراض على مغالطته هذه وقمت بعرض بعض الأحاديث التي تثبت محمدية التشيع وليس سبأيته كما ادعى، وليس عندنا قصد بذكر هذه الحادثة التشهير بذلك الأستاذ الفاضل سامحه الله، وإنّما إشارة إلى حقيقة لابد من إظهارها وهو أنّ التعصّب يدفع بالبعض إلى أكثر من ذلك. وإنّه لشيء غريب، فكيف يجرأ أحد على التصدي للإجابة على أسئلة حول موضوع يجهل الحقائق الأولية المتعلقة به؟ وما بالك عندما يكون الأمر متعلقاً بالشؤون الدينية؟ وما هو حكم الذي يفتي بغير علم؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهكذا، ففي الوقت الذي نرى فيه حيرة أهل السنة بحل لغز الخلفاء الإثني عشر، وتجاهل الكثيرين منهم الأحاديث الصحيحة الساطعة الدالة على ذلك، فإن طائفة الشيعة الإمامية أتباع أهل البيت النبوي قد وضعوا النقاط على الحروف بما يتعلق بهذا الشأن، وبينوا أنّ المقصودين بالأحاديث السابقة هم الأئمة الإثنا عشر من أهل البيت النبوي، بل واستدلوا على ذلك بأحاديث مما روي عن طريق العترة الطاهرة والموجودة في كتب الحديث عندهم تبين أسمائهم بصورة لا تجعل أي مجال للشك بالتعرف عليهم وهم:
1 ـ علي بن أبي طالب "أميرالمؤمنين".
2 ـ الحسن بن علي "السبط".
3 ـ الحسين بن علي "سيدالشهداء".
4 ـ علي بن الحسين "زين العابدين".
5 ـ محمد بن علي "الباقر".
6 ـ جعفر بن محمد "الصادق".
7 ـ موسى بن جعفر "الكاظم".
8 ـ علي بن موسى "الرضا".
9 ـ محمد بن علي "الجواد".
10 ـ علي بن محمد "الهادي".
11 ـ الحسن بن علي "العسكري".
12 ـ محمد بن الحسن "المهدي المنتظر عجل الله فرجه".

ثالثاً: الأدلة في استخلاف علي بن أبي طالب(عليه السلام):

ثالثاً: الأدلة في استخلاف علي بن أبي طالب(عليه السلام):
كان فيما سبق بيان الأدلة في إثبات إمامة أهل البيت وعدد الخلفاء منهم الذين نص الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)على استخلافهم على الأمة.
وفيما يلي الأدلة على استخلاف النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي بن أبي طالب(عليه السلام)، وهي إضافة لما سبق من شواهد قطعية تثبت ذلك، وخصوصاً حديث الثقلين. ومن أشهر ما روي في استخلاف علي(عليه السلام)هو ما عرف بخطبة الغدير بعد الانتهاء من حجة الوداع في السنة الحادية عشرة للهجرة، حيث أعلن رسول الهدى على الملأ ذلك بقوله في نهايتها كما روى الترمذي بسنده عن زيد بن أرقم: "من كنت مولاه فعلي مولاه" (32)، وقد أخرج ابن ماجة جزءاً من هذه الخطبة المسهبة في صحيحه بالسند عن البراء بن عازب قال: "اقبلنا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حجته التي حج، فنزل في بعض الطريق، فأمر بالصلاة جامعة، فأخذ بيد علي(عليه السلام)، فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه، قالوا: بلى، قال: فهذا ولي من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، اللهم عاد من عاداه" (33).
وفي مسند أحمد بن حنبل بسنده عن البراء بن عازب أيضاً قال: "كنا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في سفر، فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا: الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تحت شجرتين، فصلى الظهر وأخذ بيد علي(عليه السلام)، فقال: ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه! قالوا: بلى،قال: فأخذ بيد علي(عليه السلام)فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، قال: فلقيه عمر بن الخطاب بعد ذلك، فقال له: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة (34).
إنّ هذا الحديث اشتهر باسم "حديث الغدير" نسبة إلى وقوع هذه الحادثة في مكان يسمى "غدير خم" قرب مكة، وهو مما لا يستطيع أحد أن يشكك في روايته، حيث أنّه روي في كثير من كتب الحديث عند أهل السنة، وحتى أنّ بعض العلماء قد أخرج له أكثر من 80 طريقاً من طرق أهل السنة فقط.
ويظهر من الأحاديث السابقة أن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قد أشهد المسلمين على ولايته عليهم عندما سألهم: "ألستم تعلمون بأني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟.... ألستم تعلمون أنّي أولى بكل مؤمن من نفسه؟" ويفهم أنّه من يمتلك صفة (أولى بالمؤمنين من أنفسهم) لابد وأن يكون قائداً للمؤمنين كما كان فعلاً الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)قائداً، وعندما قرن بينه وبين علي(عليه السلام) بهذه الصفة بقوله: "من كنت مولاه فعلي مولاه" يكون قد أعطى صفة القيادة من بعده لعلي(عليه السلام). والشيعة يحتفلون كل عام في الثامن عشر من ذي الحجة بهذه المناسبة ويسمونها بعيد الغدير.
وأما أهل السنة فقد حملوا هذا الحديث على غير ذلك، وقالوا بأنه لا يدل على الخلافة، وفسروا كلمة مولى بالمحب أو الصديق لا ولي الأمر، وبذلك يكون معنى هذا الحديث على رأيهم أنّه "من كنت صديقه فهذا علي صديقه"!!
والحقيقة أنّ كلمة "مولى" تأتي بمعاني عديدة في اللغة العربية، وحتى قيل إنّ لها سبعة عشر معنى من ضمنها "مُعْتَق" أو "الخادم"، لذلك فإن كلمة مولى في هذا الحديث تفهم بالإضافة إلى ما سبق من خلال قرائن كثيرة أنّها تدل على القيادة، ومن هذه القرائن:
1 ـ آية (يا أيها النبي بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)(35) التي نزلت كما جاء في تفاسير كثيرة قبل خطبة الغدير، وهي في مفهومها تدل على وجود أمر من الله سبحانه وتعالى يراد تبليغه، وأن هذا الأمر كما يظهر من سياق الآية ومن خلال لهجتها الحادة على درجة من الخطورة والأهمية يدل على أنّ المقصود ليس مجرد الصداقة والمناصرة.
2 ـ آية (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)(36)، والتي نزلت كما ذكر مفسرون كثيرون بعد حادثة الغدير، حيث تدل على اكتمال تبليغ الرسالة المحمدية والتي لم تكن لتكتمل بدون تبليغ ولاية على وأهل البيت عموماً، ومن المستبعد القول بأن اكتمال التبليغ قد حصل تبليغ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بصداقته ومحبته لعلي!
3 ـ إنّ الظروف التي ألقى فيها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خطبة الغدير، حيث الصحراء المحرقة وقد أمر المسلمين بالتجمع والذين قيل أنّ عددهم جاوز التسعين ألفاً، وأخذ الاقرار منهم بولاية الله ورسوله قبل أن يأمرهم بولاية علي، تؤكد على أنّ الأمر لم يكن متعلقاً بمجرد حب علي وصداقته.
4 ـ الأحاديث السابقة وخصوصاً حديث الثقلين وكذلك ما يلي من أحاديث تدل في مجموعها على خلافة علي دون أن تدع أي مجال للشك.
شواهد إضافية على استخلاف علي:
في صحيح الترمذي وبسنده عن عمران بن حصين قال: "بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فمضى في السرية فأصاب جارية، فأنكروا عليه وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والغضب يعرف في وجهه وقال: ما تريدون من علي؟ إنّ علياً مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي" (37).
وفي قوله تعالى: ( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (38)، حيث ذكر أغلب المفسرين من أهل السنة أنها نزلت في علي عندما تصدق بخاتمه لمسكين جاءه وهو في ركوعه أثناء تأديته للصلاة.
وفي صحيح البخاري، عن مصعب بن سعد عن أبيه: "أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)خرج إلى تبوك واستخلف علياً فقال: اتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه ليس نبي بعدي" (39)، ويدل هذا الحديث على أنّ علياً(عليه السلام) له جميع المناصب التي كان يحتلها هارون(عليه السلام) في بني إسرائيل ـ باستثناء النبوة ـ، والتي بيّنها سبحانه وتعالى في قوله: (...واجعل لي وزيراً من أهلي * هارون أخي * أشدد به أزري وأشركه في أمري... قال قد أوتيت سؤلك يا موسى) (40)، حيث يظهر في هذه الآيات أنّ هارون(عليه السلام) كان وزيراً لموسى(عليه السلام) ومعاونه الخاص وشريكه في قيادة الأمة.
وما يؤكد استحقاق عليّ لهذه المنزلة الرفيعة باستخلافه على الأمة، أنّه كان الأعلم بين جميع الصحابة، بدليل ما يرويه البخاري عن عمر بن الخطاب(رضي الله عنه)، فعن ابن عباس قال: "قال عمر(رضي الله عنه): اقرؤنا أبيّ، وأقضانا علي" (41) كذلك أنّ الأقضى هو الأعلم بالأحكام والقوانين كما لا يخفى.
ويكفي لاثبات أعلميته بين جميع الصحابة أنه كان باب مدينة علم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وحكمته، ففي مستدرك الصحيحين بسنده عن ابن عباس، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب" (42).
وفي صحيح الترمذي قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "أنا مدينة الحكمة وعلي بابها(43)"، وفي مستدرك الصحيحين قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي: "أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي "(44).
بل إنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قد جعل كره علي علامة من علامات النفاق، كما يظهر ذلك من الرواية التي أخرجها مسلم في صحيحه بالسند عن عليّ(عليه السلام) قال: "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبي الأمي(صلى الله عليه وآله وسلم) إليّ أن لايحبني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق" (45).
وحتى لو لم يعين الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) خليفة بعده، ألا ينبغي على الأمة أن تختار الأعلم والأكثر تميزاً ليكون قائداً لها؟
فقد بيّنا فيما مضى أنّ علياً(عليه السلام) كان الأعلم بين جميع الصحابة، حيث كانوا يرجعون إليه إذا ما واجهتهم معضلة دينية معقدة، ومثال ذلك ما أخرجه أبو داود بسنده عن ابن عباس قال: "أتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناساً، فأمر بها عمر أن ترجم، فمر بها علي بن أبي طالب(عليه السلام) فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها أن ترجم، قال، فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه فقال: يا عمر، أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة، عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى، قال: فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء، قال: فأرسلهما، قال: فجعل عمر يكبر"(46) وأخرج البخاري أيضاً جزءاً من الحادثة في صحيحه(47).
بالإضافة إلى ذلك، فقد عرف الإمام علي (عليه السلام) بإمام الزاهدين، واشتهر بشجاعته وبطولاته الخارقة، فقد كان أول فدائي في الإسلام، وكان له في كل معركة من معارك الإسلام مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)الدور الحاسم، ففي بدر قتل بسيفه "ذي الفقار" ثلاثين صنديداً من صناديد قريش، وفي أحد وحنين وقف ذلك الموقف التاريخي مستميتاً يدافع عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد فرار الغالبية العظمى من الصحابة!!، وفي الخندق تصدى لمبارزة عملاق المشركين عمرو بن عبدود العامري واجهز عليه في الوقت الذي لم يجرؤ فيه أي من باقي الصحابة بالخروج إليه، بالرغم من أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) دعاهم لذلك ثلاث مرات قبل أن يسمح لعلي(عليه السلام)بالقيام بذلك والذي كان صغير السن مقارنة بمعظم الصحابة. وفي خيبر إذ فتح الله على يديه باب الحصن، بعد أن استعصى على المسلمين يومها وقد عجز عن فتحه جمع كبير من الصحابة مجتمعين.
وتميز أيضاً عن باقي الصحابة بأنه لم تدنسه الجاهلية بأوثانها، وتلقى تربيته الفريدة على يد معلم البشرية الأول محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)ولم يفارقه لحظة طوال حياته حتى فارق الدنيا وهو بين يديه، فكان طوال حياته يتلقى العلم والحكمة من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فاستحق بجدارة أن يكون باب مدينة علم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وحكمته وأخاه.
فقد روى البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عمر قال: "آخى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بين أصحابه، فجاء علي(عليه السلام) تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك ولم تواخ بيني وبين أحد، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): أنت أخي في الدنيا والآخرة" (48). وحتى أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) اعتبر علياً منه كما روى البخاري: "قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي: أنت مني وأنا منك" (49).
وتميز أيضاً عن باقي الصحابة بأنّه كان الأكثر فضائلاً، كما أخرج ذلك الحاكم في مستدركه نقلاً عن أحمد بن حنبل بقوله: "ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب(عليه السلام) "(50).
وفي كنز العمال، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي" (51)، وكان ذلك بعد أن رفض تزويجها لعدد من الصحابة تقدموا لطلبها في محاولة لنيل هذا الشرف العظيم بالزواج من بضعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيدة نساء المؤمنين وأهل الجنة والتي يغضب الله لغضبها، وقد صدق من قال: "لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة كفوء" (52).
وبعد كل ذلك، فإنّه لو كان اختيار الخليفة موكولاً إلى الناس، فإنّ علياً(عليه السلام)كان الأكثر تميزاً بين الصحابة، وبالتالي الأكثر لياقة واستحقاقاً للخلافة.

مخالفة جمهور المسلمين لنصوص الإمامة

مخالفة جمهور المسلمين لنصوص الإمامة

لقد كان فيما سبق تبيان للأدلة في إثبات ولاية أهل البيت عموماً، واستخلاف أئمتهم الاثني عشر ابتداءً بالإمام علي(عليه السلام) على الأمة بعد انتقال المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الرفيق الأعلى.
ويبقى السؤال الحاسم والذي لابد من الإجابة عليه لكشف الكثير من الغموض الذي واكب قصة الخلاف بين أهل السنة والشيعة عبر التاريخ الإسلامي. وهو: إذا كانت النصوص السابقة تدل حقاً على إمامة أهل البيت(عليهم السلام)، فلماذا وكيف آلت الخلافة إلى غيرهم؟ وألم يكن الصحابة يتبعون الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)في كل ما يأمرهم به؟؟
وفي المحاولة للإجابة على ذلك، فإننا نورد بعضاً من الحوادث التاريخية المهمة في صدر الإسلام والتي كان لها الأثر الأكبر في تغير مسار التاريخ الإسلامي، حيث نترك للقارىء أن يصدر حكمه الخاص بعد ذلك. ومن هذه الحوادث المهمة:
1 ـ منع بعض الصحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من كتابته للوصية.
2 ـ تخلف بعض الصحابة عن بعثة أسامة وطعنهم في إمارته.
3 ـ أحداث السقيفة وبيعة أبي بكر(رضي الله عنه).
4 ـ استخلاف عمر(رضي الله عنه).
5 ـ استخلاف عثمان(رضي الله عنه).
6 ـ موقعة الجمل وخروج أم المؤمنين.
7 ـ موقعة صفين وتمرد معاوية.
8 ـ استشهاد الإمام علي(عليه السلام).
9 ـ معاهدة الصلح واستشهاد الإمام الحسن(عليه السلام).
10 ـ ثورة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام).
وسنتناول كلاًّ من هذه الحوادث بشيء من التفصيل كما يلى:

أولاً: منع بعض الصحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من كتابته للوصية:

أولاً: منع بعض الصحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من كتابته للوصية:
أخرج البخاري في صحيحه ستة روايات بهذه الحادثة والتي حصلت قبل وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)بأربعة أيام فقط، فعن ابن عباس (رضي الله عنه)قال: "يوم الخميس، وما يوم الخميس، اشتد برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وجعه فقال: آتوني اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه. فذهبوا يردون عليه فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه" (53).
وفي رواية أخرى، قال ابن عباس: "لما حُضر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وفي البيت رجال، فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا عده، فقال: بعضهم: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قد غلبه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، قوموا. قال عبيدالله: فكان يقول ابن عباس: إنّ الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم"(54).
وفي رواية ثالثة، قال ابن عباس: "لما حُضِر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): هلمّ أكتب لكم كتاباً لاتضلوا بعده. فقال عمر: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت، فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر. فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): قوموا. قال عبيدالله: وكان ابن عباس يقول: إنّ الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم"(55).
وفي صحيح مسلم، كان ردهم: ".... فقالوا: إن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يهجر"(56) وفي رواية: "... فقال عمر كلمة معناه أنّ الوجع قد غلب على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال: عندنا القرآن، حسبنا كتاب الله" (57)، حيث تجد أنّ كلمة يهجر قد استبدلت في الرواية الأخيرة بما معناه أنّه الوجع (الأكثر تهذيباً).
وبالتمعن في الروايات أعلاه، نتيقن أنّ أول من وصف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بالهجران إنّما هو عمر بن الخطاب والذي أيده في ذلك بعض الحاضرين من الصحابة مما أدّى إلى غضب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وطرده إياهم من مجلسه بقوله: "قوموا عني".
والحقيقة إنّ هذه الحادثة يفهم منها بدون أدنى شك إساءة إلى شخص الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم)، والتي كانت صدمة كبيرة لي لدى علمي بها، والتي حسب ظني يجهل حدوثها الغالبية العظمى من أهل السنة بالرغم مما تحويه من أهوال! وكثيراً ممن أسمعتهم هذه الحادثة لم يصدقوا بها من هول الصدمة، بل إنّ بعضهم أقسم الأيمان الغلاظ بأنه إذا صدق فعلاً وجود هذه الحادثة في صحيح البخاري، فإنّه لن يثق بعد ذلك بأي رواية في هذا الصحيح. وبعضهم صدّق هذه الرواية ولكنه لدى العلم بأنّ الخليفة عمر(رضي الله عنه)هو الذي أول من رمى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)بالهجران غضب غضباً شديداً ورفض التصديق بذلك، بل وقرر عدم الوثوق بصحيح البخاري أو بأي من كتب الحديث التي تروي مثل هذه الروايات التي تسيء إلى السلف الصالح على حد رأيه!!
وسر الدهشة في هذه الحادثة هو أنّه كان ينبغي على جميع الصحابة الحاضرين، أن يقدموا دون أدنى تأخير ما أمرهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) به حتى يكتب لهم الوصية لأخيرة التي كان مقدراً لها أن تتضمن ما من شأنه أن يأمن المسلمون بعده من الضلال لو التزموا وأطاعوا كما يظهر من الرواية هذه، ومن كان من أهل السنة ليتوقع أنّ آخر لقاء بين الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وكبار الصحابة انتهى بطرده إياهم من مجلسه بعد أنّ ودّعوه بتلك الكلمة المؤلمة والتي لا يحتمل لها سوى معنى واحد وقد ذكره النووي في شرحه على صحيح مسلم بأنه "الهذي"(58) والعياذ بالله، وكما ذكر الإمام شرف الدين: (وإذا تأملت في قول الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): "آتوني اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده" وقوله في حديث الثقلين: "إني قد تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي" تعلم ان المقصود في الحديثين واحد، حيث أراد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين، ولكنه عدل عن الكتابة بعد كلمتهم تلك التي فاجأوه بها اضطرته إلى العدول لئلا يفتح البعض باباً إلى الطعن في النبوة - إذ لم يبق أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده في أنه هجر فيما كتبه ـ والعياذ بالله ـ أم لم يهجر، كما اختلفوا بذلك في حضرته كما يظهر من خلال الأحاديث السابقة، وقد اكتفوا بما عندهم من القرآن وجوّزوا لأنفسهم العدول عن كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وهو في حال المرض، وكأنهم قد نسوا ما قاله جل وعلا في حق نبيه الكريم: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلاّ وحي يوحى * علمه شديد القوى)(60) والآية: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)(59) وكذلك الآية: ( إنّه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون)(61).(62) وقد وصف ابن عباس ذلك الموقف خير وصف عندما قال: "إنّ الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم".
ورغم كل ذلك، وبناء على ما رواه ابن عباس وأخرجه البخاري في صحيحه فإن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)ما مات إلاّ وقد أوصى: "...فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، وأوصاهم بثلاث، قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، واجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالثة، أو قال فنسيتها"(63)!!.
ومن المؤكد أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قد نطق بهذه الوصايا بحضور أهل بيته وبعض أقاربه والذين كان عبدالله بن عباس (ابن عمه) واحداً منهم، وذلك في أحد الأيام الأربعة التي تلت يوم الرزية "رزية يوم الخميس". ولكن الغريب، أن (الوصية الثالثة) وعلى ذمة البخاري أنّ ابن عباس لم يشأ أن يذكرها، وعلى كل حال، فإن الشيعة ومما روي من طريق أهل البيت(عليهم السلام) ذكروا أنّ الوصية المنسية أو المسكوت عنها هي استخلاف علي(عليه السلام).

ثانياً: تخلف بعض الصحابة عن بعثة أسامة وطعنهم في إمارته:

ثانياً: تخلف بعض الصحابة عن بعثة أسامة وطعنهم في إمارته:
من المعروف عند جميع المسلمين أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) عقد لأسامة بن زيد سرية لغزو الروم وهو ابن السابعة عشر عاماً، وهي آخر السرايا على عهد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسعد وأمثالهم، إلاّ وقد عبأه بالجيش (64) ـ وقد أجمع على هذه الحقيقة أهل السير والأخبار وهي من المسلمات ـ وأمر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أسامة بالمسير، إلاّ أنّهم تثاقلوا في ذلك، وقد طعن بعضهم في تأميره عليهم، حتى غضب الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)من طعنهم غضباً شديداً، فخرج معصب الرأس، وكان ذلك أثناء مرضه الأخير قبل وفاته بيومين، وصعد المنبر وقال كما أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر(رضي الله عنه): "قال: أمر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)أسامة على قوم فطعنوا في إمارته، فقال: إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وأيم الله لقد كان خليقاً للإمارة، وإن كان من أحب الناس إليّ، وإنّ هذا لمن أحب الناس إليّ بعده" (65) ثم حضهم على المسير بها والتعجيل في ذلك، إلاّ أنّهم تباطؤوا مرة أخرى، وتوفي الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)قبل أن يبدأوا بالمسير.
ويُستفاد من هذه الحادثة ما يلي:
1 ـ اجتهاد بعض الصحابة في موضع نص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث أنّهم اعترضوا على تأمير أسامة عليهم لصغر سنة بالرغم من أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قد عقد لواءه بيده، فإذا فهمنا هذه، فإنّه لن يصعب علينا فهم كيفية وسبب اجتهادهم في مسائل أكبر كاستخلاف علي وإمامته كما سترى ذلك فيما بعد.
2 ـ إنّ تأمير الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لأسامة عليهم وهو ابن السبعة عشرة عاماً فقط، كان درساً عملياً للصحابة في مسألة تقبل إمارة من هو أصغر منهم سناً، حيث أظهر لهم غضبه الشديد عندما طعنوا في إمارته.
3 ـ عندما عقد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) اللواء لأسامة، كان يعلم بأن موعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى قد دنا، ولا شك أنّه كان يفكر بما سيحصل بعده من تنازع على الخلافة، فكانت حكمته بالغة في وضع كبار المهاجرين والأنصار في تلك السرية والتي أمرها بالمسير قبل وفاته بأيام حتى لا يكون هناك أي مجال للتنازع على الإمارة، فضلاً عن الاجتهاد فيها. وقد كان علي ملازماً للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) طوال فترة مرضه، وبعد وفاته اشتغل بغسله في الوقت الذي ذهب فيه المهاجرون والأنصار يتنازعون على الإمارة في سقيفة بني ساعدة بعد أن تثاقلوا ورفضوا المسير في بعثة أسامة والذين كانوا جنوداً فيها، اجتهاداً منهم لقلقهم كما يبدو على ما سيحدث بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حال غيابهم!
وهكذا، فإنّ من يصعب عليه قبول أو استيعاب مسألة رفض بعض الصحابة لإمامة علي بن أبي طالب عليهم، فكيف يُفسّر رفض هؤلاء أنفسهم تأمير أسامة عليهم بل وطعنهم في ذلك، بالرغم من أنّه بأمر من الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)أيضاً؟
وبما أنّ حادثتي رزية يوم الخميس والطعن بتأمير أسامة قد حصلتا في حياة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وبكل ما فيهما من أهوال، فما بالك بالذي سيحصل بعد وفاته(صلى الله عليه وآله وسلم)؟؟

ثالثاً: احداث السقيفة وبيعة أبي بكر

ثالثاً: احداث السقيفة وبيعة أبي بكر
في الوقت الذي كان علي(عليه السلام) ومن معه من أقرباء الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)مهتمين بتجهيز النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بعد رحيله عن هذه الدنيا، كان عمر بن الخطاب يعلن إنكاره لوفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويهدد كل من يقول ذلك بالقتل، ولم يكن يصدق بوفاته حتى رجع أبو بكر من مكان خارج المدينة يدعى السنح، كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه بسنده عن عائشة(رضي الله عنه): "إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مات وأبو بكر بالسُّنْحِ، قال اسماعيل: تعني بالعالية، فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلاّ ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم، فجاءه أبوبكر، فكشف عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقبله، فقال: بأبي أنت وأمي، طبت حياً وميتاً، والله الذي نفسي بيده، لا يذيقك الله الموتتين أبداً، ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك" (66).
أما الأنصار فقد اجتمعوا في سقيفتهم "سقيفة بني ساعدة" ورشحوا سعد بن عبادة ليكون خليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعندما علم كبار المهاجرين (أبوبكر وعمر وأبو عبيدة) بذلك، ذهبوا إليهم على الفور وأعلنوا أنهم أحق بالأمر، ودار حوار بين المهاجرين والأنصار اشتد فيه الجدل والنزاع، وقد وقف زعيم الأنصار سعد بن عبادة قائلاً: "أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط، وقد دفت دافة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، وأن يحضنونا من الأمر"(67).
فقام أبوبكر وألقى خطاباً ذكر فيه فضل المهاجرين، واحتج بقرشيتهم في أحقيتهم، بالخلافة كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه: "فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبوبكر(68)... فقال أبوبكر: لا، ولكنّا الأمراء وأنتم الوزراء، هم أوسط العرب داراً وأعربهم أحساباً (69)،.... وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين(70) فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح"(71).
فرد عليه أحد وجهاء الأنصار وهو الحباب بن المنذر قائلاً: "لا والله لا نفعل، منا أمير، ومنكم أمير" (72)، وكان رد الأنصار في رواية أخرى: "فقال قائل الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير، يا معشر قريش. فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الأختلاف" (73).
وبعد تأزم الموقف إلى هذا الحد، جاء دور عمر بن الخطاب، فقال: "هيهات أن يجتمع اثنان في قرن، والله لا ترضى العرب أن يؤمّروكم ونبيّها من غيركم، ولنا الحجة بذلك على من أبى".
فرد عليه الحباب بن المنذر قائلاً: "يا معشر الأنصار، أملكوا عليكم أمركم، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه، فأنتم أحق بهذا الأمر منهم".
ولكنّ الأنصار انقسموا في هذه الأثناء على أنفسهم، فذهب أسيد بن حضير زعيم الأوس ـ الذي كان معارضاً لزعيم قبيلة الخزرج سعد بن عبادة ـ وأعلن للمهاجرين تأييده لهم ووعد بإعطائهم البيعة.
فقام عمر وقال لأبي بكر: إبسط يدك أبايعك، فبايعه عمر وقسم من المهاجرين والأنصار، وكما يروي البخاري بالسند إلى عائشة(رضي الله عنه) بأن عمر أخذ البيعة لأبي بكر بتهديدة وتخويفه لهم: "قالت عائشة: فما كانت من خطبتهما من خطبة إلاّ نفع الله بها، لقد خوّف عمر الناس، وإنّ فيهم لنفاقاً فردهم الله بذلك" (74).
وقال عمر يومها بشأن سعد بن عبادة الذي رفض المبايعة ـ وقد كان شيخاً كبير السن ـ كما ـ يروي ذلك البخاري في صحيحه: "...ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله الله" (75).
وإلى هذا الحد نسدل الستار على مسرح أحداث السقيفة والتي انتهت بعقد البيعة لأبي بكر بعد صراع مشهود بين المهاجرين والأنصار على الخلافة، وقد اصطبغ ذلك النزاع بنزعة جاهلية كما يظهر بوضوح من خلال التمعن بطبيعة الحوار الذي جرى بين الفريقين، والحجج التي احتج بها كل على الآخر، وقد اعترف الخليفة عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) في آخر حياته بأنّ بيعة أبي بكر كانت (فلتة) ولكن الله وقى شرها ـ على رأيه ـ كما يروي ذلك البخاري في صحيحه، حيث قال عمر: "... فلا يغترن امرؤ أن يقول إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنّها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها" (76).
والكل يعلم أنّ الإمام علياً(عليه السلام) وسائر أوليائه من بني هاشم وغيرهم من الصحابة ـ أمثال الزبير وطلحة وعمار وسلمان والمقداد وأبوذر وخزيمة ذي الشهادتين وخالد بن سعيد وأبي بن كعب وأبي أيوب الأنصاري وغيرهم ـ لم ـ يشهدوا تلك البيعة ولم يدخلوا السقيفة يومئذ، لأنّهم كانوا منصرفين بكلهم إلى الخطب الفادح بوفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وقيامهم بالواجب من تجهيزه وتشييع جثمانه الطاهر، وقد أبرم أهل السقيفة البيعة لأبي بكر، فلم يكن بمقدور علي ومن معه أكثر من أن يخالفوا ويمتنعوا عن المبايعة، كما يظهر من رواية عمر بن الخطاب: "وإنّه قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم)، إلاّ أنّ الأنصار خالفونا، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف منا علي والزبير ومن معهما" (77).
(ولم ير الإمام علي(عليه السلام) للإحتجاج عليهم أثراً سوى الفتنة التي كان يفضل أن يضيع حقه على حدوثها في تلك الظروف، بسبب الفتن الخطيرة التي أحاطت بالإسلام من كل جانب، فخطر يهدد الإسلام من المنافقين من أهل المدينة وبمن حولهم من الأعراب الذين قويت شوكتهم بعد رحيل المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم)، بالإضافة إلى خطر مسيلمة الكذاب وطليحة بن خويلد الأفاك وسجاح الدجالة، والرومان والأكاسرة والقياصرة وغيرهم الذين كانوا للمسلمين بالمرصاد، وغير ذلك من الأخطار التي كانت تهدد الإسلام ووجوده، فكان من الطبيعي أن يضحي الإمام علي(عليه السلام) بحقه، ولكن دون أن يمحو حجيته في الخلافة، فأراد الاحتفاظ بحقه في الخلافة والإحتجاج على من اجتهد فيها بالشكل الذي لا يوقع الفتنة التي سينتهزها أعداء الإسلام، فقعد في بيته وتخلف عن المبايعة هو ومن معه لمدة ستة شهور)(78)وكما في رواية البخاري التالية، والتي تثبت أيضاً أنه لو كان لعلي(عليه السلام)القوة الكافية لانتزاع حقه بالقوة في ذلك الوقت دون حصول الفتنة لفعل، فعن عائشة(رضي الله عنه) قالت:
".... وعاشت (فاطمة) بعد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يؤذن بها أبابكر وصلى عليها. وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر: ان ائتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية لمحضر عمر، فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك، فقال أبوبكر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي؟ والله لآتينّهم" (79).
ولقد فسّر الإمام شرف الدين تصرف عـي (عليه السلام) هذا بقوله:
(ولو أسرع علي إليهم في المبايعة حين عقدها، لما تمت له حجة ولا سطع لشيعته برهان، لكنه جمع فيما فعل بين حفظ الدين، والاحتفاظ بحقه في الخلافة، فالظروف يومئذ لا تسمح لمقاومة بسيف، ولا مقارعة بحجة)(80) وتظهر هذه الحقيقة جلياً عندما سعى أبو سفيان إلى علي(عليه السلام) أكثر من مرة يحضه على الاستمساك بحقه في الخلافة قائلاً: "إن شئت لأملئنها عليهم خيلاً ورجالاً، ولأسدنها عليهم من أقطارها" (81). ولكن الإمام(عليه السلام) كان يرفض هذا النوع من المساعدة في كل مرة، لأنه كان يعلم أنّ ما يقصده أبو سفيان هو إذكاء نار الفتنة وإشعال حرب لا يقوم بعدها للإسلام قائمة.
هل المح الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) باستخلاف أبي بكر؟
إن بعض من يقول بأحقية أبي بكر بالخلافة والماح الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) له بذلك فانّما ذلك على رواية أخرجها ابن الجوزي بسنده عن علي(عليه السلام): قال: "لما قبض رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فوجدنا النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قد قدّم أبا بكر في الصلاة، فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لديننا، فقدمنا أبابكر" (82).
وهذه الرواية فيها كذب صارخ، فعلي(عليه السلام) الذين يدّعون روايته لهذا الحديث هو الذي خالف أبا بكر ولم يبايعه إلاّ بعد ستة أشهر وقد تشيع حوله المخالفون من عظماء الصحابة كما مر، وعلى تقدير صحة الرواية فإنّه يلزم أن يكون الإمام علي(عليه السلام) أول من يبايع.
وبالإضافة إلى تخلّف علي(عليه السلام) عن مبايعة أبي بكر، والذي يكفي وحده لدحض تلك الرواية، فإنّ هناك دلائل أخرى تؤكد كذبها:
1 ـ بعثة أسامة بن زيد التي عقد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لواءها بيده الشريفة، وحث الصحابة على المسير بها وهو في آخر لحظات عمره الشريف، وقد كان بين أفراد تلك السرية كبار المهاجرين ـ أمثال أبي بكر وعمر وأبي عبيدة ـ، فلو أراد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يستخلف أبا بكر لما جعله بين أفراد تلك السرية.
2 ـ ولو صحت الرواية أعلاه، لاحتج بها أبو بكر نفسه يوم السقيفة على مخالفيه في الوقت الذي كان هو في أمسّ الحاجة لحجة يحسم بها ذلك الصراع، وبدلاً من ذلك، فقد رأيناه يحتج يومئذ بأن قبيلة قريش هي "أعربهم أحساباً" كما مر.
3 ـ وفق كل ذلك، فإن هذه الرواية تدحض بوجود الأحاديث القطعية الثبوت في استخلاف علي(عليه السلام)، فراجع ما أوردناه في ذلك من نصوص في الصفحات السابقة.
غضب فاطمة(عليها السلام)
لقد توفيت فاطمة(عليها السلام) غاضبة على أبي بكر بسبب حرمانه إياها من ميراثها من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فكما يروي البخاري في صحيحه بالسند إلى عائشة(رضي الله عنه) قالت: ".... إنّ فاطمة(عليها السلام) بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)طلبت ان يقسم لها ميراثها، ما ترك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مما أفاء الله عليه. فقال لها أبوبكر: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث، ما تركنا صدقة، فغضبت فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر. قالت: وكانت فاطمة تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة، فأبى أبوبكر عليها ذلك، وقال: لست تاركاً شيئاً رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يعمل به" (83).
وقد كان غضبها على أبي بكر عظيماً إلى الحد الذي جعلها توصي علياً(عليه السلام)أن لا يصلي أبوبكر عليها بعد وفاتها، بل ولا حتى أن يمشي في جنازتها، حيث وارى الإمام علي(عليه السلام) جثمانها الطاهر سراً في الليل كما أخرج ذلك البخاري في صحيحه بالسند إلى عائشة(رضي الله عنه): "....فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت: وعاشت بعد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يؤذن بها أبابكر وصلى عليها" (84).
وأرض فدك التي كانت تطالب بها فاطمة(عليها السلام)، هي قرية في الحجاز كان يسكنها طائفة من اليهود، ولما فرغ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) من خيبر، قذف الله في قلوبهم الرعب، فصالحوا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) على فدك، فكانت ملكاً لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لأنها مما لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، ثم قدمها لابنته فاطمة الزهراء(عليها السلام)، بالإضافة لما ملكه الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) من خمس خيبر وصدقات النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فكانت هذه كلها ملكاً لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة ولا حتى فيها لأحد غيره.
ففاطمة(عليها السلام) ـ على رأي أبي بكر ـ كانت تطالب بما ليس لها حق فيه. وهي حسب هذا الرأي تكون أحد أمرين لا ثالث لهما، أولهما: أنّها كانت جاهلة لاتعلم حكم ميراث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) (كما يعلم أبو بكر) وثانيهما: أنّها كانت كاذبة تطمع بأخذ ما لم يكن حقاً لها.
والحقيقة أنّ كلا الأمرين مستحيلان على الزهراء(عليها السلام) التي كان يغضب الله لغضبها وهي سيدة نساء المؤمنين وأهل الجنة، وقد طهرها الله تعالى من كل اثم ورجس كما مر سابقاً، وكما اخرج البخاري في صحيحه أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
"يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة" (85).
"فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني" (86).
"فاطمة سيدة نساء أهل الجنة" (87).
وحتى لو سلمنا أنّ فاطمة(عليها السلام) كانت كسائر النساء وليس لها كل تلك الميزات ـ كما في الروايات أعلاه ـ فإنّ كونها ابنة لمعلم البشرية وزوجة لأميرالمؤمنين علي(عليه السلام) والذي شهدوا له بأنه أقضاهم ـ أي أعلمهم ـ ينفي عنها أي احتمالية لجهل، ذلك أنّه لو كانت فاطمة(عليها السلام) تطالب بما ليس حقاً لها وأن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يورث ـ على حد رأي أبي بكر ـ فإنّ أيّاً من أبيها أو زوجها كان الأجدر أن يعلمها بذلك، وخصوصاً أنّ غضبها على أبي بكر دام لستة شهور وهذه الفترة هي كل ما عاشته فاطمة بعد رحيل المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم).
ولكن هيهات أن تكون فاطمة والعياذ بالله كذلك، حيث إنّه لما بلغها منع أبي بكر حقها في فدك وما أفاءالله على أبيها بالمدينة وخمس خيبر، ذهبت إليه وهو في حشد من المهاجرين والأنصار، وخطبت فيهم ما أجهش له القوم بالبكاء، ونقتطف من خطبتها تلك:
"... وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ولا حظ ـ أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ـ ويهاً معشر المسلمة، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً ـ ثم تلت عليهم ـ ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل * أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين)(88).... إيهاً بني قيلة!! أأهتضم ميراث أبي وأنت بمرأى مني ومسمع؟....إلى آخر تلك الخطبة (89).
وبالإضافة لذلك، فإن معنى قول الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): " لا نورث" لا يعني عدم انطباق قوانين الميراث على الأنبياء ـ كما اجتهد في ذلك أبوبكر ـ. وقد نص القرآن الكريم على ذلك بقوله تعالى: ( وورث سليمان داوود...) (90)، كما إنّ زكريا يدعو الله تعالى أن يرزقه من يرثه، فرزقه يحيى: ( يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضياً * يا زكريا إنّا نبشرك بغلام اسمه يحيى....)(91) وليس معنى يرثني في الآية السابقة أن يرث النبوة، فالنبوة ليست بالوراثة، وبذلك فإن معنى قول الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): "لا نورث" هو أنّ الأنبياء لن يجمعوا أو يكدسوا الذهب والفضة، ليكون ميراثاً بعدهم، كما يفعل الملوك وطلاب الدنيا.
وبحرمان أبي بكر لفاطمة(عليها السلام) من ميراث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد وجد البعض في ذلك فرصة للإدعاء بأن هذا الخلاف هو السبب وراء تخلف علي(عليه السلام) عن مبايعة أبي بكر، وليس لأنّه يرى نفسه صاحب الخلافة الشرعي. وإذا كان الأمر كذلك، فما معنى تخلف جمع من أعاظم الصحابة عن المبايعة أيضاً وقد والوا علياً؟ وما معنى قول عائشة: "إنّ علياً أرسل أبي بكر: ان آتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية لمحضر عمر"؟؟ فعمر بن الخطاب لم يكن له أي تدخل في مسألة الخلاف في ميراث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، بينما كان له الدور الحاسم في انهاء صراع السقيفة لصالح أبي بكر، هذا فضلاً عن أنّ مسألة الميراث لا تعتبر مانعاً أو مبرراً في أي حال من الأحوال لعدم إعطاء الإمام علي وفاطمة(عليها السلام) البيعة لأبي بكر أو حتى التخلف عنها.
هل ماتت فاطمة(عليها السلام) ميتة جاهلية؟
أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنّه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية" (92).
وفي صحيح مسلم، قال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" (93).
وفي مسند أحمد، قال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): "من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية" (94).
فالأحاديث الثلاثة أعلاه تثبت قطعاً أن من يموت دون مبايعة الأمير أو الإمام، فإن ميتته تعتبر جاهلية، ولا شك أنّ الإمام المقصود هنا هو الإمام الواجب الطاعة حسب الشريعة الإلهية وليس غيره.
ولقد توفيت فاطمة الزهراء(عليها السلام) دون مبايعة الخليفة أبي بكر(رضي الله عنه)، ليس ذلك فقط، بل وماتت غاضبة عليه وأوصت بأن لا يصلي عليها أو حتى يمشي في جنازتها، حيث أخرج البخاري في صحيحه ما روته عائشة(رضي الله عنه) بشأن حرمان أبي بكر لفاطمة(عليها السلام) من ميراث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم):
"... فغضب فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فهجرت أبابكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر....، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبابكر وصلى عليها" (95).
فهل يمكن لأحد القول بأن الزهراء(عليها السلام) لم تسير على هدى التوجيهات النبوية في الأحاديث السابقة؟ حيث أظهرت عدم صبرها على ما رأته وكرهته من فعل الخليفة أبي بكر، وعدم طاعتها له واعتراضها وغضبها عليه، ووصيتها بأن لا يصلي عليها أو أن يمشي في جنازتها، الأمر الذي يدل على أنّها لم تبتعد عن سلطان أبي بكر شبراً واحداً فقط وإنما أميالاً كثيرة!
فهل يمكن القول بناءً على ذلك أنّ فاطمة الزهراء(عليها السلام) ماتت ميتة جاهلية؟؟
ولكن فاطمة(عليها السلام) وبإتفاق جميع فرق المسلمين هي سيدة نساء المؤمنين وسيدة نساء الجنة، كما أثبت ذلك البخاري في صحيحه بقول الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): "يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة"(96) وكذلك قوله: "فاطمة سيدة نساء أهل الجنة" (97)، وفضلاً عن ذلك، فإنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)يغضب لغضبها والذي يعني دون شك غضب الله تعالى على من يغضبها، كما جاء في الحديث: "إنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني" (98). فكيف لأحد من الانس أو الجن أن يقول بأنّها ماتت ميتة جاهلية؟
فبناءً على ما سبق والأحاديث الصحيحة التي تحكم بميتة جاهلية لكل من يموت دون مبايعه الخليفة أو الأمير أو الإمام الواجب الطاعة، هناك احتمالين لا ثالث لهما:
الأول: أنّ فاطمة ماتت ميتة جاهلية، وكان أبوبكر الأمير الواجب الطاعة.
الثاني: أنّ فاطمة لم تمت ميتة جاهلية، وكان أبوبكر الأمير غير واجب الطاعة.
وهكذا فإنّ الائمة (أو الأمراء) الواجبي الطاعة والذين عدم مبايعتهم فيها ميتة جاهلية هم ليسوا أبابكر أو معاوية أو السفاح وغيرهم.

رابعاً: استخلاف عمر

رابعاً: استخلاف عمر
لما نزل بأبي بكر المرض دعى عثمان بن عفان وقال له: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبوبكر بن أبي قحافة إلى المسلمين، أما بعد. فأغمى على أبي بكر، فكتب عثمان: أمّا بعد، فإنّي أستخلف عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيراً، ثم أفاق أبوبكر فقال: أراك خفت أن يختلف الناس إن أسلمت نفسي في غشيتي، قال: نعم، قال: جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله. وأقرّها أبوبكر من هذا الموضع (98).
وكما يروى أيضاً أنّ عمر كانت بيده الصحيفة التي فيها استخلاف أبي بكر له ويقول للناس: "أيها الناس اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله إنّه يقول: إنّي لم آلكم نصحاً"(99).
وهكذا، فإنّه كما لعب عمر بن الخطاب ذلك الدور الحاسم في تنصيب أبي بكر خليفة يوم السقيفة بتخويفه للناس وبأخذه منهم البيعة لأبي بكر بالشدة - كما مر إثباته ـ، مستغلاً الانشقاق الذي حصل بين صفوف الأنصار وغياب أصحاب الخلافة الشرعيين لانشغالهم بتجهيز الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لمثواه الأخير. فإنّ أبابكر أيضاً لعب نفس الدور، بتنصيب الخليفة عمر بعده، ولم يكلفه ذلك سوى حبرة قلم.
وبالرغم من شدة مرض أبي بكر أثناء كتابته تلك الوصية بل واغمائه حينها، إلاّ أنّ أحداً لم يقل بأنّ أبابكر كان (يهجر) فيما كتب، بينما لم يتردد الخليفة عمر ومن كان يؤيده برمي الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بتلك الكلمة المؤلمة حين سألهم أن يأتوه بكتاب يكتبه لهم حتى لا يضلوا بعده أبداً!!
وزعم أبوبكر أن سبب تسميته للخليفة عمر بعده هو خشيته من الاختلاف بعده، وهكذا تقبّل أهل السنة هذا العذر منه بعد أن خالف الشورى التي يزعمون أنها المبدأ الذي يتم به انتخاب خليفة المسلمين. وسترى لاحقاً كيف أنّهم تقبلوا أيضاً حتى خلافة معاوية وابنه يزيد من بعده بالرغم من تسنمهم لإمرة المسلمين بالقهر وغلبة السيف الذي أعملوه برقاب المسلمين قتلاً لا سيما العترة الطاهرة من أهل البيت.
ولكن السؤال الذي أردنا طرحه هنا، لماذا لم يتقبل أهل السنة فكرة تسمية الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لخليفة بعده كما تقبلوا ذلك من أبي بكر؟ وخصوصاً أنّ أسباب الاختلاف على الخلافة وقت وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)كانت أعظم مما كانت عليه زمن وفاة أبي بكر، هذا فضلاً عن النصوص الواضحة بوجوب الرجوع إلى أهل البيت (عليهم السلام)فيما يختلف به المسلمون بعد رحيل المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) واستخلاف علي بن أبي طالب(عليه السلام).

خامساً: استخلاف عثمان:

خامساً: استخلاف عثمان:
لما طعن الخليفة عمر، قيل له استخلفت، فقال: لو كان أبو عبيدة الجراح حياً لاستخلفته، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لاستخلفته، ثم قال لهم: "إنّ رجالاً يقولون إنّ بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها، وإنّ بيعة عمر كانت عن غير مشورة، والأمر بعدي شورى" (100) قال: جعلت أمركم شورى إلى ستة نفر من المهاجرين الأولين، حيث سماهم قائلاً: "ادعوا لي علياً وعثمان وطلحة والزبير وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، فإذا اجتمع رأي أربعة، فليتبع الاثنان الأربعة، وإذا اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة، فاتبعوا رأي عبدالرحمن بن عوف فاسمعوا وأطيعوا..."(101).
ومن الرواية أعلاه بظهر أنّ الخليفة عمر قد جعل الترشيح بيد عبدالرحمن بن عوف، وهذه صورة ثالثة من صور الشورى التي يقولون بها، وقد أمر الخليفة عمر عبدالرحمن بن عوف أن يشترط فيمن يبايع له العمل بسيرة الشيخين ـ أبوبكر وعمر ـ بالإضافة إلى العمل بكتاب الله وسنة نبيه.
وكما كان متوقعاً، فقد انقسم الستة إلى ثلاثتين ومرشحين، فأما الثلاثة في الطرف الأول هم علي وطلحة والزبير ومرشحهم هو علي، وأما الثلاثة في الطرف الآخر فكانوا سعد وعثمان وطلحة ومرشحهم هو عثمان. وقد رفض الإمام علي(عليه السلام) شرط العمل بسيرة الشيخين حيث قال: "اعمل بكتاب الله وسنة نبيه واجتهادي" (102) بينما وافق عثمان على ذلك الشرط، فآلت إليه الخلافة تبعاً لذلك.
وقد أخرج البخاري جزءاً من هذه الحادثة في صحيحه، فبالرواية عن المسور بن مخرمة قال: "طرقني عبدالرحمن بعد هجع من الليل فضرب الباب حتى استيقظت فقال: أراك نائماً، فوالله ما اكتحلت هذه الثلاث بكثير نوم، انطلق فادع لي الزبير وسعداً فدعوتهما له فشاورهما ثم دعاني فقال: ادع لي علياً فدعوته فناجاه حتى أبهار الليل، ثم قام علي من عنده وهو على طمع. ثم قال: ادع لي عثمان، فدعوته، فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح، فلما صلى بالناس الصبح واجتمع اولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى من كان حاضراً من المهاجرين والأنصار وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر. فلما اجتمعوا، تشهد عبدالرحمن ثم قال: أما بعد، يا علي إنّي قد نظرت في أمر الناس فلم أراهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً. فقال (عثمان): أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده، فبايعه عبدالرحمن وبايعه الناس" (103).
وهكذا فإنّه بوضع الخليفة عمر شرط قبول من يبايع له العمل بسيرة الشيخين بجانب العمل بكتاب الله وسنة نبيه، يكون قد قرر الخلافة لعثمان من حينه، لأنه كان يعلم موقف الإمام علي(عليه السلام) من هذا الشرط بالإضافة إلى علمه بأن طلحة والزبير سيقفان في جانب علي لما عرف من موقفهما المؤيد له يوم السقيفة. أضف إلى ذلك إعطاء عمر حق الترجيح إلى عبدالرحمن بن عوف، ليتضح لك أي نوع من الشورى التي يزعمون؟
مقتل الخليفة عثمان:
لقد أثير كلام كثير حول مقتل الخليفة عثمان، وتضاربت الأقوال والروايات في ذلك، وخصوصاً بما يتعلق بالفئة التي كانت تحرّض على قتله، والأسباب التي كانت تدفعهم لذلك الأمر، وبلوغ تلك الأحداث ذروتها بمقتله.
على أنّ أرجح التفسيرات لذلك تكمن في الممارسات على صعيد سدة الحكم، وتعيين الولاة من أقرباء الخليفة عثمان وصرف الأموال لهم من خزينة الدولة الأمر الذي أثار ضده ملامة اللائمين وثورات الثائرين. يقول الكاتب المعروف خالد محمد خالد: "بل لا نكاد نشك في أنّ عثمان كان يدرك أيضاً أنّ أكثر الذين رحبوا باختياره للخلافة دون علي كرم الله وجهه.... إنّما فعلوا ذلك رغبة منهم في الانعتاق من تزمت الحياة وتقشف المعيشة اللذين طالت معاناة الناس لهما، واللذين سيفرضان عناءهما من جديد لو تسنم الأمر علي بن أبي طالب الذي كان بمنهجه الصارم وعدله المكين وتقشفه وورعه يمثل امتداداً لصرامة عمر وعدله وتقشفه وورعه..."(104).
وقد لعبت أيادي أقرباء الخليفة عثمان من بني أمية بأموال الدولة لدرجة أنّ البعض يعتقد بأنّ الدولة الأموية بدأ حكمها منذ اختيار الخليفة عثمان ومبايعته، وهذا أبو سفيان يؤكد هذا الرأي أيضاً بقوله للخليفة عثمان بعد أن عقدت البيعة له: "يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة" (105). وفي رواية أخرى: "تلقفوها تلقف الكرة فما هناك جنة ولا نار" (106).
وكان من ضمن الذين اعترضوا على الخليفة عثمان فضلاء الصحابة: كأبي ذر الغفاري، وعبدالله بن مسعود، وعمار بن ياسر، حيث وقف منهم الخليفة موقفاً متشدداً، وأجرى عليهم عقاباً مريراً. فأما أبوذر فقد لاقى النفي إلى الربذة عقاباً له بسبب اعتراضه على معاوية ـ والي الخليفة على الشام ـ في كنزه للذهب وتبذيره للمال على حساب بيت مال المسلمين.
فعن زيد بن وهبة قال: "مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه، فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في ـ (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله)(107) ـ. قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب. فقلت: نزلت فينا وفيهم. فكان بيني وبينه في ذلك، وكتب إلى عثمان(رضي الله عنه)يشكوني. فكتب إليّ عثمان: أن أقدم المدينة فقدمتها: فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك.
فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريباً. فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمّروا علي حبشياً لسمعت وأطعت"(108).
وأمّا عبدالله بن مسعود صاحب بيت المال في الكوفة، فقد لاقى كسراً في أضلاعه بعد أن ضربه غلام عثمان عقاباً بسبب اعتراضه على الوليد بن عقبة بن أبي معيط ـ أخ الخليفة عثمان لأمه وواليه على الكوفة بعد عزله لسعد بن أبي وقاص ـ لأخذه (ابن أبي معيط) مالاً من بيت مال المسلمين دون إرجاعه (109).
وأمّا عمار بن ياسر، فقد لاقى الفتق نتيجة للضرب المبرح من غلام عثمان عقاباً له لصلاته على ابن مسعود ودفنه دون إعلام الخليفة عثمان بذلك. إلاّ أنّ عمار فعل ذلك بوصية من ابن مسعود حتى لا يصلي عليه الخليفة (110)!
وغيرهم الكثيرون ممن اعترضوا على تبذير أقرباء الخليفة من بني أمية لأموال الدولة العامة، فمروان بن الحكم مثلاً أخذ لوحده خمس خراج افريقيا! وراجع المزيد عن الخليفة عثمان من كتاب "خلافة وملوكية" للعلامة المودودي.
وقد كان لغضب أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنه) واعتراضها على الخليفه عثمان، بل وتحريضها على قتله بقولها: "اقتلوا نعثلاً فقد كفر" (111) بعد أن اتهمته بتغيير سنة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ما عمل على ازدياد الثورة ضده، فاجتمع عليه كثير من أهل المدينة مع القوم الذين وصلوا من مصر والشام والكوفة، فقتلوه.
بيعة الإمام علي(عليه السلام):
بعد مقتل الخليفة عثمان، تهافت الناس على الإمام علي(عليه السلام)يطلبون يده للبيعة، فقالوا له: إنّ هذا الرجل قد قتل، ولابدّ للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحقّ بهذا الأمر منك. وتمت البيعة.
ولما أراد الإمام علي(عليه السلام) أن يقيم العدل بين الناس فيجعل الضعيف يساوي القوي لا فرق بينهما، وأن يقيم الحدود التي أنزلها الله في كتابه، فعارضه بعضهم، وقاموا ضده وأثاروا الفتن وسيّروا الجيوش معلنين العصيان والتمرد عليه، وكان ذلك في عدة مواقع أهمها موقعتا الجمل وصفين.

سادساً: موقعة الجمل وخروج اُمّ المؤمنين:

سادساً: موقعة الجمل وخروج اُمّ المؤمنين:
عندما علمت أم المؤمنين بمقتل الخليفة عثمان ومبايعة الناس لعلي قالت لعبيدالله بن كلاب الذي أخبرها بذلك: "والله ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك، ويحك أنظر ما تقول" فقال لها عبيد: هو ما قلت لك يا أم المؤمنين. فولولت، فقال لها: ما شأنك يا أم المؤمنين، والله ما أعرف أحداً أولى بها منه، فلماذا تكرهين ولايته؟ وصاحت أم المؤمنين: ردوني، ردوني. فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوماً، والله لأطلبن بدمه! فقال لها عبيد: ولم؟ فوالله أول من أمال حرفه لأنت، فقد كنت تقولين "اقتلوا نعثلاً فقد كفر"، قالت: إنّهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأول، فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد واجتمع الناس إليها وقالت: يا أيها الناس، إنّ عثمان قتل مظلوماً، والله لأطلبن بدمه (112).
وقد وافق غضب أم المؤمنين عائشة غضب طلحة والزبير بعد أن استردّ الإمام علي(عليه السلام) عهد ولايتي اليمن والبحرين منهما، فنكثا عهديهما للإمام علي(عليه السلام)، وذهبا إلى مكة يحثون أم المؤمنين للسير إلى قتال علي، فخرجوا وقد سار معهم جيش كبير بقيادة أم المؤمنين متوجهين نحو البصرة حيث دارت رحى معركة عرفت باسم (معركة الجمل)، وقد كان الظفر فيها بجانب جيش الإمام وقتل فيها طلحة والزبير وثلاثة عشر ألفاً من المسلمين، وكل هؤلاء ذهبوا ضحية دعوة أم المؤمنين بالإقتصاص من قتلة عثمان والذين ادعت أنهم اندسّوا في جيش الإمام.
ومهما يكن الأمر، أولم يكن الأجدر بها أن تدع كل ذلك لولي الأمر؟
وخصوصاً أنّ الله تعالى أمرها (وقرن في بيوتكنَّ)(113). وما هي وذاك؟
فعثمان رجل من بني أمية، وهي من تيم. إلاّ إذا كان لخروجها سبب آخر غير ذلك!؟
وبالرغم من أن واقع هذه الحادثة يُجيب على هذه التساؤلات بوضوح فإنّه يضاف إلى ذلك تنبؤ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لهذه الفتنة وإشارته إلى مسببيها. فعن عبدالله قال: "قام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال: هاهنا الفتنة، ثلاثاً، من حيث يطلع قرن الشيطان"(114).
وقد اعتبر عمار بن ياسر أنّ طاعة عائشة في هذا الفعل كانت على حساب طاعة الله جل وعلا. فعن ابن زياد الأسدي قال:
"....فسمعت عماراً يقول: إنّ عائشة قد سارت إلى البصرة، ووالله إنّها لزوجة نبيكم(صلى الله عليه وآله وسلم) في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي؟"(115).
وحتى قبل هذه الحادثة بأمد بعيد، فإنّ عائشة(رضي الله عنه) عُرف عنها غيرتها الشديدة من علي، وكانت لاتطيق حتى ذكر اسمه. فعن عبيدالله بن عتبة (إنّ عائشة قالت: لما ثقل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذنّ له، فخرج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بين رجلين تخط رجلاه في الأرض، بين عباس ورجل آخر، قال عبيدالله: فأخبرت عبدالله بن عباس فقال: أتدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا، قال: هو علي) (116).
ولعل ما سمعته عائشة(رضي الله عنه) من قول علي لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بشأنها في حادثة الافك كان سبباً لهذه الغيرة والضغينة، فعن عبيدالله بن مسعود قال: "...وأمّا علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير" (117).
وقد وصف أمير الشعراء أحمد شوقي غيرة عائشة من خلال أبيات يخاطب بها الإمام علي(عليه السلام):
يا جبلاً تأبى الجبال ما حمل ماذا رمت عليك ربة الجمل
أثأر عثمان الذي شجاها أم غصة لم ينتزع شجاها
ذلك فتق لم يكن بالبال كيد النساء موهن الجبال
وإنّ أم المؤمنين لامرأة وإن تك الطاهرة المبرأة
أخرجها من كنها وسنها ما لم يزل طول المدى من ضغنها
اُسطورة عبدالله بن سبأ:
وموجز هذه الأسطورة: "أنّ هذا الشخص اسمه عبدالله بن سبأ وهو يهودي من اليمن، أظهر إسلامه في عصر عثمان ليكيد بالمسلمين، فتنقل في الحواضر الإسلامية مصر،والشام، والبصرة، والكوفة مبشراً برجعة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّ علياً هو وصيه، وأن عثمان غاصب حق هذا الوصي، فمال إليه وتبعه جماعات من كبار الصحابة والتابعين من أمثال عمار بن ياسر وأبي ذر ومحمد بن أبي حذيفة، وغيرهم، واستطاع أن يجيّش الجيوش لقتل الخليفة عثمان حتى قتلوه في داره - وهكذا تتسلسل حوادث هذه الأسطورة الموضوعة حتى تنتهي بحرب الجمل ـ حيث يأمر عبدالله بن سبأ أتباعه بالإندساس في جيش علي وعائشة دون علمهما، فيثيروا الحرب، وهكذا وقعت معركة الجمل" (118).
وكما ذكر العلامة السيد مرتضى العسكري (119) والذي تصدى لكشف زيف هذه الأسطورة الخرافية: (إنّ واضعها هو سيف بن عمرو التميمي البرجمي الكوفي المتوفي سنة 170 هـ، ومنه أخذ جميع المؤرخين، ثم اشتهرت القصة وانتشرت في كتب التاريخ مدى القرون حتى يومنا هذا، حتى أصبحت من الحوادث الشهيرة التي لا يتطرق إليها الشك، وقد فات المعظم من الكتّاب والمؤرخين الشرقيين والمستشرقين أنّ هذه الأسطورة وضعها راو واحد فرد لا شريك له، وأنّ الراوي هذا ـ سيف بن عمرو ـ مشهور عند القدامى من علماء الحديث بالوضع ومتهم بالزندقة، حيث قال فيه أبو داود: "ليس بشيء، كذاب"، وقال ابن عبدالبر: "سيف متروك وإنّما ذكرنا حديثه للمعرفة"، وقال فيه النسائي: "ضعيف متروك الحديث ليس بثقة ولا مأمون". وقد أخذ عن هذا الراوي الطبري وابن عساكر وابن أبي بكر ومن الطبري أخذ سائر الكتّاب والمؤرخون إلى يومنا هذا) (120).
ومن المعروف أنّ روايات الآحاد لا تفيد إلاّ الظن العلمي، ولا تفيد يقيناً، فما بالك إذا كان هذا الراوي غير ثقة وقد اشتهر بكذبه وزندقته، فهل تقبل روايته؟
وكيف يقبل أن يحكم على طائفة كبرى من المسلمين بالاعتماد على روايات آحاد ثبت كذب أصحابها، ويهمل ما تواتر عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من أحاديث تثبت عكس ذلك؟ وإنّه لمن أكبر مهازل التاريخ أن ينسب التشيع إلى رجل أسطوري ـ عبدالله بن سبأ ـ زاعمين نشره لفكرة "علي الوصي" بالرغم من وجود ذلك الكم الهائل من النصوص الصحيحة التي تثبت بأنّ التشيع لم يكن إلاّ محمدياً لا غير وراجع نصوص الإمامة في الصفحات السابقة لترى أين محل " عبدالله بن سبأ" فيها من الإعراب.
أعبدالله بن سبأ القائل: "إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي؟، أهو القائل: "من كنت مولاه فعلي مولاه"؟ أهو القائل باستخلاف الأئمة الإثني عشر؟
وأي مهزلة هذه تقول بأنّ رجلاً يهودياً يأتي من اليمن ويعلن إسلامه نفاقاً، ثم يعمل كل تلك الأعمال الخارقة والتي تصل لحد تسييره لجيوش المسلمين ضد بعضها البعض دون علم أحد فيه؟ وهل من المعقول أن يقع الإمام علي(عليه السلام)الذي قال فيه الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): "أنا مدينة الحكمة وعلي بابها" ضحية لخدعة هذا اليهودي؟ لاشك أن من يقول بذلك قد ضل ضلالاً بعيداً.

سابعاً: موقعة صفين وتمرد معاوية:

سابعاً: موقعة صفين وتمرد معاوية:
بعد أن تمّ لعلي(عليه السلام) النصر في موقعة الجمل، توجه بجيشه لتصفية المعارضة التي يقودها معاوية بن أبي سفيان في الشام، وتلاقى الجيشان عند الفرات، وقد حاول الإمام إصلاح الموقف بالوسائل السلمية، إلا أنّ رد معاوية على الوفد الذي بعثه إليه الإمام كان: "انصرفوا عني فليس عندي إلاّ السيف"(121). وهكذا التحم الجيشان، وعندما لاحت تباشير النصر لصالح جيش الإمام(عليه السلام)، دبّر معاوية "خدعة المصاحف"، فأمر جنوده برفع المصاحف على رؤوس الرماح، ومع أنّ الإمام تصدى لكشف هذه المؤامرة التي يراد بها عرقلة النصر الذي كان وشيكاً لصالح جيش الإمام علي(عليه السلام)، إلاّ أنّ المطالبين بإيقاف القتال في جيشه لم يستجيبوا لنداءاته المتكررة واضطروه إلى قبول التحكيم، ورغم معارضة الإمام الشديدة لاختيار أبي موسى الأشعري كطرف ممثلاً عن جيشه في التحكيم لضعفه ووهن رأيه، حيث قال لهم الإمام(عليه السلام): "لا أرى أن تولوا أبا موسى الحكومة، فإنّه ضعيف عن عمرو ومكائده" (122)، وكان علي قد عزل أبا موسى عن ولاية الكوفة أيضاً. وقد كان هناك تخطيط مسبق لرفع المصاحف والتنسيق لذلك مع حركة موالية لمعاوية مندسة في جيش الإمام والتي عملت على المطالبة بقبول التحكيم واختيار الأشعري ممثلاً في التحكيم، وقد جاءت نتائج التحكيم ـ كما توقع الإمام ـ لصالح معاوية حيث بدأ الأمر يستتب له شيئاً فشيئاً بعد هذا التمرد الكبير والخروج عن طاعة خليفة المسلمين بغياً منه وطمعاً في النعيم الدنيوي الذي طالما حلم به.
وقد كنت في الماضي استغرب كثيراً لهذه الواقعة التي قتل فيها ما يزيد على التسعين ألفاً من الجانبين، وكانت الإجابة كالمعتاد فيقولون: (إنها كانت مجرد فتنة حصلت بين صحابيين جليلين، وقد اجتهدا، فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد، ولا ينبغي التفكير في ذلك، فتلك أمة قد خلت، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم) وغير ذلك مما يسدون به أي باب من شأنه أن يكشف النقاب عن هذه (الفتنة) كما يسمونها. وهكذا تبقى هذه المسألة بنظر أهل السنة معلقة وكأنها لغز غامض ليس له حل، مما فتح الباب على مصراعيه للمستشرقين ليدلوا بدلوهم في ديننا، حتى أنّ بعضهم قال بأنّه يوجد في الإسلام تناقض، مشيراً إلى حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "إذا تلاقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" والذي يتعارض مع قول أهل السنة بأنّ الفريقين في موقعة صفين كانا مسلمين وقائداهما صحابيين جليلين!! فلماذا هذا الإصرار على عدم تمييز الحق من الباطل؟ فلماذا لا تقال الحقيقة إذن؟ وهل هي فعلاً غامضة؟
وعلى كل حال، فإن الذي قد التبس عليه معرفة حقيقة معاوية، فليتمعن بما يلي من دلائل، وليكن للقارىء حكمه بعد ذلك:
فقد أخرج مسلم في صحيحه قول علي(عليه السلام): "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبي الأمي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه لا يحبني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق" (123) فما بالك بالذي يسيّر الجيوش لقتاله؟ وما هو حكم أهل السنة بمن يخرج عن طاعة إمام المسلمين الواجب الطاعة؟
وفي صحيح البخاري ما يشير إلى بغي معاوية. فعن أبي سعيد الخدري قال: "كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فمر به النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ومسح على رأسه الغبار وقال: ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار" (124) وقد تحققت نبوءة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)هذه عندما استشهد عمار وهو يقاتل تحت راية الإمام علي(عليه السلام) في صفين.
وفي مستدرك الصحيحين بالسند عن خالد العربي قال: (دخلت أنا وأبو سعيد الخدري على حذيفة فقلنا: يا أبا عبدالله، حدثنا ما سمعت من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في الفتنة؟ قال حذيفة: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) دوروا مع الكتاب حيث ما دار. فقلنا: فإذا اختلف الناس فمع من نكون؟ فقال: انظروا الفئة التي فيها ابن سمية، فالزموها، فإنه يدور مع كتاب الله، سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعمار: يا أبا اليقظان لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية عن الطريق) (125).
وقد كان بغي معاوية وتمرده متوقعاً، فمنذ أن تسلّم ولاية الشام في عهد الخليفة عمر، والنعيم والجاه والقصور التي بناها، وتوسعه بكل ذلك زمن الخليفة عثمان، لم يكن من السهل على رجل مثله أن يتخلى عنها، وكان يعلم يقيناً أنّ الإمام علياً(عليه السلام) إن لم يعزله من الولاية، فإنّه على الأقل سيجرده من جميع ما تملكه على حساب بيت مال المسلمين، وإنّه سيساويه مع غيره من المسلمين.
وحادثته مع الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري في عهد الخليفة عثمان لتدل أيضاً على ما نقول به من تكالبه على الدنيا وتبذيره لأموال الدولة العامة، وقد أدّى اعتراض أبي ذر على معاوية بأن أمر الخليفة عثمان بنفيه إلى الربذة بعد أن استدعاه إلى المدينة. فعن زيد بن وهبة قال: "مررت على أبي ذر بالربذة فقلت: ما أنزلك بهذه الأرض؟ قال: كنا بالشام فقرأت (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)(126) قال معاوية: ما هذه فينا، ما هذه إلاّ في أهل الكتاب. قال: قلت: إنّها لفينا وفيهم"(127)، وهكذا فقد عوقب أبوذر بالنفي بالرغم من شهادة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) له بالصدق عندما قال: "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر" (128).
ويظهر من هذه الحادثة كيف تلاعب معاوية بتفسير القرآن من أجل التغطية على تبذيره لأموال الأمة التي ليس له أي حق فيها. والمصيبة أنّ البخاري قد أخرج في صحيحه ما يجعل من معاوية فقيهاً، فعن ابن أبي مليكة قال: "أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس، فأتى ابن عباس، فقال: دعه فإنّه قد صحب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)"(129) وفي رواية أخرى: قال إنّه "فقيه"(130)! وإذاعلمت أنّ معاوية أمضى عشرين عاماً كخليفة للمسلمين، وقبلها كوال على الشام، فللقارىء أن يتصور عندئذ المدى الذي تمكن فيه معاوية التأثير في وضع ونقل أحاديث تنسب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لتبرير أفعاله والتي بالرغم من كل الجهود التي بذلت للتغطية عليها، بقيت
واضحة في كتب الحديث والتاريخ بصورة لا تبقي أي التباس في معرفة حقيقة هذا الخليفة والذين اعتبروه أيضاً أميراً للمؤمنين!!
وخلق معاوية في الولاية والحكم له جذوره في عائلته السفيانية حيث قال أبوه لعثمان بعد عقد البيعة له: "يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ولتصيرن إلى صبيانكم" (131) وفي رواية أخرى بزيادة: "...فما هناك جنة ولا نار". وفي ذلك ما يشير إلى حقيقة الهدف الذي دخلت فيه هذه العائلة في الإسلام من أجله بعد فتح مكة حيث دخل في الإسلام جميع أهلها، وانظر في الرواية التالية لتعلم أي نوع من الإسلام هذا الذي دخلوه وهم له كارهون، فعن عبدالله بن عباس قال: "قال أبو سفيان: والله ما زلت ذليلاً مستيقناً بأن أمره سيظهر، حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره" (132)، فإذا كان لسان أبي سفيان قد تحدث بذلك، فما بالك لو قُدر لقلبه أن يتكلم عما بداخله؟
ومن أقوال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في معاوية ما أخرجه مسلم في صحيحه: (بعث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إليه ذات يوم ابن عباس يدعوه ليكتب له، فوجده ابن عباس يأكل، فأعاده النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إليه يطلبه، فوجده يأكل إلى ثلاث مرات، فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): لا أشبع الله بطنه)(133)، وفي صحيح مسلم أيضاً، قال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): "...أما معاوية فصعلوك لا مال له" (134).
وفي مسند أحمد، قال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في معاوية وعمرو ابن العاص: "اللهم اركسهما في الفتنة ركساً، ودعهما إلى النار دعاً"(135).
وغير ذلك الكثير من الروايات التي تبين حقيقة أميرالمؤمنين معاوية ابن آكلة الأكباد والذي ختم أعماله في هذه الدنيا بتنصيبه لابنه يزيد السكير الفاسق خليفة على المسلمين من بعده، وليس عنده من العمر ما يزيد على عشرين عاماً مخالفاً بذلك ليس فقط معاهدة الصلح التي عقدها مع الإمام الحسن(عليه السلام) بل يكون قد خالف الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين وكل السنن الأخرى التي يتحدث عنها أهل السنة.

ثامناً: استشهاد الإمام علي(عليه السلام):

ثامناً: استشهاد الإمام علي(عليه السلام):
كانت آخر موقعة خاضها الإمام علي(عليه السلام) هي موقعة النهروان، حيث خاض بها قتالاً ضد المجموعة التي فرضت التحكيم عليه في صفين، ولكنها ندمت بعد عدة أيام، فنكثت عهدها وخرجت من بيعة الإمام، وقد عرفوا فيما بعد باسم "الخوارج" أو "المارقين"، وقد انتصر عليهم الإمام(عليه السلام)، وكان يتهيأ لاستئناف قتال المتمردين في الشام بعد أن فشل التحكيم عند اللقاء بين الحكمين، بيد أنّ الإمام(عليه السلام)استشهد على يد أحد أفراد الخوارج وهو "عبد الرحمن بن ملجم" عندما طعن الإمام بسيف وهو في سجوده، عند صلاة الفجر في مسجد الكوفة صبيحة اليوم التاسع عشر من رمضان سنة أربعين للهجرة بعد خمسة أعوام من الحكم.
وقد بقي الإمام(عليه السلام) يعاني من علته ثلاثة أيام، عهد خلالها بالإمامة إلى ولده الحسن السبط(عليه السلام) ليمارس بعده مسؤولياته في قيادة الأمة.
وهذا الاستخلاف لم يكن بلحاظ أنّ الحسن(عليه السلام) كان ابناً لعلي(عليه السلام)، أو أنّه كان الأصلح للخلافة بنظره، وإنّما عملاً بأمر الله تعالى الذي اختار خلفاء الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)الإثني عشر ـ كما مر سابقاً ـ حيث كان الإمام الحسن(عليه السلام) ثانيهم.

تاسعاً: معاهدة الصلح واستشهاد الإمام الحسن(عليه السلام):

تاسعاً: معاهدة الصلح واستشهاد الإمام الحسن(عليه السلام):
بعد استشهاد الإمام علي(عليه السلام)، اعتلى الإمام الحسن(عليه السلام) المنبر ونهض أهل الكوفة وبايعوه خليفة للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وإماماً للأمة، إلاّ أنّ ذلك لم يدم سوى ستة شهور، فعندما وصل الشام نبأ استشهاد الإمام علي(عليه السلام)، تحرك معاوية بجيش كبير نحو الكوفة ليأخذ بيده زمام المسلمين، ويجبر الإمام الحسن بن علي(عليه السلام) على الاستسلام.
ولم يجد الإمام الحسن (عليه السلام) مناصاً سوى المسالمة وعقد ميثاق صلح مع معاوية. وأمّا الأسباب التي فرضت عليه عقد مثل هذا الصلح فقد كانت تفكك جيشه ووضع العراق الداخلي المضطرب من جهة، والأمبراطورية الرومانية التي كانت تتحين الفرصة لضرب الإسلام وقد تأهبت بجيش عظيم لحرب المسلمين من جهة أخرى، مما يؤكد أنّه لو نشبت حرب بين معاوية والإمام الحسن(عليه السلام)في ظل هذه الظروف لكان المنتصر فيها أمبراطورية الروم وليس الإمام الحسن(عليه السلام)ولا معاوية.
وهكذا فإنّ الحسن(عليه السلام) بقبوله السلام قد أزال خطراً كبيراً كان يهدد الإسلام، وأمّا بنود معاهدة الصلح فكانت:
1 ـ يسلّم الحسن بن علي(عليه السلام) الحكومة وأزمّة الأمور إلى معاوية على شرط أن يعمل معاوية وفق مبادىء القرآن وسنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
2 ـ تكون الخلافة بعد موت معاوية حقاً خاصاً بالإمام
الحسن(عليه السلام)، وإذا حدث له حادثة فإنّ الخلافة ستكون لأخيه الإمام الحسين(عليه السلام).
3 ـ تمنع الشتائم وكافة الإساءات ضد الإمام علي(عليه السلام) سواء على المنابر أو غيرها.
4 ـ ينفق مبلغ خمسة ملايين درهم الموجودة في بيت المال في الكوفة تحت إشراف الإمام الحسن(عليه السلام)، ويجب على معاوية أن يرسل سنوياً مليون درهم من الخراج إلى الإمام الحسن(عليه السلام)، ليوزعها على عوائل أولئك الذين استشهدوا في معركتي الجمل وصفين إلى جانب الإمام علي(عليه السلام).
5 ـ يتعهد معاوية بأن يدع الناس قاطبة من أي جنس وعنصر في منأى من الملاحقة والأذى، ويتعهد أيضاً أن ينفذ بنود هذا الصلح بدقة ويجعل الملة عليه شهيداً.
إلاّ أنّ الإمام الحسن(عليه السلام) استشهد في سنة 50 هـ بعد أن دست له زوجته (جعدة بنت الأشعث بن القيس) السمّ، والتي كانت تنسب إلى إحدى الأسر المخالفة للعلويين. وقد حرّضها معاوية على اقتراف هذه الجريمة السوداء بإرساله إليها مائة ألف درهم، ووعده إيّاها بأن يزوجها بابنه يزيد إذا دست السم للحسن(عليه السلام). وقد فرح معاوية فرحاً كبيراً عندما علم باستشهاد الإمام الحسن(عليه السلام)، إذ كان يرى أنّ أكبر عقبة بوجه مآربه ـ وخصوصاً توطيد الحكم للأسرة الأموية ـ قد زالت من الوجود.
وهكذا فقد تم لمعاوية بعد ذلك ما أراد، وتمكن من تنصيب ابنه المراهق الخليع يزيد على الأمة قهراً. فأين هذا من اعتقاد أهل السنة بأنّ الخلافة هي بالشورى؟ أو لم يرفضوا النصوص التي تدلّ على استخلاف أئمة أهل البيت بحجة أنّ الخلافة هي بالشورى؟ أو ليس يدل هذا على أنّ الخلافة ـ على رأيهم ـ إن لم تكن بالشورى فهي غير شرعية؟ ولكن لماذا اعتبروا أنّ خلافة يزيد شرعية؟ وكيف قبلوا تسميته بأميرالمؤمنين؟
وتأمل فيما يلي لترى شيئاً من صفحات تاريخنا الإسلامي السوداء، وسرداً لقبس من قبسات حياة "أميرالمؤمنين" يزيد بن معاوية بن أبي سفيان!!

عاشراً: ثورة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين(عليه السلام):

عاشراً: ثورة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين(عليه السلام):
بعد وفاة الإمام الحسن(عليه السلام)، في سنة خمسين للهجرة، شرعت الشيعة في العراق بمراسلة الحسين(عليه السلام) وطلبت منه أن يعزل معاوية عن امرة المسلمين، ولكن الحسين(عليه السلام) ذكر في جوابه إليهم أنّ له مع معاوية عهداً وميثاقاً لا يستطيع نقضهما.
وأما معاوية فقد كان يقوم طيلة العشرين سنة من حكمه بتهيئة وتوطيد الخلافة لابنه "الماجن" يزيد ليجعل منه أميراً للمؤمنين، مخالفاً بذلك ليس معاهدته مع الإمام الحسن(عليه السلام) فحسب والتي عاهد الله عليها، وإنّما نقض وخالف ما عليه أهل السنة من اعتقاد بأنّ اختيار الخليفة يكون بالشورى، واشتراط الصلاح والتقوى فيه، لترى مدى الجرم الذي اقترفه معاوية بحق الإسلام والمسلمين، والذي تبعه على منهجه بقية خلفاء الأمويين والعباسيين والعثمانيين والذين يصعب تفريق غالبيتهم العظمى من حكام المسلمين الفسقة الفجرة في عصرنا.
وبعد موت معاوية سنة ستين للهجرة، تربع يزيد على سدة الحكم، فكان بلاطه بؤرة المجون والإثم، فهو وباعتراف جميع فرق المسلمين كان يحتسي الخمور علانية، ويشرب حتى الثمالة في السهرات الحافلة ومن أقواله المأثورة أشعار ضحلة نذكر فيها:
شغلتني خمرة الديدان عن صوت الاذان وتعوضت عن الحور عجوزاً في الدنان
ولا غرابة في ذلك، فيزيد تربى على يد مربية مسيحية، وكان كما يصفه المؤرخون شاباً أهوجاً، خليعاً، مستبداً، مترفاً، ماجناً، قصير النظر، وفاقداً للحيطة، وقد روي عنه أيضاً: أنه صلى مرة بالمسلمين صلاة الجمعة يوم أربعاء، وصلى بهم الفجر أربع ركعات بعد أن كان شارباً حتى الثمالة وغير ذلك الكثير الكثير مما ليس في هدفنا تبيانه، وإنّما ذكرنا لتلك الانتهاكات ما هو إلاّ وسيلة لإلقاء الضوء على الظروف التي رأى فيها الإمام الحسين(عليه السلام) وجوب الانتفاضة والثورة مستهدفاً إحياء الإسلام والسنن الدينية بعد أن أصبحت مهددة بالمسخ والفناء، ولم يكن هدف الإمام الحسين(عليه السلام)في ثورته الاستيلاء على الخلافة والسلطة، فهو يعلم أنّ حظوظ بني أمية في المحافظة عليها أوفر وخصوصاً بعد نكوص أهل العراق ورهبتهم من الأمويين.
ويصرّح الإمام الحسين(عليه السلام) في إحدى خطاباته بالقرب من كربلاء عن سبب انتفاضته بقوله: "أيها الناس، من رأى إماماً جائراً يحلل حرمات الله وينقض عهد الله من بعد ميثاقه ويخالف سنة نبيه، ويحكم بين عباد الله بالإثم والجور ثم لم يغير بقول ولا فعل، كان حقاً على الله أن يكبه معه في النار" وكذلك قوله: "أيها الناس، إنّهم أطاعوا الشيطان، وعصوا الرحمان، وأفسدوا في الأرض، وعطلوا السنن واستأثروا ببيت أموال المسلمين، وحلّلوا حرمات الله، وحرّموا ما أحله الله، وأنا أحق الناس بالإنكار عليهم".
وعندما علم الإمام الحسين(عليه السلام) بالنكوص والارتداد الذي حصل في الكوفة، جمع أصحابه وأهل بيته الذين كانوا بصحبته وصارحهم قائلاً: "قد خذلنا شيعتنا، فمن أحب أن ينصرف، فلينصرف، فليس عليه منا ذمام" فتفرقوا من حوله يميناً وشمالاً، حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من مكة والمدينة.
ولكن الإمام الحسين(عليه السلام) بقى مصرّاً على قراره وبنفس العزيمة التي انطلق بها من مكة المكرمة، وليس معه سوى أصحابه وأخوته وأبناءه وأبناء عمومته، ولا يتجاوز عددهم ثماني وسبعين، وقد كان لسان حاله يقول كما وصف أحد الشعراء:
إن كان دين محمد لم يستقم إلاّ بقتلي يا سيوف خذيني
والتقى بالجيش الذي أرسله والي الخليفة الأموي يزيد على الكوفة "عبيدالله بن زياد" بقيادة عمر بن سعد، وكان قوامه اثنين وثلاثين ألفاً كما في بعض الروايات"؟
وكان طبيعياً أن تمكن جيش يزيد بن معاوية من قتل هذه الفئة القليلة العدد، وقد تجسدت في ذلك اليوم صورة مأساة أهل البيت ومظلوميتهم بأجلى صورها، وكأن يزيد بن معاوية في هذه المذبحة كان يدفع الأجر الذي سأله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى".
ولقد حدّث التاريخ عن مشاهد وصور مأساوية يصعب على أحد وصفها على حقيقتها.... ومن ذلك مأساة طفل رضيع هو عبدالله ابن الإمام الحسين(عليه السلام)، الذي حمله الإمام إلى المعسكر الأموي يطلب له الماء بعد أن حالوا بين مخيم الحسين(عليه السلام) وبين ماء الفرات، وأخذ منهم العطش مأخذه... حمله يطلب له الماء وليحرك ضمائرهم ويثيرإحساسهم الإنساني، فما كان منهم إلاّ أن صوّبوا سهماً نحو الرضيع فأردوه قتيلاً، واستمرّ تساقط الشهداء من أصحاب الحسين(عليه السلام)وأهل بيته الواحد تلو الآخر. وكان الحسين(عليه السلام)آخر من استشهد في تلك المعركة الحاسمة، ولم يكتفوا بقتل سيد شباب أهل الجنة، بل احتزّوا رأسه وفصلوه عن جسده، وحمل رأس الحسين ورؤوس أصحابه هدايا يقتسمها القتلة، ويرفعونها متوجهين بها إلى يزيد بن معاوية في الشام والذي لا يزال يصرّ بعض المسلمين على تسميته بأمير المؤمنين، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله....!
وبعد سرد كل هذه الأحداث التي تبين بوضوح الأهداف السامية التي من أجلها قام الحسين(عليه السلام)بثورته، والتي وصفها الداعية الإسلامي الكبير الدكتور عمر عبدالرحمن بقوله: "إنّ استشهاد الحسين أعظم ألف مرة من بقائه على قيد الحياة". إلاّ أنّه وجد أيضاً من ينتقص من قيمة هذه الثورة العظيمة لوقوعهم ضحية الإعلام الأموي المضلل ـ والذي حاول جاهداً تزوير التاريخ ـ ولوقوعهم ضحية التعصب المذهبي المقيت، فيضطرون بذلك إلى هذا التحريف الشائن كقول (شيخ الإسلام) ابن تيمية مثلاً ما معناه: أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) بثورته هذه، قد أحدث فتنة في أمة الإسلام بخروجه عن طاعة ولي أمر المسلمين!! وإذا سألنا شيخ الإسلام عن خروج معاوية من طاعة الإمام علي(عليه السلام)، فإنّه يرى بأنّ ذلك كان فتنة بينهما ولا ذنب لهما فيها، وهكذا بالنسبة لخروج عائشة(رضي الله عنه) أيضاً على الإمام علي(عليه السلام).
وما هذه إلاّ صورة من صور محاولات التزييف المكشوف في تاريخنا الإسلامي، وإلاّ فكيف نفسر تجاهل معظم أهل السنة لهذه المأساة التأريخية، والتي يقتل فيها أبناء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بأبشع ما يكون القتل والتعذيب، وقد سار على نهج معاوية وابنه يزيد سائر أبناءهم من ملوك بني أمية والعباس في قمع أي حركة معارضة لسلطانهم، وخصوصاً آل البيت النبوي الذين كانوا ملاحقين دائماً بالاضطهاد والتشريد والقتل والتعذيب.
ولم يقتصر هذا الظلم ضد آل البيت النبوي فحسب، فقد كان من ضمن ضحايا الاستبداد الأموي من غير آل البيت عبدالله ابن الزبير مثلاً، حيث سجل التاريخ ذلك المشهد المأساوي في الحرم المكي عندما ذُبح و سُلخ ابن الزبير و الذي لم تشفع له قدسية هذا المكان الذي كانت حتى الجاهلية تقدّسه و تعظّمه ولا تستبيح فيه دماء الوحش فضلا عن البشر، ولم تشفع له الكعبة عند حكام بني أمية والتي تعلق بستائرها؟؟ والتي حتى رميت بالمنجنيق في عهد عبدالملك بن مروان الذي أطلق العنان ليد طاغيته الحجاج ليقتل ويذبح الناس بغير حق. وقد قال فيهما الحسن البصري: "لو لم تكن لعبد الملك سيئة سوى الحجاج لكفته"، وقول عمر بن عبدالعزيز(رضي الله عنه): "لو جاءت كل أمة بطاغيتها، وجئنا بالحجاج لغلبناهم". فضلاً عما عرف من تمزيق الوليد بن عبدالملك لكتاب الله وغير ذلك الكثير الكثير. فهل تؤهل هذه الأعمال صاحبها أن يكون مسلماً فضلاً عن أن يكون خليفة للمسلمين وأميراً للمؤمنين؟؟
لا شك أننا اليوم بحاجة إلى إعادة النظر في تأريخنا(136)الإسلامي وإمعان النظر في كثير من الحوادث فيه واستنطاقها لما لها من ارتباط وثيق برسم معالم المذاهب الإسلامية التي عليها المسلمون اليوم، ولما فيها ما يساعد على معرفة حقيقة هذه الطائفة أو تلك بعيداً عن الظلم والتجني. فبسبب تلك الحوادث تفرع المسلمون عن الخط الإسلامي المحمدي الأصيل وأصبحوا بذلك طوائف وشيعاً متفرقة كل منها تزعم بأنها الطائفة الناجية، وليس لأحد في عصرنا أن ينتظر وحياً من السماء ليخبره باسم هذه الطائفة، وقد أعطانا الله جل ثناؤه عقلاً لنميز به الخبيث من الطيب وجعله حجة على عباده، ونهانا عن التقليد لأعمى بقوله: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا، أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون)(137)، وبقوله: (بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون)، وأمرنا بالبحث والتقصي قبل الأخذ والتصديق بقول كل من هب ودب. عندما قال: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) (138).










_____________
1- صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل علي ج4 ص2873 ح36.
2- صحيح الترمذي ج5 ص663 ح3788.
3- السـنن الكبـرى للبيهقـي ج10 ص114، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي: ص94.
4- ذكر الدكتور أحمد بن مسعود بن حمدان في تحقيقه لكتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ص80: "سنده ضعيف: فيه صالح بن موسى الطلحي، قال فيه الذهبي:5ضعيف، وقال يحيى: ليس بشيء ولا يكتب حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك".1- المستدرك ج1 ص93.
1- الأ6زاب: 33.
2- 7حيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل الحسن والحسين ج4 ص1883 ح61.
3-8آل عمران: 61.
9- صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل علي ج4 ص1871 ح32.
10- صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل علي ج4 ص1873 ح36.
11- صحيح الترمذي ج5 ص663 ح3787.
12- مسند أحمد ج6 ص323.
13- الأحزاب: 28 ـ 33.
14- المائدة: 3.
15- المائدة: 6.
16- البقرة: 124.
17- مستدرك الصحيحين ج2 ص343.
18- مستدرك الصحيحين ج3 ص149.
19- صحيح البخاري ج3 ص78 كتاب البيوع باب ما قيل في الصواغ.
20- صحيح البخاري ج2 ص62 كتاب التهجد.
21- صحيح البخاري ج4 ص227 كتاب المناقب باب صفة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).
22- صحيح البخاري ج9 ص168 كتاب التوحيد باب في المشيئة والإرادة.
23- صحيح البخاري ج8 ص95 كتاب الدعوات باب 1 لصلاة على النبي.
24- صحيح البخاري ج6 ص3 كتاب المغازي باب غزوة تبوك.
25- البقرة: 75.
26- صحيح البخاري ج9 ص101 كتاب الأحكام باب سيكون اثني عشر أميراً.
27- صحيح مسلم ج3 ص1453 ح10.
28- صحيح مسلم ج3 ص1452 ح6 كتاب الإمارة باب الناس تبع لقريش.
29- مسند أحمد ج1 ص398.
30- سفر التكوين (17: 20).
31- تاريخ السيوطي ص12، ط الفجالة الجديدة ـ القاهرة.
32- صحيح الترمذي: ج5 ص633 ح3713.
33- سنن ابن ماجة: ج1 ص43، باب فضل علي بن أبي طالب ح16، ط دار الفكر، بيروت.
34- مسند أحمد: ج4 ص281.
35- المائدة: 67، الواحدي في أسباب النزول: ص135، والتفسير الكبير للرازي ج12 ص48 ـ 49.
36- المائدة: 3، السيوطي في الدر المنثور ج2 ص259، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج8 ص290.
37- صحيح الترمذي: ج5 ص632 ح3712.
38- المائدة: 55، تفسير الطبري ج6 ص186، أسباب النزول للواحدي: ص133، شواهد التنزيل للحاكم ج1 ص164 ـ 167، أنساب الأشراف ج2 ص381.
39- صحيح البخاري: ج6 ص3، كتاب المغازي.
40- طه: 29 ـ 36.
41- صحيح البخاري: ج6 ص23 كتاب التفسير باب قوله ـ "ننسخ آية أو ننسها" ـ.
42- مستدرك الصحيحين ج3 ص126.
43- صحيح الترمذي ج5 ص637 ح3723.
44- مستدرك الصحيحين ج3 ص122.
45- صحيح مسلم ج1 ص86 ح131 كتاب الإيمان باب حب علي كرم الله وجهه من الايمان.
46- سنن أبي داود ج4 ص140 ح4399، باب المجنون يسرق أو يصيب حداً.
47- صحيح البخاري ج8 ص204 كتاب المحاربين باب لا يرجم المجنون والمجنونة.
48- صحيح الترمذي: ج5 ص636 ح3720.
49- صحيح البخاري: ج5 ص22 كتاب فضائل الصحابة.
50- مستدرك الصحيحين: ج3 ص107.
51- كنز العمال ج13 ص 683 ح37753، ذخائر العقبى: ص30.
52- كنوز الحقائق للمناوي، وأخرجه الديلمي ج3 ص372 ح5127.
53- صحيح البخاري ج6 ص11 كتاب المغازي باب مرض النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ووفاته.
54- صحيح البخاري ج6 ص12 كتاب المغازي باب مرض النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ووفاته.
55- صحيح البخاري ج6 ص11 كتاب المرضى باب قول المريض قوموا عني.
56- صحيح مسلم كتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه ج3 ص1259 ح21.
57- السقيفة لأبي بكر الجوهري: ص73، ورواه مسلم في صحيحه ج3 ص1259 ح22.
58- صحيح مسلم بشرح النووي ج11 ص93.
59- النجم: 3 ـ 5.
60- الحشر: 7.
61- التكوير: 19 ـ 22.
62- بتصرف عن كتاب المراجعات للإمام شرف الدين: ص261 ـ 262.
63- صحيح البخاري ج6 ص11 كتاب المغازي باب مرض النبي ووفاته.
64- رجال حول الرسول لخالد محمد خالد: ص656، تاريخ الطبري ج3 ص184، 186، النهاية لابن الأثير ج2 ص317، طبقات ابن سعد ج4 ص65 ـ 69.
65- صحيح البخاري ج5 ص179 كتاب المغازي باب غزوة زيد بن حارثة.
66- صحيح البخاري ج5 ص7 ـ 8 كتاب فضائل الصحابة باب إن لم تجد نبي فإن أبا بكر.
67- صحيح البخاري ج8 ص210 كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا.
68- صحيح البخاري ج5 ص8 كتاب فضائل الصحابة باب إن لم تجد نبي فإن أبابكر.
69- صحيح البخاري ج5 ص8 كتاب فضائل الصحابة باب إن لم تجد نبي فإن أبابكر.
70- صحيح البخاري ج8 ص211 كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا.
71- صحيح البخاري ج5 ص8 كتاب فضائل الصحابة باب إن لم تجد نبي فإن أبابكر.
72- صحيح البخاري ج8 ص211 كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا.
73- صحيح البخاري ج5 ص9 كتاب فضائل الصحابة باب إن لم تجد نبي فإن أبابكر.
74- صحيح البخاري ج8 ص211، ج5 ص8.
75- صحيح البخاري ج8 ص210 كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا.
76- صحيح البخاري ج8 ص210 كتاب المحاربين من أهل الكفر باب رجم الحبلى من الزنا.
77- بتصرف عن كتاب المراجعات للإمام شرف الدين: ص284.
78- صحيح البخاري ج5 ص177 كتاب المغازي باب غزوة خيبر.
79- بتصرف عن كتاب المراجعات للإمام شرف الدين: ص285.
80- خلفاء الرسول لخالد محمد خالد ص418 الطبعة الثامنة، تاريخ الطبري (حوادث سنة 11 هجرية).
81- صفوة الصفوة لابن الجوزي ج1 ص257.
82- صحيح البخاري ج4 ص96 كتاب الخمس باب الفرائض.
83- صحيح البخاري ج5 ص177 كتاب المغازي باب غزوة خيبر.
84- صحيح البخاري ج8 ص79 كتاب الاستئذان باب من ناجى بين يدي الناس.
85- صحيح البخاري ج5 ص36 كتاب فضائل الصحابة باب مناقب فاطمة رضي الله عنها.
86- صحيح البخاري ج5 ص36 كتاب فضائل الصحابة باب مناقب فاطمة رضي الله عنها.
87- سورة آل عمران: 144.
88- منال الطالب في شرح طوال الغرائب لابن الأثير ص504 ـ 505.
89- النمل: 16.
90- مريم: 6 ـ 7.
91- صحيح البخاري: ج9 ص59 كتاب الفتن باب سترون بعدي أموراً تنكرونها.
92- صحيح مسلم: كتاب الإمارة باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين ج4 ص1478 ذ ح 58.
93 مسند أحمد: ج4 ص96.
94- صحيح البخاري ج5 ص177، كتاب المغازي باب غزوة خيبر.
95- صحيح البخاري ج8 ص79 كتاب الإستئذان باب من ناجى بين يدي الناس.
96- صحيح البخاري ج5 ص36 كتاب فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة رضي الله عنها.
97- صحيح البخاري ج5 ص36 كتاب فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة رضي الله عنها.
98- تاريخ الطبري ج3 ص429، تاريخ دمشق لابن عساكر ج44 ص251 ـ 252.
99- تاريخ الطبري ج3 ص429.
100- تاريخ الطبري ج4 ص227.
101- أنساب الاشراف ج6 ص119، طبقات ابن سعد ج3 ص61.
102- خلفاء الرسول خالد محمد خالد ص272 ط الثامنه.
103- صحيح البخاري ج9 ص97 كتاب الأحكام باب كيف يبايع الإمام الناس.
104- خلفاء الرسول لخالد محمد خالد ص276 ط الثامنة.
105- مروج الذهب للمسعودي ج2 ص351، الاستيعاب ج4 ص1679.
106- شرح نهج البلاغة ج9 ص38.
107- سورة التوبة: 34.
108- صحيح البخاري ج2 ص133 كتاب الزكاة.
109- البلاذري في أنساب الأشراف ج6 ص147، تاريخ اليعقوبي ج2 ص170، شرح نهج البلاغة ج1 ص154.
110- شرح ابن أبي الحديد ج3 ص42 و47 و50، تاريخ اليعقوبي ج2 ص170 ـ 171.
111- الطبري ج4 ص459، النهاية لابن الأثير ج5 ص80، وغيرها من المصادر.
112- الطبري ج4 ص459، ابن الأثير ج3 ص206.
113- الأحزاب: 32.
114- صحيح البخاري ج4 ص100 كتاب الخمس باب ما جاء في بيوت أزواج النبي.
115- صحيح البخاري ج9 ص70 كتاب الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر.
116- صحيح البخاري ج1 ص61 كتاب الوضوء باب صب النبي وضوءه على المغمى عليه.
117- صحيح البخاري ج6 ص129 كتاب التفسير باب ـ لولا إذ سمعتموه ـ.
118- أحاديث أم المؤمنين للعلامة العسكري ص272.
119- وقد نفى أيضاً وجود هذه الشخصية عدد من العلماء المحققين مثل الدكتور طه حسين في كتابه الفتنة الكبرى ج1 ص760، والدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتابه الصلة بين التشيع والتصوف ج1 ص46 ـ 47.
120- بتصرف عن كتاب عبدالله بن سبأ للعلامة السيد مرتضى العسكري: ص47 ـ 71، 76 ـ 77.
121- الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ص87.
122- تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: ص96.
123- صحيح مسلم كتاب الإيمان باب حب علي كرم الله وجهه من الايمان ج1 ص86 ح78.
124- صحيح البخاري ج4 ص25 كتاب الجهاد باب مسح الغبار عن الرأس في سبيل الله.
125- مستدرك الصحيحين ج2 ص148.
126- سورة التوبة: 34.
127- صحيح البخاري ج6 ص82 كتاب التفسير باب قوله والذين يكنزون الذهب.
128- صحيح الترمذي ج5 ص669 مناقب أبي ذر (رض)، مسند أحمد ج2 ص175.
129- صحيح البخاري ج5 ص35 كتاب فضائل الصحابة باب ذكر معاوية.
130- صحيح البخاري ج5 ص35 كتاب فضائل الصحابة باب ذكر معاوية.
131- مروج الذهب ج2 ص351، الاستيعاب ج4 ص1679.
132- صحيح البخاري ج4 ص57 كتاب الجهاد.
133- صحيح مسلم ج4 ص2010 ح96 كتاب البر والصدقة والآداب باب من لعنه النبي صحيح مسلم بشرح النووي ج16 ص152.
134- صحيح مسلم 2 ص1119 ح47 كتاب الطلاق باب المطلقة البائن لا نفقة لها.
135- مسند أحمد ج4 ص421.
136- انظر الصورة المرفقة لغلاف كتاب "حقائق عن أميرالمؤمنين يزيد" لترى المدى الذي وصل إليه البعض في تزييف هذا التأريخ!!
137- المائدة: 104.
138- الحجرات: 6.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page