• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثاني عدالة الصحابة

إن مسألة الصحابة ودرجة عدالتهم هي من أكبر المسائل المختلف عليها بين أهل السنة والشيعة، ومن أكثرها حساسية، فأهل السنة يرون الصحابة جميعهم عدولاً لا يتطرق إليهم الجرح، ولا يجوز نقدهم أو الشك فيما يروونه من حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهم بذلك يلتزمون بكل ما رواه الصحابي.
والصحابي عند أهل السنة ـ كما ذكر النووي في مقدمة شرحه على صحيح مسلم ـ هو: "كل مسلم رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ولو لحظة، وهذا هو الصحيح في حده، وهو مذهب ابن حنبل والبخاري في صحيحه والمحدثين كافة" (1).
وأمّا الشيعة فإنّهم يرون أنّ الصحابة لم يكونوا على درجة واحدة من العدالة، وهم معرضون للجرح والنقد مستندين في ذلك إلى أدلة دامغة من الكتاب الكريم والسنة المطهرة، وأمّا ما يفترى به على الشيعة بأنّهم يكفرون جميع الصحابة بالإضافة إلى سبّهم ولعنهم ما هو إلاّ كذب صارخ، فنقد الصحابي لا يعني تكفيراً له كما يشيع بعض السخفاء، وإذا كان ذلك النقد مبنياً على الأدلة المقنعة، فلماذا الغضب وكل هذه الضجة؟
ففي الصحابة مؤمنون أثنى الله عليهم في القرآن الكريم بقوله: ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة...)(2)، فكما ذكر العلامة لطف الله الصافي بشأن هذه الآية: (إنّ الله تعالى قد خص الثناء بالمؤمنين فقط ممن حضروا بيعة الشجرة، ولم تشمل المنافقين الذين حضروها مثل عبدالله بن أبيّ وأوس بن خولى، فلا دلالة للآية على كل من بايع، ولا تدل على حسن خاتمة أمر جميع المبايعين المؤمنين، فالآية لا تدل على أكثر من أنّ الله تعالى رضي عنهم بيعتهم هذه ـ أي قبلها منهم ـ ويثيبهم عليها، فرضا الله عن أهل هذه البيعة ليس مستلزماً لرضاه عنهم إلى الأبد، والدليل على ذلك قوله تعالى بشأنهم: ( إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً)(3)، فلو لم يجز أن يكون من المبايعين من ينكث بيعته وكان رضا الله عنهم إلى الأبد، لما كانت هناك فائدة لقوله تعالى:
( فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه)(4).
وفي الصحابة من أخبر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بردتهم بعد وفاته، ومن ثم هلاكهم يوم القيامة من خلال الحديث التالي الذي أخرجه البخاري في صحيحه بسنده عن سهل بن سعد قال:
"سمعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أنا فرطكم على الحوض من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، ليرد عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم. قال: لسمعته يزيد فيه، قال: إنّهم مني، فيقال: إنّك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي"(5).
وعند عبدالله، قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث له مع الصحابة:
"أنا فرطكم على الحوض. ليرفعن إلي رجال منكم. حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب، أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك" (6).
وتأكيداً للحديثين السابقين واللذان يشيران إلى الإحداث والتبديل، فإن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يشبههم بأمم اليهود والنصارى الذين حرّفوا الكلم عن مواضعه، فعن أبي سعيد الخدري أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال:
"لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً، وذراعاً ذراعاً، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟"(7).
وفي الصحابة من أخبر الله عنهم بكتابه العزيز: ( وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضّوا إليها وتركوك قائماً)(8)، حيث نزلت هذه الآية في الصحابة الذين تركوا الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يخطب يوم الجمعة عندما سمعوا بقافلة قدمت من الشام، ولم يبق معه منهم سوى اثني عشر رجلاً فقط من كل تلك الآلاف من الصحابة، فعن جابر بن عبدالله قال:
"أقبلت عير يوم الجمعة ونحن مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فثار الناس إلا اثنى عشر رجلاً فأنزل الله: (وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضّوا إليها).(9) وفي رواية أخرى قال:
"بينما نحن نصلي مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبلت عير تحمل طعاماً فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ اثنى عشر رجلاً فنزلت هذه الآية: ( وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضّوا إليها وتركوك قائماً).(10) ونفس العدد من الصحابة، بقي مع الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) عند فرارهم في موقعة أحد، مما حدى برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتبرّأ يومئذ من فعلهم ذلك، فعن البراء بن عازب قال:
"جعل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) على الرجالة يوم أحد عبدالله بن جبير وأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في أخراهم ولم يبق مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) غير اثنى عشر رجلاً "(11).
وعن أنس(رضي الله عنه) قال:
"غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن أشهدنى الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع. فلما كان يوم أحد، وانكشف المسلمون قال: اللهم إنّي اعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني أصحابه" (12).
ويوم حنين كان فرار الصحابة أدهى وأمر، حيث كانوا يعدون بالآلاف، وقد نزل القرآن الكريم يؤنبهم على فعلتهم الشنيعة هذه بقوله تعالى: ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين....) (13).
وفي الصحابة من أنزل الله تعالى في حقهم: ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم)(14)، وكان نزول هذه الآية بحق فئة من الصحابة كان من رأيهم أن يأخذوا العير وما تحمل قافلة أبوسفيان وتفضيلهم ذلك على القتال عندما استشارهم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قبل موقعة بدر ليرى مدى استعدادهم ورغبتهم للقتال.
وفي الصحابة من أنّبهم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لدعواتهم القبلية ونزعاتهم الجاهلية، كما يظهر مما رواه جابر بن عبدالله(رضي الله عنه) قال:
"كنا في غزاة، قال سفيان مرة في جيش فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ما بال دعوى جاهلية" (15).
وهذه الدعوى الجاهلية كادت أن تحدث حرباً بين قبيلتي الأوس والخزرج اللتين تشكلان مجموع الأنصار، فعن عائشة(رضي الله عنه)قالت:
"....فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من اخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية، فقال: كذبت لعمر الله، والله لنقتلنّه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. فثار الحيّان الأوس والخزرج حتى همّوا، ورسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) على المنبر فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت" (16).
وفي الصحابة من كان يبغض علياً والذي كان كُرهه علامة من علامات النفاق كما مر، فعن أبي بريدة قال:
"بعث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) علياً إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أبغض علياً، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلما قدمنا على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ذكرت له فقال: يا بريدة، أتبغض علياً؟ فقلت: نعم، قال: لا تبغضه، فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك" (17).
ومن الصحابة من كان يطعن بقرارات النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، كما ظهر ذلك في طعنهم بتأمير أسامة بن زيد على سبيل المثال، فعن ابن عمر(رضي الله عنه)قال:
"بعث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بعثاً، وأمّر عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض الناس في إمارته فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): إن تطعنوا في إمارته، فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل" (18).
ومن الصحابة من طردهم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) من مجلسه عند ما اعترضوا على أمره لهم بكتابة وصيته الأخيرة والذين بدلاً من ذلك وصفوه بالهذيان، فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
"يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى بل دمعه الحصى، فقلت: يا ابن عباس، ما يوم الخميس؟ قال: اشتدّ برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وجعه، فقال: إئتوني بكتف اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما له أهجر؟ استفهموه. فقال: ذروني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه" (19).
وفي الصحابة من تنازع على الإمارة بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى وصل الحد ببعضهم أن يطالب تعيين أميرين واحداً للمهاجرين وآخر للأنصار، ممّا يثبت عدم تخلّيهم عن نزعاتهم القبلية الجاهلية بالرغم من إسلامهم كما مر تفصيله في باب أحداث السقيفة.
وفي الصحابة أبو هريرة ومعاوية اللذان أفردت لهما أبواباً خاصة في أماكن أخرى من هذا البحث فراجع.
ولعل مبالغة أهل السنة في رفع منزلة الصحابي مردّها إلى تشرفه بصحبة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن ذلك ليس أكثر امتيازاً من التشرّف بالزواج منه، حيث قال الله تعالى بشأن نساءه: (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين)(20). وكذلك قوله تعالى بشأن تظاهر عائشة وحفصة على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه ـ إلى قوله: ـ ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين) (21).
ونقصد من ذلك أنّ كثرة مصاحبة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لا تعني بالضرورة ارتفاع درجة إيمان المصاحبين، فبالإضافة إلى ما سبق من روايات بشأن أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد روي عن أزواجه ما يشابه ذلك، إن لم يكن أبلى وأشد، فعن ابن عباس(رضي الله عنه) قال:
"لبثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فجعلت أهابه، فنزل يوماً منزلاً فدخل الأراك، فلما خرج سألته فقال:عائشة وحفصة، ثم قال: كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئاً، فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهنّ بذلك علينا حقاً من غير أن ندخلهن في شيء من أمورنا. وكان بيني وبين امرأتي كلام فأغلظت لي فقلت لها: وإنّك لهناك، قالت: تقول هذا لي وابنتك تؤذي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فأتيت حفصة فقلت لها: إنّي أحذرك أن تعصي الله ورسوله" (22).
وعن عائشة(رضي الله عنه) قالت:
"كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها، فواطأت أنا وحفصة عن أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير، إنّي أجد منك ريح مغافير. قال: لا، ولكنني كنت أشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش فلن أعود له، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً" (23).
وعن عائشة(رضي الله عنه) أيضاً قالت: "إنّ نساء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كن حزبين، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسؤدة، والحزب الآخر: أم سلمة وسائر نساء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)" (24).
وعن عائشة(رضي الله عنه) قالت: "كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأقول: اتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى: (ترجى من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك)(25). قلت: ما أرى إلاّ ربك يسارع في هواك" (26).
وعن عائشة(رضي الله عنه) قالت: "استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فعرف استئذان اخت خديجة فارتاع لذلك، فقال: اللهم هالة، قالت: فغِرتُ فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيراً منها" (27).
وفي قول آخر لعائشة بشأن خديجة التي تميزت على جميع نساء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد صدّقت بدعوة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يوم كذب به الناس، وتصدقت له بمالها يوم حرمه الناس، ورزق منها الولد، الأمر الذي يفسر غيرة عائشة الشديدة منها وخصوصاً أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) كان دائم الذكر لفضائلها حتى بعد موتها، وفي ذلك ما يناقض قول عائشة بالرواية السابقة من أنّ الله قد أبدله خيراً منها.
فعن عائشة(رضي الله عنه) قالت: "ما غرت على أحد من نساء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ما غرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يكثر ذكرها. وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول إنّها كانت وكانت وكان لي منها ولد" (28).
وما يرتكز عليه من يعتقدون عدالة جميع الصحابة هو زعمهم أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وفي رواية أخرى: "بأيهم أخذتم قوله...".
وبالرغم من أنّ أهل السنة لا يقولون صراحة بعصمة جميع الصحابة، إلاّ أنّ من يزعم صحة هذه الرواية فإنّه لابد وأن يعتقد بعصمتهم جميعاً لأنه ليس من الممكن أن يأمر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)بالاقتداء مطلقاً دون أي قيد أو شرط ـ كما توحي هذه الرواية المزعومة ـ بمن يحتمل فعله لمعصيته.
وهكذا، فإن الروايات السابقة والتي تجعل عدالة الكثير من الصحابة محل نظر وتأمل إنّما هي في غالبها بشأن من طالت صحبتهم لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فما بالك إذن بعدالة من سُموا بالصحابة لمجرد رؤيتهم لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ولو للحظة واحدة؟؟ ولماذا يا ترى هذه المبالغة؟ وهل العدالة أو التقوى تكتسب لمجرد رؤية الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)ولو لحظة أم بالطاعة والاقتداء بما أمر به الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)بحسن نية وإخلاص؟؟
ولعل هذا التناقض الذي يأباه العقل السليم والفطرة البشرية يتضح بأجلى صورة بتفضيل بعض علماء المسلمين من أهل السنة كابن تيمية لمعاوية بن أبي سفيان على الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز لا لشيء إلاّ لأنّ معاوية كان صحابياً وعمر تابعياً، وذلك بالرغم مما اشتهر به عمر بن عبدالعزيز من التقوى والعدل على عكس معاوية الذي اشتهر بإحداثه الفتنة الكبرى بين المسلمين في صفين وخروجه على أميرالمؤمنين علي(عليه السلام) كما مرّ سابقاً، وإضافة لما اشتهر به عمر بن عبدالعزيز بأنّه الخليفة الراشدي الخامس عند أهل السنة، وهذا بحد ذاته يدل على عدم رشد معاوية، وبالتالي عدم لزوم رشد أحد بمجرد صحبته لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
ومن المفيد أن نتساءل في هذا المقام، أيهما أعلى درجة: من آمن بالرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن رأى عشرات المعجزات السماوية بأم عينيه، أم الذي آمن بالإسلام دون أن يرى أياً منها؟؟
والحقيقة أنّني لم أر تفسيراً لهذه المبالغة بدرجة تقوى الصحابة، وإشاعة فكرة عدالتهم جميعاً ما هو إلاّ لغلق الباب في وجه كل من ينتقد بعض الصحابة الذين عملوا على إبعاد الخلافة عن أصحابها الشرعيين، وهكذا فإنّ الكثيرين من أهل السنة يرفضون جميع الأدلة الدامغة على احقية أهل البيت(عليهم السلام) بإمامة المسلمين لا لشيء إلا الاعتقادهم بعدالة جميع الصحابة وهم لذلك يحملون أي تصرف قاموا به على الصحة.
وأما الذين عملوا على بث هذه الفكرة الخاطئة فهو لأنّهم كانوا يرون بالأئمة من أهل البيت(عليهم السلام)خطراً يهدد عروشهم، لعلمهم ما لهؤلاء حقاً في ذلك، فكان لابد من محاولة إضفاء نوع من التعتيم والفوضى على الأحاديث والآيات التي تظهر مكانتهم وفي نفس الوقت رفعهم لمكانة جميع الصحابة حتى لا يكون للأئمة من أهل البيت تلك الميزة التي أهلتهم ليكونوا موضع اختيار الله عزّوجلّ لإمامة أمة الإسلام بعد رحيل المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم).
وهكذا، فإن الحديث المزعوم والقائل بنجومية جميع الصحابة الذي مر قد اقتبست الفاظه ومعانيه من حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):
"النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب، اختلفوا فصاروا حزب إبليس"(29).
وقد كان من أهم الآثار السلبية التي تمخضت نتيجة للاعتقاد بعدالة جميع الصحابة هو وجود ذلك الكم الهائل من الروايات الغثة في كتب الحديث كالإسرائيليات والمسيحيات وغير ذلك من الخرافات مما يتخذ مطاعن على دين الإسلام، ذلك أنّ تلك الروايات قد أخذت محل القبول والتصديق لمجرد أنها رويت عن الصحابة بالرغم من كل ما يحتمل عليهم فعله كما بينا ذلك من خلال الروايات العديدة السابقة.





____________
1- صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ص35.
2- الفتح: 18.
3- الفتح: 10.
4- بتصرف عن كتاب مع الخطيب في خطوطه العريضة للعلامة لطف الله الصافي: ص120 ـ 121.
5- صحيح البخاري ج9 ص59 كتاب الفتن باب واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة.
6- صحيح البخاري ج9 ص58 كتاب الفتن باب واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة.
7- صحيح البخاري ج9 ص126 كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة باب لتتبعن من كان قبلكم.
8- الجمعة: 11.
9- صحيح البخاري ج6 ص189 كتاب التفسير.
10- صحيح البخاري ج2 ص16 كتاب الجمعة.
11- صحيح البخاري ج6 ص48 كتاب التفسير باب قوله تعالى ـ ( والرسول يدعوكم في أخراكم).
12- صحيح البخاري ج4 ص23 كتاب الجهاد باب قوله ـ من المؤمنين رجال صدقوا ـ.
13- التوبة: 25 ـ 26.
14- الأنفال: 67 ـ 68.
15- صحيح البخاري ج6 ص191 كتاب التفسير باب قوله ـ سواء عليهم استغفرت لهم ـ.
16- صحيح البخاري ج3 ص229 كتاب الشهادات.
17- صحيح البخاري ج5 ص207 كتاب المغازي باب بعث علي وخالد رضي الله عنهما إلى اليمن.
18- صحيح البخاري ج5 ص29 كتاب فضائل الصحابة باب مناقب زيد.
19- صحيح البخاري ج4 ص120 كتاب الخمس باب إخراج اليهود من جزيرة العرب.
20- الأحزاب: 30.
21- التحريم: 4 ـ 10.
22- صحيح البخاري ج7 ص196 كتاب اللباس.
23- صحيح البخاري ج6 ص194 كتاب التفسير باب أيها النبي لم تحرم.
24- صحيح البخاري ج3 ص204 كتاب الهبة باب من أهدى إلى صاحبه.
25- سورة الاحزاب: 51.
26- صحيح البخاري ج6 ص147 كتاب التفسير باب قوله ـ ترجى ما تشاء منهن ـ.
27- صحيح البخاري ج5 ص48 كتاب مناقب الأنصار باب تزويج النبي خديجة وفضلها.
28- صحيح البخاري ج5 ص48 كتاب مناقب الأنصار باب تزويج النبي خديجة وفضلها.
29- مستدرك الصحيحين ج3 ص149.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page