• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

معرفة الأشخاص برواياتهم


وأما الّذين كانت مروياتهم هي المنشأ الوحيد لتوثيقهم فتعدادهم كثير جداً، فكثير من الأشخاص المجهولين وُثقوا من قِبَل علماء الحديث من دون أن تكون لهم أيّة ترجمة مبيّنة لأحوالهم و مفسرّة لأعمالهم، حيث إنّهم لاحظوا أحاديثهم، فلمّا لم يجدوا فيها ما يخالف مذهبهم - بل وجدوا فيها ما كان مخالفاً لمذهب غيرهم - حكموا بوثاقتهم، وأحيانا يكون بينهم وبين هؤلاء فاصلا زمانياً أكثر من ثلاثمائة سنة.
ولتوضيح هذا الكلام لا بأس بأن نذكر مثالاً على ذلك.
فهذا سالم بن عبد الله النصري، أو سالم مولى شداد، أو سالم مولى المهري، أو سالم بن عبد الله الدوسي أو سالم مولى شداد بن الهاد، أو أبو سالم مولى المهري، أو سالم أبو عبد الله الدوسي، أو سالم بن عبد الله مولى الدوس، أو مولى مالك بن أوس بن الحدثان، أو سالم سبلان، إلى غير ذلك ممّا اُطلق على هذا الشخص، وذكر الحافظ المزّي وغيره أنّ جميع ذلك يطلق على شخص واحد(1)
وقد تخيّل العجلي أنّ تلك الألفاظ تُطْلَق على عدّة أشخاص، فذكره في ثلاثة مواضع من ثقاته، وحكم بتوثيق هؤلاء الثلاث الّذين لا يعلم بوحدتهم، ولا يعرف هويّة هؤلاء الّذين وثّقهم؛ فقال في موضع: سالم سبلان، مدني، تابعي، ثقة.
وقال في موضع آخر: سالم المهري، مدني، تابعي، ثقة.
وقال في موضع ثالث: سالم مولى النصريين، مدني، تابعي، ثقة(2).
وكذلك فعل ابن حبان؛ حيث توهم التعدد، فذكره في موضعين من ثقاته(3).
ولا شكّ أنّنا إذا أردنا أن نصل إلى الحقيقة يلزمنا أن نجتنب في المسائل الخلافية من أحاديث مَنْ كان من هذا القبيل؛ من المجهولين الّذين وُثقوا بأحادثهم.
ثم إنّه قد تقدّم أنّنا أبدينا إمكان اكتشاف عدم الوثاقة في الشخص من زاوية أحاديثه، وأما هل يمكن إكتشاف العدالة في الشخص من تلك الزاوية، أم لا؟ ولا شكّ أن هذا مشكل جدّاً، فكما أنّ وجود عدّة الفضائل في الشخص لا يكون دليلاً على انتفاء ما تنقض به العدالة، فكذلك - بل بطريق أولى - لا يمكن إكتشاف ذلك بواسطة أحاديثه، بخلاف ما إذا كان في الشخص بعض الرذائل، فإنه قد تكون رذيلة واحدة سبباً لسقوطه عن العدالة.
ولو تنزلنا وقلنا بإمكان ذلك لكان علينا - على أقلّ التقادير - الإجتناب عن أحاديث مَنْ كان من هذا القبيل في المسائل الخلافية بين الأمّة.
وأما ترك الأشخاص بسبب روايتهم لما يخالف مذهباً معيناً فهو مخالف للعدل والإنصاف، وقد كانت هذه الظاهرةُ رائجةً في التاريخ بصورة وسيعة؛ فكثيراً ما تركوا أشخاصاً بسبب روايتهم لما كان مخالفاً للمذهب الحاكم، وبالتالي ختموا على جميع أحاديثهم وطرحوها. وكذا لمّا رأوا أنّ بعض الأشخاص رووا فضائل أهل البيت (عليه السلام) رموهم بتهمة التشيّع، وطرحوا أحاديثهم تحت ذريعة كونهم من أهل البدعة. ولتوضيح الأمر لا بأس بذكر أمثلة على ذلك، فلاحظ:

(1) - عمر بن إسماعيل بن مجالد، شيخ أبي زرعة، استحقّ الترك بسبب روايته لقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنا مدينة العلم، وعليّ بابها ".
قال أبو زرعة: أتينا شيخنا ببغداد يقال له (عمر بن إسماعيل بن مجالد) فأخرج لنا كراسة لأبيه، فيها أحادث جياد؛ عن مجالد وبيان والناس، فكنّا نكتب إلى العصر، فيقرأ علينا، فلمّا أردنا أن نقوم قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش بهذا الحديث، فقلت له: ولا كلّ هذا بمرّة. وقال أبو زرعة: كم خلق افتضحوا فيه(4).
وعندما يقف المرأ على أمثال هذه القضايا يتعجّب من شدّة العصبية كيف وصلت إلى حد؛ ممّا كان سبباً لأن يترك العلماء من أجلها مشائخهم، ويتعجّب من مظلومية عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بين المسلمين كيف وصلت إلى درجة؛ مما كان نقل فضائله سبباً لافتضاح الرواة. وقد يتعجّب كلّ من كان عالماً بمنزلته عند الله من صنيع الأمّة تجاهه؛ كيف حسدوه في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسبّوه، ونقموا منه، وقاموا بوضع الأحاديث في ذمّه بعد وفاته. ولم يكتفوا بذلك، بل لما واجهوا كلام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في فضله أعرضوا عنه، وتركوا رواته واتّهموهم.
وإذا وصلت النوبة إلى مخالفي عليّ (عليه السلام) تراهم يعملون بعكس ما قد عملوا في حقّه تماماً؛ فيقومون بتعظيمهم وترويج ما روي في فضلهم ونشره، من دون أن يفكروا في احتمال كذبه ووضعه، ويتركون مَنْ روى مثالبهم ويتّهمونه، ثم يقومون بطرح أحاديثه تحت ذريعة كونه منكر الحديث.

(2) - عبد الله بن لهيعة الّذي قال الذهبي فى حقّه: { الإمام العلامة، محدّث ديار مصر... وكان من بحور العلم... لما مات ابن لهيعة قال الليث: ما خلّف مثله..} إلى آخر كلماته في حقّه(5).
وهذا الّذي كان من بحور العلم استحق الترك بسبب روايته فضائل أهل البيت (عليه السلام)، فبعد أن ذكر الذهبي حديث ابن لهيعة من رواية عليّ (عليه السلام) أنّه قال: " علّمني - يعني النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) - ألفَ باب، يفتح كلُّ باب ألفَ باب "، قال: بهذا وشبهه استحق ابن لهيعة الترك(6).

(3) - وليد بن جميع الّذي كان من رجال صحيح مسلم وغيره، ووثّقه كلّ من ابن سعد و ابن معين والعجلي وابن حبان، ونفي عنه البأس كلّ من أحمد وأبي داود وأبي زرعة(7).
ومع كلّ ذلك كان بعض أحاديثه سبباً لنقمة ابن حزم عليه، فحكم عليه بالهلاك والسقوط، مصرّحاً بعلّة ذلك؛ قائلاّ: { فإنّه قد روى أخباراً؛ فيها أنّ أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد ابن أبي وقاص أرادوا قتل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإلقاءه من العقبة في تبوك. وهذا هو الكذب الموضوع، الّذي يطعن الله واضعه، فسقط التعلّق به، والحمد لله ربّ العالمين }(8).

(4) - الحسين بن الحسن الأشقر، فقد حكى العقيلي عن الأثرم أنّه قال: قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل -: حسين الأشقر تحدّث عنه؟ قال: لم يكن عندي ممن يكذب في الحديث، وذكر عنه التشيّع. فقال له العبّاس بن عبد العظيم: حدّث في أبي بكر وعمر! فقلت له: يا أبا عبد الله صنّف باباً فيه معايب أبي بكر وعمر! فقال: ما هذا بأهل أن يُحَدَّث عنه، فقال له العبّاس: حدّث بحديث فيه ذكر الجوالقين - يعني أبا بكر وعمر - فقال: ما هو بأهل أن يُحدّث عنه(9).
والأمثلة من هذا القبيل كثيرة جدّا، ونكتفي بذكر هذه، وهي كافية لتوضيح الأمر. وبذلك تفهم مدى خطورة الوضع، لا من قِبَل السلطات الحاكمة فحسب، بل وأمرّ من ذلك الموقف المتشدد من قِبَل بعض أئمّة الحديث تجاه كلّ مَنْ روى ما يخالف مذهبهم؛ فيجعلون ذلك فضيحة له، وبأنّبونه عليه، ممّا يكون سبباً لفقدان مكانته في المجتمع. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل لما رأوا أنّ بعض الثقات من أصحابهم روى تلك الأحادث بادروا إلى محوها وإحراقها.
روى الخلال عن عبد الله بن أحمد بن حنبل: أنّه قال: قال أبي: كان أبو عوانة وضع كتاباً فيه معايب أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفيه بلايا، فجاء إليه سلام بن أبي مطيع، فقال: يا أبا عوانة، اعطني ذلك الكتاب، فأعطاه، فأخذه سلام، فأحرقه.
وقال الدكتور عطية الزهراني: إسناده صحيح(10).
ومن خلال هذا اتّضح أنّه لم يكن عند الجمهور معيار صحيح وميزان ثابت لمعرفة الأشخاص والحكمِ عليهم بالجرح والتعديل. واتّضح أنّ كثيراً من أحكامهم على الرواة كان في غير محلّه، بل إذا تفحصت المسألة بدقّة ستفهم أنّ كثيراً من الأحكام بالجرح كان منشأه هوى النفس والحسد تجاه الشخص، ولأجل ذلك لم ينج من الجرح حتى الأئمّة الأربعة.
أما أبو حنيفة فقد ذكره كلّ من البخاري وابن عدي والعقيلي وابن الجارود والنسائي وابن شاهين وأبي نعيم وابن الجوزي والذهبي في [ الضعفاء ]، ورُوي عن ابن عيينة والأوزاعي: أنّهما لعّناه، وعن الإمام مالك والثوري وابن عون، أنّهم قالوا: ما وُلِد في الإسلام مولود أشأم على أهل الإسلام من أبي حنيفة. وعن الأوزاعي والثوري وحمّاد بن زيد: أنّهم قالوا: ما ولد مولود في الإسلام أضرّ على أهل الإسلام من أبي حنيفة. إلى غير ذلك ممّا قيل في حقّه(11).
وأمّا الإمام مالك؛ فقد اتّهمه الدارقطني بالتدليس، وتكلّم فيه ابن أبي ذئيب وإبراهيم بن أبي يحيى وعبدُ العزيز بن أبي سلمة وعبدُ الرحمن بن زيد بن أسلم وابنُ إسحاق وابن أبي الزنّاد، وتحامل عليه الشافعي وبعض الأحناف(12).
وأمّا الإمام الشافعي؛ فلم يحتجّ به البخاري ومسلم في صحيحيهما، واتّهمه ابن معين والعجلي وابن النديم بالرفض، وقال ابن معين وأبو عوانة: ليس بثقة، وقال الذّهبي: كان ابن معين وأبو عبيد سيّئي الرأي فيه. وذكر الذهبي اتّهام إسحاق بن أبي إسرائيل لأحمد بن حنبل، ثمّ قال: فمن سلم من الكلام بعد أحمد؟!(13).
وكذلك الشيخان؛ البخاري ومسلم، فإنّهما قد نالا حظّهما من ذلك أيضاً. حيث اتّهمهما ابن منده بالتدليس، وأيّده العسقلاني بالنسبة للبخاري. وما جرى بينهما وبين شيخهما محمّد بن يحيى الذّهلي كان مشهوراً في كتب التاريخ، حتى أفتى محمّد ابن يحيى بحرمة مجالسة البخاري، ممّا كان سبباً لأن يتركه الناس، فاضطرّ البخاري لأن يغادر نيسابور مختفياً. وممن ترك حديثَ البخاري أبو حاتم وأبو زرعة، بل قد وصل الأمر ببعضهم إلى تكفيره. وذكره الذهبي في [الضعفاء والمتروكين]، كما قال المناوي(14).

____________
1 - تهذيب الكمال: 10 / 154 م: 2150، سير أعلام النبلاء: 4 / 595 م: 234.
2 - راجع تاريخ الثقات للعجلي: م 498 و 501 و 502.
3 - راجع الثقات لأبن حبان: 4 / 307 - 308.
4 - تاريخ بغداد: 11 / 205 م: 5908.
5 - سير اعلام النبلاء: 8 / 11 - 31 م: 4.
6 - تلخيص العلل المتناهية: 75 - 76 ح: 169.
7- تهذيب التهذيب: 11 / 121 م: 7307.
8 - المحلّى: 11 / 224، 250 م 2199 وفي طبع: 13 / 88 - 89 م: 2203.
9- الضعفاء الكبير: 1 / 249 م: 297.
10 - السنة للخلال 3 / 510 م: 820. وقد أوردنا رواياتٍ كثيرةً من هذا القبيل في كتابنا [ عليّ ميزان الحقّ ].
11 - الضعفاء الكبير: 4 / 268 - 285 م: 1875، الكامل لابن عديّ: 8 / 235 - 245 م: 1954، الانتقاء: 149 - 152، تاريخ بغداد: 13 / 323 - 454 م: 7297، أسماء الضعفاء والكذّابين لابن شاهين: 184 م: 645، الضعفاء لأبي نعيم: 154 م: 255، الطيوريات لأبي طاهر: 500 - 501 م: 894، 895، الضعفاء للنسائي: 233 م: 614، الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي: 2 / 163 م: 3539، ديوان الضعفاء للذهبي: 2 / 404 م: 4389.
12 - جامع بيان العلم وفضله، باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض: 2 / 1115 م: 2184، طبقات المدلّسين: 37 - 38 م: 22.
13 - الرّواة الثقات المتكلم فيهم: 3، 28 - 32، 56، من تكلم فيه وهو موثّق: 39 م: 22، جامع بيان العلم: 2 / 1114 م: 2179، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: 2 / 186، 240، 241، 243، 250، 252.
14 - تاريخ بغداد: 2 / 29 - 31 م: 422، 13 / 101 - 104 م: 7089، سير أعلام النبلاء: 12 / 281 - 285 م: 104 / 453 - 462 م: 171 / 571 م: 217، فيض القدير: 1 / 24، المغني في الضعفاء: 2 / 268 م: 5312، ديوان الضعفاء: 2 / 283 م: 3605. كتاب المدلّسين: 82 م: 52، طبقات المدلّسين: 38، 41 م: 23، 28.

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page