• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

هل الإنسان مسير أم مخير؟

هل الإنسان مسير أم مخير([1])؟ 
للإنسان جانبان:
الأول: غير إرادي فلا يخضع لإرادة الإنسان وإختياره كحركة القلب والتنفس وما شابه ذلك.


الثاني: إرادي يخضع لحرية الإنسان وإختياره كالأكل والشرب والصلاة والصيام.
والسؤال المطروح ليس هو من الجانب الأول لوضوحه، وإنما وقع الإختلاف في الجانب الثاني وهل أنه خاضع لإرادة الإنسان وحريته أم أنه مفروض عليه؟
ومن أجل الإجابة على هذا السؤال فقد طرحت ثلاث إجابات لثلاث فرق إسلامية فيما يلي عرضها:
الأولى: المجبرة: ويراد بالمجبرة أولئك الذين يقولون بأن كل فعل يصدر عن الإنسان فهو مخلوق لله سواء كان ذلك الفعل الصادر خيراً أو شراً، من دون أن يكون للإنسان أي إختيار أو أثر في صدوره عنه أو منع صدوره وقد إستدل هؤلاء لمذهبهم بآيات منها قوله تعالى: (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل). الزمر / 62، وقوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون). الصافات / 92، ويقال بأن أول من إبتدعها وروج لها الجعد بن درهم مولى بني الحكم من أهل الشام مربي بعض الخلفاء الأمويين أخذها عن اليهود بعد إتصاله بهم ثم أخذها عنه الجهم بن صفوان عندما إلتقاه في الكوفة، وقد ثبت الأمويون هذه الفكرة في أذهان بعض أتباعهم ومريديهم ثم إحتضنوها وعملوا على نشرها وترويجها وحمايتها وذلك لأنها ترفع عنهم أمام الناس وزر ما يرتكبون من موبقات ويأتون من منكرات وجرائم بإعتبار أنهم مجبورون على إتيانها ولا إختيار لهم فيها.
ويلاحظ أن فكرة الأشاعرة عن أفعال الإنسان تلتقي في نتيجتها مع فكرة المجبرة، وذلك لأن الأشاعرة يقولون: «إن أعمال العباد مخلوقة لله مقدورة له»، ومرجع ذلك إلى إنكار السببية الطبيعية بين الأشياء وأن الله هو السبب الحقيقي لا سبب سواه إذ ظنوا أن ذلك هو مقتضى كونه تعالى هو الخالق الذي لا شريك له.
الثانية: القدرية «المفوضة»: ويراد بالقدرية أولئك الذين يقولون بأن كل فعل يصدر عن الإنسان خيراً كان أو شراً فهو مخلوق له وحده بعد أن قدره بعلمه وتحرك نحوه بإرادته من دون أن يكون لعلم الله أو إرادته دخالة في تقديره وإرادته بل ذهب هؤلاء إلى القول بأن الله لا يعلم فعل العبد إلاّ بعد إيجاده له، وقد إتخذ القدرية هذا الموقف من أفعال الإنسان كرد فعل لموقف المجبرة المتقدم من تلك الأفعال، ومن حملة لواء هذه الفكرة غيلان الدمشقى الذي يستدل على فكرته بقوله تعالى: (انا هديناه السبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً). الإنسان / 3
ويلاحظ أن عقيدة المعتزلة في أفعال الإنسان تلتقي في جوهرها مع فكرة القدرية وذلك لأن المعتزلة يقولون بمبدأ حرية الإرادة في أفعال الإنسان، وبعبارة أخرى يقولون: «إن الإنسان مستقل في أفعاله وليست له حاجة إلى الله تعالى» بإعتبار أن نسبة الأفعال إليه تستلزم نسبة النقص إليه.
الثالثة: الأمر بين الأمرين: وهو الطريق الوسط الذي عليه أهل البيت (عليهم السلام)وشيعتهم حيث يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين»([2])، وخلاصته أن أفعالنا من جهة هي أفعالنا حقيقة ونحن أسبابها الطبيعية وهي تحت قدرتنا واختيارنا ومن جهة أخرى هي مقدورة لله تعالى وداخلة في سلطانه لأنه مفيض الوجود ومعطيه ولأنه الآمر والناهي، قال تعالى: (وما تشاؤن إلاّ أن يشاء الله). الدهر / 30
فالإستثناء من النفي يفيد أن مشيئة العبد متوقفة في وجودها على مشيئة الله، فلمشيئة الله تأثير في فعل العبد من طريق تعلقها بمشيئة العبد، وليست متعلقة بفعل العبد مستقلاً في إرادته يفعل وبلا واسطة حتى تستلزم بطلان تأثير إرادة العبد وكون الفعل جبرياً ولا أن العبد مستقلاً في إرادته يفعل ما يشاؤه شاء الله أو لم يشأ، فالفعل إختياري لإستناده إلى إختيار العبد، وأمّا إختيار العبد فليس مستنداً إلى إختيار آخر.
ومن هذا العرض ظهر لنا بأن المجبرة ينسبون الظلم لله تعالى عندما ذهبوا إلى أن الإنسان مجبور في أفعاله من خير أو شر ومع ذلك يحاسب الله تعالى عليها، كما أن المفوضة بإعتبارهم الإنسان مستقلاً في أعماله عن الله قد أخرجوا الله من سلطانه وأشركوا غيره معه في الخلق، وأمّا مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فقد أدرك الحقيقة عندما إعتبر الإنسان مسؤولاً عن أعماله ولكنه في نفس الوقت مرتبط بالله الذي خلقه وأمده بالجوارح ومختلف الطاقات وأمره بما فيه صلاحه ونهاه عما فيه خسرانه، وقد أوضح السيد الخوئي الأمر بين الأمرين بالمثال الآتي: لنفرض أن إنساناً كانت يده شلاء لا يستطيع تحريكها بنفسه، وقد إستطاع الطبيب أن يوجد فيها حركة إرادية وقتية بواسطة قوة الكهرباء، بحيث أصبح الرجل يستطيع تحريك يده بنفسه متى أوصلها الطبيب بسلك الكهرباء، وإذا إنفصلت عن مصدر القوة لم يمكنه تحريكها أصلاً، فإذا وصل الطبيب هذه اليد المريضة بالسلك للتجربة مثلاً وإبتدأ ذلك الرجل المريض بتحريك يده ومباشرة الأعمال بها ـ والطبيب يمده بالقوة في كل آن ـ فلا شبهة فى أن تحريك الرجل ليده في هذه الحال من الأمر بين الأمرين، فلا يستند إلى الرجل مستقلاً لأنه موقوف على إيصال القوة إلى يده وقد فرضنا أنها بفعل الطبيب ولا يستند إلى الطبيب مستقلاً، لأن التحريك قد أصدره الرجل بإرادته، فالفاعل لم يجبر على فعله لأنه مريد، ولم يفوض إليه الفعل بجميع مبادئه لأن المدد من غيره، والأفعال الصادرة عن الفاعلين المختارين كلها من هذا النوع، فالفعل صادر بمشيئة العبد، ولا يشاء العبد شيئاً إلاّ بمشيئة الله تعالى.
__________________________________
[1] الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 86 ـ 88.
عقائد الإمامية: 58 ـ 61.
[2] شبر، حق اليقين: 1 / 149 ـ 150.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page