نحن بحمد الله وفضله الأوفياء لميثاق ربّنا الذي أخذه علينا في أصلاب آبائنا في محكم كتابه من سورة الأعراف في قوله عزّ ثناؤه: (وَإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِن بَني آدَمَ مِن ظُهورِهِمْ ذُرِّيتَهُمْ وَأشهَدَهُمْ عَلَى أنفُسِهِمْ أَلَستُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدنَا)(1).
أيّها الأحباب، أيّها الشاهدون، منذ أن ضرب الله أنفسكم بالأصلاب، إنّ الله ربّكم أكرمكم فدلّكم على الطريق إلى تحقيق عبوديتكم لله، لأنّ الإقرار بالربوبيّة إذا خلى من تحقيق العبودية كان إقراراً ناقصاً مبتوراً.
أكرمكم ربّكم فعرفتم تحقيق طريق العبودية، وأنتم تتلون أم الكتاب التي قال الحقّ في شأنها: (وَلَقَد آتَينَاكَ سَبعاً مِن المَثَاني وَالقُرآنَ العَظيمَ)(2)، وأم الكتاب الفاتحة.
منذ أول سورة في كتاب الله ـ بترتيب القرآن بترتيب الجمع ـ أم الكتاب الفاتحة فيها الإمامة واضحة، وفيها أنّ الله عزّ وجلّ تفضل على مَن أقرّ بالربوبيّة بأن جمعه في سورة الفاتحة.
إقرأ يا عبد الله هذه السورة الكريمة التي قسّمها الله بينه وبين عباده قسمين، فجعلها تتردّد بين دعاء وإجابة، استهلالا بقول الربّ، لقد شهدت بأنّ الله ربّك بالميثاق، فأكرمك الله بأن تشهد بأنّ الله ربّ العالمين كلّهم وليس ربّك وحدك، الحمد لله ربّ العالمين، ثمّ أكرمك بأن تعرف من صفاته العليا أنّه الرحمن الرحيم، ثم أكرمك فعرّفك أنّ للرحمن والرحيم يوماً لا يملك أحد فيه شيئاً إلاّ الله مالك يوم الدين، ثمّ وجّهك إلى أن تعرف حقّ العبادة مقروناً بحقّ الإستعانة، حقّ العبادة مقرون بواجب الاستعانة: (إيَّاكَ نَعبُدُ وَإيَّاكَ نَستَعينُ)(3)، ثم ألهمك الدعاء المقرون: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقيمَ)(4)، فجاءت الإجابة: (صِراطَ الَّذينَ أنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالّينَ)(5).
فأنت مع الذين أنعم الله عليهم، مع الأئمّة الطاهرين ورثة النبيين وبقية المرسلين والّذين بدونهم يتغيّر نظام الكون ويخرج عن نظرة العبودية ويحيق به غضب الله الرحمن الرحيم.
____________
1 - الأعراف: 172.
2 - الحجر: 87.
3 - الفاتحة: 5.
4 - الفاتحة: 6.
5 - الفاتحة: 7.
نحن الأوفياء لميثاق ربّنا
- الزيارات: 898