وما هو ذنب المسلم الذي يقرأ في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه : "سيؤخذ بكم يوم القيامة إلى ذات الشمال، فأقول : إلى أين ؟ فيُقال : إلى النار والله، فأقول : يا ربّ هؤلاء أصحابي، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا من بعدك إنّهم لم يزالوا مرتدين منذ فارقتهم، فأقول : سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي، ولا أرى يخلصُ منهم إلاّ مثل همل النعم"(1) .
وكان الجميع يستمعون إليّ في صمت رهيب، وسألني بعضهم : إن كنت واثقاً من وجود هذا الحديث في صحيح البخاري ؟
وأجبتهم : نعم كوثوقي بأن الله واحد لا شريك له، ومحمداً عبدهُ ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولمّا عرف الإمام تأثيري في الحاضرين من خلال حفظي للأحاديث التي رويتها قال في هدوء : نحن قرأنا على مشايخنا رحمهم الله تعالى بأنّ الفتنة نائمة فلعن الله من أيقظها .
فقلت : يا سيدي الفتنة عمرها ما نامت، ولكنّا نحن النائمون، والذي يستيقظ منّا ويفتح عينيه ليعرف الحق تتهمونه بأنّه أيقظ الفتنة، وعلى كل حال فإنّ المسلمين مطالبون باتّباع كتاب الله وسنّة رسوله (صلى الله عليه وآله) ، لا بما يقوله مشايخنا الذين يترضّون على معاوية ويزيد وابن العاص .
وقاطعني الإمام قائلا : وهل أنت لا تترضّى عن سيدنا معاوية ، كاتب الوحي ؟
قلت : هذا موضوع يطول شرحه، وإذا أردت معرفة رأيي في ذلك، فأنا أهديك كتابي "ثمّ اهتديت"(2) لعلّه يوقظك من نومك ، ويفتح عينيك على بعض الحقائق ! وتقبّل الإمام كلامي وهديّتي بشيء من التردّد، ولكنّه وبعد شهر واحد كتب إليّ رسالة لطيفة يحمد الله فيها أن هداه إلى صراطه المستقيم وأظهر ولاءً وتعلّقاً بأهل البيت (عليهم السلام) وطلبتُ منه نشر رسالته في الطبعة الثالثة لما فيها من معاني الود وصفاء الرّوح التي متى ما عرفت الحق تعلّقت به وهي تعبّر عن حقيقة أكثر أهل السنّة الذين يميلون إلى الحق بمجرد رفع الستار.
ولكنّه طلب منّي كتم الرسالة وعدم نشرها، لأنّه لا بدّ له من الوقت الكافي حتى يُقنع المجموعة التي تصلي خلفه، وهو يحبذ أن تكون دعوته سلمية بدون هرج ومرج حسب تعبيره(3).
____________
1- صحيح البخاري : 7/208 ـ 209 و8/87 ، صحيح مسلم : 7/66 و8/157 .
2- وقد شرح فيه كيفية استبصاره والأسباب التي دعته للأخذ بمذهب أهل البيت (عليهم السلام)وذلك بعد مسيرة ـ ليست قصيرة ـ من البحث والمناظرة في شتى مسائل الخلاف مع الأعلام والمحقّقين في النجف الأشرف وغيره .
3- كتاب فاسألوا أهل الذكر ، الدكتور التيجاني السماوي : 115 ـ 117 .
الصحابة في صحيح البخاري ومسلم
- الزيارات: 909