قال محمود بن لبيد : لمَّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت فاطمة تأتي قبور الشهداء ، وتأتي قبر حمزة ، وتبكي هناك ، فلمَّا كان في بعض الأيام أتيت قبر حمزة رضي الله عنه ، فوجدتها ـ صلوات الله عليها ـ تبكي هناك ، فأمهلتها حتى سكتت ، فأتيتها وسلَّمت عليها ، وقلت : يا سيِّدة النسوان ! قد والله قطَّعتِ أنياط قلبي من بكائك .
فقالت : يا أبا عمر ! يحقُّ لي البكاء ، ولقد أصبت بخير الآباء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، واشوقاه إلى رسول الله ، ثمَّ أنشأت (عليها السلام) تقول :
إذا مات يوماً ميِّت قلَّ ذكره وذكر أبي مذ مات والله أكثر
قلت : يا سيِّدتي ! إني سائلك عن مسألة تلجلج في صدري .
قالت : سل .
قلت : هل نصَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل وفاته على عليٍّ بالإمامة ؟
قالت : واعجباه ! أنسيتم يوم غدير خمّ ؟!
قلت : قد كان ذلك ، ولكن أخبريني بما أسرَّ إليك .
قالت : أشهد الله تعالى لقد سمعته يقول : عليٌّ خير من أخلِّفه فيكم ، وهو الإمام والخليفة بعدي ، وسبطاي وتسعة من صلب الحسين أئمة أبرار ، لئن اتبعتموهم وجدتموهم هادين مهديين ، ولئن خالفتموهم ليكون الاختلاف فيكم إلى يوم القيامة .
قلت : يا سيِّدتي ! فما باله قعد عن حقه ؟
قالت : يا أبا عمر ! لقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : مثل الإمام مثل الكعبة ; إذ تؤتى ولا تأتي ، أو قالت : مثل عليٍّ (عليه السلام) ـ ثمَّ قالت : أما والله لو تركوا الحقَّ على أهله ، واتبعوا عترة نبيِّه لما اختلف في الله تعالى اثنان ، ولورثها سلف عن سلف ، وخلف بعد خلف حتى يقوم قائمنا ، التاسع من ولد الحسين ، ولكن قدَّموا من أخَّره الله ، وأخَّروا من قدَّمه الله ، حتى إذا ألحد المبعوث ، وأودعوه الجدث المجدوث ، واختاروا بشهوتهم ، وعملوا بآرائهم ، تبّاً لهم أو لم يسمعوا الله يقول : {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}(1) ، بل سمعوا ، ولكنّهم كما قال الله سبحانه : {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الاَْبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}(2) ،
هيهات ، بسطوا في الدنيا آمالهم ، ونسوا آجالهم ، فتعساً لهم وأضلَّ أعمالهم ، أعوذ بك ـ يا ربِّ ـ من الحور بعد الكور(3) .
قال كليب بن معاوية الصيداوي : قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام) : ما يمنعكم إذا كلَّمكم الناس أن تقولوا : ذهبنا من حيث ذهب الله ، واخترنا من حيث اختار الله ، إن الله سبحانه اختار محمّداً ، واختار لنا آل محمّد ، فنحن متمسِّكون بالخيرة من الله عزّوجل(4) .
___________
1- سورة القصص ، الآية : 68 .
2- سورة الحج ، الآية : 46 .
3- كفاية الأثر ، الخزاز القمي : 198 ـ 200 .
4- الأمالي ، الطوسي : 227 ح47 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 27/326 ح5 .
كلام فاطمة الزهراء (عليها السلام) في النصِّ على أميرالمؤمنين (عليه السلام)بالخلافة ولماذا قعد عن حقّه
- الزيارات: 1014