• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

كلام الشيخ المفيد عليه الرحمة في حديث العباس لأمير المؤمنين (عليه السلام)

قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : وما رأيت أوهن ولا أضعف من تعلُّق المعتزلة ومتكلِّمي المجبِّرة بقول العباس بن عبد المطلب(رحمه الله) لأميرالمؤمنين (عليه السلام)بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : امدد يدك ـ يا بن أخ ـ أبايعك ، فيقول الناس : عمُّ رسول الله بايع ابن أخيه ، فلا يختلف عليك اثنان ، وقد ادّعوا أن في هذا دليلا على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم ينصَّ على أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، وقولهم : إنَّه لو كان نصَّ عليه لم يدعه العباس إلى البيعة ; لأن المنصوص عليه لا يفتقر في إمامته وكمالها إلى البيعة ، فلمَّا دعاه العباس إلى عقد إمامته من حيث تنعقد الإمامة التي تكون بالاختيار دلَّ على بطلان النصِّ .
وهذا الكلام مع وهنه فقد حار قوم من الشيعة عن فهم الغرض فيه ، وعدلوا عن نقضه من وجهه ، وقد كنت قلت لمناظر اعتمد عليه في حجاجه في الإمامة ، ورام به مناقضتي في مجلس من مجالس النظر أقوالا ، أنا أورد مختصراً منها ، وأعتمد على بعضها ، إذ كان شرح ذلك يطول .
وهو أن يقال لهم : إن كان دعاء العباس أميرالمؤمنين (عليه السلام) إلى البيعة يدلُّ على ما زعمتم من بطلان النصِّ وثبوت الإمامة من جهة الاختيار فيجب أن يكون دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأنصار إلى بيعته في ليلة العقبة ، ودعاؤه المسلمين من المهاجرين والأنصار تحت شجرة الرضوان ، دليلا على أن نبوَّته (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما ثبتت له من جهة الاختيار ، فإنّه لو كان ثابت الطاعة من قبل الله عزَّ وجلَّ وإرساله له ، وكان المعجز دليل نبوَّته ، لا ستغنى عن البيعة له تارة بعد أخرى ، فإن قلتم ذلك خرجتم عن الملّة ، وإن أثبتموه نقضتم العلّة عليكم .
فإن قالوا : إنّ بيعة الناس لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تك لإثبات نبوَّته ، وإنما كانت للعهد في نصرته ، بعد معرفة حقِّه وصدقه فيما أتى به عن الله عزَّ وجلَّ من رسالته .
قيل لهم : أحسنتم في هذا القول ، وكذلك كان دعاء العباس أميرالمؤمنين (عليه السلام) إلى بسط اليد إلى البيعة ، فإنما كان بعد ثبوت إمامته بتجديد العهد في نصرته ، والحرب لمخالفيه وأهل مضادّته ، ولم يحتج (عليه السلام) إليها في إثبات إمامته .
ويدلُّ على ما ذكرناه قول العباس : يقول الناس : عمُّ رسول الله بايع ابن أخيه ، فلا يختلف عليك إثنان ، فعلَّق الاتفاق بوقوع البيعة ، ولم يكن لتعلُّقه بها إلاَّ وهي بيعة الحرب التي يرهب عندها الأعداء ، ويحذرون من الخلاف ، ولو كانت بيعة الاختيار من جهة الشورى والاجتهاد لما منع ذلك من الاختلاف ، بل كانت نفسها الطريق إلى تشتُّت الرأي ، وتعلُّق كل قبيل باجتهاده واختياره .
أو لا ترى إلى جواب أميرالمؤمنين (عليه السلام) بقوله : يا عمّ ! إن لي برسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعظم شغل عن ذلك ، ولو كانت بيعته عقد الإمامة لما شغله عنها شاغل ، ولما كانت قاطعة له عن مراده في القيام برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
أو لا ترى أنه لما ألحَّ عليه العباس في هذا الباب قال : يا عمّ ! إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى إليَّ ، وأوصاني أن لا أجرِّد سيفاً بعده حتى يأتيني الناس طوعاً ، وأمرني بجمع القرآن والصمت حتى يجعل الله عزَّ وجلَّ لي مخرجاً ، فدلَّ ذلك أيضاً على أن البيعة إنّما دعا إليها للنصرة والحرب ، وأنّه لا تعلُّق لثبوت الإمامة بها ، وأن الاختيار ليس منها في قبيل ولا دبير على ما وصفناه .
ووجه آخر وهو : أنَّ القوم لمَّا أنكروا النصَّ ، وأظهروا أن الإمامة تثبت لهم من طريق الاختيار ، أراد العباس أن يكيدهم من حيث ذهبوا إليه ، ويبطل أمرهم بنفس ما جعلوه طريقاً لهم إلى الظلم ، وجحد النصِّ ، فقال لأميرالمؤمنين (عليه السلام) : ابسط يدك أبايعك ، فإن سلَّموا الحقَّ لأهله لم تضرَّك البيعة ، وإن ادّعوا الشورى والاختيار ، وأنكروا حقَّك كان لك من البيعة والاختيار والعقد مثل ما لهم ، فلم يمكنهم الاستبداد بالأمر دونك ، فأبى أميرالمؤمنين (عليه السلام) ذلك ، وكره أن يتوصَّل إلى حقِّه بباطل لا يوصل إليه ، وبرهان أمره يقهر القلوب بظهور النصِّ عليه ، ولأنّه كره أن يبسط يده للبيعة فيلزمه بعد ذلك تجريد السيف على دافعيه الأمر ، فلا يستقيم له ـ مع الاختيار وعقد القوم له ـ أن يلزم التقيّة ، وقد تقدَّمت الوصيَّة له من النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالكفِّ عن الحرب مخافة بطلان الدين ودرس الإسلام .
وقد بيَّن ذلك في مقاله (عليه السلام) ، حيث يقول : أما والله ، لو لا قرب عهد الناس بالكفر لجاهدتهم ، فعدل عن قبول البيعة لما ذكرناه .
فإن قال بعضهم في هذا الجواب : قد وصل إلى حقِّه كما زعمتم بعد عثمان بالاختيار ، ودخل في الشورى ، فكيف استجاز التوصُّل إلى الحقِّ بالباطل على ما فهمناه عنكم من الجواب ؟
قيل له : يقول القوم : إنّما ساغ له ذلك في الشورى وبعد عثمان لخفاء النصِّ عليه في تلك الأحوال ، واندراس أمره بمرور الزمان على دفعه عن حقِّه ، فلم يجد إذ ذاك من ظهور فرض طاعته ما كان عند وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فاضطرَّ إلى التوصُّل إلى حقِّه من حيث جعلوه طريقاً إلى التأمير على الناس ، على أن القوم جمعوا بين علّتين : إحداهما ما ذكرناه ، والأخرى ما أردفناه المذكور من وجوب الجهاد عليه بعد قبول البيعة ، ولم يكن في الأول يجوز له ذلك ; للوصيَّة المتقدِّمة من النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الكفِّ عن السيف ، ولما رآه في ذلك من الاستصلاح ، وكانت الحال بعد عمر وبعد عثمان على خلاف ما ذكرناه ، وهذا يبطل ما تعلَّقتم به .
ووجه آخر ـ وهو المعتمد عندي في هذا الجواب عن هذا السؤال ، والمعوَّل عليه دون ما سواه ـ وهو : أن أميرالمؤمنين (عليه السلام) لم يتوصَّل إلى حقِّه في حال من الأحوال بما يوصل إليه من اختيار الناس له على ما ظنَّه الخصوم .
وذلك أنّه (عليه السلام) احتجَّ في يوم الشورى بنصوص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الموجبة له فرض الطاعة ، كقوله : أفيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، غيري ؟ أفيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاَّ أنه لا نبيَّ بعدي ، غيري ؟
وأشباه هذا من الكلام الموجب لإمامة صاحبه ، بدليله المغني له عن اختيار العباد ، ولمَّا قتل عثمان لم يدع أحداً إلى اختياره ، لكنَّه دعاهم إلى بيعته على النصرة له ، والإقرار بالطاعة ، وليس في هذا من معنى الاختيار الذي يذهب إليه المخالفون شيء على كل حال ، والجواب الأول لي خاصة ، والثاني لأصحابنا ، وقد نصرته بموجز من الكلام...(1).




____________
1- الفصول المختارة ، المفيد : 249 ـ 252 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page