قلتُ : هل تثق في صحيح البخاري ، وهو أصح الكتب عندكم بعد كتاب الله ؟
قال مستغرباً : البخاري يقول بجواز الوسيلة ؟!
قلتُ : نعم يقول بذلك ، ولكن مع الأسف لا تقرأون ما في صحاحكم ، ورغم ذلك تعاندون تعصّباً لأرائكم فقد أخرج البخاري في صحيحه أنّ عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس بن عبد المطّلب فقال : اللهمّ إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) فتسقينا وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا ، قال : فيسقون "(1) .
ثم قلت له : هذا عمر بن الخطّاب وهو عندكم أعظم الصّحابة ولا شك عندك في إخلاصه ، وقوة إيمانه ، وحسن عقيدته ، فإنكم تقولون : لو كان نبي بعد محمّد لكان عمر بن الخطاب(2) ، وأنت الآن بين أمرين لا ثالث لهما ، إمّا أن تعترف بأنّ التوسل هو من صميم الدين الإسلامي ، وقول عمر بن الخطّاب : إنّا كنا نتوسل إليك بنبيّنا ، وإنا نتوسل إليك بعمّ نبيّنا ، هو إقرارٌ بالتوسّل في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد حياة النبيّ ، وإمّا أن تقول : بأنّ عمر بن الخطاب مشرك ، لأنه جعل العبّاس بن عبد المطلب وسيلته إلى الله ، والعبّاس كما هو معلوم ليس بنبيّ ولا إمام ، وليس هو من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً .
أضف إلى ذلك أنّ البخاري وهو إمام المحدّثين عندكم الذي أخرج هذه القصة معترفاً بصحّتها ، ثم أضاف بقوله : كانوا إذا قحطوا استسقوا بالعبّاس فيسقون ، ويعني بذلك أن الله يستجيب لهم .
فالبخاري والمحدّثين من الصحابة الذين رووا هذا وكل أهل السنة والجماعة الذين يعتقدون صحة البخاري كلّهم عندكم مشركون ؟!
قال الوهّابي : لو صحّ هذا الحديث فهو حجّة عليك .
قلت : وكيف يكون حجّةً عليَّ ؟!
قال : لأن سيدنا عمر لم يتوسّل بالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه ميّتٌ ، وتوسل بالعباس لأنه حيّ .
قلت : إنّ عمل وقول عمر بن الخطّاب ليس عندي بحجة ، ولا أقيم له وزناً ، وإنّما استعرضت هذه الرواية للإستدلال بها على موضوع البحث ، وهو إنكارك وإنكار كل علمائكم التوسّل ، واعتباره شركاً بالله .
وإني أتساءل لماذا لم يتوسّل عمر بن الخطاب أثناء القحط بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي هو من محمّد كمنزلة هارون من موسى ، ولم يقل أحدٌ من المسلمين بأنّ العبّاس أفضل من عليّ ، ولكن هذا موضوع آخر لا يهمّنا في هذا البحث ، ونكتفي بالقول : بأنكم الآن تعترفون بالوسيلة بالأحياء ، فهذا بالنسبة إليَّ انتصارٌ كبير أحمد الله عليه أن جعل حجتنا هي البالغة ، وجعل حجتكم هي الباطلة(3) .
____________
1- صحيح البخاري : 2/16 ، 4/209 ، السنن الكبرى ، البيهقي : 3/352 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 1/72 ح84 ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد 4/28 ـ 29 ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 26/355 ، ذخائر العقبى ، الطبري : 198 ـ 199 .
2- راجع : مسند أحمد بن حنبل : 4/154 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 17/180 ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 12/178 ، تذكرة الموضوعات ، الفتني ، 94 ، فيض القدير ، المناوي : 5/414 ح7469 ، كشف الخفاء ، العجلوني : 2/154 ح2094 .
3- كل الحلول عند آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، الدكتور التيجاني : 229 ـ 237 .
توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
- الزيارات: 12568