• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مؤهلات الإمام لدى الشيعة.. وأدلتهم

مبحث الإمامة شائك وخطير ولأنه الفاصل الرئيس بين المذاهب والملل نجد كل قومٍ حاولوا إشباع هذا الموضوع بحثاً وتنقيباً..
ولأن القرآن هو من يحسم النزاع، لذا كان لا بد من الرجوع إليه، واستنطاقه والتدبر فيه.
موقف القرآن من الإمام
يرى الشيعة أن الإمام هو المثال.. هو النموذج لأنه يمثل الدين، وهو عدل القرآن.. معتمدين في مقولتهم هذه على الآية الكريمة..
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}.
فالظلم في الآية يشمل: (الظلم للنفس والغير.. فالذنب (صغيره وكبيره) ظلم.
ولذَْلك فإن معنى الظالمين في هذه الآية يكون:
1ـ إما أن يكون الإمام ظالماً متلبساً حال طلب إبراهيم (عليه السلام) من الله..
وهذا مستحيل أن يصدر من إبراهيم الخليل.
2ـ وإما أن يكون الإمام قد تاب من ظلمه ورجع إلى ربه وتاب.
3ـ واما أن يكون بريئاً من الظلم أبداً..
والـواضح أن الآيـة المباركة أوضحت بـ {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} فالظالم سواءً كان متلبساً بالظلم أو كان تائباً من ظلمه لا يستحق الإمامة..
إن من يستحق الإمامة هو ذَْلك الإمام المنزه عن الظلم ومن هنا يقول الشيعة بعصمة الإمام.
وهذه هي أهم صفة ينبغي التركيز عليها، ولكي تتضح الصورة اكثر نذكر خطبة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) والتي بَيَّنَتْ قدر الإمام ومنزلته ومقامه وصفاته..
روى أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِمُ بْنُ العَلاَءِ رَحِمَهُ اللهُ رَفَعَهُ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ مُسْلمٍ قَال كُنَّا مَعَ الرِّضَا (عليه السلام) بِمَرْوَ فَاجْتَمَعْنَا فِي الجَامِعِ يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي بَدْءِ مَقْدَمِنَا فَأَدَارُوا أَمْرَ الإِمَامَةِ وَذَكَرُوا كَثْرَةَ اخْتِلاَفِ النَّاسِ فِيهَا فَدَخَلتُ عَلى سَيِّدِي (عليه السلام) فَأَعْلمْتُهُ خَوْضَ النَّاسِ فِيهِ فَتَبَسَّمَ (عليه السلام) ثُمَّ قَال: "َ يَا عَبْدَ العَزِيزِ جَهِل القَوْمُ وَخُدِعُوا عَنْ آرَائِهِمْ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل لمْ يَقْبِضْ نَبِيَّهُ (ص) حَتَّى أَكْمَل لهُ الدِّينَ وَأَنْزَل عَليْهِ القُرْآنَ فِيهِ تِبْيَانُ كُل شَيْ‏ءٍ بَيَّنَ فِيهِ الحَلاَل وَالحَرَامَ وَالحُدُودَ وَالأَحْكَامَ وَجَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إِليْهِ النَّاسُ كَمَلاً فَقَال عَزَّ وَجَل {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} وَأَنْزَل فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وَهِيَ آخِرُ عُمُرِهِ (ص) {الْيَوْمَ َ أ كْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} وَأَمْرُ الإِمَامَةِ مِنْ تَمَامِ الدِّينِ وَلمْ يَمْضِ (ص) حَتَّى بَيَّنَ لأُمَّتِهِ مَعَالمَ دِينِهِمْ وَأَوْضَحَ لهُمْ سَبِيلهُمْ وَتَرَكَهُمْ عَلى قَصْدِ سَبِيل الحَقِّ وَأَقَامَ لهُمْ عَليّاً (عليه السلام) عَلماً وَإِمَاماً وَمَا تَرَكَ لهُمْ شَيْئاً يَحْتَاجُ إِليْهِ الأُمَّةُ إِلاَ بَيَّنَهُ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل لمْ يُكْمِل دِينَهُ فَقَدْ رَدَّ كِتَابَ اللهِ وَمَنْ رَدَّ كِتَابَ اللهِ فَهُوَ كَافِرٌ بِهِ هَل يَعْرِفُونَ قَدْرَ الإِمَامَةِ وَمَحَلهَا مِنَ الأُمَّةِ فَيَجُوزَ فِيهَا اخْتِيَارُهُمْ إِنَّ الإِمَامَةَ أَجَلُّ قَدْراً وَأَعْظَمُ شَأْناً وَأَعْلى مَكَاناً وَأَمْنَعُ جَانِباً وَأَبْعَدُ غَوْراً مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولهِمْ أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ أَوْ يُقِيمُوا إِمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ إِنَّ الإِمَامَةَ خَصَّ اللهُ عَزَّ وَجَل بِهَا إِبْرَاهِيمَ الخَليل (عليه السلام) بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَالخُلةِ مَرْتَبَةً ثَالثَةً وَفَضِيلةً شَرَّفَهُ بِهَا وَأَشَادَ بِهَا ذِكْرَهُ فَقَال {َ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} فَقَال الخَليلُ (عليه السلام) سُرُوراً بِهَا {وَمِن ذُرِّيَّتِي} قَال اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} فَأَبْطَلتْ هَذِهِ الآيَةُ إِمَامَةَ كُل ظَالمٍ إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ وَصَارَتْ فِي الصَّفْوَةِ ثُمَّ أَكْرَمَهُ اللهُ تَعَالى بِأَنْ جَعَلهَا فِي ذُرِّيَّتِهِ أَهْل الصَّفْوَةِ وَالطَّهَارَةِ فَقَال: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ}. {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} فَلمْ تَزَل فِي ذُرِّيَّتِهِ يَرِثُهَا بَعْضٌ عَنْ بَعْضٍ قَرْناً فَقَرْناً حَتَّى وَرَّثَهَا اللهُ تَعَالى النَّبِيَّ (ص) فَقَال جَل وَتَعَالى {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} فَكَانَتْ لهُ خَاصَّةً فَقَلدَهَا (ص) عَليّاً (عليه السلام) بِأَمْرِ اللهِ تَعَالى عَلى رَسْمِ مَا فَرَضَ اللهُ فَصَارَتْ فِي ذُرِّيَّتِهِ الأَصْفِيَاءِ الذِينَ آتَاهُمُ اللهُ العِلمَ وَالإِيمَانَ بِقَوْلهِ تَعَالى وَقال {الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} فَهِيَ فِي وُلدِ عَليٍّ (عليه السلام) خَاصَّةً إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ إِذْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ (ص) فَمِنْ أَيْنَ يَخْتَارُ هَؤُلاَءِ الجُهَّالُ إِنَّ الإِمَامَةَ هِيَ مَنْزِلةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِرْثُ الأَوْصِيَاءِ إِنَّ الإِمَامَةَ خِلاَفَةُ اللهِ وَخِلاَفَةُ الرَّسُول (ص) وَمَقَامُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَمِيرَاثُ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ (عليهما السلام).
إِنَّ الإِمَامَةَ زِمَامُ الدِّينِ وَنِظَامُ المُسْلمِينَ وَصَلاَحُ الدُّنْيَا وَعِزُّ المُؤْمِنِينَ إِنَّ الإِمَامَةَ أُسُّ الإِسْلاَمِ النَّامِي وَفَرْعُهُ السَّامِي بِالإِمَامِ تَمَامُ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالحَجِّ وَالجِهَادِ وَتَوْفِيرُ الفَيْ‏ءِ وَالصَّدَقَاتِ وَإِمْضَاءُ الحُدُودِ وَالأَحْكَامِ وَمَنْعُ الثُّغُورِ وَالأَطْرَافِ الإِمَامُ يُحِلُّ حَلاَل اللهِ وَيُحَرِّمُ حَرَامَ اللهِ وَيُقِيمُ حُدُودَ اللهِ وَيَذُبُّ عَنْ دِينِ اللهِ وَيَدْعُو إِلى سَبِيل رَبِّه ِبِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَالحُجَّةِ البَالغَةِ الإِمَامُ كَالشَّمْسِ الطَّالعَةِ المُجَللةِ بِنُورِهَا للعَالمِ وَهِيَ فِي الأُفُقِ بِحَيْثُ لاَ تَنَالُهَا الأَيْدِي وَالأَبْصَارُ الإِمَامُ البَدْرُ المُنِيرُ وَالسِّرَاجُ الزَّاهِرُ وَالنُّورُ السَّاطِعُ وَالنَّجْمُ الهَادِي فِي غَيَاهِبِ الدُّجَى وَأَجْوَازِ البُلدَانِ وَالقِفَارِ وَلُجَجِ البِحَارِ الإِمَامُ المَاءُ العَذْبُ عَلى الظَّمَإِ وَالدَّالُّ عَلى الهُدَى وَالمُنْجِي مِنَ الرَّدَى الإِمَامُ النَّارُ عَلى اليَفَاعِ الحَارُّ لمَنِ اصْطَلى بِهِ وَالدَّليلُ فِي المَهَالكِ مَنْ فَارَقَهُ فَهَالكٌ الإِمَامُ السَّحَابُ المَاطِرُ وَالغَيْثُ الهَاطِلُ وَالشَّمْسُ المُضِيئَةُ وَالسَّمَاءُ الظَّليلةُ وَالأَرْضُ البَسِيطَةُ وَالعَيْنُ الغَزِيرَةُ وَالغَدِيرُ وَالرَّوْضَةُ الإِمَامُ الأَنِيسُ الرَّفِيقُ وَالوَالدُ الشَّفِيقُ وَالأَخُ الشَّقِيقُ وَالأُمُّ البَرَّةُ بِالوَلدِ الصَّغِيرِ وَمَفْزَعُ العِبَادِ فِي الدَّاهِيَةِ النَّآدِ الإِمَامُ أَمِينُ اللهِ فِي خَلقِهِ وَحُجَّتُهُ عَلى عِبَادِهِ وَخَليفَتُهُ فِي بِلاَدِهِ وَالدَّاعِي إِلى اللهِ وَالذَّابُّ عَنْ حُرَمِ اللهِ الإِمَامُ المُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالمُبَرَّأُ عَنِ العُيُوبِ المَخْصُوصُ بِالعِلمِ المَوْسُومُ بِالحِلمِ نِظَامُ الدِّينِ وَعِزُّ المُسْلمِينَ وَغَيْظُ المُنَافِقِينَ وَبَوَارُ الكَافِرِينَ.
الإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرِهِ لاَ يُدَانِيهِ أَحَدٌ وَلاَ يُعَادِلُهُ عَالمٌ وَلاَ يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ وَلاَ لهُ مِثْلٌ وَلاَ نَظِيرٌ مَخْصُوصٌ بِالفَضْل كُلهِ مِنْ غَيْرِ طَلبٍ مِنْهُ لهُ وَلاَ اكْتِسَابٍ بَل اخْتِصَاصٌ مِنَ المُفْضِل الوَهَّابِ فَمَنْ ذَا الذِي يَبْلُغُ مَعْرِفَةَ الإِمَامِ أَوْ يُمْكِنُهُ اخْتِيَارُهُ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ضَلتِ العُقُولُ وَتَاهَتِ الحُلُومُ وَحَارَتِ الأَلبَابُ وَخَسَأَتِ العُيُونُ وَتَصَاغَرَتِ العُظَمَاءُ وَتَحَيَّرَتِ الحُكَمَاءُ وَتَقَاصَرَتِ الحُلمَاءُ وَحَصِرَتِ الخُطَبَاءُ وَجَهِلتِ الأَلبَّاءُ وَكَلتِ الشُّعَرَاءُ وَعَجَزَتِ الأُدَبَاءُ وَعَيِيَتِ البُلغَاءُ عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ أَوْ فَضِيلةٍ مِنْ فَضَائِلهِ وَأَقَرَّتْ بِالعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ وَكَيْفَ يُوصَفُ بِكُلهِ أَوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ أَوْ يُفْهَمُ شَيْ‏ءٌ مِنْ أَمْرِهِ أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيُغْنِي غِنَاهُ لاَ كَيْفَ وَأَنَّى وَهُوَ بِحَيْثُ النَّجْمِ مِنْ يَدِ المُتَنَاوِلينَ وَوَصْفِ الوَاِفِينَ فَأَيْنَ الاخْتِيَارُ مِنْ هَذَا وَأَيْنَ العُقُولُ عَنْ هَذَا وَأَيْنَ يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا أَ تَظُنُّونَ أَنَّ ذَْلك يُوجَدُ فِي غَيْرِ آل الرَّسُول مُحَمَّدٍ (ص) كَذَبَتْهُمْ وَاللهِ أَنْفُسُهُمْ وَمَنَّتْهُمُ الأَبَاطِيل فَارْتَقَوْا مُرْتَقىً صَعْباً دَحْضاً تَزِلُّ عَنْهُ إِلى الحَضِيضِ أَقْدَامُهُمْ رَامُوا إِقَامَةَ الإِمَامِ بِعُقُولٍ حَائِرَةٍ بَائِرَةٍ نَاقِصَةٍ وَآرَاءٍ مُضِلةٍ فَلمْ يَزْدَادُوا مِنْهُ إِلاَ بُعْداً قَاتَلهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ وَلقَدْ رَامُوا صَعْباً وَقَالُوا إِفْكاً وَضَلُّوا ضَلاَلاً بَعِيداً وَوَقَعُوا فِي الحَيْرَةِ إِذْ تَرَكُوا الإِمَامَ عَنْ بَصِيرَةٍ وَزَيَّنَ لهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيل وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ رَغِبُوا عَنِ اخْتِيَارِ اللهِ وَاخْتِيَارِ رَسُول اللهِ (ص) وَأَهْل بَيْتِهِ إِلى اخْتِيَارِهِمْ وَالقُرْآنُ يُنَادِيهِمْ {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
وَقَال عَزَّ وَجَل {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} الآيَةَ وَقَال {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا يَتَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) أ َمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ} وَقَال عَزَّ وَجَل {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}
أَمْ طُبِعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ أَمْ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ
{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} أَمْ قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا بَل هُوَ {فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} فَكَيْفَ لهُمْ بِاخْتِيَارِ الإِمَامِ وَالإِمَامُ عَالمٌ لاَ يَجْهَلُ وَرَاعٍ لاَ يَنْكُلُ مَعْدِنُ القُدْسِ وَالطَّهَارَةِ وَالنُّسُكِ وَالزَّهَادَةِ وَالعِلمِ وَالعِبَادَةِ مَخْصُوصٌ بِدَعْوَةِ الرَّسُول (ص) وَنَسْل المُطَهَّرَةِ البَتُول لاَ مَغْمَزَ فِيهِ فِي نَسَبٍ وَلاَ يُدَانِيهِ ذُو حَسَبٍ فِي البَيْتِ مِنْ قُرَيْشٍ وَالذِّرْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ وَالعِتْرَةِ مِنَ الرَّسُول (ص) وَالرِّضَا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَل شَرَفُ الأَشْرَافِ وَالفَرْعُ مِنْ عَبْدِ مَنَافٍ نَامِي العِلمِ كَامِلُ الحِلمِ مُضْطَلعٌ بِالإِمَامَةِ عَالمٌ بِالسِّيَاسَةِ مَفْرُوضُ الطَّاعَةِ قَائِمٌ بِأَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَل نَاصِحٌ لعِبَادِ اللهِ حَافِظٌ لدِينِ اللهِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ وَالأَئِمَّةَ (عليهم السلام) يُوَفِّقُهُمُ اللهُ وَيُؤْتِيهِمْ مِنْ مَخْزُونِ عِلمِهِ وَحِكَمِهِ مَا لاَ يُؤْتِيهِ غَيْرَهُمْ فَيَكُونُ عِلمُهُمْ فَوْقَ عِلمِ أَهْل الزَّمَانِ فِي قَوْلهِ تَعَالى: {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} وَقَوْلهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} وَقَوْلهِ فِي طَالُوتَ {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} وَقَال لنَبِيِّهِ (ص) {وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} وَقَال فِي الأَئِمَّةِ مِنْ أَهْل بَيْتِ نَبِيِّهِ وَعِتْرَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ (ص) {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} وَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اخْتَارَهُ اللهُ عَزَّ وَجَل لأُمُورِ عِبَادِهِ شَرَحَ صَدْرَهُ لذَْلك وَأَوْدَعَ قَلبَهُ يَنَابِيعَ الحِكْمَةِ وَأَلهَمَهُ العِلمَ إِلهَاماً فَلمْ يَعْيَ بَعْدَهُ بِجَوَابٍ وَلاَ يُحَيَّرُ فِيهِ عَنِ الصَّوَابِ فَهُوَ مَعْصُومٌ مُؤَيَّدٌ مُوَفَّقٌ مُسَدَّدٌ قَدْ أَمِنَ مِنَ الخَطَايَا وَالزَّلل وَالعِثَارِ يَخُصُّهُ اللهُ بِذَْلك ليَكُونَ حُجَّتَهُ عَلى عِبَادِهِ وَشَاهِدَهُ عَلى خَلقِهِ وَ {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} فَهَل يَقْدِرُونَ عَلى مِثْل هَذَا فَيَخْتَارُونَهُ أَوْ يَكُونُ مُخْتَارُهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيُقَدِّمُونَهُ تَعَدَّوْا وَبَيْتِ اللهِ الحَقَّ وَنَبَذُوا {كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} وَفِي كِتَابِ اللهِ الهُدَى وَالشِّفَاءُ فَنَبَذُوهُ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ فَذَمَّهُمُ اللهُ وَمَقَّتَهُمْ وَأَتْعَسَهُمْ فَقَال جَل وَتَعَالى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
وَقَال {فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} وَقَال {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} وَصَلى اللهُ عَلى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَآلهِ وَسَلمَ تَسْليماً كَثِيراً"(1)
هذا وقد بينت في بداية الفصل الأول أن الإمام يجب أن يكون مختاراً من قبل الله تعالى في بحثٍ قرآنيٍ مفصل لا داعي لذكره هنا..
ـ الدليل على أن الإمام بعد رسول الله هو الإمام علي (عليه السلام)..
قبل ذكر الدليل وبيانه أقول ملاحظة..
لقد كثرت الأدلة حول أحقية أهل البيت بالأمر دون غيرهم. إلا أن الإشكالية تكمن في العناد، وعدم الانصياع للدليل والبرهان، وهذه في الحقيقة هي مشكلة نفسية قبل أن تكون عقدية، ولأنها حساسة ركز عليها القرآن، وخاطب قريش المعاندين: {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ}.
أما الدليل على أحقية الإمام علي بالخلافة دون غيره فهي أكثر من يحصيها كراس كهذا، إلا أننا سنكتفي بذكر ثلاثة أدلة، وما ذكرناه من فضائلهم في الفصل الأول كافٍ لمن ألقى السمع وهو شهيد..
أولاً: حديث الغدير
وهذا الحديث سبق ذكره في بداية الفصل الأول وإليك نصه..:
حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله (ص) في سفر، فنزلنا بغدير خمّ، فنودي فينا الصلاة جامعة. وكُسح لرسول الله (ص) تحت شجرتين، فصلّى الظهر وأخذ بيد عليٍّ (رضي الله عنه)، فقال: " أَلسْتُمْ تَعْلمُونَ أَنِّي أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟"
قالوا: بلى.
قال: "أَلسْتُمْ تَعْلمُونَ أَنِّي أَوْلى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ؟"
قالوا: بلى.
قال: فأخذ بِيَد عليٍّ، فقال: "مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ، فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ، اللٍْهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ."
قال: فلقيهُ عُمَرُ بعد ذَْلك، فقال: هنيئاً يا ابن أبي طالب، أصبحتَ وأمسيتَ مولى كلِّ مؤمن ومؤمنة.
قال أبو عبد الرحمن: حدثنا هُدبةُ بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة عن عليّ بن زيد عن عديّ بن ثابت عن البراء بن عازب عن النبيِّ (ص) نحوَه.(2)
ولأهمية هذه الحادثة نجد أن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، والعلماء، والفقهاء اهتموا بنقل هذا الحديث وضبط أسانيده، نذكر ـ هنا ـ عدد رواته في كل قرن على وجه الإجمال أما التفصيل فمرجعه إلى الكتب المطولة كالغدير وو... الخ.
1ـ روى الحديث من الصحابة 110 صحابياً. وطبيعة الحال تستدعي أن يكون رواته أضعاف المذكورين، لأن السامعين والوعاة له كان أكثر من مئة الف.
2ـ رواه من التابعين 84 تابعياً.
وأما عدد الرواة من العلماء والمحدثين فنذكرها على ترتيب القرون: ـ 1ـ عدد من رواه في القرن الثاني: 56عالماً ومحدثاً.
2ـ عدد من رواه في القرن الثالث: 92 عالماً ومحدثاً.
3ـ عدد من رواه في القرن الرابع: 43 عالماً ومحدثاً.
4ـ عدد من رواه في القرن الخامس: 24 عالماً ومحدثاً.
5ـ عدد من رواه في القرن السادس: 20 عالماً ومحدثاً.
6ـ عدد من رواه في القرن السابع: 20 عالماً ومحدثاً.
7ـ عدد من رواه في القرن الثامن: 19 عالماً ومحدثاً.
8ـ عدد من رواه في القرن التاسع: 16 عالماً ومحدثاً.
9ـ عدد من رواه في القرن العاشر: 14 عالماً ومحدثاً.
10ـ عدد من رواه في القرن الحادي عشر: 12 عالماً ومحدثاً.
11ـ عدد من رواه في القرن الثاني عشر: 13 عالماً ومحدثاً.
12ـ عدد من رواه في القرن الثالث عشر: 12 عالماً ومحدثاً.
13ـ عدد من رواه في القرن الرابع عشر: 19 عالماً ومحدثاً.(3)
ثانياً: حديث الدار
روى ابن حميد قال: حدثنا سلمة قال: حدثني محمد بن إسحاق بن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب قال:
"لما نزلت هذه الآية على رسول الله (ص) {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} دعاني رسول الله فقال لي:
يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذَْلك ذرعاً وعرفت أني متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمت عليه حتى جاءني جبريل فقال يا محمد إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك فاصنع لنا صاعا ًمن طعام واجعل عليه رحل شاة، واملأ لنا عسا(4) من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به. ففعلت ما أمرني به.
ثم دعوتهم له وهم يومئذٍ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه فيهم أعمامه(5) أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به فلما وضعته رسول الله (ص) حذية من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصفحة، ثم قال:
خذوا باسم الله. فأكل القوم حتى ما لهم بشيءٍ حاجة، وما أرى إلا موضع أيديهم، وأيم الله الذي نفس علي بيده وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم. ثم قال:
اسق القوم. فجئتهم بذَْلك العس فشربوا منه حتى رووا منه جميعاً، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله فلما أراد رسول الله (ص) أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال لشد ما سحركم صاحبكم فتغرق القوم ولم يكلمهم فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثم اجمعهم إلي.
قال (علي):
ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ففعل (رسول الله) كما فعل بالأمس.. فأكلوا حتى ما لهم بشيءٍ حاجة، ثم قال: إسقهم..
فجئتهم بذَْلك العس فشربوا منه جميعاً ثم تكلم رسول الله فقال:
يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به.. إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم..
قال: فأحجم القوم عنها جميعاً..
وقلت ـ وإني لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً ـ: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا. قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع(6).
إن وضوح الرواية في من هو الخليفة بعد رسول الله بكلام النبي نفسه، كما تقدم في الحديث النبوي.
والملاحظ أن ابن خلدون وابن الأثير يمرون على هذه الحادثة مرور الكرام دون أن يكلفوا انفسهم عناء النقل.. فيأخذون ما يريدون ويتركون ما يشاؤون.
ثالثاً: حديث الراية
لأن هذه الرواية اشتهرت بحادثتها لدى المؤرخين، وأرباب الحديث لذا فإن أغلبهم ذكر الحادثة وأكد على ما ورد عن النبي في حق علي في تلك المناسبة..، وسنكتفي بما ورد في صحاح المسلمين..
1. حدّثنا قُتيبةُ حدّثنا حاتمٌ عن يَزيدَ بنِ أبي عُبَيدٍ عن سَلمةَ قال: "كان عليّ قد تخلّفَ عن النبيّ (ص) في خيبرَ وكان به رَمَدٌ فقال: أنا أتخلّفُ عن رسول الله (ص)؟ فخرجَ عليّ فلحِقَ بالنبيّ (ص). فلما كان مساءَ الليلةِ التي فتَحها الله في صباحِها قال رسولُ الله (ص): "لأعطِينّ الرايةَ ـ أو ليأخُذَنّ الرايةَ ـ غداً رجلاًَ يُحبّه اللّهُ ورسوله ـ أو قال: يحبّ اللّهَ ورسوله ـ يَفتحُ اللّهُ عليه , فإذا نحن بعلي وما نَرجوهُ, فقالوا: هذا عليّ, فأعطاهُ رسولُ الله (ص) الرايةَ ففَتحَ الله عليه"(7).
2. حدّثنا قُتيبةُ بن سعيدٍ حدّثنا عبدُ العزيز عن أبي حازمٍ عن سهل بن سعدٍ (رضي الله عنه) أنّ رسول اللّهِ (ص) قال: "لأعطِينّ الرايةَ غداً رجلاً يفتحُ الله على يدَيه. قال فباتَ الناسُ يَدوكون ليلتهم أّيهم يُعطاها. فلما أصبحَ الناسُ غَدَوا على رسول الله (ص) كلهم يرجو أن يُعطاها, فقال:
أينَ عليّ بن أبي طالب؟ فقالوا: يَشتكي عينَيهِ يا رسول الله. قال: "فأرسِلوا إليه فأْتوني به". فلما جاءَ بَصَقَ في عينَيه ودَعا له, فَبَرَأ حتى كأنْ لم يكنْ به وَجَع, فأعطاهُ الراية, فقال علي: يا رسول اللّهِ أُقاتِلُهم حتى يكونوا مثلنا. فقال: "انفُذْ على رِسْلكَ حتى تنزل بساحَتهم, ثم ادُعهم إلى الإِسلام, وأخبِرْهم بما يَجِبُ عليهم من حقّ اللّهِ فيه, فواللّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللّهُ بكَ رجُلاً واحداً خيرٌ لكَ مِن أن يكونَ لكَ حُمْرُ النّعَم"(8).
3. حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمّدُ بْنُ عَبّادٍ(وَتَقَارَبَا فِي اللّفْظِ) قَالاَ: حَدّثَنَا حَاتِمٌ (وَهُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيل) عنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ, عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ, عَنْ أَبِيهِ, قَال: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ سَعْداً فَقَال: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبّ أَبَا التّرَابِ؟ فَقَال: أَمّا مَا ذَكَرْتُ ثَلاَثَا قَالهُنّ لهُ رَسُولُ اللّهِ (ص) , فَلنْ أَسُبّهُ. لأَنْ تَكُونَ لي وَاحِدَةٌ مِنْهُنّ أَحَبّ إِليّ مِنْ حُمْرِ النّعَمِ. سَمِعْتُ رَسُول اللّهِ (ص) يَقُولُ لهُ, خَلّفَهُ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ, فَقَال لهُ عَليّ: يَا رَسُول اللّهِ خَلّفْتَنِي مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ؟ فَقَال لهُ رَسُولُ اللّهِ (ص): "أَمَا تَرْضَىَ أَنْ تَكُونَ مِنّي بِمَنْزِلةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَىَ. إِلاّ أَنّهُ لاَ نُبُوّةَ بَعْدِي". وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: "لأُعْطِيَنّ الرّايَةَ رَجُلاً يُحِبّ اللّهَ وَرَسُولهُ, وَيُحِبّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ" قَال: فَتَطَاوَلنَا لهَا فَقَال "ادْعُوا لي عَليّا" فَأُتِيَ بِهِ أَرْمَدَ. فَبَصَقَ فِي عَيْنِهِ وَدَفَعَ الرّايَةَ إِليْهِ. فَفَتَحَ اللّهُ عَليْهِ. وَلمّا نَزَلتْ هَذِهِ الاَيَةُ. {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ}(9)دَعَا رَسُولُ اللّهِ (ص) عَليّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَناً وَحُسَيْناً فَقَال: "اللٍْهُمّ هَؤُلاَءِ أَهْلي"(10).
4. حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَازِمٍ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ, عَنْ سَهْلٍ. ح وَحَدّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (وَاللّفْظُ هَـَذَا). حَدّثَنَا يَعْقُوبُ (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرّحْمَـَنِ) عَنْ أَبِي حَازِمٍ. أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ أَنّ رَسُول اللّهِ (ص) قَال يَوْمَ خَيْبَرَ: "لأُعْطِيَنّ هَذِهِ الرّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ اللّهُ عَلىَ يَدَيْهِ. يُحِبّ اللّهَ وَرَسُولهُ. وَيُحِبّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ" قَال: فَبَاتَ النّاسُ يَدُوكُونَ ليْلتَهُمْ أَيّهُمْ يُعْطَاهَا. قَال: فَلمّا أَصْبَحَ النّاسُ غَدَوْا عَلىَ رَسُول اللّهِ (ص). كُلّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا. فَقَال: "أَيْنَ عَليّ بْنُ أَبِي طَالبٍ؟" فَقَالُوا: هُوَ, يَا رَسُول اللّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ. قَال: فَأَرْسِلُوا إِليْهِ, فَأُتِيَ بِهِ, فَبَصَقَ رَسُولُ اللّهِ (ص) فِي عَيْنَيْهِ. وَدَعَا لهُ فَبَرَأَ. حَتّىَ كَأَنْ لمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ. فَأَعْطَاهُ الرّايَةَ. فَقَال عَليّ: يَا رَسُول اللّهِ أُقَاتِلهُمْ حَتّىَ يَكُونُوا مِثْلنَا. فَقَال: "انْفُذْ عَلىَ رِسْلكَ. حَتّىَ تَنْزِل بِسَاحَتِهِمْ. ثُمّ ادْعُهُمْ إِلىَ الإِسْلاَمِ. وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَليْهِمْ مِنْ حَقّ اللّهِ فِيهِ. فَوَاللّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لكَ حُمْرُ النّعَمِ"(11).
5. حدّثنا عَليّ بْنُ مُحَمّدٍ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ مُسْلمٍ, عَنِ ابْنِ سَابِطٍ, وَهُوَ عَبْدُ الرّحْمَنِ, عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ قَال: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ فِي بَعْضِ حَجّاتِهِ, فَدَخَل عَليْهِ سَعْدٌ, فَذَكَرُوا عَليّا. فَنَال مِنْهُ. فَغَضِبَ سَعْدٌ, وَقَال: تَقُولُ هَذَا لرَجُلٍ سَمِعْتُ رَسُول اللّهِ (ص) يَقُولُ: "مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَعَليّ مَوْلاَهُ" وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "أَنْتَ مِنّي بِمَنْزِلةِ هَارونَ مِنْ مُوسَى إِلاّ أَنّهُ لاَ نَبِيّ بَعْدِي" وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "لأُعْطِيَنّ الرّايَةَ اليَوْمَ رَجُلاً يُحِبّ اللّهَ وَرَسُولهُ"؟(12).
6. أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا يعقوب عن أبي حازم قال: أخبرنا سهل بن سعد أن رسول الله (ص) قال يومَ خيبر: "لأعطينّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحبّ الله ورسوله, ويحبه الله ورسولهُ", فلما أصبح النّاس غَدَوا على رسول الله (ص) كلّهم يرجو أن يُعطاها, قال: "أينَ عليّ بن أبي طالب", فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عَيْنَيْه, قال: "فأرسلوا إليه", فاُتي به, فبصق في عينه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجعٌ, فأعطاه الرّاية فقال عليّ: يا رسول الله, اُقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: "انفُذ على رِسْلك حتى تنزل بساحتهم, ثم ادعهم إلى الإسلام, فوالله لأن يهديَ الله بكَ رجلاً خيرٌ لكَ من أن يكونَ لكَ حُمْرُ النّعم"(13).
وأنت ـ أيها القارئ الكريم ـ اللبيب العارف.. إذا كان من يحبُه اللهُ ورسولهُ، ويحبَّ اللهَ ورسوله موجوداً، فهو المقدم على غيره ـ كبيراً كان أو صغيراً ـ في جميع الأحوال.. بل وهو الأفضل.




____________
(1) أصول الكافي (ج1) باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته.
(2) مسند أحمد بن حنبل. أول مسند الكوفيين. باب حديث البراء بن عازب. رقم: 17749.
(3) الإلهيات ج2 / 588.
(4) عساً: العس: القدح الضخم.
(5) أعمام النبي (ص).
(6) تاريخ الطبري. ج2 / ص63 ط القاهرة 1358ـ 1939م وقريب من الحديث السالف الذكر ما ورد في مسند أحمد بن حنبل / مسند الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) رقم الحديث / 885 حدثنا عبد الله حدثنا أبي ثنا أسود بن عامر حدثنا شريك عن الأعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي (رضي الله عنه) قال: " لما نزلت هذه الاَية (وأنذر عشيرتك الأقربين) قال: جمع النبي (ص) من أهل بيته , فاجتمع ثلاثون فأكلوا وشربوا , قال: فقال لهم: من يضمن عني ديْني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي في أهلي "؟ فقال رجل: ـ لم يسمّه شريك ـ يا رسول الله , أنت كنت بحراً من يقوم بهذا؟ قال: ثم قال الاَخر: قال: فعرض ذلك على أهل بيته فقال علي (رضي الله عنه) أنا".
(7) صحيح البخاري / باب مناقب علي بن أبي طالب / حديث رقم 3555.
(8) صحيح البخاري / باب مناقب علي بن أبي طالب / حديث رقم 3554.
(9) سورة آل عمران الاَية: 61.
(10) صحيح مسلم / باب فضائل الإمام علي بن أبي طالب / رقم 6167.
(11) صحيح مسلم / باب فضائل الإمام علي بن أبي طالب 6170.
(12) سنن ابن ماجة / باب فضائل الصحابة / رقم: 125.
(13) سنن النسائي الكبرى / رقم: 8079.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page