انتبهوا، فهناك فرق بين مَن تبع محمّداً وبين مَن آمن بمحمّد، إذ التبعية قد يتبع الرجل الرجل على دخيلة في نفسه لا ينفي المتابعة الظاهرية، وهذا شخص مصاحبة، يعني قد يصحب الرجل الرجل مع اختلاف نيّة كل من الصاحبين، ليس معنى أن زيداً صاحب عمرو هو أن زيداً وعمرواً كلاهما على نيّة واحدة.
نحن نقرأ في القرآن في سورة الكهف أن اثنين: واحد مؤمن وواحد كافر، القرآن يجعلهم صاحبين: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أكَفَرتَ بالَّذي خَلَقَكَ مِنْ تُراب)(1)، يسميهم صاحبين واحد منهم مؤمن والثاني كافر!
بل أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حرص على أن يبيّن أن مصطلح الصحابة لا يتطابق مع مصطلح الإيمان ـ فهذا شيء وذاك شيء ـ حرص على أن يبيّن أن كلمة أصحاب تخاطب صحبة الأبدان لا افتراق القلوب والوجدان، فما أعجب هذا القول النبوي!
عندما نزل القرآن يفضح نفاق عبد الله بن أُبيّ ويبيّن أنه رأس النفاق، وتداعى من يقول اضرب عنقه، فيردّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الردّ الذي غابت حكمته عن العقول التي لا تريد أن تعقل، فقال: " دعه لا يتحدث الناس أنّ محمّداً يقتل أصحابه "(2).
فعبد الله بن أُبيّ وصفه رسول الله بأنّه صاحبه!
هذا المصطلح مصطلح مضلل، فالتبعية غير الإيمان.
أخطر آية يحتج بها مَن يأكلون ولا يعقلون ويهتفون بما لا يعرفون ويقلدون وفي كل تقليد يسجدون، أذكر آية في سورة الفتح: (مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أشِدَاءُ عَلى الكُفَّارِ رُحَماءُ بَينَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعَاً سُجَّداً)(3) إلى قوله تعالى من خلال الآية: (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ مِنهُمْ مَغفِرَةً وَأجراً عَظِيماً)(4).
فالعاقل يندهش، والمتألم يندهش! يا ربّ: بعدما ذكرت الكلّ (وَالَّذينَ مَعَهُ) إذا بالنص الشريف الذي في آخر الآية يقول: لا، انتبه: (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ مِنهُمْ)لم يقل وعدهم مغفرةً وأجراً عظيماً، فلابد أن يكون الوعد متطابقاً مع المعيّة، لا! فالوعد للذين آمنوا.
ورغم أنّ القرآن وصفهم بأنّهم أشدّاء على الكفار، وكم من شديد على الكفار ولكن شدّته لا تخرجه من زمرتهم، لأنّها شدّةٌ يريد أن يتفاخر بها!
وعند مصادر العامة هذا الحديث الذي ترويه مسانيدهم: جاء أصحاب رسول الله إلى رسول الله وذكروا له أن فلاناً ـ وهم ما شاء الله ـ أن فلاناً رؤي في هذا اليوم يجاهد جهاداً ويبلي بلاءاً لم نر مثله! يقول الخبر كما هو عندهم: إنّه من أهل النار، فذهبوا يتكشفون حال هذا الرجل، فوجوده على ما يقول الخبر عندهم ـ أنا لم أقرأه في مصادرنا، وأسأل الله أن يكرمني ربّي لبقية الوقوف على قراءة مصادرنا ـ فذهبوا فوجدوه قتل نفسه!! اتكأ على ذؤابة سيفه فقتل نفسه، هذا الخبر عندهم(5).
وهو يبيّن أنّ الإيمان شيء آخر غير كل ما تصنعه الأبدان في الظاهر.
____________
1 - الكهف: 37.
2 - صحيح البخاري: 6 / 66، صحيح مسلم: 8 / 19، السنن الكبرى: 9 / 32، شرح صحيح مسلم للنووي: 16 / 138، صحيح ابن حبان: 13 / 331، وغيرها.
3 - الفتح: 29.
4 - الفتح: 29.
5 - أنظر: صحيح البخاري: 5 / 74 و 7 / 212، صحيح مسلم: 1 / 73 ـ 74، مجمع الزوائد: 6 / 116، مسند أبي يعلى 13 / 539.
الفرق بين من تبع النبي (صلى الله عليه وآله) وبين من آمن به
- الزيارات: 857