ثم اسمع يا أخي قصة الهدهد مع سليمان(عليه السلام):
أتظنّ أنّ الهدهد الذي يقصّ القرآن خبره مع سليمان شأنه كشأن كل الهداهد؟!
لو ظننت هكذا يا أيها الإنسان لأخّرت الإنسان عن مرتبة الهدهد، لو كان هدهد يعرف ما يعرفه هدهد سليمان(عليه السلام)!
لا، فهذا هدهد مختار يا حبيبي، هدهد له اختيار، فلأجل أن يلقّن البشرية طائر على امتداد التاريخ درساً في أنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، درس هذا الهدهد لم يستوعبه بعض أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما أطاعوا معاوية!!
(وَحُشِرَ لِسُلَيمانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ والإنسِ وَالطَّيرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)(1) يطيعون، فأخذ سليمان(عليه السلام) يتفقّد الجيش ـ لاحظوا أدب الأنبياء ـ قال مالي لا أرى الهدهد، وأوّل دليل على أنّه هدهد متميز أنه معرّف هنا بالألف واللام، فهو لم يقل مالي لا أرى هدهداً من الهداهد غائباً؟ لا فهذا هدهد معين (مَالِي لاَ أَرَى الهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الغَائِبينَ)(2).
من أدبه (عليه السلام) أن يتهم نفسه أوّلا بأنّه لم يره وإلاّ فهو غائب، فلمّا تحقق أنّه غائب، غضب فهدّد، فلمّا جاء الهدهد هدّده بالتعذيب أو الذبح: (لاَُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَديداً أوْ لاََذْبَحَنَّهُ أو لَيَأتِيَنّي بِسُلْطَان مُبين * فَمَكثَ غَيرَ بَعيد)(3).
سياق الآية هنا يدلّ على ماذا؟
أنّ الهدهد جاء يقول لسليمان(عليه السلام) قولا يدل على أنّه أحاط بقول سليمان قبل أن يأتي، لأنّه لمّا جاء: (قَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ)، يعني جاء يقدم دفاعه بدلالة أنه أحاط بالتهمة قبل أن يُحاط بها في المجلس، أيّ شيء هذا؟!
(قَالَ أحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَاً بِنَباً يَقين * إنِّي وَجَدتُ امرَأةً تَملِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيء وَلَها عَرْشٌ عَظيمٌ)(4).
فالهدهد يعلمه الله بما دار في مجلس سليمان(عليه السلام)، ويعلّمه الله بعبادة قوم بلقيس وسجودهم للشمس من دون الله، ثمّ يتحمّل أمانة الرسالة: (إذهَبْ بِكِتابي هَذَا فَأَلقِهْ إلَيهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرجِعونَ)(5).
أليس هذا هدهد مختار؟ يعني هل يصحّ أنّ الهداهد الثانية التي نراها في زماننا تعاند فيه وتقول نحن نريد أن نكون كهدهد سليمان؟ يعني مثل ما أحبّ البعض أن يكون معاوية أميراً للمؤمنين!!! لا حول ولا قوة إلاّ بالله..
هذه الصفات التي أرادها الله اختياراً وتكويناً.
____________
1 - النمل: 17.
2 - النمل: 20.
3 - النمل: 21 ـ 22.
4 - النمل: 22 ـ 23.
5 - النمل: 28.
الاختيار في الهدهد
- الزيارات: 960