• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مع حديث الثقلين


فأخذت الكتب وعكفت على قراءتها، ووجدت نفسي عند كل سطر أقرأه يولد في أعماقي إنسان جديد! وكانت آخر ولادة أن عدت أقرأ حديث الثقلين وأقلّب النظر فيه، سواءاً فيما هو وارد بشأنه في مذهب أهل البيت أم مرويات العامة.
فأودعني ربّي أن لا أعجل إلى اتخاذ قرار، وهو قرار مصيري، إنّه قرار الجنة أو النار!
فقلت: سأعرضه على القرآن، فإن وجدت حديث الثقلين ثابت الأركان في كتاب الله فقد (قطعت جهيزة قول كل خطيب)(1).
عدت إلى كتاب الله، وكان أول ما استوقفني آية من سورة المائدة: (قَد جَاءَكُم مِن اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبينٌ * يَهدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتّبَعَ رِضوَانَهُ سُبَلَ السَّلامِ وَيُخرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ بِإذنِهِ وَيَهديهِمْ إلى صِراط مُستَقيم)(2).
قلت: قد جاءكم من الله نور وكتاب، أيكون هذا النور هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والكتاب هو القرآن، فيصدّق هذا متن حديث الثقلين تصديقاً مطابقاً.
ثمّ سألت الله المزيد من البيان، فإذا بصدر سورة إبراهيم يقطع بأنّ المقصود بالنور هو محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول الحق تبارك اسمه: (الر كِتابٌ أنزَلناهُ إلَيكَ لِتُخرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ بإذنِ رَبِّهِم إلى صِراطِ العَزيزِ الحَميدِ * اللهِ الَّذِي لَهُ مَا في السّماواتِ ومَا في الأَرضِ)(3).
إذن تحدد على سبيل القطع أنّ الكتاب هو القرآن والنور هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
قلت: الآن وضعت قدمي على أوّل الطريق، طريق محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، فكيف أستكشف الطريق لاستكمال طاقة النور لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
وسرت مع القرآن فإذا منه أمام هذا التكريم الإلهي الذي لم يحدث لنبي قبل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذا التكريم الإلهي أن يخاطب به الله عباده المؤمنين بأمر فيقدم للخطاب بأن ينزل نفسه ويسمي بملائكة كرسه بما يوصي به عباده المؤمنين: (إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصلّونَ عَلى النَّبيِّ يَا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا صَلّوا عَليهِ وَسَلِّموا تَسليماً)(4)، وهنا تذكرت ما كان لدي من معلومات عامة حول الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
قلت: إنّ العامة يقرّون والحجّة عليهم قائمة فيما يقرّون به: من أنّ صلاتهم على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تظل بتراء ناقصة فيما تقوله مروياتهم: لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون اللّهم صلّ على محمّد وتمسكون، بل قولوا: اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد(5).
والأمر ـ أمر الصلاة على محمّد وآل محمّد ـ تجاوز حدود الأمر القولي إلى العبادة العملية في الصلاة، فأصبحت الصلاة عند العامة لا تصحّ! بينما أهل البيت يصحّ عندهم أن يكتفوا بالصلاة بقولهم: اللّهم صلِّ على محمّد وآل محمّد.
عند العامّة ـ وتلك معجزة عجيبة وإشارة دقيقة ونقطة عميقة ـ لا يصح أن تختتم الصلاة إلاّ بالصيغة التي أجمعت عليها مذاهب العامة الأربعة: " اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمّد وآل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ".
تذكرت الصيغة وقلت: هلاّ سألنا القرآن بماذا اختص الله به آل ابراهيم حتى يكون من شأن آل محمّد قطعاً؟ بدليل المناسبة التي دعت للصلاة بين آل محمّد وآل إبراهيم، الذي جعله الله لآل إبراهيم في كتابه، ونطق الوحي بآيات سورة النساء تقدّم بهذا التقديم المذهل: (أَمْ يَحسُدونَ النَّاسَ عَلى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إبرَاهيمَ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَآتَيناهُمْ مُلكَاً عَظيماً * فَمِنهُمْ    
مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنهُمْ مَنْ صَدَّ عَنهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً)(6).
الله تعالى ينصب لآل إبراهيم هذا المقام العظيم، فهم أهل الكتاب والحكمة، ماذا يقول العامة؟ إنّ آل محمّد أهل الكتاب والحكمة، ونحن نقول: لولا علي لهلك فلان، ونقول: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن(7).
فهم يقرّون وأيّ إقرار؟! وقد آمنتم ببعض الكتاب وفعلتم الأُخرى بالمرّة، أفتؤمنون بأنّه مؤمن بالكتاب والحكمة وتسكتون عن باقي الآية: (وَآتَينَاهُمْ مُلكَاً عَظِيماً)(8).
هذا الوعيد بجهّنم مسجّل في الآية لمن أنكر حقّ آل محمّد في الملك العظيم، لأنّ قوله تعالى: (وَآتَيناهُمْ مُلكَاً عَظِيماً فَمِنهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) فعبارة " به " عائدة على أقرب ضمير وهو الملك (فَمِنهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنهُمْ مَنْ صَدَّ عَنهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً)(9).
قلت: هذا لآل إبراهيم نصّاً.
إن قلت: أنّه لآل محمّد من باب أولى بحكم فضل محمّد على كل نبي قبله، إن قلت: من باب أولى فما عدوت، لكنّي كرهت أن أقف عند حدود هذا الاستدلال وحده فأكون قد أدخلت القياس في استخلاص حقّ آل محمّد.
قلت: والله إن رائحة القياس تجعلني أبحث عن بديل من بيان ربّي، وها هو البيان عجيب واضح بيّن، يقول الحقّ في سورة فاطر مخاطباً عبده ورسوله محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم): (وَالَّذي أوْحَيْنا إلَيكَ مِنَ الكِتابِ هُوَ الحَقُّ) إلى قوله تعالى الخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ثُمَّ أورَثْنَا الكِتَابَ الَّذينَ اصطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنا)(10).
الكتاب الذي أُنزل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): يقول ربّنا نحن أورثناه لمن اصطفينا من عبادنا، فمن يا ربّ الذين اصطفيتهم من عبادك؟
أولا: أورثنا، وما قال ثم آتينا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، فأورثنا هذه مقطع وفيصل في القضية، لأنّه لو قال: آتينا الكتاب فقد يمكن أن يؤتى واحد الكتاب بتحصيله العلمي وبقراءته وباجتهاده، فإتيانه هذا يقوم على الميراث وليس في الميراث إجتهاد للوارث، إذ أنّ الوارث لا يكتب ميراثه، وإنّما يحدّده الله عزّوجلّ: (ثُمَّ أورَثْنَا الكِتَابَ الَّذينَ اصْطَفَينَا مِن عِبَادِنَا).
العباد الوارثون، معيّنون من قبل الله، فما هي علامتهم؟ علامتهم أنّ الصلاة والسلام عليهم وآلهم بفضل ربّنا تعالى: (قُل الحَمدُ للهِِ وَسَلامٌ عَلى عِبَادِهِ الَّذينَ اصْطَفى)(11).
إذن ربّنا اختار الصلاة عليهم، فهم المصطفون، والمصطفون هم الوارثون، فقد حدّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ مَن تجب الصلاة عليهم على سبيل الحصر، حدّده لا في مناسبة ولا مناسبتين ولا ثلاثة... في أكثر من مناسبة، يحضرني منها ثلاث مناسبات قرآنية هي: ملازمة الصلاة والمباهلة والمودة:
لمّا نزلت آية المباهلة في سورة آل عمران وأُمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يباهل: (فَقُلْ تَعَالَوا نَدْعُ أبنَاءَنا وَأبناءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأنفُسَنا وَأنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبتَهِلْ فَنجعَلْ لَعنَةَ اللهِ عَلى الكَاذِبينَ)(12) دعى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باقي الخمسة: علي والزهراء وابناهما الحسنان (عليهم السلام)، وشرع يباهل، وشهود المباهلة جمع من الصحابة وأهل الحجاز، أي جمع متواتر.
ثم جاءت آية المودّة: (قُلْ لاَ أسأَلُكُمْ عَلَيهِ أجرَاً إلاّ المَوَدَّةَ فِي القُربَى)(13) فسألوا ـ ويعلم الله أنّ إلحاحهم بالسؤال كل مرة كي تكون الحجة عليهم، وكان ممكن أن يهديهم الله فيعرفوا دون أن يسألوا،لكنه اللجاج، يعني عندما تأتي آية المودّة بعد آية المباهلة من الطبيعي أن يفهم السامع أن هؤلاء هم أهل المباهلة ـ " يا رسول الله مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما "(14).
ولمّا جاء الأمر بالصلاة على النبي، كرّر (صلى الله عليه وآله وسلم) البيان عندما سألوا: مَن آلك الذين نصلّي عليهم ولا تصح عبادتنا إلاّ بالصلاة عليهم، فقال: علي وفاطمة وابناهما(15).
وأمّا القول القاطع والجامع المانع فهو قول ربّنا على سبيل التأكيد والحصر: (إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً)(16)، فيجمع الله لآل محمّد مواقف التبيين لنصلّي عليهم ونبايعهم وأن بعض ـ لا أقول من آمن بمحمّد، لأنّه لو آمن لم يتردّد في إعطاء الحقّ لآل محمّد ـ من تبعوا محمّداً:

____________
1 - من الأمثال العربية المشهورة.
2 - المائدة: 15 ـ 16.
3 - إبراهيم: 1 ـ 2.
4 - الأحزاب: 56.
5 - خصائص الوحي المبين للحصني الدمشقي: 207، فضل آل البيت للمقريزي: 43، وانظر: ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: 1 / 37 و 2 / 434.
6 - النساء: 54 ـ 55.
7 - إشارة إلى مقولات عمر بن الخطاب الذي كان لا يجد جواباً عند مواجهته لمشاكل المسلمين الفقهية والعقائدية والاجتماعية... فكان يستنجد بالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لإنقاذه من هذه المطبات!!
أنظر: فتح الباري: 13 / 286، تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: 152، كنز العمال للمتقي الهندي: 10 / 300، فيض القدير للمناوي: 4 / 470، جواهر المطالب لابن الدمشقي: 1/195، ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي: 2 / 172 وغيرها.
8- النساء: 54.
9 - النساء: 55.
10 - فاطر: 31 ـ 32.
11 - النمل: 59.
12 - آل عمران: 61.
13 - الشورى: 23.
14 - مجمع الزوائد: 7 / 103 و 9 / 168، المعجم الكبير: 3 / 47 و 11 / 351، وانظر: شواهد التنزيل: 2 / 191 ـ 199، فضل آل البيت للمقريزي: 76، ينابيع المودة: 2/325، فتح القدير: 4 / 537.
15 - أنظر: فتح الباري: 11/136.
16 - الأحزاب: 33.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page