القضاء والقدر([1])
المعنى:
القضاء: هو إمضاء الشيء وإبرامه، قال تعالى: (فقضاهن سبع سماوات في يومين). فصلت / 12، عن أبي عبدالله (عليه السلام): «إن الله إذا أراد شيئاً قدره، فإذا قدره قضاه، فإذا قضاه أمضاه»([2]).
وعلى ذلك فإن القدر يمكن أن يتخلف وأمّا القضاء فلا يرد.
القدر: ومعناه الحد فقدر الشيء هو المقدار الذي لا يتعداه والحد الذي لا يتجاوزه في جانبي الزيادة والنقيصة، قال تعالى: (كل شيء خلقناه بقدر). القمر / 62
أنواعهما:
الأول: القضاء والقدر في التكوين وهما بمعنى الخلق والإيجاد، قال تعالى: (فقضاهن سبع سماوات). فصلت / 12، وقال: (وقدر فيها أقواتها). فصلت / 41
الثاني: القضاء والقدر في التشريع، وهما بمعنى الأمر والحكم، قال تعالى: (وقضى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إياه وبالوالدين إحساناً). الإسراء / 22، وقال: (إلاّ إمرأته قدرنا إنها لمن الغابرين). الحجر / 15
الثالث: القضاء والقدر بمعنى خضوع العمل للقانون الإلهي وسنته وعدم خروجه عن دائرته وهذا المعنى هو الذي فات بعض المسلمين إدراكه فزعموا أن ما يصيب الإنسان من خير أو شر إنما يصيبه بقضاء من الله وقدر، أي أن الإنسان مفروض عليه ذلك الفعل ولا خيار له فيه، والحقيقة أن ما يصيب الإنسان من خير أو شر هو بسبب فعله وإختياره ولكنه في نفس الوقت لا يخرج هذا الفعل عن قضائه وقدره أي قانونه، ففي رواية عن الإمام علي (عليه السلام) أنه كان جالساً في ظل جدار وفجأة عرف أن الجدار مشرف على الإنهدام فإبتعد عنه حالاً وحينئذ إعترض أحد الحضور قائلاً: أمن قضاء الله تفر يا علي؟ أي لو أن الله أراد لك الموت فسواء أفررت من تحت الجدار الموشك على السقوط أم لم تفر فإن موتك محقق، ولو أنه سبحانه أراد لك الحياة ففي أية صورة فهو يستطيع حفظك فما معنى فرارك إذن من تحت الجدار المفطور؟ فأجابه علي (عليه السلام): «أفر من قضاء الله إلى قدره».
ومعنى هذه الجملة أن أي حادث لا يحدث بالكون إلاّ بتغيير من الله وقضاء، فإذا عرض الإنسان نفسه للخطر ثم تضرر من ذلك فهذا قانون الله وقضاؤه وإذا فر الإنسان من الخطر ونجا بنفسه فذلك أيضاً قانون الله وتقديره، ولو شرب الإنسان الدواء ونجا من المرض فهذا قانون الله أيضاً، وعلى هذا فإذا فر إنسان من تحت الجدار المفطور فهو لم يخالف قضاء الله وقدره، لأن هذه الشروط بحكم قانون الله أن يكون الإنسان مصوناً من الموت، وإذا بقي الإنسان مصراً على البقاء تحت ذلك الجدار ثم قضى عليه نتيجة لسقوط الجدار فهو أيضاً قانون الحياة الذي لا يتخلف، أمّا لو فسرنا القضاء والقدر بمعنى نسبة ما يصيب الإنسان من خير أو شر لله دون أي إرادة للعباد فهذا ينفي العدل الإلهي لأن الإنسان في هذه الحالة يحاسب عن أعمال ليس له إرادة في فعلها أو تركها.
أفعال العباد وعلم الله الأزلي([3]): إن علمه سبحانه وتعالى لم يتعلق بصدور أي أثر من مؤثره على أي وجه إتفق، وإنما تعلق علمه بصدور الآثار عن العلل مع الخصوصية الكاملة في نفس تلك العلل، فإن كانت العلة علة طبيعية فاقدة للشعور والإختيار أو واجدة للعلم فاقدة للإختيار فتعلق علمه سبحانه بصدور أفعالها وأثرها عنها بهذه الخصوصية، أي أن تصدر الحرارة من النار من دون أن تشعر فضلاً عن أن تريد، ويصدر الإرتعاش من الإنسان المرتعش عن علم ولكن لا بإرادة وإختيار، فالقول بصدور هذه الظواهر عن عللها بهذه الخصوصية يستلزم إنطباق علمه على الواقع وعدم تخلفه عنه قيد شعرة، وإن كانت العلة عالمة وشاعرة ومريدة ومختارة كالإنسان فقد تعلق علمه على صدور أفعاله منه بتلك الخصوصيات وانصباغ فعله بصبغة الإختيار والحرية فلو صدر فعل إنسان بهذه الكيفية لكان علمه مطابقاً للواقع غير متخلف عنه، وأمّا لو صدر فعله عنه في هذا المجال عن جبر وإضطرار بلا علم وشعور أو إختيار وإرادة فعند ذلك يختلف علمه عن الواقع.
________________________________________
[1] سبحاني، الإلهيات: 429 ـ 542.
مطهري، العدل الإلهي: 146 ـ 147.
[2] المجلسي، البحار: 121، الحديث 64.
[3] سبحاني، الإلهيات: 1 / 542 ـ 544.