طباعة

ضرورة الوصية بالخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

فبادرت إلى الجواب ، وهم صامتون يصغون إلى ما أورد عليهم من الأدلّة الواضحة ، والحجج القاطعة ، والبراهين الساطعة ، القائمة لدينا ولديهم حتى مضى علينا أكثر من ثلثي الليل ، وبعد انتهائنا من البحث قاموا ، فمنهم الشاكر ، ومنهم المنكر .
ومن جملة ما أفدت عليهم ، قلت : لا شك في أن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعلم أن أمّته الجديدة القريبة العهد بالإسلام ، وما هي عليه من الرغبة في الخلافة ، ويعلم أنه سينقلب الكثير منهم على الأعقاب(1) ، ولا يسلم منهم إلاَّ مثل همل النعم(2)عند ورودهم على الحوض ـ كما جاء في البخاري في حديث الحوض(3) ، ويعلم علم اليقين أن أصحابه كانوا يضمرون الشرَّ لوصيِّه وخليفته من بعده علي (عليه السلام)(4) ، وأنهم فور موته يحدثون حدثاً .
إذن ، فلابد أن يكون قد وضع للخلافة حلاًّ لها ، يوقف من تدعوه نفسه إلى الخلافة ، ولا يخفى عليه أمر أصحابه ، إذ أنه قد سبرهم ، وعرف المستقيم منهم والملتوي ، وهو القائل لهم : ستتبعون سنن من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه(5) ، وكان شيخنا العلامة الشيخ ( أحمد أفندي الطويل الأنطاكي ) يرويه لنا في أثناء الدرس ، وعلى المنبر ، ويقول في ختام الحديث : ولو جامع أحدهم امرأته في السوق لفعلتموه !! وهو القائل : من لم يعرف إمام زمانه ، مات ميتة جاهلية(6) أي كفر .
إذن ، فلابد أن يضع للخلافة حلاًّ يوقفهم عند حدِّهم ، ونحن ما دمنا نعتقد أنه نبيٌّ مرسل من الله ، ويعلم أنه الذي ختم الرسل ، وأن رسالته مستمرة إلى آخر الدنيا ، فلا يبقى له أن يترك أمّته فوضى مع علمه أنها ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كما في الحديث(7) .




_____________
1- قال تعالى في سورة آل عمران ، الآية : 144 : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) .
2- قال ابن الأثير في النهاية : 5/274 : في حديث الحوض : ( فلا يخلص منهم إلاَّ مثل همل النعم ) الهمل : ضوالّ الإبل ، واحدها هامل ; أي إن الناجي منهم قليل في قلّة النعم الضالّة .
3- صحيح البخاري : 7/208 ـ 209 .
4- جاء في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي : 11/216 ، في ترجمة رقم : 5928 بإسناده عن أبي إدريس عن علي (عليه السلام) قال : مما عهد إليَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الأمة ستغدر بك من بعدي .
وراجع الحديث في المصادر الآتية : شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 4/107 و20/326 ح734 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 42/447 ـ 448 ، تذكرة الحفاظ ، الذهبي : 3/995 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 6/244 .
ورواه أيضاً الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين : 3/142 عن حيان الأسدي قال : سمعت علياً (عليه السلام) يقول : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الاُمة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش على ملتي .
ورواه عنه كنز العمال ، المتقي الهندي : 11/297 ح31562 .
5- صحيح البخاري : 4/144 ـ 145 و8/151 ، صحيح مسلم : 8/57 ، صحيح ابن حبان : 15/95 ، مسند أحمد بن حنبل : 2/327 و511 ، المستدرك ، الحاكم : 4/455 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 7/261 .
6- راجع : شرح النهج لابن أبي الحديد : 9/155 و13/242 . وسوف يأتي الحديث نفسه أيضاً مع مصادر أخرى .
7- تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : 13/295 ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 62/311 ، الفصول في الأصول ، الجصاص : 3/316 .