• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصحابة في ميزان البحث والتحقيق

ولما رأى الشيخ العالم كلامي منطقيّا وحجتي مقبولة قال : أنصحك لوجه اللّه تعالى مهما شككت فلا تشك في الخلفاء الراشدين ، فهم أعمدة الإسلام الأربعة إذا هدّمت عمودا منها سقط البناء !!
قلت : أستغفر اللّه يا سيدي فأين رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إذن إذا كان هؤلاء هم أعمدة الإسلام ؟
أجاب: رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) هو ذاك البناء ! هو الإسلام كلّه .
ابتسمت من هذا التحليل وقلت : أستغفر اللّه مرة أخرى يا سيدي الشيخ ! فأنت تقول من حيث لا تشعر : بأنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن ليستقيم إلاّ بهؤلاء الأربعة بينما يقول اللّه تعالى : {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً}(1) . فقد أرسل محمدا بالرسالة ولم يشركه فيها أحدا من هؤلاء الأربعة ولا من غيرهم ، وقد قال اللّه تعالى في هذا الصّدد : {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ}(2) .
قال : هذا ما تعلّمناه نحن من مشايخنا وأئمتنا ، ولم نكن نحن في جيلنا نناقش ، ولا نجادل العلماء مثلكم اليوم الجيل الجديد ! أصبحتم تشكّون في كل شيء ، وتشكّكون في الدين ! وهذه من علامات الساعة ، فقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لن تقوم الساعة إلاّ على شرار الخلق(1) .
فقلت : يا سيدي لماذا هذا التهويل ، أعوذ باللّه أن أشكّ في الدين أو أشكك فيه ، فقد آمنت باللّه وحده لا شريك له ، وملائكته وكتبه ورسله ، وآمنت بأنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أفضل الأنبياء والمرسلين ، وخاتمهم وأنا من المسلمين ، فكيف تتّهمني بهذا ؟
قال : أتهمك بأكثر من هذا ! لأنّك تشكك في سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر وقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لو وزن إيمان أمّتي بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر(2) .
وقال في حقّ سيدنا عمر : عرضت علىّ أمتي وهي ترتدي قمصاً لم تبلغ الثدي ، وعرض علىّ عمر وهو يجرّ قميصه ، قالوا : ما أوّلته يا رسول اللّه ؟ قال : الدين(3) .
وتأتي أنت اليوم في القرن الرابع عشر لتشكك في عدالة الصحابة وبالخصوص أبي بكر وعمر! ألم تعلم بأنّ أهل العراق هم أهل الشقاق ، هم أهل الكفر والنفاق !!
ماذا أقول لهذا العالم المدّعي العلم الذي أخذته العزّة بالإثم ، فتحوّل من الجدال بالتي هي أحسن إلى التهريج والافتراء ، وبثّ الإشاعات أمام مجموعة من الناس المعجبين به ، والذين احمرّت أعينهم وانتفخت أوداجهم ، ولاحظت في وجوههم الشر .
فما كان منّي إلاّ أن أسرعت إلى البيت وأتيتهم بكتاب الموطأ للإمام مالك وصحيح البخاري ، وقلت : يا سيدي إنّ الذي بعثني على هذا الشك هو رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه ، وفتحت كتاب الموطأ وفيه روى مالك أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لشهداء أحد : هؤلاء أشهد عليهم ، فقال أبو بكر الصديق : ألسنا يا رسول اللّه إخوانهم أسلمنا كما أسلموا ، وجاهدنا كما جاهدوا ، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : بلى ولكن لا أدري ما تُحدثون بعدي! فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال : إنّنا لكائنون بعدك(1) .
ثم فتحت صحيح البخاري وفيه : دخل عمر بن الخطاب على حفصة وعندها أسماء بنت عميس فقال ـ حين رآها ـ : من هذه ؟ قالت : أسماء بنت عميس ، قال عمر : الحبشية هذه ، البحرية هذه ، قالت أسماء : نعم ، قال : سبقناكم بالهجرة فنحن أحقّ برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) منكم ، فغضبت وقالت : كلا واللّه ، كنتم مع رسول اللّه يطعم جائعكم ، ويعظ جاهلكم ، وكنّا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة ، وذلك في اللّه وفي رسوله ، وأيم اللّه لا أطعم طعاما ، ولا أشرب شرابا حتى أذكر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحن كنّا نؤذى ونخاف ، وسأذكر ذلك للنبي أسأله واللّه لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه !
فلمّا جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت : يا نبي اللّه ، عمر قال : كذا وكذا .
قال : فما قلت له . قالت : كذا وكذا .
قال : ليس بأحقّ بي منكم ، وله ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان ، قالت : فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً يسألونني عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم ما في أنفسهم ممّا قال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(1) .
وبعد ما قرأ الشيخ العالم والحاضرون معه الأحاديث تغيّرت وجوههم وبدأوا ينظرون بعضهم إلى بعض ، ينتظرون ردّ العالم الذي صُدم ، فما كان منه إلاّ أن رفع حاجبيه علامة التعجّب وقال : {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً}(2) .
فقلت : إذا كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أوّل من شكّ في أبي بكر ولم يشهد عليه لأنّه لا يدري ماذا سوف يحدث من بعده ، وإذا كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقرّ بتفضيل عمر بن الخطّاب على أسماء بنت عميس بل فضّلها عليه ، فمن حقّي أن أشك وأن لا أفضّل أحدا حتى أتبيّن وأعرف الحقيقة ، ومن المعلوم أنّ هذين الحديثين يناقضان كل الأحاديث الواردة في فضل أبي بكر وعمر ويبطلانها، لأنّهما أقرب من أحاديث الفضائل المزعومة .
قال الحاضرون : وكيف ذلك ؟
قلت : إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يشهد على أبي بكر ، وقال له إنّني لا أدري ماذا تحدثون بعدي ! فهذا معقول جداً ، وقد قرّر ذلك القرآن الكريم ، والتاريخ يشهد أنّهم بدّلوا بعده ، ولذلك بكى أبو بكر ، وقد بدّل وأغضب فاطمة الزهراء (عليها السلام)بنت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد بدّل حتى ندم قبل وفاته(3) وتمنى أن لا يكون بشرا .
أمّا الحديث الذي يقول : لو وزن إيمان أمتي بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر ، فهو باطل وغير معقول ، ولا يمكن أن يكون رجل قضى أربعين سنة من عمره يشرك باللّه ، ويعبد الأصنام أرجح إيمانا من أمّة محمّد بأسرها ، وفيها أولياء اللّه الصالحين والشهداء ، والأئمة الذين قضوا أعمارهم كلّها جهادا في سبيل اللّه ، ثم أين أبو بكر من هذا الحديث ؟ لو كان صحيحا لما كان في آخر حياته يتمنى أن لا يكون بشرا .
ولو كان إيمانه يفوق إيمان الأمة ما كانت سيدة النساء فاطمة بنت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، تغضب عليه وتدعو اللّه عليه في كل صلاه تصلّيها(1) .
ولم يرد العالم بشي ، ولكنّ بعض الجالسين قالوا : لقد بعث واللّه هذا الحديث الشك فينا ؟!
عند ذلك تكلم العالم ليقول لي : أهذا ما تريده ؟ لقد شككت هؤلاء في دينهم !!
وكفاني أحدهم الردّ عليه ، إذ قال : كلا ، إنّ الحق معه ، نحن لم نقرأ في حياتنا كتابا كاملاً ، واتّبعناكم واقتدينا بكم في ثقة عمياء بدون نقاش ، وقد تبيّن لنا الآن أنّ ما يقوله الحاج صحيح ، فمن واجبنا أن نقرأ ونبحث !! ووافقه على رأيه بعض الحاضرين ، وكان ذلك انتصارا للحق والحقيقة ، ولم يكن انتصارا بالقوة والقهر ولكنّه انتصار العقل والحجّة والبرهان {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(1) .
ذلك ما دفعني وشجّعني على الدخول في البحث ، وفتح الباب على مصراعيه فدخلته باسم اللّه وباللّه وعلى ملّة رسول اللّه ، راجيا منه سبحانه وتعالى التوفيق والهداية فهو الذي وعد بهداية كلّ باحث عن الحقّ وهو لا يخلف وعده(2) .






____________
1- سورة الفتح ، الآية : 28 .
2- سورة البقرة ، الآية : 151 .
3- صحيح مسلم : 6/54 ، المستدرك ، الحاكم : 4/456 .
4- تذكرة الموضوعات ، الفتني : 93 ، كشف الخفاء ، العجلوني : 2/165 ، ح2130 .
5- مسند أحمد بن حنبل : 3/86 ، صحيح البخاري : 1/11 ، تهذيب الكمال ، المزي : 21/325 .
6- كتاب الموطأ ، مالك : 2/461 ـ 462 ح32 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 15/38 .
7- صحيح البخاري : 5/80 ، صحيح مسلم : 8/172 ـ 173 ، السنن الكبرى ، النسائي : 5/104 .
8- سورة طه ، الآية : 114 .
9- روى اليعقوبي وغيره أن أبا بكر قال عند موته : وليتني لم افتش بيت فاطمة (عليها السلام) بنت رسول (صلى الله عليه وآله وسلم)وأدخله الرجال ، ولو كان أغلق عليَّ الحرب ..
راجع : تاريخ اليعقوبي : 2/137 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 1/62 ح43 ، تاريخ الطبري : 2/619 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 30/418 ، مروج الذهب ، المسعودي : 2/301 ـ 302 ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : 36 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 2/47 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 5/203 .
10- الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : 1/31 ، السقيفة وفدك ، الجوهري : 104 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 16/214 ، أعلام النساء ، كحالة : 4/123 ـ 124 .
11- سورة البقرة ، الآية : 111 .
12- كتاب ثم اهتديت ، الدكتور التيجاني : 149 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page