• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

السنّة النّبوية تكشف حقائق بعض الصحابة


وحتّى لا يتوهّم معاندٌ في الأحاديث النبويّة التي تناولت الصّحابة، ويحاول الطعن فيها أو تضعيفها، فقد اعتمدنا فقط أحاديث البخاري، والذي هو أصحّ الكتب عند أهل السنّة، ورغم أنّ البخاري كتم الكثير من هذه الأحاديث حفاظاً على كرامة الصحابة، كما هو معروف عنه، ولأنّ غيره من صحاح أهل السنّة أخرج أضعافها وبعبارات أكثر وضوحاً، إلاّ أننا نكتفي بهذا الموجز الذي أخرجه البخاري لتكون حجّتنا أبلغ.
أخرج البخاري في صحيحه من جزئه الأوّل في باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر من كتاب الإيمان:
قال إبراهيم التيمىُّ: ما عرضت قولي على عملي إلاّ خشيتُ أن أكون مكذّباً، وقال ابن أبي مليكة: أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كلّهم يخاف النّفاقَ على نفسه، ما منهم أحدٌ يقول: إنّه على إيمان جبريل وميكاييل... (صحيح البخاري: 1: 17).
وإذا كان ابن أبي مليكة أدرك ثلاثين من أصحاب النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كلّهم يخاف النفاق على نفسه، ولا يدّعي الإيمان الصحيح لنفسه، فما بالُ أهل السنّة يرفعونهم إلى منزلة الأنبياء، ولا يقبلون النقد في أيّ واحد منهم؟!
وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الرابع في باب الجاسوس والتجسّس من كتاب الجهاد والسير:
أنّ حاطب بن أبي بلتعة، وهو من صحابة النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، بعث إلى المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد جيء بكتابه إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما هذا يا حاطب؟ فاعتذر للنبىّ بأنّه يريد حماية قرابته في مكّة، وصدّقه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال عمرُ: يا رسول الله دعني أضربُ عُنقَ هذا المنافق! قالَ: إنّه شهد بدْراً، وما يدريك لعلّ الله أن يكن قد اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم.. (صحيح البخاري: 4: 19).
وإذا كان حاطب، وهو من الرّعيل الأوّل من الصحابة الذين شهدوا بدراً يبعث بأسرار النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أعدائه من مشركي مكّة، ويخون الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعذر حماية قرابته، ويشهد عمر بن الخطّاب نفسه على نفاقه، فكيف بالصحابة الذين أسلموا بعد الفتح أو بعد خيبر أو بعد حنين؟! وكيف بالطلقاء الذين استسلموا ولم يسلموا؟!
أمّا ما جاء في الفقرة الأخيرة من القول المنسوب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ الله قال لأهل بدر: "اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم". فنترك التعليق عليه للقارئ اللّبيب.
وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه السادس في باب قوله: {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ} من كتاب فضائل القرآن سورة المنافقين:
أنّ رجلا من المهاجرين كسح رجلا من الأنصار، فقال الأنصاريُّ: يا للأنصار، وقال المهاجرىُّ: يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: "ما بال دعوى أهل الجاهلية"؟ قالوا: يا رسول الله كسح رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: "دعوها فإنّها مُنِتنةٌ"، فسمع بذلك عبد الله بن أُبي فقال: فعلوها! أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزُّ منها الأذلّ، فبلغ النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقام عمر فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنقَ هذا المنافق! فقال النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم): "دعْهُ لا يتحدّث النّاس أنّ محمّداً يقتُلُ أصحابَهُ". (صحيح البخاري: 6: 65).
وهذا الحديث صريح في أنّ المنافقين كانوا من الصّحابة، فقد أقرّ رسول الله قول عمر بأنّه منافق، ولكن منعه من قتله حتّى لا يُقال بأنّ محمّداً يقتل أصحابَه، ولعلّ الرّسول كان يعلم بأنّ أكثر أصحابه منافقون، وإذا ما قتل كلّ المنافقين لم يبق من أصحابه عددٌ كثير، فأين أهل السنّة من هذه الحقيقة المؤلمة التي تدحض مزاعمهم.
وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الثالث في باب حديث الإفك من كتاب الشهادات:
أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "من يعذرني من رجل بلغني أذاهُ في أهلي"؟ فقام سعدُ بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربنا عُنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلا صالحاً ولكن احتملته الحميّة، فقال: كذَبتَ لعمر الله لا تقتلنّه ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن الحضير فقال: كذَبتَ لعمر الله، والله لنقتلنّه فإنّك منافقٌ تجادلُ عن المنافقين، فثار الحيّان الأوس والخزرج حتّى همّوا أن يقتتلوا، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على المنبر، فلم يزل يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت... (صحيح البخاري 3: 156 وكذلك 6: 8).
وإذا كان سعد بن عبادة سيّد الأنصار يتّهم بالنّفاق بعدما كان رَجُلا صالحاً كما تشهد بذلك الرّواية، ويقال عنه "منافق" بحضرة النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يدافع عنه، وإذا كان الأنصار الذين امتدحهم الله في كتابه يثورون جميعاً بأوسهم وخزرجهم، ويهمّوا بالاقتتال من أجل منافق آذى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أهله، فيدافعون عنه ويرفعون أصواتهم بحضرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكيف يستغربُ النفاقُ من غيرهم الذين كرّسوا حياتهم في محاربة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوته، أو من الذين همّوا بحرق دار ابنته بعد وفاته من أجل الخلافة؟!!
وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الثامن من كتاب التوحيد في باب قول الله تعالى: {تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إلَـيْهِ..}(1).
أنّ علي بن أبي طالب بعث وهو باليمن إلى النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بقطع من الذهب، فقسّمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على بعض النّاس، فتغضّبت قريش والأنصار، فقالوا: يُعطيه صناديد أهل نجد ويدعنا؟ قال النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّما أتألّفهم"، فأقبل رجلٌ فقال: يا محمّد اتّق الله! فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "فمن يطع الله إذا عَصَيْتُهُ؟ فيأمنّي على أهل الأرض ولا تأمنوني"؟
فسأل خالد بن الوليد قتله، فمنعه النبىُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك، فلمّا ولَّى قال النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ من ضئضئي هذا قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرُقونَ من الإسلام مروقَ السّهم من الرميّة، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنّهُم قتل عاد". (صحيح البخاري 8: 178).
وهذا منافقٌ آخر من الصحابة يتّهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحيف في القسمة، ويواجه النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في غير أدب بقوله: "يا محمّد اتّق الله"!! ورغم معرفة النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لنفاقه، وأنّه يخرج من ضئضئه قومٌ يمرقُون من الإسلام مروق السّهم من الرميّة، فيقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، ورغم ذلك كلّه منع النبىُّ خالد من قتلهِ.
وفي هذا جواب لأهل السنّة الذين كانوا كثيراً ما يحتجّون علىَّ بقولهم: لو كان رسول الله يعلم أنّ من أصحابه منافقين سيكُونون سبباً في ضلالة المسلمين، لوجب عليه قتلهم لحماية أُمّته وحماية دينه!!
وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الثالث في باب إذا أشار الإمامُ بالصلح من كتاب الصلح:
أنّ الزبير كان يحدّثُ أنّه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدْراً إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في شراج من الحرّة كانا يسقيان به كلاهما، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للزبير: اسقِ يا زبير، ثمّ أرسل إلى جارك، فغضب الأنصارىُّ فقال: يا رسول الله إن كان ابن عمّتك؟ فتلوَّنَ وجهُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ثمّ قال: "اسق ثمّ أحبس حتّى يبلغ الجدرَ..." (صحيح البخاري 3: 171).
وهذا نمطٌ آخر من الصحابة المنافقين الذين يعتقدون بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تأخذه العاطفة فيميل مع ابن عمّته، ويقولها بكلّ وقاحة حتى يتغيّر وجه رسول الله ويتلوّن من شدّة الغضب.
وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الرّابع في باب ما كان النبىّ يعطي المؤلّفة قلوبهم من كتاب الجهاد والسير: عن عبد الله قال: لمّا كان يوم حنين آثر النبىُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أُناساً في القسمةِ، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناساً من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجُلٌ: والله إنّ هذه القسمة ما عُدلَ فيها وما أُريدَ بها وجهُ اللّهِ، فقلتُ: واللّهِ لأخُبرنَّ النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأتيتُه فأخْبرتُه، فقال: "فمن يعدِلُ إذا لم يعدل اللّهُ ورسولُهُ؟ رحم اللّهُ موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر" (صحيح البخاري 4: 61).
وهذا منافقٌ آخر من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولعلّه من عظماء قريش، ولذلك تحاشى الراوي ذكر اسمه خوفاً من الجهاز الحاكم في ذلك الوقت، وترى هذا المنافق يعتقد جزماً ويُقسم على ذلك بأنّ محمّداً ما كان عادلا ولا أراد بقسمته وجه الله، ورحم الله محمّداً فقد أوذىَ بأكثر من هذا فصبر.
وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الرّابع في باب علامات النبوّة في الإسلام من كتاب بدء الخلق:
إنّ أبا سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يقسمُ قسماً، إذ أتاهُ ذو الخويصرة وهو رجلٌ من بني تميم، فقال: يا رسول الله أعدلْ! فقال: "ويلَك ومن يعدلْ إذا لم أعدل، قد خبتَ وخسرتَ إن لم أكن أعدل"، فقال عمر: يا رسول الله إئذن لي فيه فأضرب عُنقَهُ، فقال: "دعْهُ فإنَّ له أصحاباً يحقِرُ أحدكم صلاتَه مع صلاتهم، وصيامهُ مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوزُ تراقيهم، يمرقُون من الدّين كما يمرُقُ السّهم من الرميّة..." (صحيح البخاري 4: 179).
وهذا نمط آخر من الصحابة المنافقين الذين كانوا يظهرون أمام النّاس بمزيد من التقوى والخشوع، حتّى إنّ النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعمر: إنّ أحدكم يحقر صلاته وصيامه مع صلاتهم وصيامهم، ولا شكّ أنّهم كانوا يحفظون القرآن حفظاً متراكماً ولكن لا يتجاوز حناجرهم، وقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "دعْهُ فإنّ له أصحاباً" يدلّ على وجود المنافقين بأعداد كبيرة ضمن الصّحابة.
وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه السابع في باب من لم يواجه الناس بالعتاب من كتاب الأدب:
قالت عائشة: صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئاً فرخّص فيه فتنزّه عنه قومٌ، فبلغ ذلك النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فخطب فحمد الله ثمّ قال: "ما بال أقوام يتنزّهون عن الشي أصنعه، فوالله إنّي لأعلمهم بالله وأشدّهم له خشيةً". (صحيح البخاري 7: 96).
وهذا نوع آخر من الصحابة الذين يتنزّهون عن سنّة النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا شكّ أنّهم كانوا يسخرون من أفعاله، ولذلك نراه (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب فيهم، ويقسم بالله أنّه لأعلمهم بالله وأشدّهم له خشية.
وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الثالث في باب الاشتراك في الهدي والبدن من كتاب المظالم:
عن ابن عباس قال: قدم النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) صُبح رابعة من ذي الحجّة مهلّين بالحجّ لا يُخلطُهم شيٌ، فلمّا قدمنا أمرنا فجعلناها عُمرة وأنّ نحلَّ إلى نسائنا، ففشتْ في ذلك القَالَةُ، قالَ عطاء: قال جابر: فيروحُ أحدُنا إلى منى وذكَرُهُ يقطُرُ منيّاً، فقال جابر بكَفِّهِ، فبلغ ذلك النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقام خطيباً فقال: "بلغني أنّ أقواماً يقولون كذا وكذا، والله لأنّا أبرُّ وأتقَى للّهِ منهم..." (صحيح البخاري 3: 114).
وهذا نمط آخر من الصحابة الذين يعصُونَ أوامر رسول الله في الأحكام الشرعية، وقول الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "بلغني أنّ أقواماً يقولون كذا وكذا" يدلّ على أنّ الكثير منهم رفضُوا أن يتحلّلوا لنِسائهم; بدعوى أنّهم يتنزّهون أن يروحوا إلى منى وذُكرانهم تقطرُ منيّاً!! وغاب عن هؤلاء الجهلة أنّ الله أوجب عليهم الغُسلَ والطّهارة بعد كلّ عملية جنسية، فكيف يروحون إلى منى والمنىّ يقطرُ من ذكورهم؟ وهل هم أعلم بأحكام الله من رسول الله نفسه؟ أم هم أبرُّ وأتقى لله منه؟
ولا شكّ أنّ زواج المتعة، أو (متعة النّساء) وقع تحريمها بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من طرف عمر من هذا القبيل، فإذا كانوا في حياة النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يرفضون أوامرهُ بنكاح نسائهم أيّام الحجّ، فلا يُستَغربُ منهم أن يمنعوا نكاح المتعة بعد وفاته، تنزيهاً منهم لأنفسهم عمّا كان يأمر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويعتبرون نكاح المتعة من قبيل الزنا، كما يقول اليوم أهل السنّة بهذه المقالة!!
وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الرّابع في باب ما كان النبي يُعطي المؤلّفة قلوبهم من كتاب الجهاد والسير:
عن أنس بن مالك: إنّ رسول الله حين أفاء الله عليه من أموال هوازن فأعطى رجالا من قريش، فقال الأنصار: يغفر الله لرسول الله يُعطِي قريشاً ويدعُنَا وسيوفنا تقطُر من دمائهم!
فجمعهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قبّة، ولم يدع معهم أحـداً غيرهم وقال لهم: "ما كان حديثٌ بلغني عنكم؟" ولمّا أعادوا عليه مقالتهم، قال: "إنّي أعطي رجالا حديثٌ عهدهم بكفر، أما ترضون أن يذهب النّاسُ بالأموالِ وترجعون إلى رحالكم برسول الله، فوالله ما تنقلبون به خيرٌ ممّا ينقلبون به" قالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا، فقال لهم: "إنكم سترون بعدي أثرةٌ شديدة، فاصبروا حتّى تلقوا الله ورسوله على الحوض" قال أنس: فلم نصبر. (صحيح البخاري 4: 59).
ونتساءل: هل كان في الأنصار كلّهم رجلٌ واحدٌ رشيد اقتنع بما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واعتقد بأنَّه لا يميل مع الهوى والعاطفة، وفهم قول الله سبحانه في هذا الصّدد: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(2)؟!
فهل كان فيهم مَنْ دافَعَ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما قالوا: يغفر الله لرسول الله؟
كلاَّ لم يكن فيهم واحداً بمستوى الإيمان الذي اقتضتْهُ الآية الكريمة!! وقولهم بعد ذلك: بلى يا رسول الله قد رضينا، لم يكنْ عن قناعة، ولذلك جاءت شهادة أنس بن مالك وهو منهم في محلّها، عندما قال: أوصانا بالصبر فلم نصبر!!
وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الخامس في باب غزوة الحديبية من كتاب المغازي:
عن أحمد بن إشكاب، حدّثنا محمّد بن فضيل، عن العلاء بن المسيّب، عن أبيه قال: لقيتُ البراء بن عازب رضي الله عنهما، فقلت: طوبى لك صحبت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبايعته تحت الشجرة!
فقال: يابن أخي إنّك لا تَدري ما أحدثنا بعدَهُ. (صحيح البخاري 5: 65).
لقد صدق البراء بن عازب، فإنّ أغلب النّاس لا يدرون ما أحدث الصّحابة بعد وفاة نبيّهم (صلى الله عليه وآله وسلم) ; من ظلم وصيّه وابن عمّه وإبعاده عن الخلافة، ومن ظلم ابنته الزّهراء وتهديدها بالحرق، وغصب حقّها من النّحلة والإرث والخمس، ومن مخالفة وصايا النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتبديل الأحكام التشريعية، وحرق السنّة النبويّة، وضرب الحصار عليها، ومن أذيته (صلى الله عليه وآله وسلم) في لعن وقتل أهل بيته وإبعادهم وتشريدهم، وإعطاء السلطة إلى المنافقين والفاسقين من أعداء الله ورسوله!!
نعم، كلّ ذلك وغيره كثير ممّا أحدثوه من بعده، وبقي مجهولا عند عامّة النّاس الذين ما عرفوا من الحقائق إلاّ ما أملته عليهم مدرسة الخلفاء التي تفنّنتْ في تبديل أحكام الله ورسوله باجتهادات شخصية سمّيت البدع الحسنة!!
وبهذه المناسبة نقول لأهل السنّة: لا تغترّوا يا إخوتَنا بالصُّحبة والصّحابة، فها هو البراء بن عازب من الرّعيل الأول، الذين بايعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الشجرة، يقول لابن أخيه بلسان الحال: لا تغرنّك صحبتي ولا بيعتي تحت الشجرة، فإنّك لا تدري ما أحدثتُ بعده، وقد قال تعالى: {إنَّ الَّذِينَ يُـبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُـبَايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإنَّمَا يَـنْكُثُ عَلَى نَـفْسِهِ}(3).
وكم كان عدد الصحابة النّاكثين كبيراً حتّى عهد النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لابن عمّه علي أن يُقاتلهم، كما جاء ذلك في كتب التاريخ.
وأخرج البخاري في صحيحه من جزئه الأوّل والثالث في باب إذا نفر النّاسُ عن الإمام في صلاة الجمعة من كتاب الجمعة:
عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) قال: أقبلتْ عيرٌ من الشّامِ تحمِلُ طعاماً، ونحنُ نصلّي مع النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الجمعة، فانفضّ النّاسُ إلاّ اثني عشَر رجُلا، فنزلتْ هذه الآية: {وَإذَا رَأوْا تِجَارَةً أوْ لَهْواً انفَضُّوا إلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً} (صحيح البخاري 1: 225 و3: 6 و7).
وهذا نمط آخر من الصحابة المنافقين الذين لا يتورّعون ولا يخشعون، بل ويفرّون من صلاة الجمعة ليتفرّجوا على العير والتجارة، ويتركون رسول الله قائماً بين يدي الله يؤدّي فريضته في خشوع ورهبة.
فهل هؤلاء مسلمون كَمُلَ إيمانهم؟ أم هل هم منافقون يهزؤونَ من الصّلاة، وإذا قاموا إليها قاموا كُسَالى؟ ولا يُستثنى منهم إلاّ الذين ثبتُوا مع النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لإتمام صلاة الجمعة، وعددهم اثنى عشر رجُلا.
ومن تتبّع أحوالهم واستقصى أخبارهم فسوف يندهش لأفعالهم، ولا شكّ أن هروبهم من صلاة الجمعة تكرّر لمرّات متعدّدة، ولذلك سجّله كتاب الله سبحانه بقوله: {قُلْ مَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ} .
وحتّى تعرف أيّها القارئ العزيز مدى احترامهم لهذه الصّلاة الّتي يحترمُها مسلموا العصر الحاضر أكثر منهم إليك هذه الرّواية:
أخرج البخاري في صحيحه من جزئه الثالث في باب ما جاء في الغرس من كتاب الوكالة:
عن سهل بن سعيد (رضي الله عنه) أنّه قال: إنّا كنّا نفرح بيوم الجمعة، كانت لنا عجوزٌ تأخذ من أُصول سلق لنا كنّا نغرسُه في أربعائنا فتجعله في قدر لها، فتجعل فيه حبّات من شعير لا أعلم إلاّ أنّه قال: ليس فيه شحمٌ ولا ودكٌ، فإذا صلّينَا الجمعة زرناها فقرّبْتُه إلينا، فكنَّا نَفْرَحُ بيوم الجمعة من أجل ذلك، وما كنّا نتغذّى ولا نقيل إلاّ بعد الجمعة!! (صحيح البخاري 3: 73).
فهنيئاً مريئاً لهؤلاء الصّحابة الذين لا يفرحون بيوم الجمعة للقاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والاستماع لخُطبه ومواعظه، والصّلاة بإمامته، ولا بلقاء بعضهم البعض، وما في ذلك اليوم من بركات ورحمات، ولكنّهم يفرحونَ بيوم الجمعة من أجل طعام مخصوص أعدّته لهم عجوز، ولو قال أحد المسلمين اليوم بأنّه يفرح بيوم الجمعة من أجل الطعام لأعتُبرَ من المسوّفين المهملين.
وإذا أردنا مزيداً من البحث والتنقيب، فإنّنا سنجد الشّاكرين الذين مدحهم القرآن الكريم أقليّة لا يتجاوزُ عددهم الاثنى عشر رجلا، وهؤلاء هم المخلصون الذين لم ينفضّوا إلى اللّهو والتجارة ويتركوا الصّلاة، وهم أنفسهم الذين ثبتوا في الجهاد مع النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في العديد من المواطن التي فرَّ منها بقيّة الصّحابة وولّوا مُدبرين.
فقد أخرج البخاري في صحيحه من جزئه الرابع في باب ما يكره من التّنازع والاختلاف في الحرب من كتاب الجهاد والسير:
عن البراء بن عازب قال: جعل النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على الرجّالة يوم أُحد ـ وكانوا خمسين رجُلا ـ عبد الله بن جُبير، فقال: إنّ رأيتمونا تخطّفُنا الطيرُ فلا تبرحوا مكانكم هذا حتّى أرسلُ إليكم، فهزموهم.
قال: فأنا والله رأيتُ النساء يشتدِدْنَ قد بدتْ خلاَخلُهنَّ وأسواقُهُنَّ رافعات ثيابهنَّ، فقالَ أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمةَ أي قوم الغنيمةَ، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟
فقال عبدُ الله بن جُبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قالوا: والله لنأتينّ النّاس فلنُصِيبنَّ من الغنيمةِ، فلمّا أتوهم صرفت وُجوههم فأقبلُوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرسولُ في آخراهم، فلم يبق مع النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) غيرُ اثني عَشَرَ رجُلا، فأصابوا منّا سبعينَ... (صحيح البخاري 4: 26).
وإذا عرفنا ممّا ذكره المؤرّخون لهذه الغزوة بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج بألف صحابي كلّهم يتشوّقون للجهاد في سبيل الله، مغترّين بالنّصر الذي حصل في غزوة بدر، ولكنّهم عَصُوا أمر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتسبّبوا في هزيمة نكراء شنيعة قُتِل فيها سبعون وعلى رأسهم حمزة عمّ النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وفرّ الباقون، ولم يبق مع النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ساحة المعركة غير اثنيْ عشر رجُلا على ما يقوله البخاري، أمّا غيره من المؤرخين فينزلُ بهذا العدد إلى أربعة فقط، وهم: علي بن أبي طالب الذي تصدّى للمشركين يحمي بذلك وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأبو دجانة يحمي ظهره، وطلحة، والزبير، وقيل سهل بن حنيف.
ومن هذه المواقف نفهم قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا أرى يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم" (سيأتي البحث في هذا الحديث).
وإذا كان اللّهُ سبحانه وتعالى قد توعّدهم بالنّار إذا فرّوا من الحرب فقال: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذ دُبُرَهُ إلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَال أوْ مُتَحَيِّزاً إلَى فِئَة فَقَدْ بَاءَ بِغَضَب مِنَ اللّهِ وَمَأوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ}(4).
فما هي قيمة هؤلاء الصّحابة الذين يفرّون من الصّلاة من أجل اللّهو والتجارة، ويفرّون من الجهاد خوفاً من الموت، تاركين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحده بين الأعداء، وفي كلتا الحالتين ينفضّوا ويُولّوا الأدبار بأجمعهم ولا يبق معه (صلى الله عليه وآله وسلم) غير اثني عشر رجلا على أكثر التقديرات، فأين الصّحابة يا أُولي الألباب؟!
ولعلّ بعض الباحثين عندما يقرؤون مثل هذه الأحداث والروايات يستصغرون شأنها، ويظنّون بأنّها حادثة عرضية عفا الله عنها، ولم يعُد الصحابة إلى مثلها بعد ذلك.
كلا، فإنّ القرآن الكريم يوقفنّا على حقائق مذهلة، فقد سجَّلَ الله سبحانه فرارَهم يوم غزوة أُحد بقوله:
{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإذْنِهِ حَتَّى إذَا فَشِلْتُمْ وَتَـنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْل عَلَى المُؤْمِنِينَ * إذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أحَد وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي اُخْرَاكُمْ فَأثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(5).
فهذه الآيات نزلتْ بعد معركة أُحد، والتي انهزم فيها المسلمون بسبب رغبتهم في متاع الدنيا عندما رأوْا النّساء رافعات ثيابهن، قد بدت أسواقهنّ وخلاخلهنّ على ما حكاه البخاري، فعصوا الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما حكاه القرآن; فهل اعتبر الصّحابة بتلك الحادثة وتابوا إلى الله واستغفروه ولم يعودوا لمثلها بعد ذلك؟
كلاّ فإنّهم لم يتوبوا وعادوا إلى أكبر منها في غزوة حُنين، والتي وقعتْ في آخر حياة النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان عددهم في تلك المعركة اثنى عشر ألفاً على ما ذكره المؤرّخون!!
ورغم كثرتهم فقد لاذوا بالفرار، وولّوا مدبرين كالعادة; تاركين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسط أعداء الله من المشركين، ومعه تسعة أو عشرة أنفار من بني هاشم على رأسهم الإمام علي بن أبي طالب، كما نصّ عليه اليعقوبي في تاريخه وغيره(6).
وإذا كان فرارهم يوم أُحد شنيع، فهو في حنين أشنعُ وأقبحُ; لأنّ الصّابرين الذين ثبتوا معه يوم أُحد كانوا أربعة من ألف صحابي، وهي نسبة واحد من كلّ مائتين وخمسين، أمّا في يوم حُنين فكان الصّابرون الثّابتون عشرة من اثني عشر ألف صحابي، وهي نسبة واحد من كل ألف ومائتين!!
وإذا كانت معركة أحد في بداية الهجرة، والنّاس لم يزالوا أقليّة وحديثي عهد بجاهلية، فما هو عذرهم في معركة حُنين التي وقعت في آخر السنّة الثامنة للهجرة النبويّة، ولم يبق من حياة النبىّ معهم إلاّ عامين؟! ورغم كثرة عددهم وعدّتهم فقد أطلقوا أرجلهم للرّيح، وهربوا غير مُلتفتين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!!
فالقرآن الكريم يُبيّنُ بوضوح مواقفهم المتخاذلة، وهروبهم من الزّحف في تلك المعركة بقوله:
{وَيَوْمَ حُنَيْن إذْ أعْجَبَـتْكُمْ كَـثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأنزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ}(7).
يبيّنُ سبحانه بأنّه قد ثبَتَ رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) والذين صبروا معه على القتال بإنزال السكينة عليهم، ثمّ أمدّهم بجنود من الملائكة يحاربون معهم، ونصرهم على الكافرين، فلا حاجة للمرتدّين الذين يفرّون من العدوّ خوفاً من الموت، ويعصون بذلك ربّهم ونبيّهم، وكلّما امتحنهم الله وجدهم فاشـلين.
ولمزيد البيان لا بُدّ لنا من استعراض الرواية التي أخرجها البخاري بخصوص انهزام الصحابة يوم حُنين:
أخرج البخاري في صحيحه من جزئه الخامس في باب قول الله تعالى:
{وَيَوْمَ حُنَيْن إذْ أعْجَبَـتْكُمْ كَـثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً} ، من كتاب المغازي.
إنّ أبا قتادة قال: لمّا كان يوم حُنين نظرتُ إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين، وآخر من المشركين يختله من وراءه ليقتُلَهُ، فأسرعتُ إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني، فضربت يده فقطعتها، ثمّ أخذني فضمّني ضمّاً شديداً حتّى تخوّفتُ، ثمّ ترك فتحلّل ودفعته ثمّ قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمتُ معهم، فإذا بعمر بن الخطّاب في النّاس، فقُلت له: ما شأن النّاس؟ قال: أمرُ اللّهِ... (صحيح البخاري 5: 101).
عجيبٌ والله أمر عمر بن الخطّاب الذي هو معدود عند أهل السنّة من أشجع الصّحابة إذا لم يكن أشجعهم على الإطلاق، لأنّهم يروون بأنّ الله أعزّ به الإسلام، وأنّ المسلمين لم يجهروا بالدعوة إلاّ بعد إسلامه!!
وقد أوقفنا التاريخ على الصحيح والواقع، وكيف أنّه ولّى دبره وهرب من المعركة يوم أُحد، كما ولّى دبره وفرّ هارباً يوم خيبر عندما أرسله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مدينة خيبر ليفتحها، وأرسل معه جيشاً فانهزم هو وأصحابه ورجعوا يجبّنونه ويجبّنهم(8)، كما ولّى دبره وهرب يوم حنين مع الهاربين، أو لعلّه كان أوّلَ الهاربين، وتبعه النّاس إذ كان هو أشجعهم، ولذلك نرى أبَا قتادة يلتفت من بين أُلوف المنهزمين إلى عمر بن الخطّاب ويسأله كالمستغرب: ما شأن النّاس؟ ولم يكتف عمر بن الخطّاب بهروبه من الجهاد، وترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسط الأعداء من المشركين، حتّى يموّه على أبي قتادة بأنّه أمرُ الله!
فهل أمر اللّهُ عمر بن الخطّاب بالفرار من الزّحف؟ أم أنّه أمرهُ بالثّبات والصبر في الحروب وعدم الفرار؟ فقد قال له ولأصحابه: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ}(9).
كما أخذ اللّهُ عليه وعلى أصحابه عهداً بذلك، فقد جاء في الذكر الحكيم: {وَلَـقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللّهِ مَسْؤُولا}(10).
فكيف يُولّي أبو حفص الدّبر من الزّحف ويدّعي أنّ ذلك أمر الله؟؟
فأين هو من هذه الآيات البيّنات، أم على قلوب أقفالها؟!
ولسنا هنا بصدد البحث عن شخصية عمر بن الخطّاب، فسوف نُفرِدُ له باباً خاصّاً به، ولكنّ حديث البخاري مثيرٌ لم يترك لنا مندوحة من هذه الملاحظة السّريعة.
والذي يهمّنا الآن هو شهادة البخاري بأنّ الصحابة على كثرة عددهم ولّوا مُدبرين يوم حنين، والذي يقرأ كتب التاريخ في تلك الحروب والغزوات يظهر له العجب العجاب!!
وإذا كان أمرُ الله لا يطاع من أكثر الصحابة ـ كما عرفنا من خلال الأبحاث السّابقة ـ فلا يُستغرب منهم الإعراض عن أوامر الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو حىٌّ معهم، أمّا أوامره بعد وفاته ـ بأبي هو وأمّي ـ، وما لقيت منهم من اهمال وتبديل فحدّث ولا حرج.

____________
1- المعارج: 4.
2- النساء: 65.
3- الفتح: 10.
4- الأنفال: 15 ـ 16.
5- آل عمران: 152 ـ 153.
6- ذكر اليعقوبي في تاريخه 2: 31 أنّه لم يبق مع النبي (صلى الله عليه وآله) إلاّ ثلاثة نفر: عليّ والزبير وطلحة. وفي تاريخ الإسلام للذهبي 1: 173: "لم يبق مع رسول الله إلاّ اثنا عشر رجلا".
7- التوبة: 25 ـ 26.
8- مستدرك الحاكم 3: 37، كما أخرجه الذهبي في تلخيصه وقال عنه: صحيح، كنز العمال للمتقي الهندي 10: 462 وقال: "ش البزار، وسنده حسن"، المصنّف لابن أبي شيبة 8: 525 وسنده حسن.
9- الأنفال: 15.
10- الأحزاب: 15.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page