طباعة

هبة الإمامة مرتبطة بأنوار الزهراء (عليها السلام)


حسناً، ما الذي يدلّ على أنّ الهبة ـ هبة الإمامة ـ مرتبطة بأنوار الزهراء صلوات الله عليها؟
ها هي سورة الشورى تتحدّث عن اختيار الأنبياء بدءاً من نوح (عليه السلام) إلى اختيار الأئمة وفرض المودّة، ثمّ تختم بأنّ الله عزّ وجلّ لا يُنازع في ملكه ولا يُعترض عليه في قضائه وقدره لا يُقدّم عليه ولا يؤخر عليه، لقوله تعالى: (للهِِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إنَاثَاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورُ * أوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرانَاً وَإنَاثَاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إنَّهُ عَليمٌ قَديرٌ)(1).
الهبة هنا بدأت بالإناث، ثمّ قال: (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورُ)، أي: يهب لمن يشاء الذكور المناسبين للإناث، لأنّ الإناث هنّ التربة، هنّ المستودع الذي تستودع فيه النطف، ولذلك قلنا: إنّ سارة ارتبط بها آل البيت، مريم بنت عمران التي يصفها الحقّ بقوله: (وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرانَ الَّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ القَانِتِينَ)(2).
اعلموا يا أحباب: إنّ من أقوى الأدلّة العقلية والنقلية على جفاف ينابيع الخير في بني إسرائيل أنّه لا يوجد أحد من ذكور بني إسرائيل أهلا لمريم الطاهرة البتول، والتي شهد الله لها بذلك، ويبدو لي أنّ الله تعالى أراد أن يبيّن همزة الوصل بين انتهاء إمامة بني إسرائيل وبدء إمامة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ جاء عيسى (عليه السلام) وهو كما يصفه القرآن همزة وصل فعلا: (وَإذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إسْرَائِيلَ إنِّي رَسُولُ اللهِ إلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُول يَأتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)(3)، ما معنى هذا؟
بنو إسرائيل كانوا لا يتصورون أن يكون نبي من غيرهم!
مريم مشهود لها صلوات الله عليها، فقد قرأت خبراً عن الإمام الصادق (عليه السلام) في مجمع البيان، وقرأت تصديقه في الإنجيل صحيح (مُصَدِّقٌ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ)(4).
إنّ مريم البتول الطاهرة العذراء لمّا جاءها ملك الربّ وتمثل لها وهي في خلوة، وفي الإنجيل أنها اعتزلت تغتسل فبرز لها ملك الربّ بشراً سويّاً فاشتد فزعها! آيات إنجيل متى تقول: فزعت البتول ممّا ترى ولم تجد شيئاً تستتر به، إلى أن تقول: أعوذ بك إن كنت تعرف الربّ، (قَالَتْ إنِّي أعُوذُ بِالرَّحمنِ مِنكَ إنْ كُنتَ تَقِيّاً * قَالَ إنَّما أنَا رَسُولُ رَبِّكِ لاَِهَبَ لَكِ غُلامَاً زَكِيّاً)(5).
أهل السنة يظنّون أن مريم حملت بعيسى حملا عادياً إستمر تسعة أشهر ووضعت وضعاً عادياً وجاءت قومها به، لكن سياق الآيات في سورة مريم ترد هكذا: (فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانَاً قَصِيّاً * فَأَجَاءَهَا المَخَاضُ إلى جِذْعِ النَّخلَةِ)(6) فـ.. فـ.. فـ..، يعني: هي لم تغادر المكان الذي كانت فيه بين الحمل والوضع.
وفي الإنجيل أنها غداة وعشي وولد يسوع، والذي قرأته مسنداً إلى الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ حملها استمر تسع ساعات(7).
إذن عيسى (عليه السلام)ينادي: نضب الخير فيكم يا بني إسرائيل، من يستحق أن يكون فيكم زوجاً لمريم؟
وفي نفس الوقت لا زال في تقدير الله رسول، حتى لا يقول اليهود عندما يبعث ـ لاحظ التمييز لرسول الله ـ (وَمُبَشِّراً بِرَسول يَأتِي مِنْ بَعدِي اسمُهُ أحَمَدٌ)(8)، لأنّ اليهود عندهم اعتقاد ونصوص أنهم أبناء الأنبياء والنبي منهم، فحتّى لا يحتجّوا على الرسول محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقولون لا يمكن أن يكون رسول إلاّ من بني إسرائيل، فيجاب عليهم كيف وقد انتهيتم؟! فإنّ عيسى بغير أب منكم، حتى أنّ عيسى في خطابه لا يقول لبني إسرائيل يا قومي أبداً، عيسى بن مريم رسولا إلى بني إسرائيل، فيجاب عليهم كيف تقولون ليس نبياً منكم وأنتم جفّت ينابيعكم أن تكون فيها نطفة طاهرة.
الأُنثى الطاهرة في سورة النور، يقدم الله ذكر الطيّبات على الطيبين يقول: (الطَيِّبَاتُ لِلطَّيِّبينَ) كما يقول (الخَبِيثَاتُ لِلخَبيثينَ)(9)، يقدّم ذكر الأُنثى ثمّ يأتي بذكر الذكر، إشارة إلى أنّه إذا نظف الرحم وطهر المستودع كان قميناً بأن ينجب الرجال، ولذلك صحّ القول المأثور: " ما كان لفاطمة كفو غير علي "(10).
هذا خلق من أجلها، وهذا هو الاختيار!
____________
1 - الشورى: 49 ـ 50.
2 - التحريم: 12.
3 - الصف: 6.
4- المائدة: 48.
5 - مريم: 18 ـ 19.
6 - مريم: 22 ـ 23.
7 - أنظر: مجمع البيان: 6 / 417.
8 - الصف: 6.
9 - النور: 26.
10 - روضة الواعظين: 146، مناقب ابن شهر آشوب: 2 / 29، بحار الأنوار: 43 / 101، وانظر: نفس المصدر: 43 / 92 و 107 بألفاظ أخرى.