طباعة

تشنيع البعض على الشيعة في الجمع بين الصلاتين

ومع وضوح هذه الأحاديث فإنك لا تزال تجد من يشنع بذلك على الشيعة ، وقد حَدث ذلك مرة في تونس ، فقد قام الإمام عندنا في مدينة قفصة ليشنع علينا ويُشهّر بنا وسط المصلّين قائلا : أرأيتم هذا الدّين الذي جاؤوا به ، إنهم بعد صلاة الظهر يقومون ويصلّون العصر ، إنه دين جديد ليس هو دين محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، هؤلاء يخالفون القرآن الذي يقول : {إنَّ الصلاةَ كانتْ عَلى المؤمنينَ كِتاباً مَوقُوتاً}(1) وما ترك شيئاً إلاّ وشتم به المستبصرين .
وجاءني أحد المستبصرين ، وهو شاب على درجة كبيرة من الثقافة ، وحكى لي ما قاله الإمام بألم ومرارة ، فأعطيته صحيح البخاري وصحيح مسلم وطلبتُ منه أن يطلعه على صحّة الجمع ، وهو من سنّة النبي (صلى الله عليه وآله) ، لأنني لا أريد الجدال معه ، فقد سبق لي أن جادلته بالتي هي أحسن فقابلني بالشتم والسبّ والتّهم الباطلة ، والمهم أن صديقي لم ينقطع من الصلاة خلفَه ، فبعد انتهاء الصلاة جلس الإمام كعادته للدّرس فتقدّم إليه صديقي بالسؤال عن الجمع بين الفريضتين ؟
فقال : إنها من بدع الشيعة .
فقال له صديقي : ولكنّها ثابتة في صحيح البخاري ومسلم .
فقال له : غير صحيح ، فأخرج له صحيح البخاري وصحيح مسلم وأعطاه فقرأ باب الجمع بين الصلاتين .
يقول صديقي : فلمّا صدمتهُ الحقيقة أمام المصلّين الذين يستمعون لدروسه ، أغلق الكتب وأرجعها إليّ قائلا : هذه خاصة برسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وحتى تصبح أنت رسول الله فبإمكانك أن تصلّيها .
يقول هذا الصديق : فعرفتُ أنّه جاهل متعصّبُ ، وأقسمتُ من يومها أن لا أصلّي خلفَهُ ، بعد ذلك طلبتُ من صديقي بأن يرجع إليه ليُطلِعَه على أنّ ابن عبّاس كان يصلّي تلك الصلاة ، وكذلك أنس بن مالك ، وكثير من الصحابة ، فلماذا يريد هو تخصيصها برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أو لم يكن لنا في رسول الله أسوةٌ حسنة ؟ ولكنّ صديقي اعتذر لي قَائلا : لا داعي لذلك ، وإنّه لا يقتنع ولو جاءه رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
وإنّه والحمد لله بعد أن عرف كثيرٌ من الشباب هذه الحقيقة ، وهي الجمع بين الصلاتين ، رجع أغلبهم إلى الصّلاة بعد تركها ، لأنهم كانوا يُعانُونَ من فوات الصلاة في وقتها ، ويجمعون الأوقات الأربعة في اللّيل فتملّ قلوبهم ، وأدركوا الحكمة في الجمع بين الفريضتين ، لأن كل الموظفين والطلبة وعامة الناس يقدرون على أداء الصلوات في أوقاتها وهم مطمئنُّون ، وفهموا قول الرسول (صلى الله عليه وآله) ، كي لا أحرج أمّتي(2)(3).





_________
1- سورة النساء ، الآية : 103 .
2- روى الطبراني في المعجم الأوسط : 4/252 بإسناده عن عبدالله بن مسعود قال : جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الأولى والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، فقيل له في ذلك ، فقال : صنعت هذا لكي لا تحرج أمتي .
3- مع الصادقين ، الدكتور التيجاني : 210 ـ 215 .