الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين المنتجبين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين ، وبعد :
فإن من نعم الله تعالى عليَّ ـ وله الحمد والشكر ـ أن قمت بإعداد وجمع وتحقيق جملة كثيرة من المناظرات التي دارت بين الشيعة الإمامية والسنة في باب الإمامة وغيرها من المسائل الخلافية التي بيننا وبينهم ، فتشكَّل من ذلك إلى الآن أربعة أجزاء وسمَّيتها بالمناظرات ، وكان أول أجزائها ( مناظرات في الإمامة )(1) وقد طبع في عام 1415 هـ ، وفي هذا العام 1427 هـ ـ ولله الحمد ـ قمت بإعداد الجزء الرابع وهو في الإمامة أيضاً ، فأصبحت هذه الموسوعة تضمُّ أفخر المناظرات وأجودها .
ثم رأيت من الفائدة أن أفرز من هذه الموسوعة كتاباً مستقلا في مناظرات بعض المستبصرين الذين شاء الله لهم الهداية ، فأخذوا بمنهج أهل البيت(عليهم السلام) ، لا يهمُّهم عذل العذَّال وغمزهم ولمزهم ماداموا على الحقّ ، ولا يبالون وإن قلاهم بعض أصدقائهم وأهاليهم ، بعد أن أنار الله قلوبهم بالهداية ، فنشطت جوارحهم وأعضاؤهم ، فنذروا أنفسهم للدفاع عن المذهب الحق بقلوبهم وأيديهم وألسنتهم ، فجزاهم الله خير الجزاء .
وإذا حلَّت الهداية قلباً نشطت للعبادة الأعضاء
ومما لا شك فيه أن الدفاع عن أهل البيت(عليهم السلام) وظلاماتهم طاعة مقربة لله تعالى ، ومحاورات المستبصرين ومناظراتهم هذه التي ضمها هذا الكتاب تنبئ عن تلكم العقيدة الراسخة في قلوبهم ، وولائهم الصادق للعترة صلوات الله وسلامه عليهم ، وشغفهم في الدفاع عن إمامة أهل البيت(عليهم السلام)بقلوبهم وألسنتهم ، فجزاهم الله خير الجزاء ومن حذى حذوهم في نشر علوم أهل البيت(عليهم السلام)وتعريف الناس بظلاماتهم .
روى الشيخ المفيد عليه الرحمة عن الإمام جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السلام)قال : من أعاننا بلسانه على عدونا أنطقه الله بحجته يوم موقفه بين يديه عزّوجلّ .
وعن الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) إنه قال : من أحبنا بقلبه ونصرنا بيده ولسانه فهو معنا في الغرفة التي نحن فيها ، ومن أحبنا بقلبه ونصرنا بلسانه فهو دون ذلك بدرجة ، ومن أحبنا بقلبه وكف بيده ولسانه فهو في الجنة(2) .
وإليك في هذا الكتاب جملة من مناظرات هؤلاء المستبصرين ، والتي تنم عن قناعة واستبصار ، وذلك من خلال ما رأوه من الأدلة المقنعة من الكتاب والسنة ، والتي تأخذ بالأعناق في لزوم الإعتقاد بإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأبنائه المعصومين(عليهم السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد أوضحوا في بعض هذه المناظرات كيفية استبصارهم ، والأسباب التي دعتهم للأخذ بمنهج أهل البيت(عليهم السلام) وما عانوه من المتاعب والصعاب في سبيل ذلك .
وبحق إنها مناظرات قيمة تستحق القراءة والوقوف على كثير من مضامينها فقد حوت الكثير من الأدلة الساطعة ، والبراهين القوية ، والحقائق التأريخية ، ببيان قوي ، وأسلوب علمي رصين في إثبات إمامة أهل البيت(عليهم السلام) مما يجعلك تشعر أن من وراء ذلك التآييد الإلهي لهؤلاء الذين عرفوا الحقّ فاتبعوه ، فسددهم الله تعالى وأيدهم ، فأسأل الله العلي القدير أن يأخذ بأيديهم لما فيه الخير والصلاح ، وأن يوفقنا وإياهم لنصرة الدين الحنيف ، وترويج علوم آل محمّد (عليهم السلام)وفضائلهم الشريفة إنَّه سميع الدعاء ، إنه نعم المولى ونعم النصير ، والحمد لله رب العالمين .
عبد الله الحسن
قم المقدسة في يوم الخميس 15 / شوال 1427 هـ
____________
1- وقد كان الابتداء في تأليفه في عام 1412 هـ .
2- الأمالي ، الشيخ المفيد : 33 ح7 .
مقدمّة الكتاب
- الزيارات: 891