• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المقدّمة


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على سيّدنا ومولانا محمّد المبعوث رحمة للعالمين، سيّد الأوّلين والآخرين، والمُنزّه عن كلّ ما هو مُشين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، أعلام الهدى، ومصابيح الدّجى، وأئمة المسلمين.
أمّا بعد، فهذه أسئلة أعددتها للمسلمين الباحثين خاصّة منهم أهل السنّة الذين يظنّون أنّهم هم وحدهم المتمسّكون بالسنّة النبويّة الصحيحة على صاحبها أفضل الصّلاة وأزكى التسليم وعلى آله الطاهرين، بل ويشدّدون نكيرهم على غيرهم من المسلمين وينبزونهم بالألقاب.
وقد بُعثتْ في شتّى البلاد الإسلامية جمعيات جديدة باسم الدّفاع عن السنّة المحمّدية، وباسم أنصار السنّة وأنصار الصحابة، وكُتبت كتبٌ عديدة لشتم وتكفير الشيعة وأئمّتهم والاستهزاء بعلمائهم، ورَوّجت وسائل الإعلام العالمية هذه الأفكار في كلّ أقطار العالم الإسلامي وغير الإسلامي، وأصبح حديث النّاس اليوم هو "السنّة والشيعة".
وكثيراً ما التقي في المناسبات مع بعض الشباب المثقّف من المسلمين الصادقين الذين يتساءلون ويسألون عن حقيقة الشيعة وباطلهم، وهم حائرون بين ما يشاهدونه ويعيشونه مع أصدقاء لهم من الشيعة، وما يسمعونه ويقرؤونه عنهم، ولا يعلمون أين يوجد الحقّ.
وقد تحدّثت مع البعض منهم، وأهديت لهم كتابي "ثمّ اهتديت"، والحمد لله أنّ الأغلبية من هؤلاء وبعد المناقشة والبحث يهتدون لمعرفة الحقّ فيتبعونه، ولكن هذا يبقى مقصوراً على نخبة من الشباب الذين ألتقي بهم صدفةً، أمّا البقية فقد لا يتاح لهم مثل هذا اللقاء، فتبقى مشوّشة الفكر بين الآراء المتضاربة.
وبالرغم من وجود الأدلّة المقنعة، والحجج الدّامغة في كتاب "ثمّ اهتديت" وكتاب "مع الصادقين"، إلا أنّهما لا يكفيان لمواجهة تلك الحملات المسعورة، والدعايات المكثفة التي تموّلها بعض الجهات الشريرة بالبترودولار في مختلف وسائل الإعلام.
وبالرغم من كلّ ذلك سيبقى صوت الحقّ مدويّاً وسط الضوضاء المزعجة، ويبقى بصيص النور مضيئاً وسط الظلام الدّامس; لأنّ وعد الله حقّ ولا بدّ لوعده من نفاذ، قال تعالى: {يُرِيدُونَ لِـيُـطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأفْوَاهِهِمْ وَاللّهُ مُـتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ}(1).
وقال تعالى مُبيّناً بأنّ أعمالهم هذه ستبوءُ بالفشل وتنقلب عليهم: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}(2).
لأجل ذلك، كان واجباً على العلماء والكُتّاب والمفكّرين، أن يوضّحوا للنّاس ما أشكل عليهم، ويهدوهم سواء السبيل، قال تعالى: {إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أنزَلْنَا مِنْ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَـيَّـنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ اُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ * إلاّ الَّذِينَ تَابُوا وَأصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَاُوْلَئِكَ أتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(3).
فلماذا لا يتكلّم العلماء ويبحثون في هذا الموضوع بجدّ وإخلاص لوجه الله تعالى؟ وإذا كان سبحانه قد أنزل البيّنات والهدى، وإذا كان قد أكمل الدّين وأتمّ النّعمة، وإذا كان رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أدّى الأمانة وبلّغ الرسالة ونصح للأُمّة، فلماذا هذه التفرقة والعداوة والبغضاء والتنابز بالألقاب، وتكفير بعضنا البعض؟!
وأنا بدوري أقف وقفة صريحة هنا لأقول لكلّ المسلمين بأنّ لا خَلاص، ولا نجاة، ولا وحدة، ولا سعادة، ولا جنّة إلاّ بالرجوع إلى الأصلين الأساسيين: كتاب الله، وعترة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإلاّ بالركوب في سفينة النجاة، وهي مركب أهل البيت (عليهم السلام).
وليس هذا القول كلاماً من اختراعي، إنّما هو كلام الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن الكريم، والسنّة النبوية الشريفة.
إنّ المسلمين اليوم أمام اتجاهين اثنين في طريق الوحدة المنشودة.
الأول: هو أن يقبل أهل السنّة والجماعة بمذهب أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله)، وهو ما يأخذ به الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، ويصبح بذلك المذهب الخامس لديهم، ويتعاملون مع نصوصه الفقهية بالنحو الذي يتعاملون به مع المذاهب الإسلامية الأربعة، فلا ينقصونه، ولا ينبزون معتنقيه بشيء، ويتركون للطلبة والمثقفين حرية اختيار المذهب الذي يقتنعون به.
وضمن نفس السياق فإنّ على المسلمين ـ سنّة وشيعة ـ القبول بالمذاهب الإسلامية الأُخرى كالأباضية والزيدية.. ورغم أنّ هذا الاتجاه يمثّل حلاّ يوفّر على أُمتنا كثيراً من التنافر والتفرقة، إلاّ أنّه لا ينهض إلى مستوى المعالجة الحاسمة للمعضل التاريخي الذي تعيشه منذ قرون.
الاتجاه الثاني: هو أن يتوحّد المسلمون كافّة على عقيدة واحدة رسمها كتاب الله ورسوله، وذلك عن طريق واحد وصراط مستقيم، وهو اتّباع أئمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
ولهذا السبب فالمسلمون كافّة سنّة وشيعة مُتّفقون على أعلميتهم وتقدُمهم في كلّ شيء: من تقوى، وورع، وزهد، وأخلاق، وعلم، وعمل، ويختلف المسلمون في الصحابة، فليدع المسلمون مااختلفوا فيه إلى ما اتفقوا عليه، من باب قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) "دعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك"(4).
فتجتمع بذلك الأُمّة، وتتوحّد على قاعدة أساسية هي مَدَارُ كلّ شيء أسّسَها صاحب الرسالة (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله:
"تركتُ فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا أبداً، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي" صحيح مسلم(5).
وإذا كان هذا الحديث صحيحاً عند الطرفين، بل عند كلّ المسلمين على اختلاف مذاهبهم، فما بال قسم من المسلمين لايعمل به؟ ولو عمل المسلمون كافة بهذا الحديث لنشأت بينهم وحدة إسلامية قوية لا تزعزعها الرّياح، ولا تهدّها العواصف، ولا يبطلها الإعلام، ولا يفشلها أعداء الإسلام.
وحسب اعتقادي أنّ هذا هو الحلّ الوحيد لخلاص المسلمين ونجاتهم، وما سواه باطل وزخرف من القول، والمتتّبع للقرآن والسنّة النبوية، والمطّلع على التاريخ والمتدبر فيه بعقله يوافقني بلا شكّ على هذا.
أمّا إذا فشل الاتجاه الأوّل، وهو فاشل من أوّل يوم فارق فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحياة، حيث اختلف الصحابة وتسبب ذلك في انقسام الأُمة وتمزيقها، وحيث فشلت الأُمة عبر قرون في الرجوع إلى الاتجاه الثاني، وهو الاعتصام بالكتاب والعترة، لما بثّته وسائل الإعلام قديماً في العهدين الأموي والعباسي، وحديثاً في عصرنا الحاضر من تشويه وتضليل وتكفير لأتباع أهل البيت النبوي، فلم يبق أمامنا حينئذ إلاّ المواجهة بصراحة،وإظهار الحقّ لكلّ من يرغب فيه، متوخّين في ذلك أُسلوب القرآن الكريم; إذ يتحدّى فيقول: {... قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}(6).
والبرهان والحجّة لا يُفرضان بالقوّة ولا بالأموال، ولا يطرحان بوسائل الترغيب والترهيب عند الأحرار الذين باعوا أنفسهم لله وحده، ولم ولن يرضوا بديلا للحقّ، ولو كلّفهم ذلك إزهاق النّفوس.
فيا ليت علماء الأُمّة اليوم يعقدون مؤتمراً ليبحثوا فيه هذه المسائل بقلوب متفتّحة، وعقول واعية، ونفوس صافية، ويخدمون بذلك الأُمّة الإسلامية، ويعملون على لَمِّ شتاتها، وتضميد جراحاتها، وتوحيد صفوفها، وجمع كلمتها.
إنّ هذه الوحدة قادمة لا محالة أحبّوا أمْ كرهوا; لأنّ الله سبحانه رصد لها إمَاماً من ذريّة المصطفى سيملؤها قسطاً وعدلا كما ملئتْ ظلماً وجوراً، وهذا الإمام هو من العترة الطاهرة، وكأنّ الله سبحانه جلّت حكمته يمتحنُ هذه الأُمّة طيلة حياتها، حتى إذا قرب أجلُها كشف لها عن خطأ اختيارها، وأعطاها فرصة للرجوع إلى الحقِّ، واتباع النهج الأصيل الذي دعا إليه محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي كان يقول: "اللهمّ أهدِ قومي فإنّهم لا يعلمون"(7).
وإلى أن يحين ذلك الوقت أقدّم كتابي هذا "فاسألوا أهل الذكر"، وهو جملة من الأسئلة مع الإجابة عليها من خلال مواقف وتعاليم أئمّة أهل البيت سلام الله عليهم، عسى أن يستفيد منها المسلمون في كلّ البلاد الإسلامية، ويعملوا على تقريب وجهات النظر للإعداد للوحدة المنشودة.
وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلتُ وإليه أُنيب، ربِّ اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
أسأله سبحانه وتعالى أن يتقبّل عملي، ويجعل فيه الخير والبركة، فما هو إلاّ لبنةً واحدة لبناء رباط الوحدة.
أقول هذا لأنّ المسلمين اليوم ما زالوا بعيدين عن أبسط حقوق الإنسان، والتعامل بالحسنى مع بعضهم البعض، لمستُ ذلك بنفسي خلال رحلاتي وزياراتي الكثيرة في البلدان الإسلامية أو البلدان التي فيها مسلمون. وآخرها عهداً في القارة الهندية التي يسكنها أكثر من مائتي مليون مسلم، ربعهم شيعة وثلاثة أرباعهم من السنّة، وقد سمعتُ عنهم الكثير، ولكن ما شاهدته يبعث فعلا على الدهشة والحيرة والخوف، ولقد تأسّفتُ وبكيتُ على مصير هذه الأُمة، وكاد اليأس يدبُّ إلى قلبي لولا الرّجاء والأمل والإيمان.
وفور رجوعي من الهند أرسلتُ رسالة مفتوحة إلى العالم الهندي الذي يرجع إليه أهل السنّة والجماعة في تلك القارّة، وهو أبو الحسن الندوي، ووعدته بنشرها مع الردّ عليها، ولكن لم أتلقَّ الردّ عليها حتى الآن، وإنّي أنشرها في مقدّمة هذا الكتاب كما هي لتكون وثيقة تاريخية تشهد لنا عند الله وعند النّاس بأنّنا من دعاة الوحدة.
الدكتور محمّد التيجاني السماوي

____________
1- الصف: 8.
2- الأنفال: 36.
3- البقرة: 159 ـ 160.
4- وسائل الشيعة 27: 173 ح33526، سنن الترمذي 4: 77 ح2637.
5- حديث الثقلين حديث صحيح ومتواتر ورد في كثير من المصادر، وبكثير من الطرق، وبألفاظ مختلفة: كالثقلين والخليفتين، إلاّ أنّ جميعها تعطي معنىً واحداً، فقد ورد باللفظ الذي ذكره المؤلّف أو ما يقاربه في: مسند أحمد 3: 26
ومستدرك الحاكم 3: 109 وصححه، وصرح الإمام الذهبي في تلخيص المستدرك بصحته، والهيثمي في مجمع الزوائد وصرّح بوثاقة رجاله، والجامع الصغير للسيوطي 1: 533 ح2748 وصرّح محقّق الكتاب الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني بصحته، وكتاب السنّة لابن أبي عاصم 1: 643 ـ 646 حيث نقله من حديث رقم 1554 إلى 1563، والطحاوي في مشكل الآثار 2: 307، والترمذي في سننه 2: 308، والسنن الكبرى للنسائي 5: 45 ح8148، والبداية والنهاية لابن كثير 51: 228 وذكر تصحيح الذهبي له، وأخرجه الألباني في صحيحته 4: 355 ح1761 وحقّق الحديث وأثبت صحته.
وورد الحديث في صحيح مسلم 7: 122 بلفظ: "... أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأُجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، وأهل بيتي; أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي...".
وقد تمسّك البعض بهذه الصيغة فقال: إنّ الحديث الوارد في صحيح مسلم أُمر فيه بمحبّة أهل البيت فقط ولم يؤمر بالتمسّك بهم، وإنما أُمرنا بالتمسّك بالقرآن، ولزوم مراعاة أهل البيت (عليهم السلام) لا غير.
هذا ما حاول البعض التمسّك به للردّ على المؤلّف وعلى عموم الشيعة الذين يؤمنون بلزوم التمسّك بأهل البيت (عليهم السلام)، وفي الإجابة على ذلك نقول:
أولاً: إنّ الحديث ـ كما أسلفنا ـ ورد بألفاظ مختلفة وصحّ من طرق متعدّدة جدّاً أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلهما (القرآن والعترة) خليفتين من بعده، وجعلهما الهاديين من الضلال والانحراف، وجعلهما ثقلين، وأنّهما اللذان يهديان إلى دين الله الحقّ، وعليه فيكون حديث مسلم بهذا المعنى أيضاً، وبهذا المحتوى لا غير، وهذا ما فهمه علماء السنّة:
فقد قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم بعد ذكره الحديث: "قال العلماء: سمّيا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما، وقيل: لثقل العمل بهما".
وقال الحافظ الزرندي المدني: "سمّاهما ثقلين; لأنّ الأخذ بهما والعمل بهما والمحافظة على رعايتهما ثقيل" نظم درر السمطين: 231.
وقال ابن الأثير: ".. إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي. سمّاهما ثقلين; لأنّ الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ويقال لكلّ شيء خطير نفيس: ثقل، فسمّاهما ثقلين اعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما" النهاية في غريب الحديث 1: 211 مادة (ثقل).
وقال ابن حجر المكّي في الصواعق: "وقد جاءت الوصية الصريحة بهم في عدّة أحاديث، منها حديث: إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: الثقلين، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، قال الترمذي: حسن غريب.. ولم يصب ابن الجوزي في إيراده في العلل المتناهية، كيف! وفي صحيح مسلم، وغيره..." الصواعق المحرقة: 90.
وقال القرطبي: "قوله: وأنا تارك فيكم ثقلين يعني كتاب الله وأهل بيته، قال ثعلب: سمّاهما ثقلين لأنّ الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، والعرب تقول لكلّ شيء خطير نفيس: ثقل" المفهم 6: 303.
فإذاً، علماء السنّة قبل غيرهم فهموا من حديث مسلم وغيره أنّه آمر بالتمسّك بالكتاب والعترة; للروايات الأُخرى، ولأنّه سمّاهما ثقلين، وليست المسألة مقتصرة على التذكير بأهل البيت فقط.
وثانياً: لو سلّمنا أنّ رواية مسلم ذكّرت بأهل البيت (عليهم السلام) فقط ولم تأمر بالتمسّك بهم، ولكن بقية الروايات الواردة في غير صحيح مسلم تصرّح بلزوم التمسّك بأهل البيت وأنّهم عدل القرآن، وهي صحيحة وثابتة، فقد صحّحها كثير من أئمة الحديث كأحمد بن حنبل والهيثمي والحاكم والذهبي وابن كثير والترمذي والطحاوي والسيوطي والمناوي والألباني وغيرهم، وعليه فلا يوجد تضارب بين الرواية الواردة في صحيح مسلم وبين بقية الروايات الصحيحة الآمرة بالتمسّك بأهل البيت (عليهم السلام) ; لأنّ رواية مسلم تذكّرنا بأهل البيت ولزوم محبتهم، والرويات الأُخرى أمرتنا مضافاً على ذلك لزوم إتباع أهل البيت (عليهم السلام) والأخذ عنهم، وهذا كما لو قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لشخص: أُحبّ علياً، ثمّ قال له: اتبع علياً، فهنا أيضاً لا تنافي بين القولين; لأنّ الأمر الثاني مشتمل على الأمر الأول وزيادة، فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرنا بحبّ أهل البيت، وأمرنا باتباع أهل البيت (عليهم السلام)، وعليه فيكون الأمر الثاني شاملاً للأمر الأوّل وزيادة، ويجب العمل به عند العلماء، وهذا يعرفه أصاغر الطلبة فضلاً عن العلماء.
وإن احتجّ أحدٌ بأننا نتمسّك برواية مسلم ونطرح بقية الروايات الواردة في غير صحيح مسلم.
قلنا: هذا خطأ كبير وطعن في بقية الروايات والمصادر المخرجة لها، وهذا من الجهل الفظيع، قال الشيخ الألباني في صحيحته 1: 851 ح474 ردّاً على سعيد الأفغاني في تضعيفه لحديث "أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب" قال: "يظنّ الأستاذ الصديق أنّ إهمال أصحاب الصحاح لحديث ما إنّما هو لعلّة فيه، وهذا خطأ بيّن عند كلّ من قرأ شيئاً من علم المصطلح وتراجم أصحاب الصحاح، فإنّهم لم يتعمّدوا جمع كلّ ما صحّ عندهم في صحاحهم، والإمام مسلم منهم قد صرّح بذلك في صحيحه كتاب الصلاة، وما أكثر الأحاديث التي ينصّ الإمام البخاري على صحتها أو حسنها ممّا يذكره الترمذي عنه في سننه، وهو لم يخرجها في صحيحه".
فإذاً، عدم ذكر مسلم للحديث بلفظ التمسّك بهما لا يعني عدم صحته، كما أوضح الشيخ الألباني ذلك.
وثالثاً: هناك قاعدة معروفة في علم الحديث لا تخفى على طالب علم ابتدأ الدراسة في الأزهر أو غيرها، وهي أنّ زيادة الثقة حجّة ويؤخذ بها، والرواية التي في مسلم أمرتنا بالتمسّك بالكتاب فقط ـ على فرض تسليم ذلك ـ، وذكرنا بأهل البيت، ولكن الروايات الأُخرى التي رواها الثقات ـ وهي كثيرة جدّاً وصحيحة - ذكرت لزوم التمسّك بأهل البيت (عليهم السلام) مع الكتاب، وهذه زيادة من ثقات فيجب الأخذ بها، وبالتالي ينتج لزوم التمسّك بأهل البيت (عليهم السلام) إلى جنب القرآن الكريم.
ومن هذا يتضح أنّ ما ذكره صاحب كتاب كشف الجاني في ص127 ما هو إلاّ ترّهات فكرية مخالفة لأبسط قاعدة حديثية يعرفها صبية الأزهر الشريف فضلا عن علمائه الأجلاء، وما حاوله في كتابه ناشئٌ من الجهل بما ذكرناه.
6- البقرة: 111.
7- الشفا للقاضي عياض 1: 105، الدر المنثور 2: 298، تفسير ابن كثير 3: 575.

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page