• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

علاء الدين الشفهيني

قال من قصيدة :
وعليك خزي يا أميّة دائماً
يبقى كما في النار دام بقاكِ
هلا صفحت عن الحسين ورهطه
صفح الوصيّ أبيه عن آباك
وعففت يوم الطف عفّة جدّه المبعوث
يوم الفتح عن طلقاك
أفهل يدٌ سلبت إماءَك مثلما
سلبت كريماتِ الحسين يداك
أم هل برزن بفتح مكة حسراً
كنسائه يوم الطفوف نساك
ابو الحسن علاء الدين الشيخ علي بن الحسين الحلي الشفهيني. عالم فاضل وأديب كامل وهو من المعاصرين للشهيد الأول المقتول سنة 786.
جمع بين الفضيلتين علم غزير وأدب بارع بفكر نابغ ونظر صائب ونبوغ ظاهر وفضل باهر. قال في الطليعة هو من شعراء أهل البيت عليهم‌السلام وقصائده الرنانة السائرة بمعانيها العالية وحلّتها الفضفاضة. ترجمه كثير من العلماء الأعلام.
وقصائده السبع الطوال التي رآها صاحب رياض العلماء بخط العلامة الشيخ محمد بن علي بن الحسن الجباعي العاملي تلميذ ابن فهد الحلي المتوفي سنة 841.
وقال المرحوم الخطيب الشيخ اليعقوبي في الجزء الأول من ( البابليات ) : أبو الحسن علاء الدين الشيخ علي بن الحسين المعروف بـ الشفهيني. المتوفي في حدود الربع الاول من القرن الثامن والمدفون في الحلة حيث يعرف قبره الآن في محلة ( المهدية ) (1).
وكم تحرّيت قبره منقباً في الزوايا التي تحت قبّته لعلي أجد صخرة أو لوحة عليها تاريخ وفاته فلم أجد شيئا.
تحقيق نسبته :
يوجد في كثير من النسخ المخطوط منها والمطبوع اختلاف كثير في نسبته
هذه ففي الـ ج 1 من كشكول الشيخ يوسف البحراني عند ذكر قصيدته الكافية « يا عين ما سفحت غروب دماك » بعنوان « الشهفيني » وكذلك في ( ج 2 ) منه عند ذكر قصيدته الرائية « أبرقٌ تراءى عن يمين ثغورها » بتقديم الهاء على الفاء وقرأت في آخر مجموعة للكفعمي بخطه ذكر فيها فهرس مصادر مجموعته ومنها « ديوان ابي الحسن الشهفيني » بتقديم الهاء على الفاء أيضا وذكره القاضي المرعشي في مجالس المؤمنين وأثنى عليه كثيراً وأثبت قسماً من قصيدته اللامية « نمّ العذار بعارضيه وسلسلا » بعنوان علي بن الحسين ( الشهيفيه ) وفي الرياض : وقيل في نسبته ابن الشفهينه وهو اسم امه وزعم بعضهم انه منسوب الى شفهين « قرية في جبل عامل أو البحرين » وليس في كلا القطرين قرية تعرف بهذا الاسم.
وذكره الشيخ داود الانطاكي صاحب التذكرة « من رجال القرن العاشر » في كتاب « تزيين الاسواق » ص 186 وقال عنه : ـ الأديب الحاذق علاء الدين ( الشاهيني ) وأثبت له بضعة أبيات من لاميته ـ نم العذار بعارضيه وسلسلا ـ أوردها شاهداً لما فيها من محاسن التشبيه.
وفي الذريعة في مادة ( ش ر ح ) شرح قصيدة الشيخ علي بن الحسين الشفهيني وفي بعض النسخ الشهفيني العاملي وهي مندرجة في ديوانه الكبير للشيخ السعيد الشهير أبي عبد الله محمد بن مكي الشهير سنة ست وثمانين وسبعمائة ذكره في الرياض بوصف الشفهيني وأشهر قصائده في مدح الأمير (ع) الكافية التي مطلعها :
ياعين ما سفحت غروب دماك
إلا بما ألهمتُ حبّ دُماك
والثانية اللامية التي مطلعها : « نم العذار بعارضيه وسلسلا ».
قال شيخنا في الذريعة : واظن الشرح للثانية اللامية فانها أجمع من الأولى في فضائل الامام عليه‌السلام وحروبه ومواقفه.
قلت : ـ ليس الشرح للامية وإنما هو للدالية ما سيأتي.
وفي روضات الجنات في ترجمة الشهيد الأول محمد بن مكي عند ذكر مؤلفاته ومصنفاته قال ومنها شرحه على قصيدة الشيخ ابي الحسن علي بن الحسين المشتهر بالشهفيني « بتقديم الهاء على الفاء » العاملي في مدح سيدنا امير المؤمنين (ع) ، « المجنسة » وهي من جملة ديوانه الكبير ثم قال والعجب ان صاحب أمل الآمل مع حرصه على جمع فضلاء جبل عامل كيف غفل عن ذكر هذا الرجل الجليل الفاضل الكامل ثم كيف جهل بحال هذا الشرح حيث لم يذكره في جملة مؤلفات الشهيد. قلت : والعجب من صاحب الروضات كيف غفل عما ورد في القسم الثاني من أمل الآمل ففيه يقول الشيخ علي الشفهيني الحلي فاضل شاعر أديب له مدائح كثيرة في أمير المؤمنين وسائر الأئمة (ع) فمنها قوله :
يا روح انس من الله البدئ بدا
وروح قدس على العرش العليّ بدا
يا علة الخلق يا من لا يقارب خير
المرسلين سواه مشبهٌ أبدا
يا من به كمل الدين الحنيف وللايمان
من بعد وهنٍ ميله عضدا
يا صاحب النص في خمّ ومَن رفع
النبي منه على رغم العدى عضدا
أنت الذي اختارك الهادي البشير أخاً
وما سواك ارتضى من بينهم أحدا
أنت الذي عجبت منك الملائك في
بدر ومن بعدها قد شاهدوا أحدا
مولاي دونكها بكرا منقحة
ما جاورت غير مغنى ( حلّة ) بلدا
رقّت فراقت لذي علم وينكرُ
معناها البليد ولا عتبٌ على البُلدا
أقول هذه القصيدة هي التي شرحها الشهيد بشرح دقيق اشتمل على فوائد
كثيرة ولما وقف المترجم على الشرح مدح الشارح بقطعة شعرية وإنما سميت بـ « المجنّسة » لماورد من الجناس اللفظي في كل مزدوج من أبياتها. وفي كتاب المزار من ( فلك النجاة ) للعلامة الشهير السيد مهدي القزويني الحلي في بيان قبور علماء الحلة كالمحقق والشيخ ورام وآل نما وآل طاووس وعدّ منها قبر « الشافيني » من غير هاء ـ ومن هنا يغلب على ظني بل يترجح لديّ أنه منسوب الى ( شيفيا ) أو ( شافيا ) وهي قرية على سبعة فراسخ من واسط ذكرها ياقوت في معجمه وذكر أسماء جماعة من أهلها والنسبة اليها « الشيفياني » أو الشافياني وانما حرفت من الرواة والنساخ الى شافيني وشفهيني وما شاكل ذلك. فلا يبعد أن يكون أصل المترجم منها.
وبعد ابتداء الخراب في واسط وما جاورها من القرى والضواحي على أثر سقوط الدولة العباسية وغارات التتار على البلاد هاجر المترجم الى الحلة لكونها في ذلك العهد دار الهجرة ومحط رِحال العلماء والأدباء :
حنينه الى وطنه :
ويؤكد ما رجحناه من عدم كونه ( حليا ) بالاصل حنينه في شعره الى بلد كان قد نشأ فيه واستوطنه قبل الحلة فتراه دائماً يتذمر من غربته في قصائده التي قالها في الحلة ويبكي لنأي أحبابه ويندب فيها عصر شبابه ومن ذلك قوله :
أبكي اشتياقاً كلما ذُكروا
وأخو الغرام يهيجه الذكر
ورجوتهم في منتهى أجلي
خلفاً فاخلف ظني الدهر
وأنا الغريب الدار في وطني
وعلى اغترابي ينقضي العمر
وقوله أيضا من قصيدة ( حسينية )
وقد كنتُ أبكي والديار أنيسةٌ
وما ظعنت للظاعنين قفول
فكيف وقد شطّ المزار وروّعت
فريق التداني فرقة ورحيل
إذا غبتم عن ربع حلّة بابل
فلا سحبت للسحب فيه ذيول
وما النفع فيها وهى غير أو اهل
ومعهدها ممن عهدت محيل
تنكر منها عرفها فاهيلها
غريب وفيها الأجنبي أهيل
وقوله في أخرى :
أقسمت يا وطني لم يهننى وطري
مذ بان عني فيك البان والأثل
لي بالربوع فؤاد منك مرتبع
وفي الرواحل جسمٌ عنك مرتحل
لا كنت إن قادني عن قاطنيك هوى
أو مال بي مللٌ أو حال بي حول
نظرة في شعره ونماذج منه :
اتفق المترجمون له على أنه كان عالماً أديباً وشاعراً طويل النفس للغاية
يغلب على شعره الجناس والطباق وغيرهما من المحسنات البديعية وقد نشأ في العصر الذي فسدت فيه معاني الشعر العربي والفاظه ، أما المعاني فتكاد تكون مقصورة على المدح والرثاء والاستجداء وتأليه الكبراء من ذوي المال والسلطان وفي ذلك ما فيه من الكذب والافراط في الغلو. وأما الالفاظ وقد أصبحت وكأن الغاية منها التنميق والمجانسات البديعية وتنسيق الكلمات المعجمة والمهملة وكيف يقابل الشاعر بعضها ببعض في الصدور والاعجاز بعيداً عن أساليب العربية. ولغتها الفصحى كما تجد ذلك في شعر ابن نباتة وابن حجة والصفي والصفدي وأضرابهم من شعراء ذلك العصر بيد ان شيخنا علاء الدين تتجلى لك براعته وعبقريته في امتياز شعره الذي قاله في اهل البيت (ع) ـ وليس بين ايدينا غيره ـ بقوّة المعاني وسلاسة المباني ومتانة الاسلوب مع ما فيه من المحسنات البديعية التي كأنها تأتيه عفواً بلا تكلّف وتطاوعه من
ر قصد. وله ديوان شعر كبير اكثره في مدح اهل البيت (ع) ورثائهم ، لا تكاد تخلو معظم المجاميع المخطوطة عن شيء منه واشهر قصائده السبع الطوال التي رآها صاحب « رياض العلماء » بخط العلامة محمد بن علي الجبعي تلميذ ابن فهد الحلي المتوفي سنة 841 وهي عندي ايضاً بخط جميل على ورق صقيل ضمن مجموعة كبيرة كتبها الأديب الشيخ لطف الله الجد حفصي البحراني سنة 1201 ولو تصدى ( مؤرخ أديب ) لشرحها وسرد ما تضمنته من القضايا التأريخية والفضائل العلوية والمواقف الحيدرية لكانت خيرة كتب الأدب والتاريخ.
اقول وهذه السبع الطوال نذكرها بالتسلسل.
القصيدة الاولى.
يا عين ما سفحت غروب دماكِ
إلا بما أُلهمت حُبّ دماك
ولطول إلفك بالطلول أراك
أقماراً بزغنَ على غصون أراكِ
ما ريق دمعك حين راق لك الهوى
إلا لأمر في عناك عناكِ
لك ناظرٌ في كل عضو ناضرٍ
منّاك تسويفاً بلوغ مناك
كم نظرة أسلفت نحو سوالف
سامت أساك بها علاج أساك
فجنيتِ دون الورد ورداً متلفاً
وانهار دون شفاك فيه شفاك
يا بانة السعدي ما سَلت ظُباك
عليّ الا من جفون ظِباك
شعبت فؤادي في شعابك ظبية
تصمي القلوب بناظر فتاك
تبدو هلال دجى وتلحظ جؤذراً
وتميس دلاً في منيع حماك
شمس تبوّءت القلوب منازلاً
مأنوسة عوضاً عن الأفلاك
سكنت بها فسكونها متحرك
وجسومها ضعفت بغير حراكِ
أسديّة الآباء الا أن منتسب
الخؤولة من بني الاتراك
أشقيقه الحسبين هل من زورة
فيها يُبلّ من الضنا مضناكِ؟
ماذا يضرّك يا ظبيّه بابل
لو أنّ حسنك مثله حسناكِ؟
أنكرت قتل متيم شهدت له
خدّاك ما صنعت به عيناك؟
وخضبت من دمه بناتك عنوة
وكفاك ما شهدت به كفاكِ؟
حجبتك عن أسد اسود عرينها
وحماك لحظك عن اسود حماكِ
حجبوك عن نظري فيا لله ما
أدناك من قلبي وما أقصاك
ضنّ الكرى با لطيف منك فلم يكن
إسراك بل هجر الكرى أُسراكِ
ليت الخيال يجود منك بنظرة
ان كان عزّ على المحب لقاكِ
فأرقت أرض الجامعين فلا الصبا
عذب ولا طرف السحائب باكي
كلا ولا برد الكلابيد الحيا
فيها يحاك ولا الحمام يحاكي
ودّعت راحلة فكم من فاقد
باكٍ وكم من مسعف متباكي
أبكى فراقكم الفريق فأعين
المشكوّ تبكي رحمة للشاكي
كنّا وكنت عن الفراق بمعزل
حتّى رمانا عامداً ورماكِ
وكذا الأولى من قبلنا بزمانهم
وثقوا فصيّرهم حكاية حاكي
يا نفس لو أدركتِ حظا وافراً
لنهاكِ عن فعل القبيح نهاك
وعرفت من أنشاكِ من عدم إلى
هذا الوجود وصانعاً سوّاك
وشكرتِ منّته عليك وحسن ما
أولاك من نعمائه مولاك
أولاك حبّ محمد ووصيّه
خير الأنام فنعم ما أولاكِ
فهما لعمرك علّماك الدين في
الأولى وفي الأخرى هما عَلماك
وهما أمانك يوم بعثك في غدٍ
وهما إذا انقطع الرجاء رجاك
وإذا وقفتِ على الصراط تبادرا
فتقدّماك فلم تزل قدماك
وإذا انتهيت إلى الجنان تلقّيا
ك وبشّراكِ بها فيا بشراك
هذا رسول الله حسبك في غدٍ
يوم الحساب إذا الخليل جفاك
ووصيّه الهادي أبو حسنٍ إذا
أقبلت ظامية إليه سقاك
فهو المشفّع في المعاد وخير من
عاقت به بعد النبي يداك
وهو الذي للدين بعد خموله
حقاً أراك فهذّبت آراكِ
لولاه ما عرف الهدى ونجوتِ من
متضايق الأشراك والإشراك
هو فلك نوح بين ممتسك به
ناجٍ ، ومطّرح مع الهُلاكِ
كم مارقٍ من مازقٍ قد غادرت
مزقاً حدود حسامه الفتاك
سل عنه بدراً حين بادر قاصم
الأملاك قائد موكب الأملاك
مَن صبّ صوب دم الوليد ومن ترى
أخلا من الدهم الحماة حماك؟
واسئل فوارسها بأحد مَن ترى
ألقاك وجه الحتف عند لقاكِ؟
وأطاح طلحة عند مشتبك القنا
ولواك قسرا عند نكسِ لواك؟
واسئل بخيبر خابريها مَن ترى
عفّي فناك ومن أباح فناك؟
وأذاق مرحبك الردى وأحلّه
ضيق الشباك وفل حد شباكِ؟
واستخبري الأحزاب لماجرّدت
بيض المذاكي فوق جرد مذاكي
واستشعرت فرقاً جموعك إذ غدت
فرقاً وأدبر إذ قفاك قفاك
قد قلتُ حين تقدّمته عصابة
جهلوا حقوق حقيقة الادراك
لا تفرحي فبكثر ما ستعذبتِ في
أولاك قد عذّبت في أخراك
يا أمّة نقضت عهود نبيّها
أفمن إلى نقض العهود دعاك
وصاك خيراً بالوصي كأنّما
متعمداً في بغضه وصّاك
أو لم يقل فيه النبي مبلّغاً
هذا عليّك في العلى أعلاك
وأمين وحي الله بعدي وهو في
إدراك كل قضية أدراكِ
والمؤثر المتصدق الوهاب إذ
الهاك في دنياك جمع لهاك
إياك ان تتقدّميه فإنه
في حكم كلّ قضيّة أقضاك
فأطعت لكن باللسان مخافةً
من بأسه والغدر حشو حشاكِ
حتى إذا قبض النبي ولم يطل
يوماً مداك له سننت مداكِ
وعدلت عنه إلى سواه ضلالةً
ومددت جهلاً في خطاك خطاك
وزويت بضعة أحمد عن إرثها
ولبعلها إذ ذاك طال أذاك
يا بضعة الهادي النبي وحق من
أسماك حين تقدّست أسماك
لا فاز من نار الجحيم معاندٌ
عن إرث والدك النبي زواك
يا يتم لا تمت عليك سعادة
وعداك متمسكا بحبل عداك
لولاك ما ظفرت علوج أُمية
لكن دعاك الي الشقاء شقاذ
تالله ما نلت السعادة إنما
أهواكِ في نار الجحيم هواك
أنّى استقلت وقد عقدت لآخر
حُكماً فكيف صدقت في دعواك
ولأنت اكبر يا عديّ عداوة
والله ما عضد النفاق سواك
لا كان يوم كنت فيه وساعة
فض النفيل بها ختام صهاك
وعليك خزي يا امية دائما
يبقى كما في النار دام بقاك
هلا صفحت عن الحسين ورهطه
صفح الوصي أبيه عن آباك؟
وعففت يوم الطف عفّة جدّه
المبعوث يوم الفتح عن طلقاك؟
أفهل يدٌ سلبت إماءك مثل ما
سلبت كريمات الحسين يداك؟
أم هل برزن بفتح مكّة حسّرا
كنسائه يوم الطفوف نساك؟
يا أمة باءت بقتل هداتها
أفمن إلى قتل الهداة هداك؟
أم اي شيطان رماك بغيّه؟
حتى عراك وحلّ عقد عُراك
بئس الجزاء لأحمد في آله
وبنيه يوم الطف كان جزاك
فلئن سررت بخدعة أسررت في
قتل الحسين فقد دهاك دُهاكِ
ما كان في سلب ابن فاطم ملكه
ما عنه يوماً لو كفاك كفاك
لهفي على الجسد المغادر بالعرا
شلواً تقلبّه حدود ظُباك
لهفي على الخد التريب تخدّه
سفهاً بأطراف القنا سُفهاك
لهفي لآلك يا رسول الله في
أيدي الطغاة نوائحاً وبواكي
ما بين نادبة وبين مروعة
في أسر كل معاندٍ أفّاك
تالله لا أنساك زينب والعدا
قسراً تجاذب عنكِ فضل رداك
لم أنس لا والله وجهك إذ هوت
بالردن ساترةً له يمناك
حتى إذا همّوا بسلبك صحت باسم
أبيك واستصرخت ثمّ أخاك
لهفي لندبك باسم ندبك وهو
مجروح الجوارح بالسياق يراك
تستصرخيه أسى وعز عليه أن
تستصرخيه ولا يُجيب نداك
والله لو أن النبي وصنوه
يوماً بعرصة كربلا شهداك
لم يمس منهتكا حماكِ ولم تمط
يوماً اميّة عنك سجف خباك
يا عين إن سفحت دموعك فليكن
أسفاً على سبط الرسول بكاكِ
وابكي القتيل المستضام ومَن بكت
لمصابه الأملاك في الأفلاك
اقسمت يا نفس الحسين أليّة
بجميل حسن بلاكِ عند بلاك
لو ان جدك في الطفوف مشاهد
وعلى التراب تريبة خدّاك
ما كان يؤثر أن يرى حر الصفا
يوماً وطاك ولا الخيول تطاك
أو أن والدك الوصيّ بكربلا
يوماً على تلك الرمول يراك
لفداك مجتهداً وودّ بأنّه
بالنفس من ضيق الشراك شراك
قد كنت شمساً يستضاء بنورها
يعلو على هام السماك سماك
وحمىً يلوذ به المخوف ومنهلاً
عذباً يصوب نداك قبل نداك
ما ضرّ جسمك حرّ جندلها وقد
أضحى سحيق المسك ترب ثراك
فلئن حرمت من الفرات وورده
فمن الرحيق العذب ريّ صداك
ولئن حرمت نعيمها الفاني؟ فمن
دار البقاء تضاعفت نعماك
ولئن بكتك الطاهرات لوحشة
فالجور تبسم فرحةً بلقاك
ما بتّ في حمر الملابس غدوةً
إلا انثنت خضراً قبيل مساك
اني ليقلقني التلهف والأسى
إذ لم أكن بالطف من شهداك
لأقيك من حر السيوف بمهجتي
وأكون إذ عز الفداء فداك
ولئن تطاول بعد حينك بيننا
حينٌ ولم أك مسعداً سعداك؟
فلا بكينك ما استطعت بخاطرٍ
تحكي غرائبه غروب مداك
وبمقول ذرب اللسان أشد من
جند مجنّدة على أعداك
ولقد علمت حقيقة وتوكلاً
أنّي سأسعد في غدٍ بولاك
وولاء جدّك والبتول وحيدرٍ
والتسعة النجباء من أبناكِ
قوم عليهم في المعاد توكّلي
وبهم من الأسر الوثيق فكاكي
فليهن عبدكم « عليّاً » فوزه
بجنان خلد في حنان علاك
صلّى عليك الله ما أملاكه
طافت مقدّسة بقدس حماك
القصيدة الثانية :
أبرق تراءى عن يمين ثغورها
أم ابتسمت عن لؤلؤ من ثغورها
ومرّت بليل في بَليل عراصها
بنا نسمةٌ أم نفحة من عبيرها
وطلعة بدرٍ أم تراءت عن اللوى
لعينيك ليلى من خلال ستورها
نعم هذه ليلى وهاتيك دارها
بسقط اللوى يغشاك لئلاء نورها
سلام على الدار التي طالما غدت
جلاءاً لعيني درّة من درورها
وما عطفت بالصب ميلاً إلى الصبا
بها شغفاً إلا بدور بدورها
قضيت بها عصر الشباب بريئة
من الريب ذاتى مع ذوات خدورها
أتم جمالاً من جميل وسودداً
وأكثر كسباً للعلى من كثيرها
وبتُّ بريئاً من دنوّ دناءة
أعاتب من محظورها وخطيرها
لعلمي بأنّي في المعاد مناقش
حساباً على قطميرها ونقيرها
وما كنت من يسخو بنفس نفيسة
فأرخص بذلاً سعرها بسعيرها
وأجمل ما يعزى الى المجد عزوة
غداً سفراً بالبشر وجه بشيرها
أعذرٌ لمبيض العذار إذا صبا؟
وأكبر مقتاً صبوة من كبيرها
كفى بنذير الشيب نهياً لذي النهى
وتبصرةً فيها هدى لبصيرها
وما شبت إلا من وقوع شوائب
لأصغرها يبيض رأس صغيرها
ولولا مصاب السبط بالطف ما بدا
بليل عذاري السبط وخط قتيرها
رمته بحرب آل حرب وأقبلت
إليه نفورا في عداد نفورها
تقود اليه القود في كل جحفل
إلى غارة معتدَّة من مغيرها
وما عدلت في الحكم بل عدلت به
وقايع صفين وليل هريرها
وعاضدها في غيّها شرّ أمّة
على الكفر لم تسعد برأي مشيرها
خلاف سطور في طروس تطلّعت
طلايع غدرٍ في خلال سطورها
فحين أتاها واثق القلب أصبحت
نواظرها مزوِّرة غبّ زورها
فما أوسعت في الدين خرقاً ولا سعت
إلى جورها إلا لترك ُأجورها
بنفسي إذ وافى عصاة عصابة
غرار الضبا مشحوذة من غرورها
قؤولاً لأنصارٍ لديه وأسرةٍ
لذي العرش سِرّ مودع في صدورها
أعيذكم أن تطعموا الموت فاذهبوا
بمغفرةٍ مرضيّة من غفورها
فاجمل في رد الندا كلّ ذي ندى
ينافس عن نفس بما في ضميرها
أعن فرق نبغي الفراق وتصطلي
وحيداً بلا عون شرار شرورها؟
وما العذر في اليوم العصيب لعصبة
وقد خفرت يوماً ذمام خفيرها؟
وهل سكنت روح الى روح جنّة
وقد خالفت في الدين أمر أميرها؟
أبى الله إلا أن تراق دماؤنا
وتصبح نهباً في أكف نسورها
وثابوا الى كسب الثواب كأنهم
أسود الشَّرى في كرّها ورئيرها
تهشّ إلى الاقدام علماً بأنها
تحلُّ محلَّ القدس عند مصيرها
قضت فقضت في جنة الخلد سؤلها
وسادت على أحبارها بحبورها
وهان عليها الصعب حين تأملت
إلى قاصرات الطرف بين قصورها
وما أنس لا أنسى ( الحسين ) مجاهداً
بنفسٍ خلت من خلّها وعشيرها
يصول إذا زرق النصول تأوّهت
لنزع قني أعجمت من صريرها
ترى الخيل في أقدامها منه ما ترى
محاذرة إن أمّها من هصورها
فتصرف عن بأس مخافة بأسه
كما جفلت كدر القطا من صقورها
يفلّق هاماة الكماة حسامه
له بدلاً من جفنها وجفيرها
فلا فرقه إلا وأوسع سيفه
بها فرقاً أو فرقة من نفورها
أجدّك هل سمر العواسل تجتنى
لكم عسلاً مستعذباً من مريرها؟
أم استنكرت انس الحياة نفاسة
نفوسكُم فاستبدلت أنس حورها؟
بنفسي مجروح الجوارح آيساً
من النصر خلواً ظهره من ظهيرها
بنفسي محزوز الوريد معفّراً
على ظمأ من فوق حرّ صخورها
يتوق إلى ماء الفرات ودونه
حدود شفار أحدقت بشفيرها
قضى ظامياً والماء يلمع طامياً
وغودر مقتولاً دوين غديرها
هلال دُجاً أمسى بحدّ غروبها
غروباً على قيعانها ووعورها
فيا لك مقتولاً علت بهجة العلى
به ظلمة من بعد ضوء سفورها
وقارن قرن الشمس كسف ولم تعد
نظارتها حزناً لفقد نظيرها
وأعلنت الأملاك نوحاً وأعولت
له الجنّ في غيطانها وحفيرها
وكادت تمور الأرض من فرط حسرة
على السبط لولا رحمة من مُميرها
ومرت عليهم زعزع لتذيقهم
مرير عذاب مهلك بمريرها
أسفت وقد آبو نجيّاً ولم ترح
لهم دابر مقطوعة بدبورها
واعجب إذ شالت كريم كريمها
لتكبيرها في قتلها لكبيرها
فيا لك عيناً لا تجفُّ دموعها
وناراً يذيب القلب حرُّ زفيرها
وتقلع منَّا أنفس عن سرورها
أيقتل خير الخلق أمّاً ووالداً
وأكرم خلق الله وابن نذيرها؟
ويمنع من ماء الفرات وتغتدي
وحوش الفلا ريّانةً من نميرها؟
أجلّ ( حسيناً ) أن يمثل شخصه
بمثلة قتل كان غير جديرها
يدير على رأس السنان برأسه
سنان ألا شلّت يمين مديرها
ويؤتى بزين العابدين مكبلاً
أسيراً ألا روحي الفدا لأسيرها
يقاد ذليلاً في القيود ممثّلا
لأكفر خلق الله وابن كفورها
ويمسى يزيد رافلاً في حريره
ويمسي حسينُ عارياً في حرورها
ودار بنى صخر بن حرب أنيسة
بنشد أغانيها وسكب خمورها
تظلُّ على صوت البغايا بغاتها
بها زمر تلهو بلحن زمورها
ودار عليّ والبتول واحمد
وشبّرها مولى الورى وشبيرها
معالمها تبكي على علمائها
وزائرها يبكي لفقد مزورها
منازل وحي أقفرت فصدورها
بوحشتها تبكي لفقد صدورها
تظل صياماً أهلها ففطورها
التلاوة والتسبيح فضل سحورها
إذا جنّ ليل زان فيه صلاتهم
صلات فلا يحصى عداد يسيرها
وطول على طول الصلاة ومن غدا
مقيماً على تقصيره في قصيرها
قفا نسأل الدار التي درس البلى
معالمها من بعد درس زبورها
متى أفلت عنها شموس نهارها
وأظلم ظلماً أفقها من بدورها
بدور بأرض الطف طاف بها الردى
فأهبطها من جوّها في قبورها
كواسر عقبان عليها تعاقبت
بغاث بغات إذ نأت عن وكورها
قضت عطشاً والماء طام فلم تجد
لها منهلاً إلا دماء نحورها
عراة عراها وحشة فأذاقها
وقد رميت بالهجر حرّ هجيرها
ينوح عليها الوحش من طول وحشة
وتندبها الأصداء عند بكورها
سيسأل تيم عنهُم وعدّيها
أوائلها ما أكَّدت لأخيرها
ويسأل عن ظلم الوصي وآله
مشير غواة القوم من مستشيرها
وما جرَّ يوم الطف جور أمية
على السبط إلا جرأة ابن أجيرها
تقمصها ظلماً فأعقب ظلمه
تعقب ظلم في قلوب حميرها
فيا يوم عاشوراء حسبك إنك
المشوم وإن طال المدى من دهورها
لأنت وإن عظمت أعظم فجعة
وأشهر عندي بدعة من شهورها
فما محن الدنيا وإن جلَّ خطبها
تشاكل من بلواك عشر عشيرها
بني الوحي هل من بعد خبرة ذي العلى
بمدحكم من مدحةٍ لخبيرها
كفى ما أتى في ( هل أتى ) من مديحكم
وأعرافها للعارفين وطورها )
إذا رمت أن أجلو جمال جميلكم
وهل حصر ينهى صفات حصورها
تضيق بكم ذرعاً بحور عروضها
ويحسدكم شحّاً عريض بحورها
منحتكم شكراً وليس بضايع
بضائع مدحٍ منحة من شكورها
أقيلوا عثاري يوم لا فيه عثرة
تقال إذا لم تشفعوا لعثورها
فلي سيئات بتُّ من خوف نشرها
على وجل أخشى عقاب نشورها
فما مالك يوم المعاد بمالكي
إذا كنتم لي جنّة من سعيرها
وإني لمشتاق إلى نور بهجة
سنا فجرها يجلو ظلام فجورها
ظهور أخي عدل له الشمس آية
من الغرب تبدو معجزاً في ظهورها
متى يجمع الله الشتات وتجبر
القلوب التي لا جابر لكسيرها؟
متى يظهر المهديُّ من آل هاشم
على سيرة لم يبق غير يسيرها؟
متى تقدم الرايات من أرض مكّة
ويضحكني بشراً قدوم بشيرها؟
وتنظر عيني بهجةً علوية
ويسعد يوماً ناظري من نضيرها
وتهبط أملاك السماء كتائباً
لنصرته عن قدرة من قديرها
وفتيان صدقٍ من لوي بن غالب
تسير المنايا رهبة لمسيرها
تخا لهم فوق الخيول أهلّةً
ظهرن من الأفلاك أعلا ظهورها
هنالك تعلو همّة طال همها
لإدراك ثارٍ سالفٍ من مثيرها
وإن حان حيني قبل ذاك ولم يكن
لنفس ( عليّ ) نصرة من نصيرها
قضى صابراً حتّى انقضاء مراده
وليس يضيع الله أجر صورها
القصيدة الثالثة
ذهب الصبا وتصرّم العمرُ
ودنا الرحيل وقوّض السفرُ
ووهت قواعد قوّتي وذوى
غصن الشبيبة وانحنى الظهرُ
وبكت حمايم دوحتي أسفاً
لمّا ذوت عذباتها الخضرُ
وخلت من الينع الجنيّ فلا
قطف بها يجنى ولا زهرُ
وتبدَّلت لذهاب سندسها
ذهبيّة أوراقها الصفرُ
وتغيبت شمس الضحى فخلى
للبيض عن أوطاني النفرُ
وجفونني بعد الوصال فلا
هدي يقرّبني ولا نحرُ
وهجرن بيتي أن يطفن به
ولهنّ في هجرانه عذرُ
ذهبت نضارة منظري وبدا
في جنح ليل عذاري الفجرُ
وإذا الفتى ذهبت شبيبته
فيما يضرَّ فربحه خسرُ
وعليه ما اكتسبت يداه إذا
سكن الضريح وضمَّه القبرُ
وإذا انقضى عمر الفتى فرطاً
في كسب معصية فلا عمرُ
ما العمر إلا ما به كثرت
حسناته وتضاعف الأجرُ
ولقد وقفت على منازل من
أهوى وفيض مدامعى غمرُ
سألتها لو أنها نطقت
أم كيف ينطق منزل قفرُ
يا دار هل لك بالأولى لحلوا
خَبر؟ وهل لمعالم خُبرُ؟
أين البدور بدور سعدك يا
مغنى؟ وأين الأنجم الزهرُ؟
أين الكفاة ومن أكفّهم
في النايبات لمعسر يسرُ؟
أين الربوع المخصبات إذا
عفت السنون وأعوز البشرُ
أين الغيوث الهاطلات إذا
بخل السّحاب وأنجم القطرُ؟
ذهبوا فما وابيك بعدهُمُ
للنّاس نيسان ولا غمرُ
تلك المحاسن في القبور على
مر الدهور هوامدٌ دثرُ
أبكي اشتياقاً كلما ذكروا
وآخو الغرام يهيجه الذكرُ
ورجوتهم في منتهى أجلي
خلفاً فاخلف ظنّي الدهرُ
فأنا الغريب الدار في وطني
وعلى اغترابي ينقضي العمرُ
يا واقفاً في الدار مفتكراً
مهلاً فقد أدوى بك الفكرُ
إن تمس مكتئباً لبينهمُ
فعقيب كلِّ كآبة وزرُ
هلا صبرت على المصاب بهم
وعلى المصيبة يحمد الصبرُ
وجعلت رزءك في الحسين ففي
رزء ابن فاطمة لك الأجر
مكروا به أهل النفاق وهل
لمنافق يستبعد المكرُ؟
بصحايف كوجوههم وردت
سوداً وفحو كلامهم هجرُ
حتّى أناخ بعقر ساحتهم
ثقةً تأكّد منهم الغدرُ
وتسارعوا لقتاله زمراً
ما لا يحيط بعدّه حصرُ
طافوا بأروع في عرينته
يحمى النزيل ويأمن الثغرُ
جيش لهام يوم معركة
وليوم سلمٍ واحد وترُ
فكأنَّهم سرب قد اجتمعت
إلفاً فبدّد شملها صقرُ
أو حاذر ذو لبدة وجمت
لهجومه في مرتع عفرُ
يا قلبه وعداه من فرق
فرق وملؤ قلوبهم ذعرُ
أمن الصّلاب الصّلب أم زبر
طبعت وصبَّ خلالها قطرُ
وكأنه فوق الجواد وفي متن
الحسام دماؤهم هدرُ
أسد على فلكٍ وفي يده
المرّيخ قاني اللون محمرُ
حتى إذا قرب المدى وبه
طاف العدى وتقاصر العمرُ
أردوه منعفراً تمجُّ دماً
منه الظبى والذبّل السمرُ
تطأ الخيول إهابه وعلى الـ
ـخدّ التريب لوطيها أثرُ
ظامٍ يبلّ أوام غلًته
ريّاً يفيضُ نجيعه النحرُ
تأباه إجلالا فتزجرها
فئة يقود عصاتها شمرُ
فتجول في صدر أحاط على
علم النبوّة ذلك الصدرُ
بأبي القتيل ومن بمصرعه
ضعف الهدى وتضاعف الكفرُ
بأبي الذي أكفانه نُسجت
من عثيرٍ وحنوطه عفرُ
ومغسّلاً بدم الوريد فلا
ماءُ أُعدّ له ولا سدرُ
بدر هوى من سعده فبكا
لخمود نور ضيائه البدرُ
هوت النسور عليه عاكفةً
وبكاه عند طلوعه النسرُ
سلبت يد الطلقاء مغفره
فبكى لسلب المغفر الغفرُ
وبكت ملائكة السّماء له
حزناً ووجه الأرض مغبرُّ
والدَّهر مشقوق الرداء ولا
عجبٌ يشق رداءه الدهرُ
والشمس ناشرة ذوائبها
وعليه لا يستقبح النشرُ
برزت له في زيّ ثاكلة
أثيابها دمويَّة حمرُ
وبكت عليه المعصرات دماً
فأديم خد الأرض محمرُ
لا عذر عندي للسّماء وقد
بخلت وليس لباخل عذرُ
وكريمة المقتول يوجد من
دمه على أثوابها أثرُ
بأبي كريمات « الحسين » وما
من دونهن لناظر سترُ
لا ظلُّ سجف يكتنفن به
عن كلِّ أفّاك ولا خدرُ
ما بين حاسرة وناشرة
برزت يواري شعرها العشرُ
يندبن أكرم سيّد ظفرت
لأقلِّ أعبده به ظفرُ
ويقلن جهراً للجواد وقد
أمّ الخيام : عُقرت يا مهرُ
ما بال سرجك يا جواد من النـ
ـدب الجواد أخي العلا صفرُ؟
آهاً لها نار تأجج في
صدري فلا يطفى لها حرُّ
أيموت ظمآنا « حسين » وفي
كلتا يديه من الندى بحرُ؟
وبنوه في ضيق القيود ومن
ثقل الحديد عليهم وقرُ
حملوا على الأقتاب عارية
شعثاً وليس لكسرهم جبرُ
تسري بهم خوص الركاب
وللطلقاء في أعقابها زجرُ
لا راحم لهم يرقُّ ولا
فيما أصابهمُ له نكرُ
ويزيد في أعلا القصور له
تشدو القيان وتسكب الخمرُ
ويقول جهلاً والقضيب به
تدمي شفاة ( حسين ) والثغرُ
يا ليت أشياخي الأولى شهدوا
لسراة هاشم فيهم بدرُ
شهدوا الحسين وشطر أسرته
أسرى ومنهم هالك شطرُ
إذ لا ستهلوا فيهم فرحاً
كأبي غداة غزاهم بسرُ (1)
ويقول وزراً إذ بطشت بهم
لا خفّ عنه ذلك الوزرُ
زعموا بأن سنعود ثانية
وأبيك لا بعث ولا نشرُ
يا بن الهداة الأكرمين ومن
شرف الفخار بهم ولا فخرُ
قسماً بمثواك الشريف وما
ضمت منى والركن والحجرُ
فهم سواء في الجلالة إذ
بهم التمام يحلّ والقصرُ
تعنو له الألباب تلبية
ويطوف ظاهر حجره الحجرُ
ما طائر فقد الفراخ فلا
يؤويه بعد فراخه وكرُ
بأشدّ من حزني عليك ولا
الخنساء جدّد حزنها صخرُ
ولقد وددت بأن أراك وقد
قلّ النصير وفاتك النصرُ
حتّى أكون لك الفداء كما
كرماً فداك بنفسه الحرُ
ولئن تفاوت بيننا زمن
عن نصركم وتقادم العصرُ
فلا بكيّنك ما حييت أسى
حتّى يواري أعظمي القبرُ
ولا منحنّك كل نادبةٍ
يعنو لنظم قريضها الشعرُ
أبكار فكري في محاسنها
نظم وفيض مدامعي نثرُ
ومصاب يومك يابن فاطمة
ميعادنا وسلوّنا الحشرُ
أو فرحة بظهور قائمكم
فيها لنا الإقبال والبشرُ
يوماً تردّ الشمس ضاحيةً
في الغرب ليس لعرفها نكرُ
وتكبّر الأملاك مسمعة
إلا لمن في أذنه وقرُ
ظهر الإمام العالم العلم
البر التقي الطاهر الطهرُ
من ركن بيت الله حاجبه
عيسى المسيح وأحمد الخضرُ
في جحفل لجبٍ يكاد بهم
من كثرة يتضايق القطرُ
فهم النجوم الزاهرات بدا
في تمّهِ من بينها البدرُ
عجّل قدومك يابن فاطمة
قد مسّ شيعة جدك الضرُ
علماؤهم تحت الخمول فلا
نفع لأنفسهم ولا ضرُ
يتظاهرون بغير ما اعتقدوا
لا قوة لهم ولا ظهرُ
استعذبوا مرّ الأذى فحلا
لهم ويحلو فيكم المرّ
فهم الأقل الاكثرون ومن
رب العباد نصيبهم وفر
أعلام دين رسّخ لهم
في نشر كل فضيلة صدر
فكفاهم فخراً إذا افتخروا
ما دام حياً فيهم الفخر
وصلوا نهارهم بليلهم
نظراً ومالو صالهم هجر
وطووا على مضض سرائرهم
صبراً وليس لطيّها نشر
حتّى يفض ختامها وبكم
يطفى بُعيد شرارها الشر
يا غائبين متى بقربكم
من بعدوهنٍ يجبر الكسر
ألفيء مقتسم لغيركم
وأكفّكم من فيئكم صفر
والمال حلّ للعصاة ويحر
مه الكرام السادة الغرّ
فنصيبم منه الأعمّ على
عصيانهم ونصيبكم نزر
يمسون في أمنٍ وليس لهم
من طارق يغتالهم حذر
ويكاد من خوف ومن جزع
بكم يضيق البر والبحر
ومنها :
وإذا ذكرتم في محافلهم
فوجوههم مربدّة صفر
يتميزون لذكركم حنقاً
وعيونهم مزورّة خزر
وعلى المنابر في بيوتكم
لاولي الضلالة العمى ذكر
حالٌ يسوء ذوي النهي وبه
يستبشر المتجاهل الغمر
ويصفقون على أكفّهم
فرحاً إذا ما أقبل العشر
جعلوه من أهنى مواسمهم
لا مرحباً بك أيها الشهر
تلك الأنامل من دمائكم
يوم الطفوف خضيبة حمر
فتوارث الهمج الخضاب فمن
كفر تولّد ذلك الكفر
نبكي فيضحكهم مصابكم
وسرورهم بمصابكم نكر
تالله ما سرّوا النبي ولا
لوصيّه بسرورهم سرّوا
فإلى مَ هذا الانتظار وفي
لهواتنا من صبرنا صبر
لكنّه لا بدّ من فرج
والأمر يحدث بعده الأمر
أبني المفاخر والذين علا
لهم على هام السها قدر
أسماؤكم في الذكر معلنة
يجلو محاسنها لنا الذكر
شهدت بها الأعراف معرفة
والنحل والأنفال والحجر
وبراءة شهدت بفضلكم
والنور والفرقان والحشر
وتعظم التوراة قدركم
فإذا انتهى سفر حكى سفر
ولكم مناقب قد أحاط بها الـ
ـانجيل حار لوصفها الفكر
ولكم علوم الغايبات فمنـ
ـها الجامع المخزون والجفر
هذا ولو شجر البسيطة أقلا
م وسبعة أبحر حبر
وفسيح هذي الأرض مجملة
طرس فمنها السهل والوعر
والإنس والأملاك كاتبة
والجن حتّى ينقضي العمر
ليعدّدوا ما فيه خصّكم
ذو العرش حتّى ينفذ الدهر
لم يذكروا عشر العشير وهل
يحصى الحصا أو يحصر الدرّ
فأنا المقصّر في مديحكم
حصراً فما لمقصّر عذر
ولقد بلوت من الزمان ولي
في كل تجربة بهم خبر
فوجدت ربّ الفقر محتقراً
وأخو الغنى يزهو به الكبر
فقطعت عمّا خوّلوا أملي
ولذي الجلال الحمد والشكر
وثنيت نحوكم الركاب فلا
زيد نؤمله ولا عمرو
حتّى إذا أمت جنابكم
ومن القريض حمولها دُرّ
آيت من الحسنات مثقلةً
فأنا الغني بكم ولا فقر
سمعاً بني الزهراء سائغةً
ألفاظها من رقّة سحر
عبقت مناقبكم بها فذكى
في كل ناحية لها عطر
يرجو « عليّ » بها النجاة أذا
مدّ الصراط وأعوز العبر
أعددتها يوم القيامة لي
ذخراً ونعم لديكم الذخر
فتقبلوها من وليّكم
بكراً فنعم الغادة البكر
فقبولكم نعم القرين لها
وهي العروس فبورك الصهر
لكم عليّ كمال زينتها
وليّ الجنان عليكم مهر
أنا عبدكم والمستجير بكم
وعليّ من مرح الصبا أصر
فتعطّفوا كرماً عليّ وقد
يتفضّل المتعطف البر
وتفقدوني في الحساب كما
فقد العبيد المالك الحر
صلّى الإله عليكم أبدا
ما جنّ ليل أو بدا فجر
وعليكم مني التحية ما
سحّ الحيا وتبسّم الزهر
القصيدة الرابعة
نمّ العذار بعارضيه وسلسلا
وتضمنت تلك المراشف سلسلا
قمر أباح دمي الحرام محلّلا
إذا مرّ يخطر في قباه محلّلا
رشأ تردّى بالجمال فلم يدع
لأخي الصبابة في هواء تجمّلا
کتب الجمال على صحيفة خدّه
بيراع معناه البهيج ومثّلا
فبدا بنوني حاجبيه معرّقاً
من فوق صادي مقلتيه وأقفلا
ثمّ استمدّ فمدّ أسفل صدغه
ألفاً ألفت به العذاب الأطولا
فاعجب له إذ همّ ينقط نقطةً
من فوق حاجبه فجاءت أسفلا
فتحقّقت في حاء حمرة خدّه
خالاً فعمّ هواه قلبي المبتلى
ولقد أرى قمر السماء إذا بدا
في عقرب المرّيخ حلّ مؤمّلا
وإذا بدا قمري وقارن عقربي
صدغيه حلّ به السعود فأكملا
أنابين طُرّته وسحر جفونه
رهن المنيّة إذ عليه توكلا
دبت لتحرس نور وجنة خدّه
عيني فقابلت العيون الغزلا
جاءت لتلقف سحرها فتلقفت
منّا القلوب وسحرها لن يبطلا
فاعجب لمشتركين في دم عاشق
حرم المنى ومحرّم ما حلّلا
جاءت وحين سعت لقلبي أو سعت
لسعاً وتلك نضت لقتلي منصلا
قابلته شاكي السلاح قد امتطى
في غرّة الأضحى أغرّ محجّلا
متردّياً خضر الملابس إذلها
باللؤلؤ الرطب المنضّد مجتلى
فنظرت بدراً فوق غصنٍ مائسٍ
خضر تعاوده الحيا فتكلّلا
وكأنّ صلت جبينه في شعره
كلئالي صفّت على بند الكلا
صبح على الجوزاء لاح لناظر
متبلّج فأزاح ليلاً أليلا
حتى إذا قصد الرميّة وانثنى
بسهامه خاطبته متمثّلا
لك ما ينوب عن السلاح بمثلها
يا من أصاب من المحب المقتلا
يكفيك طرقك نابلاً ، والقدّ
خطّاراً ، وحاجبك المعرّق عيطلا
عاتبته فشكوت مجمل صدّه
لفظاً أتى لطفاً فكان مفصّلا
وأبان تبيان الوسيلة مدمعي
فأعجب لذي نطقٍ تحمّل مهملا
فتضرّجت وجناته مستعذباً
عتبي ويعذب للمعاتب ما حلا
وافترّ عن ورد وأصبح عن ضحى
من لي بلثم المجتنى والمجتلى؟
مَن لي بغصن نقاً تبدّى فوقه
قمرٌ تغشى جنح ليل فانجلى؟
حلو الشمائل لا يزيد على الرضا
إلا عليّ قساوة وتدلّلا
بخلت به صيد الملوك فأصبحت
شرفاً له هام المجرّة منزلا
فالحكم منسوب إلى آبائه
عدلاً وبي في حكمه لن يعدلا
أدنو فيصرف معرضاً متدلّلاً
عني فاخضع طائعاً متذلّلاً
أبكي فيبسم ضاحكاً ويقول لي :
لا غرو إن شاهدت وجهي مقبلا
أنا روضةٌ والروض يبسم نوره
بشرا إذا دمع السحاب تهلّلا
وكذاك لا عجب خضوعك طالما
أسد العرين تقاد في أسر الطلا (1)
قسماً بفاء فتور جيم جفونه
لا خالفن على هواه العذّلا
ولأوقفن على الهوى نفساً علت
فغلت ويرخص في المحبة ما غلا
ولأحسنن وإن أسا ، وألين طو
عاً إن قسا ، وأزيد حباً إن قلا
لا نلت ممّا أرتجيه مآربي
إن كان قلبي من محبّته سلا
إن كنت أهواه لفاحشة فلا
بوّءت في دار المقامة منزلا
يا حبّذا متحاببين تواصلا
دهراً وما اعتلقا بفحش أذيلا
لا شيء أجمل من عفاف زانه
ورع ، ومن لبس العفاف تجمّلا
طبعت سرائرنا على التقوى ومن
طبعت سريرته على التقوى علا
أهواه لا لخيانة حاشى لمن
أنهى الكتاب تلاوة أن يجهلا
لي فيه مزدجر بما أخلصته
في المصطفى وأخيه من عقد الولا
فهما لعمرك علّة الأشياء في
العلل الحقيقة إن عرفت الأمثلا
ألأوّلان الآخران الباطنان
الظاهر ان الشاكران لذي العلا
الزاهدان العابدان الراكعان
الساجدان الشاهدان على الملا
خلقاً وما خلق الوجود كلاهما
نوران من نور العليّ تفصلا
في علمه المخزون مجتمعان لن
يتفرّقا أبداً ولن يتحوّلا
فاسأل عن النور الذي تجدّنه
في النور مسطوراً وسائل من تلا
واسأل عن الكلمات لمّا أنها
حقاً تلقى آدم فتقبلا
ثمّ اجتباه فأودعا في صلبه
شرفاً له وتكرّماً وتبجّلا
وتقلّباً في الساجدين وأودعا
في أطهر الأرحام ثم تنقلا
حتى استقرّ النور نوراً واحدا
في شيبة الحمد بن هاشم يُجتلى
قسماً لحكم إرتضاه فكان ذا
نعم الوصي وذاك أشرف مرسلا
فعليّ نفس محمد ووصيّه
وأمينه وسواه مأمون فلا
وشقيق نبعته وخير من اقتفى
منهاجه وبه اقتدى وله تلا
مولى به قبل المهيمن آدماً
لمّا دعا وبه توسّل أوّلا
وبه استقرّ الفلك في طوفانه
لمّا دعا نوح به وتوسلا
وبه خبت نار الخليل وأصبحت
برداً وقد أذكت حريقاً مشعلا
وبه دعا يعقوب حين أصابه
من فقد يوسف ما شجاه وأثقلا
وبه دعا الصديق يوسف إذ هوى
في جُبّه وأقام أسفل أسفلا
وبه أماط الله ضرّ نبيّه
أيّوب وهو المستكين المبتلا
وبه دعا عيسى فاحيى ميّتاً
من قبره وأهال عنه الجندلا
وبه دعا موسى فأوضحت العصا
طرقاً ولجّة بحرها طام ملا
وبه دعا داود حين غشاهم
جالوت مقتحماً يقود الجحفلا
ألقاه دامغه فأردى شلوه
ملقى وولّى جمعه متجفّلا
وبه دعا لمّا عليه تسوّر
الخصمان محراب الصلاة وأدخلا
فقضى على إحديهما بالظلم في
حكم النعاج وكان حكماً فيصلا
فتجاوز الرحمن عنه تكرّماً
وبه ألان له الحديد وسهّلا
وبه سليمان دعا فتسخرت
ريح الرخاء لأجله ولها علا
وله استقرّ الملك حين دعا به
عمر الحياة فعاش فيه مخوّلا
وبه توسّل آصف لمّا دعا
بسرير بلقيس فجاء معجّلا
ألعالم العلم الرضي المرتضى
نور الهدى سيف العلاء أخ العلا
مَن عنده علم الكتاب وحكمه
وله تأوّل متقناً ومحصّلا
وإذا علت شرفاً ومجداً هاشم
كان الوصي بها المعّم المخولا
لا جده يتم بن مرة لا ولا
أبواه من نسل النفيل تنقّلا
ومكسّر الأصنام لم يسجد لها
متعفراً فوق الثرى متذلّلا
لكن له سجدت مخافة بأسه
لمّا على كتف النبي عُلاً على
تلك الفضيلة لم يفز شرفاً بها
إلا الخليل أبوه في عصر خلا
إذ كسّر الأصنام حين خلا بها
سراً وولى خائفاً مستعجلا
فتميّز الفعلين بينهما وقس
تجد الوصيّ بها الشجاع الأفضلا
وانظر ترى أزكى البريّة مولداً
في الفعل متبعاً أباه الأوّلا
وهو القؤل وقوله الصدق الذي
لا ريب فيه لمن دعى وتأملا
والله لو أن الوسادة ثنّيت
لي في الذي حظر العليّ وحلّلا
لحكمت في قوم الكليم بمقتضى
توراتهم حكماً بليغاً فيصلا
وحكمت في قوم المسيح بمقتضى
إنجيلهم وأقمت منه الأميلا
وحكمت بين المسلمين بمقتضى
فرقانهم حكماً بليغاً فيصلا
حتى تقر الكتب ناطقةً لقد
صدق الأمين ( عليّ ) فيما علّلا
فاستخبروني عن قرون قد خلت
من قبل آدم في زمان قد خلا
فلقد أحطت بعلمها الماضي وما
منها تأخّر آتياً مستقبلا
وانظر الى نهج البلاغة هل ترى
لأولي البلاغة منه أبلغ مقولا
حِكمٌ تأخرت الأواخر دونها
خرساً وأفحمت البليغ المقولا
خسأت ذوو الآراء عنه فلن ترى
من فوقه إلا الكتاب المنزلا
وله القضايا والحكومات التي
وضحت لديه فحلّ منها المشكلا
وبيوم بعث الطائر المشويّ إذ
وافى النبي فكان أطيب مأكلا
إذ قال أحمد : آتني بأحبّ مَن
تهوى ومَن أهواه يا رب العلى
هذا روى أنس بن مالك لم يكن
ما قد رواه مصحفّاً ومبدّلا
وشهادة الخصم الألدّ فضيلة
للخصم فاتبع الطريق الأسهلا
وكسدّ أبواب الصحابة غيره
لمميّز عرف الهدى متوصّلا
إذ قال قائلهم : نبيّكم غوى
في زوج ابنته ويعذر أن غلا
تالله ما أوحى إليه وإنما
شرفاً حباه على الانام وفضّلا
حتّى هوى النجم المبين مكذّباً
من كان في حق النبي تقولا
أبداره حتى الصباح أقام؟ أم
في دار حيدرة هوى وتنزلا؟
هذي المناقب ما أحاط بمثلها
أحد سواه فترتضيه مفضّلا
يا ليت شعري ما فضيلة مدّع
حكم الخلافة ما تقدم أولا
أبعزله عند الصلاة مؤخّرا؟
ولو ارتضاه نبيّه لن يعزلا
أم ردّه في يوم بعث براءةٍ
من بعد قطع مسافة متعجّلا؟
إن كان أوحى الله جلّ جلاله
لنبيه وحياً أتاه منزّلا
أن لا يؤدّيها سواك فترتضي
رجلاً كريماً منك خيراً مفضلا
أفهل مضى قصداً بهامتوجّهاً
إلا عليّ؟ يا خليلي اسألا
أم يوم خيبر إذ براية أحمد
ولّى لعمرك خائفاً متوجّلا؟
ومضى بها الثاني فآب يجرّها
حذر المنية هارباً ومهرولا
من كان أوردها الحتوف سوى أبي
حسن وقام بها المقام المهولا؟
وأباد مرحبهم ومدّ يمينه
قلع الرتاج وحصن خيبر زلزلا
يا علّة الأشياء والسبب الذي
معنى دقيق صفاته لم يعقلا
إلا لمن كشف الغطاء له ومن
شق الحجاب مجرّداً وتوصلا
يكفيك فخراً أن دين محمد
لولا كمالك نقصه لن يكملا
وفرايض الصلوات لولا أنّها
قرنت بذكرك فرضها لن يقبلا
يا من إذا عدّت مناقب غيره
رجحت مناقبه وكان الأفضلا
إني لأعذر حاسديك على الذي
أولاك ربّك ذو الجلال وفضّلا
إن يحدوك على علاك فإنما
متسافل الدرجات يحسد من علا
إحياؤك الموتى ونطقك مخبراً
بالغائبات عذرتُ فيك لمن غلا
وبردّك الشمس المنيرة بعدما
أفلت وقد شهدت برجعتها الملا
ونفوذ أمرك في الفرات وقد طما
مدّاً فأصبح ماؤه متسلسلا
وبليلة نحو المداين قاصداً
فيها لسلمان بعثت مغسّلا
وقضيّة الثعبان حين أتاك في
ايضاح كشف قضيّة لمن تعقلا
فحللت مشكلها فآب لعلمه
فرحاً وقد فصّلت فيها المجملا
والليث يوم أتاك حين دعوتَ في
عسر المخاض لعرسه فتسهلا
وعلوت من فوق البساط مخاطباً
أهل الرقيم فخاطبوك معجّلا
أمخاطب الأذياب في فلواتها
ومكلم الأموات في رمس البلى
ياليت في الأحياء شخصك حاضرٌ
وحسين مطروح بعرصة كربلا
عريان يكسوه الصعيد ملابساً
أفديه مسلوب اللباس مسربلا
متوسداً حر الصخور معفّراً
بدمائه ترب الجبين مرمّلا
ظمآن مجروح الجوارح لم يجد
مما سوى دمه المبدّد منهلا
ولصدره تطأ الخيول وطالما
بسريره جبريل كان موكّلا
عقرت أما علمت لأيّ معظّم
وطأت وصدرٍ غادرته مفصّلا؟
ولثغره يعلو القضيب وطالما
شرفاً له كان النبي مقبّلا
وبنوه في أسر الطغاة صوارخ
ولهاء معولة تجاوب معولا
ونساؤه من حوله يندبنه
بأبي النساء النادبات الثكّلا
يندبن أكرم سيد من سادة
هجروا القصور وآنسوا وحش الفلا
بأبي بدوراً في المدينة طلّعاً
أمست بأرض الغاضرية افّلا
آساد حرب لا يمسّ عفاتها
ضُرّ الطوى ونزيلها لن يخذلا
من تلق منهم تلق غيثاً مسبلاً
كرماً وأن قابلت ليثاً مشبلا
نزحت بهم عن عقرهم أيدي العدا
بأبي الغريق الظاعن المترحّلا
ساروا حثيثاً والمنايا حولهم
تسري فلن يجدون عنها معزلا
ضاقت بهم أوطانهم فتبيّنوا
شاطي الفرات عن المواطن مُوئلا
ظفرت بهم أيدي البغاة فلم أخل
وأبيك تقتنص البغاث الأجدلا
منعوهم ماء الفرات ودونه
بسيوفهم دمهم يراق مُحلّلا
هجرت روسهم الجسوم فواصلت
زرق الأسنة والوشيج الذبّلا
يبكي أسيرهم لفقد قتيلهم
أسفاً وكل في الحقيقة مبتلى
هذا يميل على اليمين معفّراً
بدم الوريد وذا يساق مغللا
ومن العجائب أن تقاد اسودها
أسراً وتفترس الكلاب الأشبلا
لهفي لزين العابدين يقاد في
ثقل الحديد مقيّداً ومكبّلا
متقلقلاً في قيده متثقّلا
متوجعاً لمصابه متوجّلا
أفدي الأسر وليت خدي موطناً
كانت له بين المحامل محملا
أقسمت بالرحمن حلفة صادق
لولا الفراعنة الطواغيت الاولى
ما بات قلب محمد في سبطه
قلقاً ولا قلب الوصي مقلقلا
خانوا مواثيق النبي وأجبّجوا
نيران حرب حرّها لن يصطلى
يا صاحبا لأعراف يعرض كل مخـ
ـلوق عليه محقّقاً أو مبطلا
يا صاحب الحوض المباح لحزبه
حلّ ويمنعه العصاة الضلّلا
يا خير منلبّى وطاف ومن سعى
ودعا وصلّى راكعاً وتنفّلا
ظفرت يدي منكم بقسمٍ وافرٍ
سبحان من وهب العطاء وأجزلا
شغلت بنو الدنيا بمدح ملوكهم
وأنا الذي بسواكم لن اشغلا
وتردّدوا لوفادة لكنهم
ردّوا وقد كسبوا على القيل القلا
ومنحتكم مدحي فرحب خزانتي
بنفايس الحسنات مفعمة ملا
وأنا الغني بكم ولا فقر ومن
ملك الغنا لسواكم لي يسألا
مولاي دونك من « علي » مدحة
عربية الألفاظ صادقة الولا
ليس النضار نظيرها لكنّها
درّ تكامل نظمه فتفصّلا
فاستجلها منّي عروساً غادةً
بكراً لغيرك حسنها لن يجتلى
فصداقها منك القبول فكن لها
يا بن المكارم سامعاً متقبّلاً
وعليكم مني التحيّة ما دعا
داعي الفلاح إلى الصلاة مهلّلا
صلى عليك الله ماسحّ الحيا
وتبسّمت لبكائه ثغر الكلا
القصيدة الخامسة
عسى موعدٌ ان صحّ منك قبول
تؤديه ان عزّ الرسول قبول
فربّ صباً تهدي اليّ رسالةً
لها منك إن عزّ الوصول وَصول
تطاول عمر العتب يا عتب بيننا
وليس إلى ما نرتجيه سبيل
أفي كل يوم للعتاب رسائل
مجدّدةٌ ما بيننا ورسول
رسائل عتب لا يُردّ جوابها
ونفث صدور في السطور يطول
يدلّ عليها من وسائل سائل
خضوعٌ ومن شكوى الفصال فصول
عسى مسمع يصغي الى قول مسمع
فيعطف قاس أو يرقّ ملول
وأعجب شيء أن أراك غريّةً
بهجري وللواشي عليّ قبول
سجيّة نفسي بالوعود مع القلا
وكل سخيٍّ بالوعود بخيل
عذرتك إن ميّلت أو ملت أنني
أخالك غصنا والغصون تميل
وما لظباء السرب خلقك إنّما
لخلقك منها في العدول عدول
وقد كنت أبكي والديار أنيسة
وما ظعنت للظاعنين قفول
فكيف وقد شطّ المزار وروّعت
فريق التداني فرقة ورحيل
إذا غبتم عن ربع حلّة بابل
فلا سحبت للحسب فيه ذيول
ولا ابتسمت للثغر فيه مباسمٌ
ولا ابتهجت للطل فيه طلول
ولا هبّ معتلّ النسيم ولا سرت
بليلٍ على تلك الربوع بليل
ولا صدرت عنها السوام ولا غدا
بها راتعاً بين الفصول فصيل
ولا برزت في حُلّة سندسيّة
لذات هدير في الغصون هديل
وما النفع فيها وهي غير أواهلٍ
ومعهدها ممن عهدت مَحيل
تنّكر منها عرفا فأهيلها
غريب وفيها الأجنبيّ أهيل
رعى الله أياماً بظلّ جنابها
ونحن بشرقيّ الأثيل نزول
ليالي لا عود الربيع يجفّه
ذبول ولا عود الربوع هزيل
بها كنت أصبو والصبا لي مسعدٌ
وصعب الهوى سهلٌ لديّ ذلول
وإذ نحن لا طَرف الوعود عن اللقا
بطيّ ولا طرف السعود كليل
نبيتُ ولا غير العفاف شعارنا
وللأمن من واش عليّ شمول
كروحين في جسم أقاما على الوفا
عفافاً وأبناء العفاف قليل
إلى أن تداعى بالفراق فريقكم
ولمّ بكم حادٍ وأمّ دليل
تقاضى الهوى منيّ فما لضلالة
مَقيلٌ ولا ممّا جناه مقيل
فحسبي إذا شطّت بكم غربة النوى
علاج نحولٍ لا يكاد يحول
أروم بمعتلّ الصبا برء علّتي
وأعجب ما يشفي العليل عليل
لعلّ الصبا إن شطت الدار أودنا
مثالكم أو عزّ منك مَثيل
أحيّ الحيا إن شطّ من صوب أرضكم
بناديه من لمع البروق زميل
تمرّ بنا بالليل وهناً بريّها
يُبلّ غليل أو يَبلّ عليل
سرى وبريق الثغر وهناً كأنّها
لديّ بريق الثغر منك بديل
وأنشأ شمال الغور لي منك نشوةً
عساه لمعتلّ الشمال شَمول
أمّتهم قلبي من البين سلوةً
ومتهمة في الركب ليس تؤل
أغرك إني ساتر عنك لوعةً
لها ألم بين الضلوع دخيل
فلا تحسبي إنّي تناسيت عهدكم
ولكنّ صيري يا أميم جميل
ثقي بخليلٍ لا يغادر خله
بغدر ولا يثنيه عنك عذول
جميل خلالٍ لا يراع خليله
إذا ربع في جنب الخليل خليل
خليق بأفعال الجميل خلاقه
وكلّ خليق بالجميل جميل
يزين مقال الصدق منه فعاله
وما كل قوّالٍ لديك فعول
غضيض إذا البيض الحسان تأوّدت
لهنّ قدود في الغلائل ميل
ففي الطرف دون القاصرات تقاصر
وفي الكفّ من طول المكارم طول
أما وعفاف لا يدنّشه الخنا
وسرّ عتاب لم يزله مزيل
لأنت لقلبي حيث كنت مسرّة
وأكرم مسؤول لديّ وسؤل
يقصر آمالي صدودك والقلى
وينشرها منك الرجا فتطول
وتعلق آمالي غروراً بقربكم
كما غرّ يوماً بالطفوف قتيل
قتيلٌ بكتك حزناً عليه سماؤها
وصبّ لها دمع عليه همول
وزلزلت الأرض البسيط لفقده
وريع له حزن بها وسهول
أأنسى حسيناً للسهام رميّةً
وخيل العدى بغياً عليه تجول؟
أأنساه إذ ضاقت به الأرض مذهباً؟
يشير إلى أنصاره ويقول
أعيذكم بالله أن تردوا الردى
ويطمع في نفس العزيز ذليل
ألا فأذهبوا فالليل قد مدّ سجفه
وقد وضحت للسالكين سبيل
فثاب إليه قائلاً كل أقيلٍ
نمته إلى أزكى الفروع أصول
يقولون والسمر اللدان شوارع
وللبيض من وقع الصفاح صليل
أنُسلم مولانا وحيداً إلى العدى
وتسلم فتيان لنا وكهول؟
ونعدل خوف الموت عن منهج الهدى
وأين عن العدل الكريم عدول؟
نودّ بأن نبلى وننشر للبلى
مراراً ولسنا عن علاك نحول
وثاروا لأخذ الثأر قدماً كأنهم
أسود لها بين العرين شبول
مغوير عرس عرسها يوم غارة
لها الخطّ في يوم الكريهة غيل
حماة إذا ما خيف للثغر جانب
كماة على قبّ الفحول فحول
ليوث لها في الدار عين وقايع
غيوث لها للسائلين سيول
أدلّتها في الليل أضواء نورها
وفي النقع أضواء السيوف دليل
يؤمّ بها قصد المغالب أغلب
فروسٌ لأشلاء الكماة أكول؟
له الخط كوب والجماجم أكؤس
لديه وآذيّ الدماء شمول
يرى الموت لا يخشاه والنبل واقع
ولا يختشي وقع النبال نبيل
صؤول إذا كرّ الكميّ مناجز
بليغ إذا فاه البليغ قؤول
له من عليّ في الخطوب شجاعة
ومن أحمد عند الخطابة قيل
إذا شمخت في ذروة المجد هاشم
فعمّاه منها جعفر وعقيل
كفاه علوّاً في البرية أنّه
لأحمد والطهر البتول سليل
فما كل جدّ في الرجال محمد
ولا كل أمّ في النساء بتول
حسينٌ أخو المجد المنيف ومَن له
فخارُ إذا عد الفخار أثيل
أرى الموت عذباً في لهاك وصابه
لغيرك مكروه المذاق وبيل
فما مرّ ذو باس إلى مرّ باسه
على مهل إلا وأنت عجول
كأن الأعادي حين صلت مبارزاً
كثيب ذرته الريح وهو مهيل
وما نهل الخطيّ منك ولا الظبا
ولا علّ إلا وهو منك عليل
بنفسي وأهلي عافر الخط حوله
لدى الطف من آل الرسول قبيل
كأنّ حسيناً فيهم بدر هالة
كواكبها حول السماك حلول
قضى ظامياً والماء طامٍ تصدّه
شرار الورى عن ورده ونغول
وحزّ وريد السبط دون وروده
وغالته من أيدي الحوادث غول
وآب جواد السبط يهتف ناعياً
وقد ملأ البيداء منه صهيل
فلما سمعن الطاهرات نعيّه
لراكبه والسرج منه يميل
برزن سليبات الحليّ نوادياً
لهنّ على الندب الكريم عويل
بنفسي أخت السبط تعلن ندبها
على ندبها محزونةً وتقول
أخي يا هلالاً غاب بعد طلوعه
وحاق به عند الكمال أفول
أخي كنت شمساً يكسف الشمس نورها
ويخسأ عنها الطرف وهو كليل
وغصناً يروق الناظرين نضارةً
تغشّاه بعد الإخضرار ذبول
وربعاً يمير الوافدين ربيعه
تعاهده غبّ العهاد محول
وغصناً رماه الدهر في دار غربة
وفي غربه للمرهفات فلول
وضرغام غيلِ غيل من دون عرسه
ومخلبه ماضي الغرار صقيل
فلم أردون الخدر قبلك خادراً
له بين أشراك الضباع حصول
أصبت فلا ثوب المآثر صيّب
ولا فيظلال المكرمات مقيل
ولا الجود موجود ولا ذو حميّة
سواك فيحمي في حماه نزيل
ولا صافحت منك الصفاح محاسناً
ولا كاد حسن الحال منك يحول
ولا تربت منك الترائب في البلا
ولا غالها في القبر منك مغيل
لتنظرنا من بعد عزٍ ومنعة
تلوح علينا ذلّة وخمول
تعالج سلب الحلي عنّا علوجها
وتحكم فينا أعبدٌ ونغول
وتبتزّ أهل اللبس عنّا لباسنا
وتنزع أقراط لنا وحجول
ترى أوجهاً قد غاب عنها وجيهها
وأعوزها بعد الكفاة كفيل
سوافر بين السفر في مهمه الفلا
لنا كل يوم رحةٌ ونزول
تزيد خفوفاً يا بن امّ قلوبنا
إذا خفقت للظالمين طبول
فيا لك عيناً لا تجفّ دموعها
وناراً لها بين الضلوع دخيل
أيقتل ظمآنا حسين وجدّه
إلى الناس من رب العباد رسول
ويمنع شرب الماء والسرب آمن
على الشرب منها صادر ونهول
وآل رسول الله في دار غربة
واّل زياد في القصور نزول
وآل عليّ في القيود شواحب
إذا أنّ مأسور بكته ثكول
وآل أبي سفيان في عزّ دولة
تسير بهم تحت البنود خيول
مصاب أصيب الدين منه بفادح
تكاد له شمّ الجبال تزول
عليك ابن خير المرسلين تأسفى
وحزني وإن طال الزمان طويل
جللت فجلّ الرزؤ فيك على الورى
كذا كلّ رزء للجليل جليل
فليس بمجد فيك وجدي ولا البكا
مفيد ولا الصبر الجميل جميل
إذا خفّ حزن الثاكلات لسلوةٍ
فحزني على مرّ الدهور ثقيل
وان سأم الباكون فيك بكاءهم
لالاً فإنّى للبكاء مّطيل
فما خفّ من حزني عليك تأسفى
ولا جفّ من دمعي عليك مسيل
وينكر دمعي فيك من بات قلبه
خلياً وما دمع الخليّ هطول
وما هي إلا فيك نفس نفيسة
يحللها حرّ الأسى فتسيل
تباين فيك القائلون فمعجب
كثيرٌ وذو حزن عليك قليل
فأجرُ بني الدنيا عليك لشأنهم
دنيّ وأجر المخلصين جزيل
فإن فاتني إدراك يومك سيدي
وأخرني عن نصر جيلك جيل
فلي فيك أبكار لوفق جناسها
أصول بها للشامتين نصول
لها رقّة المحزون فيك وخطبها
جسيم على أهل النفاق مهول
يهيم بها سر الوليّ مسرّة
وينصب منها ناصبٌ وجهول
لها في قلوب الملحدين عواسل
ووقع نصول ما لهنّ نصول
بها من « عليّ » في علاك مناقبٌ
يقوم عليها في الكتاب دليل
ينمّ عن الأعراف طيّب عرفها
فتعلقها للعاقلين عقول
إذا نطقت آي الكتاب بفضلكم
فماذا عسى فيما أقول أقول؟
لساني على التقصير في شرح وصفكم
قصير وشرح الإعتذار طويل
عليكم سلام الله ما اتّضح الضحى
وما عاقبت شمس الأصيل أفول
القصيدة السادسة
حلّت عليك عقود المزن يا حلل
وصافحتك أكفّ الطل يا طلل
وحاكت الورق في أعلا غصونك إذ
حاكت بك الودق جلباباً له مثل
يزهو على الربع من أنواره لمعٌ
ويشمل الربع من نوّاره حلل
وافترّ في ثغرك المأنوس مبتسماً
ثغر الأقاح وحيّاك الحيا الهطل
ولا انثنت فيك بانات اللوى طرباً
إلا وللورق في أوراقها زَجَل
وقارن السعد يا سعدى وما حجبت
عن الجآ ذر فيك الحجب والكلل
يروق طرفي بروق منك لامعة
تحت السحاب وجنح الليل منسدل
يذكى من الشوق في قلبي لهيب جوىً
كأنما لمعها في ناظري شعل
فإن تضوّع من أعلى رباك لنا
ريّاك والروض مطلول به خضل
فهو الدواء لا دواء مبرّحة
نعلّ منها إذا أودت بنا العلل
أقسمت يا وطني لم يهنني وطري
مذ بان عنّي منك البان والأثل
لي بالربوع فؤاد منك مرتبع
وفي الرواحل جسمٌ عنك مرتحل
لا تحسبنّ الليالي حدّثت خلدي
بحادث فهو عن ذكراك متشغل
لا كنت إن قادني عن قاطنيك هوى
أو مال بي كلل أو حال بي حول
أني ولي فيك بين السرب جارية
مقيدي في هواها الشكل والشكل
غراء ساحرة الألحاظ مانعة
الألفاظ مائسة في مشيها مَيَل
في قدّها هيفٌ في خصرها نحف
في خدها صلف في ردفها ثقل
يرنّح الدل عطفيها إذا خطرت
كما ترنّح سكراً شاربٌ ثَمل
تريك حول بياض حمرةً ذهبت
بنضرتي في الهوى خدّ لها صقل
ما خلت من قبل فتك من لواحظها
أن تقتل الأسد في غاباتها المقل
عهدي بها حين ريعان الشبيبة لم
يرعه شيب وعيشي ناعم خضل
وليل فودي ما لاح الصباح به
والدار جامعة والشمل مشتمل
وربع لهوي مأنوس جوانبه
تروق فيه لي الغزلان والغزل
حتى إذا خالط السليل الصباح و
أضحى الرأس وهو بشهب الشيب مشتعل
وخطّ وخطُ مشيبي في صحيفته
لي أحرفاً ليس معنى شكلها شكل
مالت الى الهجر من بعد الوصال و
عهد الغانيات كفيء الظل منتقل
من معشرٍ عدلوا عن عهد حيدرة
وقابلوه بعدوانٍ وما قبلوا
وبدّلوا قولهم يوم « الغدير » له
غدراً وما عدلوا في الحب بل عدلوا
حتّى إذا فيهم الهادي البشير قضى
وما تهيّا له لحدُ ولا غسل
مالوا إليه سراعاً والوصيّ برزء
المصطفى عنهم لاهٍ ومشتغل
وقلّدوها عتيقاً لا أباً لهم
أنّى تسود أسود الغابة الهمل
وخاطبوه أمير المؤمنين وقد
تيقّنوا أنّه في ذاك منتحل
وأجمعوا الأمر فيما بينهم وغوت
لهم أمانيهم والجهل والأمل
أن يحرقوا منزل الزهراء فاطمة
فيا له حادث مستصعب جلل
بيت به خمسةٌ جبريل سادسهم
من غير ما سبب بالنار يُشتعل
واخرج المرتضى من عقر منزله
بين الأراذل محتفّ بهم وكل
يا للرجال لدين قلّ ناصره
ودولة ملكت أملاكها السفل
أضحى أجير ابن جدعان له خلفا
برتبة الوحي مقرون ومتّصل
فأين أخلاف تيم والخلافة والحكم
الربوبي لولا معشر جهلوا؟
ولا فخار ولا زهد ولا روع
ولا وقار ولا علم ولا عمل
وقال : منها أقيلوني فلست إذاً
بخيركم وهو مسرور بها جذل
وفضّها وهو منها المستقيل على
الثاني ففي أي قول يصدق الرجل؟
ثمّ اقتفتها عديّ من عداوتها
وافتضّ من فضلها العدوان والجدل
أضحى يسير بها عن قصد سيرتها
فلم يسدّ لها من حادث خلل
وأجمع الشور في الشورى فقلّدها
أمية وكذا الأحقاد تنتقل
تداولوها على ظلم وأرّثها
بعضٌ لبعض فبئس الحكم والدول
وصاحب الأمر والمنصوص فيه بإذ
ن الله عن حكمه ناءٍ ومعتزل
أخو الرسول وخير الأوصياء ومن
بزهده في البرايا يضرب المثل
وأقدم القوم في الإسلام سابقةً
والناس باللات والعزى لهم شغل
ورافع الحق بعد الخفض حين قنا
ة الدين واهية في نصبها مَيل
ألأروع الماجد المقدام إذ نكصوا
والليث ليث الشرى والفارس البطل
مَن لم يعش في غواة الجاهلين ذوي
غيّ ولا مقتدى آرائه هَبل
عافوه وهو أعف الناس دونهم
طفلاً وأعلى محلاً وهو مكتهل
وإنه لم يزل حلماً ومكرمةً
يقابل الذنب بالحسنى ويحتمل
حتّى قضى وهو مظلوم وقد ظلم
الحسين من بعده والظلم متصل
من بعد ما وعدوه النصر واختلفت
إليه بالكتب تسعى منهم الرسل
فليته كفّ كفّاً عن رعايتهم
يوماً ولا قرّبته منهم الابل
قوم بهم نافقٌ سوق النفاق ومن
طباعهم يستمد الغدر والدخل
تالله ما وصلوا يوماً قرابته
لكن إليه بما قد ساءه وصلوا
وحرّموا دونه ماء الفرات وللـ
ـكلاب من سعةٍ في وردها علل
وبيتوه وقد ضاق الفسيح به
منهم على موعد من دونه العطل
حتى إذا الحرب فيهم من غد كشفت
عن ساقها وذكى من وقدها شعل
تبادرت فتية من دونه غرر
شمّ العرانين ما مالوا ولا نكلوا
كأنّما يجتنى حلواً لأنفسهم
دون المنون من العسّالة العسل
تسربلوا في متون السابقات دلا
ص السابغات وللخطيّة اعتقلوا
وطلّقوا دونه الدنيا الدنيّة و
ارتاحوا الى جنة الفردوس وارتحلوا
تراءت الحور في اعلا الجنان لهم
كشفاً فهان عليهم فيه ما بذلوا
سالت على البيض منهم أنفس طهرت
نفيسة فعلوا قدراً بما فعلوا
إن يقتلوا طالما في كلّ معركة
قد قاتلوا ولكم من مارق قتلوا؟
لهفي لسبط رسول الله منفرداً
بين الطغاة وقد ضاقت به السبل
يلقى العداة بقلب لا يخامره
رهب ولا راعه جبن ولا فشل
كأنه كلما مرّ الجواد به
سيل تمكّن في أمواجه جبل
ألقى الحسام عليهم راكعاً فهوت
بالترب ساجدةً من وقعه التلل
قدّت نعالاته هاماتهم فبها
أخدى الجواد فأمسى وهو منتعل
وقد رواه حميد نجل مسلم ذو
القول الصدوق وصدق القول ممتثل
إذ قال : لم أر مكثوراً عشيرته
صرعى فمنعفرٌ منهم ومنجدل
يوماً بأربط جاشاً من حسين وقد
حفت به البيض واحتاطت به الاسل
كأنما قسورٌ ألقى على حُمرٍ
عطفاً فخامرها من بأسه ذَهل
أو أجدل مرّ في سرب فغادره
شطراً خموداً وشطرٌ خيفة وجل
حتّى إذا آن ما إن لا مردّ له
وحان عند انقضاء المدّة الأجل
أردوه كالطود عن ظهر الجواد
حميد الذكر ما راعه ذلّ ولا فشل
لهفي وقد راح ينعاه الجواد إلى
خبائه وبه من أسهم قَزل (1)
هفي لزينب تسعى نحوه ولها
قلب تزايد فيه الوجد والوجل
فمذ رأته سليباً للشمال على
معنى شمائله من نسجها سمل
هوت مقبّلة منه المحاسن والـ
ـحسين عنها بكرب الموت مشتغل
تدافع الشمر عنه باليمين وبا
لشمال تستر وجهاً شأنه الخجل
تقول : يا شمر لا تعجل عليه ففي
قتل ابن فاطمة لا يُحمد العجل
أليس ذا ابن عليّ والبتول ومَن
بجدّه ختمت في الأمّة الرسل؟
هذا الامام الذي ينمى إلى شرف
ذريّة لا يُداني مجدها زحل
إيّاك من زلّة تصلى بها أبدا
نار الجحيم وقد يردي الفتى الزلل
أبى الشقيّ لها إلا الخلاف وهل
يجدي عتاب لأهل الكفر إن عُذلوا؟
ومرّ يحتز رأساً طال لرسول
الله مرتشفاً في ثغره قبل
حتى إذا عاينت منه الكريم على
لدن يميل به طوراً ويعتدل
ألقت لفرط الأسى منها البنانَ على
قلب تقلّب فيه الحزن والثكل
تقول : يا واحداً كنّا نؤمّله
دهراً فخاب رجانا فيه والأمل
ويا هلالاً علا في سعده شرفاً
وغاب في الترب عنّا وهو مكتمل
أخي لقد كنت شمساً يستضاء بها
فحلّ في وجهها من دوننا الطفل
وركن مجد تداعى من قواعده
والمجد منهدم البنيان منتقل
وطرف سبق يفوت الطرف سرعته
مذ أدرك المجد أمسى وهو معتقل
ما خلت من قبل ما أمسيت مرتهناً
بينُ اللئام وسدّت دونك السبل
أن يوغل البوم في البازي أن ظفرت
ظفراً ولا أسداً يغتاله حمل
كلا ولا خلت بحراً مات من ظمأ
ومنه ريّ إلى العافين متمتّصل
فليت عينك بعد الحجب تنظرنا
أسرى تجاذبنا الأشرار والسفل
يسيّرونا على الأقتاب عاريةً
وزاجر العيس لا رفق ولا مَهل
فليت لم تر كوفاناً ولا وخدت
بنا إلى ابن زياد الأنيق الذلل
إيهاً على حسرة في كلّ جانحة
ما عشت جايحة تعلولها شعل
أيقتل السبط ظمآناً ومن دمه
تروى الصوارم والخطيّه الذبل
ويسكن الترب لا غسل ولا كفنٌ
لكن له من نجيع النحر مغتسل
وتستباح بأرض الطف نسوته
ودون نسوة حرب تُضرب الكلل
بالله أقسم والهادي البشير وبيت
الله طاف به حافٍ ومنتعل
لولا الأولى نقضوا عهد الوصيّ وما
جاءت به قدماً في ظلمها الأول
لم يُغلِ قوماً على أبناء حيدرة
من الموارد ما تروى به الغلل
يا صاح طف بي إذا جئت الطفوف على
تلك المعالم والآثار يا رجل
وابك البدور التي في الترب آفلة
بعد الكمال تغشّى نورها الظلل
يا آل أحمد يا سفن النجاة ومن
عليهم بعد رب العرش أتكل
وحقكم ما بدا شهر المحرم لي
إلا ولي ناظر بالسهد مكتحل
ولا استهلّ بنا إلا استهل من
الأجفان لي مدمع في الخدّ منهمل
حزناً لكم ومواساة وليس لمملو
ك بدمع على ملاكة بُخل
فإن يكن فاتكم نصري فلي مدح
بمجدكم أبداً ما عشت تتّصل
عرائس حدت الحادون من طرب
بها تُعرس أحياناً وترتحل
فدونكم من ( عليّ ) عبد عبدكم
فريدة طاب منها المدح والغزل
رقّت فراقت معانيها الحسان فلا
يماثل الطول منها السبعة الطول
أعددتها جُنّة من حر نار لظى
أرجو بها جنة أنهارها عسل
صلى الإله عليكم ما شدت طرباً
ورقٌ على ورقٍ والليل منسدل
القصيدة السابعة :
اجآ ذرُ منعت عيونك ترقد
بعراص بابل أم حسان خرّدُ؟
ومعاطف عطفت فؤادك أم غصون
نقى على هضباتها تتأوّد؟
وبروق غادية شجاك وميضها
أم تلك درّ في الثغور تنضّد؟
وعيون غزلان الصريم بسحرها
فتنتك أم بيض عليك تجرّد؟
يا ساهر الليل الطويل بمدّه
عوناً على طول السهاد الفرقد
ومُهاجراً طيب الرقاد وقلبه
أسفاً على جمر الغضا يتوقّد
ألا كففت الطرف إذ سفرت بدور
السعد بالسعدى عليك وتسعد
أسلمت نفسك للهوى متعرّضا
وكذا الهوى فيه الهوان السرمد
وبعثتَ طرفك رائداً ولرُبّما
صَرع الفتى دون الورود المورد
فغدوت في شرك الظباء مقيّداً
وكذا الظباء يصدن من يتصيّد
فلعبن أحياناً بلّبك لاهياً
بجمالهنّ فكاد منك الحسّد
حتّى إذا علقت بهن بعدت مَن
كثبٍ فهل لك بعد نجد منجد؟
رحلوا فما أبقوا لجسمك بعدهم
رمقاً ولا جلداً به تتجلّد
واهاً لنفسك حيثُ جسمك بالحمى
يبلى وقلبك بالركائب منجد
ألفت عيادتك الصبابه والأسى
وجفاك من طول السقام العوّد
وتظنّ أن البعد يعقب سلوة
وكذا السلوّ مع التباعد يبعد
يا نائماً عن ليل صبّ جفنه
أرقٌ إذا غفت العيون الهجّد
ليس المنام لراقدٍ جهل الهوى
عجباً بلى عجبٌ لمن لا يرقد
نام الخليّ من الغرام وطرف من
ألف الصبابة والهيام مسهّد
أترى تقرّ عيون صب قلبه
في أسر مائسة القوام مقيّد؟
شمس على غصن يكاد مهابةً
لجمالها تعنو البدور وتسجد
تفترّ عن شنب كأنّ جمانه
بردُ به عذب الزلال مبرّد
ويصدّني عن لثمه نار غدت
زفرات أنفاسي بها تتصعّد
من لي بقرب غزالة في وجهها
صبحٌ تجلّى عنه ليل أسود؟
أعنو لها ذلاً فتعرض في الهوى
دَلاً وأمنحها الدنو وتبعد
تحمي بناظرها مخافة ناظرٍ
خدّاً لها حسن الصقال مورّد
يا خال وجنتها المخلّد في لظى
ما خلت قبلك في الجحيم يخلّد
إلا الذي جحد الوصيّ وما حكى
في فضله يوم « الغدير » محمّد
إذ قام يصدع خاطباً ويمينه
بيمينه فوق الحدائج تعقد
ويقول والأملاك محدقة به
والله مطّلع بذلك يشهد
من كنت مولاه فهذا حيدرٌ
مولاه من دون الأنام وسيّد
يا ربّ وال وليّه وأكبت معا
ديه وعاند مَن لحيدر يعندُ
والله ما يهواه إلا مؤمن
برّ ولا يقلوه إلا ملحد
كونوا له عوناً ولا تتخاذلوا
عن نصره واسترشدوه تُرشدوا
قالوا : سمعنا ما تقول ما أتى
الروح الأمين به عليك يؤكّد
هذا « عليّ » إمامنا ووليّنا
وبه إلى نهج الهدى مسترشد
حتى إذا قبض النبي ولم يكن
في لحده من بعد غسلٍ يلحد
خانوا مواثيق النبي وخالفوا
ما قاله خير البريّة أحمد
واستبدلوا بالرشد غيّاً بعدما
عرفوا الصواب وفي الضلال تردّدوا
وغدا سليل أبي قحافة سيداً
لهم ولم يك قبل ذلك سيّد
يا للرجال لأمّةٍ مفتونة
سادت على السادات فيها الأعبد
أضحى بها الأقصى البعيد مقرّباً
والأقرب الأدنى يذاد ويُبعد
هلا تقدّمه غداة براءة
إذ ردّ وهو بفرط غيظ مكمد؟
ويقول معتذراً : أقيلوني وفي
إدراكها قد كان قدماً يجهد
أيكون منها المستقيل وقد غدا
في آخر يوصي بها ويؤكّد؟
ثمّ اقتفى :
فقضى بها خشناء يغلظ كلمها
ذلّ الوليّ بها وعز المفسد
واشار بالشورى فقرّب نعثلاً
منها فبئس
فغدا لمال الله في قربائه
عمداً يفرّق جمعه ويبدّد
ونفى أباذرّ وقرّب فاسقاً
كان النبي له يصدّ ويطرد
لعبوا بها حيناص وكل منهم
متحيّر في حكمها متردّد
ولو اقتدوا بامامهم ووليّهم
سعدوا به وهو الوليّ الأوكد
لكن شقوا بخلافه أبداً وما
سعدوا به وهو الوصيّ الأسعد
صنو النبيّ ونفسه وأمينه
ووليّه المتعطّف المتودّد
كُتباعلى العرش المجيد ولم يكن
في سالف الأيّام آدم يوجد
نوران قدسيّان ضمّ علاهما
من شيبة الحمد ابن هاشم محتد
مَن لم يقم وجهاً إلى صنم ولا
للّات والعزى قديماً يسجد
والدين والإشراك لولا سيفه
ما قام ذا شرفاً وهذا يقعد
سَل عنه بدراً حين وافى شيبةً
شلواً عليه النائحات تعدّد
وثوى الوليد بسيفه متعفّراً
وعليه ثوب بالدماء مجسّد
وبيوم أحد والرماح شوارع
والبيض تصدر في النحور وتورد
مَن كان قاتل طلحة لما أتى
كالليث يرعد للقتال ويزبد
وأباد أصحاب اللواء وأصبحوا
مثلاً بهم يروى الحديث ويُسند
هذا يجرّ وذاك يرفع رأسه
في رأس منتصب وذاك مقيّد
وبيوم خيبر إذ براية « أحمد »
ولّى عتيق والبريّة تشهد
ومضى بها الثاني فآب يجرّها
ذلاً يوبّخ نفسه ويفنّد
حتى إذا رجعا تميز « أحمد »
حرداً وحقّ له بذلك يحرد
وغدا يحدّث مُسمعاً مَن حوله
والقول منه موفّق ومؤيّد
إني لاعطي رايتي رجلاً وفي
بطل بمختلس النفوس معوّد
رجل يحب الله ثم رسوله
ويحبّه الله العليّ واحمدُ
حتّى إذا جنح الظلام مضى على
عجل وأسفر عن صبيحته غد
قال : إئت يا سلمان لي بأخي فقا
ل الطهر سلمانٌ : علي أرمد
ومضى وعاد به يُقاد ألا لقد
شرف المقود عُلا وعز القيّد
فجلا قذاهُ بتفلة وكساه سا
بغةً بها الزرد الحديد منضّد
فيد تناوله اللواء وكفه
الاخرى تُزرّد درعه وتُبنّد
ومضى بها قدماً وآب مظفّرا
مستبشراً بالنصر وهو مؤيّد
وهوى بحدّ السيف هامة مرحب
فبراه وهو الكافر المتمرّد
ودنا من الحصن الحصين وبابه
مستغلق حذر المنية موصد
فدحاه مقتلعاً له فغدا له
حسّان ثابت (1) في المحافل ينشد
إن امرءاً حمل الرتاج بخيبر
يوم اليهود لقدره لمؤبّد
حمل الرتاج وماج باب قموصها
والمسلمون وأهل خيبر تشهد
وأسأل حنيناً حين بادر جرول
شاكي السلاح لفرصة يترصّد
حتّى إذا ما أمكنته غشاهم
في فيلق يحكيه بحرٌ مزبد
وثوى قتيلاً أيمن (1) وتبادرت
عصب الضلال لحتف أحمد تقصد
وتفرّقت أنصاره من حوله
جزعاً كأنّهمه النعام الشرّد
ها ذاك منحدر إلى وهدٍ وذا
حذر المنيّة فوق تلع يصعد
هلا سألت غداة ولّى جمعهم
خوف الردى إن كنت مَن يسترشد؟
مَن كان قاتل جرول ومذلّ جيش
هوازن إلا الولي المرشد؟
كلّ له فقد النبي سوى أبي
حسن عليّ حاضر لا يفقد
ومبيته فوق الفراش مجاهداً
بمهاد خير المرسلين يُمهّد
وسواه محزون خلال الغار من
حذر المنيّة نفسه تتصعّد
وتعدّ منقبة لديه وإنها
إحدى الكبائر عند من يتفقّد
ومسيره فوق البساط مخاطباً
أهل الرقيم فضيلةٌ لا تجحد
وعليه ثانية بساحة بابل
رجعت كذا ورد الحديث المسند
ووليّ عهد محمّد أفهل ترى
أحداً إليه سواه أحمد يعهد؟
إذ قال : إنك وارثي وخليفتي
ومغسّل لي دونهم وملحّد
أم هل ترى في العالمين بأسرهم
بشراً سواه يبيت مكّة يولد؟
في ليلة جبريل جاء بها مع
الملأ المقدّس حوله يتعبّد
فلقد سما مجداً « عليّ » كما علا
شرفاً به دون البقاع المسجد
أم هل سواه فتى تصدق راكعاً
لمّا أتاه السائل المسترفد؟
ألمؤثر المتصدق المتفضل
المتمسّك المتنسّك المتزهّد
ألشّاكر المتطوّع المتضرّع
المتخضّع المتخشّع المتهجّد
ألصابر المتوكل المتوسّل
المتذلل المتململ المتعبّد
رجل يتيه به الفخار مفاخراً
ويسود إذ يُعزى إليه السودد
إن يحسدوه على عُلاه فانما
أعلا البريّة رتبةً من يُحسد
وتتّبعت أبناؤهم أبناؤه
كلّ لكلٍّ بالأذى يتقصّد
حسدوه إذ لا رتبة وفضيلة
إلا بما هو دونهم متفرّد
بالله أقسم والنبي وآله
قسماً يفوز به الوليّ ويسعد
لولا الأولى نقضوا عهود محمّد
من بعده وعلى الوصيّ تمرّدوا
لم تستطع مدّاً لآل أُميّةٍ
يوم الطفوف على ابن فاطمة يدُ
بأبي القتيل المستضام ومَن له
نار بقلبي حرّها لا يبرد
بأبي غريب الدار منتهك الخبا
عن عُقر منزله بعيدٌ مفرد
بأبي الذي كادت لفرط مصابه
شمّ الرواسي حسرةً تتبدّد
كتبت إليه على غرور أُميّة
سفهاً وليس لهم كريمٌ يحمد
بصحائف كوجوهم مسودّة
جاءت بها ركبانهم تتردّد
حتّى توجّه واثقاً بعهودهم
وله عيونهم انتظاراً ترصد
أضحى الذين أعدّهم لعدوّهم
إلباً جنودهم عليه تجنّد
وتبادروا يتسارعون لحربه
جيشاً يُقاد له وآخر يُحشد
حتّى تراءى منهم الجمعان في
خرق وضمّهم هنالك فدفد
ألفوه لا وَكلاً ولا مستشعراً
ذلاً ولا في عزمه يتردّد
ماض على عزم يفلّ بحدّه
الماضي حدود البيض حين تجرّد
مستبشراً بالحرب علماً أنّه
يتبوّأ الفردوس إذ يستشهد
في أُسرة من هاشم علويّةٍ
عزّت أرومتها وطاب المولد
وسُراة أنصارٍ ضراغمة لهم
أهوال أيّام الوقايع تشهد
يتسارعون إلى القتال ، يسابق
الكهل المسنّ على القتال الأمرد
فكأنّما تلك القلوب تقلّبت
زيراً عليهنّ الصفيح يضمّد
وتخال في إقدامهم أقدامهم
عُمداً على صمّ الجلامد توقد
جادوا بأنفسهم أمام إمامهم
والجود بالنفس النفيسة أجود
نصحوا غنوا غرسوا جنوا شادوا بنوا
قربوا دنوا سكنوا النعيم فخلّدوا
حتّى إذا انتهبت نفوسهم الضبا
من دون سيّدهم وقلّ المسعد
طافوا به فرداً وطوع يمينه
متذلّق ماضي الغرار مهنّد
عضبٌ بغير جفون هامات العدى
يوم الكريهة حدّه لا يغمد
يسطو به ثبت الجنان ممنّع
ماضي العزيمة دارعٌ ومُزرّد
ندبٌ متى ندبوه كرّ معاوداً
والأسد في طلب الفرايس عوّد
فيروعهم من حدّ غرب حسامه
ضرب يقدّ به الجماجم أهود
يا قلبه يوم الطفوف أزبرة
مطبوعة أم أنت صخر جلمد؟
فكأنه وجواده وسنانه
وحسامه والنقع داجٍ أسود
فلك به قمر وراه مذنّب
وأمامه في جنح ليل فرقد
في ضيق معترك تقاعس دونه
جرداء مائلة وشيظم أجرد
فكأنّما فيه مسيل دمائهم
بحرٌ تهيّجه الرياح فيزبد
فكأنّ جَرد الصافنات سفاين
طوراً تقوم به وطوراً تركد
حتّى شفى بالسيف غلّة صدره
ومن الزلال العذب ليس تبرّد
لهفي له يرد الحتوف ودونه
ماء الفرات محرّم لا يورد
شزراً يلاحظه ودون وروده
نار بأطراف الأسنّة توقد
ولقد غشوه فضارب ومفوّق
سهماً إليه وطاعن متقصّد
حتى هوى كالطود غير مذمّم
بالنفس من أسف بجود ويجهد
لهفي عليه مرمّلاً بدمائه
ترب الترائب بالصعيد يوسّد
تطأ السنابك منه صدراً طالما
للدرس فيه وللعلوم تردّد
ألفت عليه السافيات ملابساً
فكسته وهو من اللباس مجرّد
خضبت عوارضه دماه فخيّلت
شفقاً له فوق الصباح تورّد
لهفي لفتيته خموداً في الثرى
ودماؤهم فوق الصعيد تبدّد
فكأنما سيل الدماء على عوار
ضهم عقيق ثمّ منه زبرجد
لهفي لنسوته برزن حواسراً
وخدودهنّ من الدموع تخدّد
هاتيك حاسرة القناع وهذه
عنها يماط رداً وينزع مرود
ويقلن جهراً للجواد لقد هوى
من فوق صهوتك الجواد الأجود
يا يوم عاشوراء حسبك إنّك
اليوم المشوم بل العبوس الأنكد
فيك الحسين ثوى قتيلا بالعرى
إذ عزّ ناصره وقل المسعد
والتائبون الحامدون العابدون
السائحون الراكعون السجّد
أضحت رؤوسهم أمام نسائهم
قدماً تميل بها الرماح وتأود
والسيد السجاد يحمل صاغراً
ويقاد في الأغلال وهو مقيّد
لا راحماً يشكو اليه مصابه
في دار غربته ولا متودّد
يهدى به وبرأس والده الى
لكعٍ زنيمٍ كافرٍ يتمرّد
لا خير في سفهاء قوم عبدهم
ملك يطاع وحرّهم مستعبد
يا عين إن نفدت دموعك فاسمحي
بدم ولست أخال دمعك ينفد
أسفاً على آل الرسول ومن بهم
ركن الهدى شرفاً يشاد ويعضد
منهم قتيلٌ لا يجار ومن سقي
سمّاً وآخر عن حماه يشرّد
ضاقت بلاد الله وهي فسيحة
بهم وليس لهم بأرض مقعد
متباعدون لهم بكلّ تنوفة
مستشهد وبكلّ أرض مشهد
أبني المشاعر والحطيم ومَن هم
حججٌ بهم تشقى الأنام وتسعد
أقسمت لا ينفك حزني دائماً
بكم ونار حشاشتي لا تخمد
بكم يميناً لا جرى في ناظري
حزناً عليكم غير دمعي مرود
يفنى الزمان وتنقضي أيامه
وعليّ كم بكم الحزين المكمد
فلجسمه حلل السقام ملابس
ولطرفه حر المدامع أثمد
ولو أنّني استمددت من عيني دماً
ويقلّ من عيني دماً يستمدد
لم أقض حقكم علي وكيف أن
تقضي حقوق المالكين الاعبد
يا صفوة الجبّار يا مستودعي
الأسرار يا من ظلًهم لي مقصد
عاهدتكم في الذر معرفة بكم
ووفيت أيماناً بما أتعهّد
ووعدتموني في المعاد شفاعة
وعلى الصراط غداً يصح الموعد
فتفقدوني في الحساب فإنّني
ثقة بكم لوجوهكم أتقصّد
كم مدحة لي فيكم في طيها
حكم تفوز به الركاب وتنجد
وبنات أفكار تفوق صفات
أبكار يقوم لها القريض ويقعد
ليس النضار لها نظيراً بل هي
الدرّ المفصّل لا الخلاص العسجد
هذا ولو أن العباد بأسرهم
تحكي مناقب مجدكم وتعدّد
لم يدركوا إلا اليسير وأنتم
أعلا علاً ممّا حكوه وأزيد
لكن في أم الكتاب كفاية
عمّا تُنظّمه الورى وتُنضّد
صلّى الإله عليكم ما باكرت
ورق على ورق الغصون تُغرّد


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page