قلت : هل تعرف رضاعة الكبير ؟
قال : وما هي رضاعة الكبير ؟
قلت : باختصار أنّه يمكن لزوجتك أن ترضعني أنا فأصبح بعد تلك الرضاعة ربيبك ، ويمكن لي أن أستحلَّ منها ما يستحلُّ الولد من والدته .
فضحك عند سماعه هذه الأطروحة ، وقال مستغرباً : كيف ؟ أنت ترضع من زوجتي أنا ؟ لا يحقُّ لك ذلك .
قلت : هذا من نصف دينك الذي تقول به أمُّ المؤمنين عائشة .
قال : لا ، لا ، ما سمعت بهذا أبداً ، لعلّك تمزح .
قلت : أنا لا أمزح في مثل هذه الأبحاث العلميّة ، وكيف أمزح باتهام أم المؤمنين عائشة ؟ ولكن أنا قدمت من باريس ، وليس معي إلاَّ كتاب : ثم اهتديت ، وأنت ـ ما شاء الله ـ عندك هنا مكتبة ضخمة ، وبالتأكيد إن فيها صحيح مسلم ، وموطأ الإمام مالك .
قال : نعم ، عندي هذه الكتب ، وهل فيها هذا الحديث ؟
قلت : نعم ، سأترك لك المجال لتقرأ بنفسك على راحة البال ، وتعطيني بعد ذلك رأيك .
قال : دلَّني على الحديث في أيِّ موضع من الكتاب ؟
قلت : اقرأ باب رضاعة الكبير في الكتابين(1) ، وغداً أعطني النتيجة ، وقمت أعتدر للخروج فقد مضى نصف الليل أو أكثر .
قال : وفي صباح اليوم التالي جاء الجامعة كالعادة لفطور الصباح ، وتأخَّر الشيخ علي أكثر من ساعة ، وكدنا نكمل الإفطار وإذا به يدخل علينا ، ويبدِّد حيرتنا ، وعندما وصل إليَّ مسلِّماً ضحك ، وقال : أرضعيه ولو كان ذا لحية .
وفهمت أنه اطّلع على الموضوع من شتّى جوانبه ، وفرحت لذلك ، ودعوناه للجلوس وتناول الإفطار متسائلين : ما الذي أبطأه عن الموعد المعتاد ؟
قال : لم أنم إلاَّ قليلا ، فقد سهرت بعدكم ، واطّلعت على قصة رضاعة الكبير في كل من صحيح مسلم وموطأ مالك ، فحيَّرتني وطار النوم من عيني ،فلم أنم إلاَّ بعد صلاة الفجر.
____________
1- جاء في كتاب الموطأ لمالك : 2/605 ح12 عن ابن شهاب ، أنه سئل عن رضاعة الكبير فقال : أخبرني عروة بن الزبير ، أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ... كان تبنَّى سالماً الذي يقال له : سالم مولى أبي حذيفة ، كما تبنَّى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زيد بن حارثة ، وأنكح أبو حذيفة سالماً ، وهو يرى أنه ابنه ، فلمَّا أنزل الله تعالى في كتابه في زيد بن حارثة ما أنزل ... ردَّ كل واحد من أولئك إلى أبيه .. فجاءت سهلة بنت سهيل ، وهي امرأة أبي حذيفة ـ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت : يا رسول الله ! كنّا نرى سالماً ولداً ، وكان يدخل عليَّ وأنا فضل ، وليس لنا إلاَّ بيت واحد ، فماذاترى في شأنه ؟ فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها ) وكانت تراه ابناً من الرضاعة ، فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين فيمن كانت تحبُّ أن يدخل عليها من الرجال ، فكانت تأمر أختها أمَّ كلثوم بنت أبي بكر الصديق ، وبنات أخيها أن يرضعن من أحبَّت أن يدخل عليها من الرجال .
وأبى سائر أزواج النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس ، وقلن : والله ، ما نرى الذي أمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سهلة بنت سهيل إلاَّ رخصة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في رضاعة سالم وحده ،لا والله ، لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد ، فعلى هذا كان أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في رضاعة الكبير .
وجاء في صحيح مسلم : 4/169 : عن زينب بنت أم سلمة ، قالت : قالت أم سلمة لعائشة : إنّه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحبُّ أن يدخل عليَّ ، قال : فقالت عائشة : أما لك في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أسوة .. إلخ .
وعن زينب بنت أبي سلمة تقول : سمعت أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تقول لعائشة : والله ما تطيب نفسي أن يراني الغلام قد استغنى عن الرضاعة ، فقالت : لم ؟ قد جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فقالت : يا رسول الله ! والله إني لأرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم ، قالت : فقال رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) : أرضعيه ، فقالت : إنه ذو لحية ، فقال : أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة ، فقالت :والله ما عرفته في وجه أبي حذيفة .
وروي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تقول : أبى سائر أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدخلن عليهن أحداً بتلك الرضاعة .. إلخ .
رضاعة الكبير في الموطأ والبخاري
- الزيارات: 969