طباعة

السيد علي خان المدني

المتوفى ١١٢٠
أليلة الحشر لا بل يوم عاشور
ونفخة الصور لا بل نفث مصدور
يوم به اهتزّ عرشُ الله من حزن
على دم لرسول الله مهدور
يوم به كُسفت شمس العلا أسفاً
وأصبح الدين فيه كاسف النور
يومٌ به ذهبت أبناءُ فاطمة
للبين ما بين مقتولٍ ومأسور
فأي دمع عليه غير منهمل
وأي قلب عليهم غير مفطور
ولوعة لا تزال الدهر مسعرة
بين الجوانح ناراً ذات تسعير
لرزء أبلج في صمّاء ساحته
من نبعة المجد والغرّ المشاهير
مولىً قضى الله تنويهاً بإمرته
فراح يقضي عليه كل مأمور
لله ملقى على البوغاء مطرحاً
كاسٍ من الحمد عارٍ غير مستور
قضى على ظمأ ما بلّ غلّته
إلا بكل أبلّ الحد مأتور
يا وقعة الطف خلدت القلوب أسى
كأنما كل يوم يوم عاشور
يا وقعة الطف أبكيت الجفون دماً
ورعتِ كل فؤاد غير مذعور
يا وقعة الطف كم أضرمت نار جوى
في كل قلب من الأحزان مسجور
يا وقعة الطف كم أخفيتِ من قمر
وكم غمرتِ أبيا غير مغمور
يا وقعة الطف هل تدرين أي فتى
أوقعتهِ رهن تعقير وتعفير
يا وقعة الطف هل تدرين أيّ دمٍ
أرقته بين خُلف القول والزور
لا كان يومك في الأيام إن لهُ
في كل قلب لجرحاً غير مسبور
كم من فتىً فيك صبح المجد غرّته
أضحى يُحكّم فيه كل مغرور
وكم رؤوس وأجسام هنالك قد
أصبحن ما بين مرفوع ومجرور
لهفي عليهم وقد شالت نعامتهم
وأوطنوا ربع قفرٍ غير معمور
فقل لمن رام صبراً عن رزيتهم
اليك عني فما صبري بمقدور
أيذخرُ الحزن عن أبناء فاطمة
يوماً وهل منهم أولى بمذخور
مهما نسيت فلا أنسى الحسين لقىً
تحنو عليه ربى الآكام والتور
معفراً في موامي البيد منجدلاً
يزوره الوحش من سيدٍ ويعفور
تبكي عليه السماوات العلا حزناً
والأرض تكسوه ثوباً غير مزرور
يا حسرةً لغريب الدار مضطهد
يلقى العدا بعديد منه مكثور
يحمي الوطيس متى وافاه منتصراً
عليهم بخميس غير منصور
حتى إذا لم يكن من دونه وزرٌ
شفى الضغائن منه كل مأزور
فأين عين رسول الله ترمقه
لقىً على جانب للبين مهجور
وأين عين علي منه تلحظه
مقهور كل شقي الجدّ مقهور
وأين فاطمة الزهراء تنظره
وأهله بين مذبوح ومنحور
يا غيرة الله والاملاك قاطبة
بفادح من خطوب الدهر منكور
تسبى بناتُ رسول الله حاسرة
كأنهنّ سبايا قوم سابور
من كل طاهرة الاذيال ظاهرةٍ
ترمي العدا بعيون نحوها صور
من الفواطم في الاغلال خاشعة
يُحدى بهن على الاقتاب والكور
يَنعين يا جد نال القوم وترهم
منا وأوقع فينا كل محذور
يا جدّ صال الأعادي في بنيك وقد
ثوى الحسين ثلاثاً غير مقبور
وأودع الراس منه رأس عالية
وأوطيء الجسم منه كل محظير
هذا الحسين قتيلاً رهن مصرعه
يبكي له كل تهليل وتكبير
هذا الحسين ثوى بالطف منفرداً
تسفي عليه سوافي الترب والمور
هذي بناتك للأشهاد بارزة
يشهرن بين الاعادي أي تشهير
آه لرزئكم في الدهر من خبر
باق على صفحات الدهر مسطور
تبت يدا ابن زياد من غوي هوىً
ومارق في غمار الكفر مغمور
ارضى يزيد بسخط الله مجترءاً
وبرّ منه زنيماً غير مبرور
فهل ترى حين أمّ الغيّ كان رأى
دمَ الحسين عليه غير محضور
أتيت يابن زياد كل فادحة
بؤئت منها بسعي غير مشكور
بني أمية هبّوا لا أباً لكم
فطالب الوتر منك غير موتور
نسيتموا أم تناسيتم جنايتكم
فتلك والله ذنب غير مغفور
خصمتموا الله في أبناء خيرته
هل يخصم الله إذا كل مدحور
ورعتم بالردى قلب ابن فاطمة
وما رعيتم ذماماً جدّ مخفور
أبكيتم جفن خير المرسلين دماً
ورحتم بين مغبوطٍ ومسرور
إليكم با بني الزهراء مرثية
أصاخَ سمعاً إليها كل موقور
تجدد الحزن بالبيت العتيق بكم
ويحطم الوجد منها جانب الطور
عليكم صلوات الله ما هطلت
سحب وشقّ وميض قلب ديجور
السيد علي صدر الدين بن معصوم المدني
جاء في كتاب ( أعلام العرب ) ج ٣ ص ١٢٩ :
صدر الدين السيد علي خان المدني الشيرازي ابن نظام الدين أحمد بن محمد ابن معصوم بن نظام الدين أحمد بن ابراهيم بن سلام بن مسعود عماد الدين بن محمد صدر الدين بن منصور غياث الدين بن محمد صدر الدين وينتهي نسبه الشريف إلى زيد ابن الإمام علي بن الحسين بستٍ وعشرين واسطة .. وكانت أسرته من أشهر الأسر العلمية الجليلة في آفاق الحجاز والعراق وإيران ، وظهر فيها العدد الأكبر من أفذاذ المعرفة والفلسفة وأعلام العلم وقادة الكفر ومشاهير الفضل والأدب.
ولد السيد علي خان في المدينة سنة ١٠٥٢ هـ واشتغل بالعلم فيها ثم جاور بمكة ثم رحل إلى حيدر آباد الهند سنة ١٠٦٨ هـ وأقام بالهند ثماني وأربعين سنة قضاها جميعاً مكرماً معظماً عند أهلها وملوكها وقد ولي هناك عدة مناصب. ثم غادر الهند فتوجه لزيارة بيت الله الحرام مؤدياً فريضة الحج ، وورد بعد ذلك إيران فزار مشهد الإمام الرضا (ع) ، وأقام باصفهان مدة في عهد السلطان حسين الصفوي سنة ١١١٧ هـ ثم ترك اصفهان إلى شيراز وفيها ألقى عصا الترحال.
والسيد علي خان من أشهر رجالات البحث والعلم والتأليف وكان لمؤلفاته الغزيرة شهرة ذائعة ، ومكانة رائعة ، وتدل على غزارة علمه وسعة اطلاعه وإحاطته ، مواصلة البحث طوال حياته بالاضافة إلى قوة شاعريته وبُعد شأوه فيها.
روى عن والده وغيره من أعلام عصره كما روى عنه جملة من العلماء
ومنهم المجلسي صاحب بحار الأنوار. وتوفي بشيراز سنة ١١٢٢٠ هـ ودفن عند جده غياث الدين المنصور صاحب المدرسة المنصورية المتوفي سنة ٩٤٨ هـ وله مؤلفات كثيرة منها :
١ ـ سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر : ويشتمل هذا المؤلف على تراجم شعراء القرن الحادي عشر ، وهو ذيل لريحانة الالباء لشهاب الدين الخفاجي انتهى من تأليفه سنة ١٠٨٢ هـ وجمع فيه أخبار المعاصرين ونخباً من أقوالهم وممن تقدمهم وقسمه إلى خمسة أقسام ، وهومجموعة أدبية قيمة ، طبعت في مصر بمطبعة الخانجي سنة ١٣٢٤ هـ في ٦٠٧ ص.
٢ ـ سلوة الغريب واسرة الأريب وهي رحلته إلى حيدر آباد سنة ١٠٦٨ هـ فرغ منها في جمادى الثانية سنة ١٠٧٥ هـ منها نسخة في برلين وكربلاء في كتب السيد محمد باقر الحجة كتبت سنة ١٢٠٤ هـ وأخرى في طهران عند السيد محمد باقر بحر العلوم وطبعت سنة ١٣٠٦ هـ.
٣ ـ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة منه نسخة في برلين ومنه نسخة في النجف في مكتبة آية كاشف الغطاء بخط علي الشيرازي الحائري فرغ من كتابتبها سنة ١٣٢٦ هـ في كربلاء. والكتاب جامع كبير في التاريخ والتراجم والآداب وغيرها وهو مرتب على اثنتي عشر طبقة : الصحابة. والتابعين. والمحدثين. وعلماء الدين. والحكماء. والمتكلمين. وعلماء العربية والصفوية. والملوك والسلاطين. والأمراء. والوزراء. والشعراء. والنساء.
وقد طبع الكتاب في النجف ـ المطبعة الحيدرية سنة ١٣٨٢ هـ ١٩٦٢ م في ٥٩٠ ص ويحتوي المطبوع على الطبقة الأولى والرابعة والحادية عشرة.
٤ ـ بديعية : وهو كتاب حافل بغرائب الأدب شرع فيه بديعيته وسماها « أنوار الربيع في أنوار البديع » فرغ من الشرح سنة ١٠٩٣ هـ وطبع في إيران سنة ١٣٠٤ هـ (2).
٥ ـ حديقة العلم : طبع في حيدر آباد الدكن سنة ١٢٦٦ هـ.
٦ ـ الطراز الأول فيما عليه من لغة العرب المعول : وهو من الكتب اللغوية النفيسة ، وفيه نبذ تأريخية وعلمية وغيرها ، جاء في المجلد الأول « ان أبلغ ما نطقت به البلغاء بادئ بدأ ، وأفصح ما بدأت الفصحاء به الكلام أبداً حمد الله الذي أنطق العرب بأعرب لسان وشرف منهم النسب بأشرف إنسان وأحل العربية من اللغات محل الغرّة من الجبين .. وجاء في مقدمته :
« ولغة العرب نوعان ، احدهما عربية حمير ، وهي التي تكلموا بها منها من عهد هود ومن قبله وبقي بعضها إلى اليوم. وثانيهما العربية المحضة التي نزل بها القرآن ، وأول من أنطق لسانه بها اسماعيل بن ابراهيم ، وهي أوسع اللغات مذهباً ، وأكثرها ألفاظا .. ».
ويبدو أنه كان مشتغلاً بتأليفه إلى يوم رحلته من الدنيا ولم يتمّه ، ومن هذا الكتاب نسخة نفيسة في مكتبة آل كاشف الغطاء المجلد الأول في ٥٥٢ ص والثانية ـ أوله باب الجيم ـ فصل الهمزة يزيد على الأول قليلاً وكلاهما بخط مؤسس المكتبة الشيخ علي بن محمد رضا آل كاشف الغطاء ، فرغ من كتابة الأول في رجب ١٣٢٢ هـ ومن كتابة الثاني في ربيع الآخر سنة ١٣٣٠ بالقطع الكبير ، والثالث وهو بخط مؤلفه الجيد بالقطع الكبير ، وكان قبلاً في حيازة الشيخ محمد السماوي.
٧ ـ الحدائق الندية في شرح الفوائد الصمدية ، والفوائد الصمدية للشيخ البهائي الحارثي في النحو ، وهو شرحه الكبير لها وله شرحان آخران متوسط وصغير. طبع كتاب الحدائق سنة ١٢٩٧ هـ ومنه نسخ كثيرة وتوجد نسخة عصر المصنف في إيران ، وكان فراغه منه سنة ١٠٧٩ هـ.
٨ ـ نغمة الأغاني ورنة المثاني ، أرجوزة ذكرت برمتها في كشكول الشيخ يوسف البحراني المطبوع المتداول ، ومنها نسخة بخط السماوي في
مكتبة الحكيم في النجف ـ قسم المخطوطات برقم ٢٩.
٩ ـ أغلاط الفيروز آبادي في القاموس ، نقل عنه السيد مرتضى الزبيدي في تاج العروس.
١٠ ـ ملحق السلافة أو ذيل السلافة وهو تراجم كثيرة ألحقها بالسلافة وكانت من مراجع السيد الأمين في أعيان الشيعة. منها نسخة في « قم » عند السيد شهاب الدين التبريزي.
١١ ـ ديوان شعره ، وتوجد منه نسخ كثيرة في مكتبات النجف وغيرها (3).
١٢ ـ رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين ـ الإمام علي بن الحسين بن علي عليهم‌السلام ، واشتهرت هذه الصحيفة باسم « الصحيفة السجادية الكاملة » وكان شروع السيد المدني في الشرح سنة ١٠٩٤ هـ وفرغ منه في ١١١٦ هـ. ورتبه على أربع وخمسين روضة ، لكل دعاء روضة ، ويعتبر هذا الشرح أطول الشروح ، وأوله : « اللهم إنا نحمدك حمداً تؤتينا به من نعمك الحسان نعمة شاملة » ألّفه للسلطان حسين الصفوي ، ومن هذا الشرح نسخ كثيرة منه في مكتبة السيد الحسن الصدر نسخة نفيسة على حواشيها خط المؤلف ، وطبع الشرح في العجم سنة ١٢٧١ هـ.
وترجم له الشيخ اغا بزرك الطهراني في ( الذريعة ) عندما ذكر ديوانه المخطوط في قسم الديوان وفي الضمن ذكر أخاه السيد محمد محيى ابن السيد نظام الدين أحمد ، وان من شعره قوله :
يا راحلين وقلبي راحل معهم
مهلاً فلولاكم والله ما رحلا
وان للسيد علي خان مع أخيه هذا مراجعات سنة ١٠٧٨.
ومن غرر شعر شاعرنا المدني قوله يمدح أمير المؤمنين عليه‌السلام لما ورد إلى النجف الأشرف مع جمع من حجّاج بيت الله : اخذناها من ديوانه المخطوط :
يا صاح! هذا المشهد الأقدسُ
قرّت به الأعين والأنفسُ
والنجف الأشرف بانت لنا
أعلامه والمعهد الانفسُ
والقبة البيضاء قد أشرقت
ينجاب عن لألائها الحندس
حضرة قدسٍ لم ينل فضلها
لا المسجد الأقصى ولا المقدس
حلّت بمن حلّ بها رتبة
يقصر عنها الفلك الأطلس
تود لو كانت حصا أرضها
شهب الدجى والكنّس الخنس
وتحسد الأقدام منّا على
السعي إلى أعتابها الأرؤس
فقف بها والثم ثرى تربها
فهي المقام الأطهر الأقدس
وقل : صلاةٌ وسلامٌ على
من طاب منه الأصل والمغرس
خليفة الله العظيم الذي
من ضوئه نور الهدى يقتبس
نفس النبي المصطفى أحمد
وصنوه والسيد الأرؤس
المعلم العيلم بحر النّدا
وبرّه والعالم النقرس (4)
فليلنا من نوره مقمر
ويومنا من ضوءه مشمس
أقسم بالله وآياته
أليّة تنجي ولا تغمس
إن عليّ بن أبي طالب
نار دين الله لا يطمس
ومن حباه الله أبناء ما
في كتبه فهو لها فهرس
أحاط بالعلم الذي لم يحط
بمثله بليا ولا هرمس (5)
ولاه لم تخلق سماء ولا
أرض ولا نعمى ولا ابؤس
ولا عفى الرحمن عن آدم
ولا نجا من حوته يونس
هذا أمير المؤمنين الذي
شرايع الله به تحرس
وحجّة الله التي نورها
كالصبح لا يخفى ولا يبلس
تالله لا يجحدها جاحد
إلا امرء في غيّه مركس
المعلن الحق بلا خشية
حيث خطيب القوم لا ينبس
والمقحم الخيل وطيس الوغى
وإذا تناهى البطل الأحرس
جلبابه يوم الفخار التقى
لا الطيلسان الخزّ والبرنس
يرفل من تقواه في حلّة
يحسدها الديباج والسندس
يا خيرة الله الذي خيره
يشكره الناطق والأخرس
عبدك قد أمّك مستوحشاً
من ذنبه للعفو ويستأنس
يطوي إليك البحر والبر لا
يوحشه شيء ولا يونس
طوراً على فلك به سابح
وتارة تسري به عرمس (6)
في كل هيماء يرى شوكها
كأنه الريحان والنرجس
حتى أتى بابك مستبشراً
ومن أتى بابك لا ييأس
أدعوك يا مولى الورى موقناً
انّ دعائي عنك لا يحبس
فنجني من خطب دهرٍ غدا
للجسم منّي أبداً ينهس
هذا ولولا أملي فيك لم
يقرّ بي مثوى ولا مجلس
صلّى عليك الله من سيد
مولاه في الدارين لا يوكس
ما غرّدت ورقاء في روضة
وما زهت أغصانها الميّس
وقال في كتابه ( أنوار الربيع في أنواع البديع ) : طبعة النجف ج ١ ص ٦٤. ومن براعاتي في الرثاء قولي في مرثية الحسين بن علي عليهما‌السلام.
كل نجم سيعتريه أفولُ
وقصارى سفر البقاء القفول
لا حق إثر سابق والليالي
بالمقادير راحلات نزول
وقال أيضاً : وقولي من قصيدة مرثية في الحسين بن علي عليهما‌السلام :
يا مصاباً قد جرّع القلب صابا
كل صبر إلا عليك جميل
ان الديوان المخطوط في مكتبة المدرسة الشبرية بالنجف الاشرف ـ قسم المخطوطات ـ والذي هو بخط البحاثة الشيخ محمد السماوي رحمه‌الله قد جمع الكثير من شعر السيد علي خان وجاء مرتباً على حسب حروف الهجاء لكن هاتين القصيدتين لم نعثر عليهما لا في الديوان ولا في غيره بالرغم من مواصلة البحث ، وتوجد نسخة تحتوي على قسم من شعره في الغزل والفخر والمديح والمراسلات في مكتبة كاشف الغطاء العامة بالنجف الأشرف ـ قسم المخطوطات ـ تسلسل ٩٣٠.
وهذه احدى روائعه وهي في روضة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
يا عين هذا المصطفى أحمدُ
خير الورى والسيد الأمجدُ
وهذه القبة قد أشرقت
دون علاها الشمس والفرقد
وهذه الروضة قد أزهرت
فيها المنى والسئول والمقصد
وهذه طيبة فاحت لنا
أرجاؤها والسفح والفرقد
وعينها الزرقاء راقت فلم
يحلّها الاثمد والمرود
فما لاحزاني لا تنجلي
وما لنيراني لا تخمد
هذا المصلّى والبقيع الذي
طاب به المنهل والمورد
أرض زكت فخراً وفاقت علىً
فالأنجم الزهر لها حُسّد
حصباؤها الدر وأحجارها
وتربها الجوهر والعسجد
تمنّت الأقمار والشهبُ لو
كانت نواصيها بها تعقد
فما على من كحلت عينه
بتربها لو عافها الاثمد
بها مزايا الفضل قد جمعت
وفضلها في وصفه مفرد
يغبطها البيت وأركانه
وزمزم والحجر والمسجد
مشهد سعدٍ فضله باهرٌ
ملائك الله به سجّد
وكيف لا وهو مقام لمن
له على هام العلا مقعد
وموطن الصفوة من هاشم
يا حبذا الموطن والمشهد
خير قريش نسباً في الورى
زكا به العنصر والمحتد
وخيرة الله الذي قد علا
به العلى والمجد والسودّد
غرّته تجلو ظلام الدجى
وهو الاعزّ الاشرف الاسعد
الفاتح الخاتم بحر الندى
وبرّه والمنهج الاقصد
فضّله الله على رسله
وسائر الرسل به تشهد
آياته كالشمس في نورها
أبصرها الاكمه والأرمد
حنّ اليه الجذع من فرقه
وفي يديه سبّح الجلمد
والماء من بين أصابيعه
فاض إلى أن رُوي الورّد
والقمر انشق له طائعاً
وراح بالطاعة يستسعد
والشمس عادت بعد ليل له
وعودها طوعاً له أحمد
وكم له من آية في الورى
دان لها الأبيض والأسود
حديثها ما كان بالمفترى
والصبح لا يخفى ولا يجحد
فيا رسول الله يا خر مَن
يقصده المتهم والمنجد
سمعاً فدتك النفس من سامع
دعوة داعٍ قلبه مكمد
دعاك والوجد به محدق
لعل رحماك له تنجد
طال بي الاسر وطال الاسى
وما على ذلك لي مسعد
قد نفذ الصبر لما نالني
وكيف لا يفنى ولا ينفد
فالغارة الغارة يا سيدي
فانك الملجأ والمقصد
حبك ذخري يوم لا والد
يغني ولا والدة تسعد
وأنت في الدارين لي موئل
إذا جفى الأقرب والأبعد
فاكشف بلائي سيدي عاجلاً
علّ حرارات الاسى تبرد
وأدنني منك جواراً فقد
ضاق بي المضجع والمرقد
وبوّأني طيبةً موطناً
فانها لي سابق مولد
وهي لعمري مقصدي والمنى
لا الا بلق الفرد ولا الاثمد
ثم سلام الله سبحانه
عليك صب دائم سرمد
وآلك الغر الكرام الاولى
لهم احاديث العلى تسند
ما غردت في الروض ايكية
وما زكت أغصانها الميّد
وما غدا ينشدنا منشد
يا عين هذا المصطفى أحمد
وله في أبي طالب عمّ النبي ، ومؤمن قريش. عن ديوانه المخطوط في مكتبة المدرسة الشبرية بالنجف الأشرف :
أبو طالب عم النبي محمد
به قام أزر الدين واشتد كاهله
كفاه فخاراً في المناقب انه
موازره دون الانام وكافله
لئن جهلت قوم عظيم مقامه
فما ضرّ ضوء الصبح من هو جاهله
فلولاه ماقامت لاحمد دعوة
ولا انجاب ليل الغيّ وانزاح باطله
أقرّ بدين الله سراً لحكمةٍ
فقال عدوّ الحق ما هو قائله
وماذا عليه وهو في الدين هضبةٌ
اذا عصفت من ذي العناد أباطله
وكيف يحلّ الذم ساحة ماجد
أواخره محمودة وأوائله
عليه سلام الله ما ذرّ شارق
وما تليت أحسابه وفضائله
وقال واصفاً حاله في خروجه من الهند وسفره إلى الحج وزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
اذا ما امتطيت الفلك مقتحم البحر
ووليت ظهري الهند منشرح الصدر
فما لمليك الهند إن ضاق صدره
عليّ يدٌ تقضي بنهي ولا أمر
ألم يصغ للأعداء سمعاً وقد غدت
عقاربهم نحوي بكيدهم تسري
فأوتر قوس الظلم لي وهو ساخط
وسدّد لي سهم التغطرس والكبر
وسدّ عليّ الطرق من كل جانب
وهمّ بما ضاقت به ساحة الصبر
إلى أن أراد الله إنفاذ أمره
على الرغم منه في مشيئته أمري
فردّ عليه سهمه نحو نحره
وقلّد بالنعماء من فضله نحري
واركبني فلك النجاة فاصبحت
على ثبج الدامآء سابحة تجري
فامسيت من تلك المخاوف آمناً
وعادت اموري بعد عسر إلى يسر
وكم كاشح قد راش لي سهم كيده
هناك فاضحى لا يريش ولا يبري
وما زال صنع الله ما زال واثقاً
به عبده ينجيه من حيث لا يدري
كأني بفلكي حين مدت جناحها
وطارت مطار النسر حلّق عن وكر
أسفت على المرسى بشاطئ جدّة
فجددت الافراح لي طلعة البر
وهبّ نسيم القرب من نحو مكّةٍ
ولاح سنا البيت المحرّم والحجر
وسارت ركابي لا تملّ من السرى
إلى موطن التقوى ومنتجع البر
إلى الكعبة البيت الحرام الذي علا
على كل عالِ من بناء ومن قصر
فطفت به سبعاً وقبّلت ركنه
واقبلت نحو الحجر آوي إلى حجر
ولو ساغ لي من ماء زمزم شربة
نقعت بها بعد الصدى غلة الصدر
هنالك الفيت المسرة والهنا
وفزت بما أملت في سالف الدهر
وقمت بفرض الحج طوعاً لمن قضى
على الناس حج البيت مغتنم الاجر
وسرت إلى تلك المشاعر راجياً
من الله غفران المآثم والوزر
وجئت منى والقلب قد فاز بالمنى
وما راعني بالخيف خوف من النفر
وباكرتُ رمياً للجمار وإنّما
رميت بها قلب التباعد بالجمر
أقمنا ثلاثاً ليتها الدهر كله
إلى أن نفرنا من منى رابع العشر
فأبتُ إلى البيت العتيق مودعاً
له ناوياً عودي اليه مدى العمر
ووجهت وجه ينحو طيبة قاصداً
إلى خير مقصود من البر والبحر
إلى السيد البر الذي فاض بره
فوافيت من بحر اسير إلى بر
إلى خيرة الله الذي شهد الورى
له أنه المختار من عالم الذر
فقبلت من مثواه أعتابه التي
أنافت على هام السماك بل النسر
وعفّرتُ وجهي في ثراه لوجهه
وطاب لي التعفير اذ جئت عن عفر
فقلت لقلبي قد برئت من الهوى
وقلت لنفسي قد نجوت من العسر
وقلت لعيني شاهدي نور حضرة
اضائت بها الأنوار في عالما الأمر
اتدرين ما هذا المقام الذي سما
على قمم الافلاك أم أنت لم تدر
مقام النبي المصطفى خر من وفى
محمد المحمود في منزل الذكر
رسول الهدى بحر الندى منبع الجدى
مبيد العدى مروي الصدا كاشف الضر
هو المجتبى المختار من آل هاشم
فيالك من فرع زكي ومن نجر
به حازت العليا لوي بن غالب
وفاز به سهما كنانة والنضر
قضى الله ان لا يجمع الفضل غيره
فكان اليه منتهى الفضل والفخر
و أرسه الرحمن للخلق رحمة
فانقذهم بالنور من ظلمة الكفر
وأودعه العلام أسرار علمه
فكان عليها نعم مستودع السر
واسرى به في ليلة لسمائه
فعاد وجيب الليل ما انشق عن فجر
وأوحى اليه الذكر بالحق ناطقاً
بما قد جرى في علمه وبما يجري
فانزله في ليلة القدر جملة
بعلم وما أدراك ما ليلة القدر
ولقّنه أياه بعدُ منجّماً
نجوماً تضيء الأفق كالانجم الزهر
مفصّل آيات حوت كل حكمة
ومحكم أحكام تجلّ عن الحصر
وأنهضه بالسيف للحيف ماحياً
وأيده بالفتح منه وبالنصر
فضائت به شمس الهداية وانجلت
عن الدين والدنيا دجى الغي في بدر
له خلق لو لامس الصخر لاغتدى
أرق من الخنساء تبكي على صخر
وجودٌ لو أن البحر اعطي معينه
جرى ماؤه عذباً بمد بلا جزر
إذا عبس الدهر الضنين لبائس
تلقاه منه بالطلاقة والبشر
وان ضنّ بالغيث السحاب تهلهلت
سحائب عشر من أنامله العشر
ففاضت على العافين كفّ نواله
فكم كفّ من عسر وكم فك من اسر
وكم للنبي الهاشمي عوارفٌ
يضيق نطاق الحمد عنهن بالشكر
اليك رسول الله أصبحت خائضاً
بحاراً يفيض الصبر في لجها الغمر
على ما براني من ضناً صحّ برؤه
وليس سوى رحماك من رائد بري
فانعم سريعاً بالشفاء لمسقم
تقلّبه الاسقام بطناً إلى ظهر
وخذ بنجاتي يا فديتك عاجلاً
من الضر والبلوى ومن خطر البحر
عليك صلاة الله ما اخضرت الربا
وماست غصون الروض في حلل خضر
وآلك أرباب الطهارة والنقى
وصحبك أصحاب النزاهة والطهر
وهذا لون من غزله ، أخذناه من ديوانه المخطوط :
بنفسي من قد جاز لون الدجى فرعا
ولم يكفه حتى تقمصه درعا
بدي فكأن البدر في جنح ليلة
أو الشمس وافت في ظلام الدجى تسعى
نمته لنا عشر المحرم جهرة
تطارح أترباً تكنفه سبعا
تبدى على رزء الحسين مسوّدا
وما زال يولي في الهوى كربلا منعا
وقد سلّ من جفنيه عضبا مهنداً
كان له في كل جارية وقعا
هناك رأيت الموت تندى صفاحه
وناعي الهوى ينعى وأهل الهوى صرعى
أقول : وهذه الأبيات من السيد جواب على أبيات جاءت من عفيف الدين بن عبد الله بن حسين الثقفي المتوفى بشيراز سنة تسع عشرة ومائة وألف وهي :
بروحي مجبولاً على الحب طبعه
وقلبي مجبول على حبّه طبعا
يراقبُ أيام المحرّم جاهداً
فيطلع بدراً والمحب له له يرعى
كلُفت به أيام دهري منصف
ووجه الصبا طلق وروض الهوى مرعى
جنينا ثمار الوصل من دوحة المنى
ليالي لا واشٍ ولا كاشح يسعى
فلله أيام تقضت ولم تعد
يحق لعيني ان تسحّ لها دمعا (7)
أقول ومن هذا نعرف ان الحداد على الحسين عليه‌السلام ولبس السواد قديماً يرجع إلى القرون المتقدمة.
__________________
1 ـ عن ديوانه المخطوط في مكتبة المدرسة الشبرية بالنجف الاشرف نسخة فريدة.
2 ـ وأخيراً طبع في النجف بتحقيق البحاثة المعاصر هادي شاكر ، يقع في سبعة أجزاء.
3 ـ أقول : لم نعثر على نسخة تامة وكل ما رأيناه هو بعض الديوان.
4 ـ النقرس : الطبيب الماهر.
5 ـ الهرامسة ثلاثة : هرمس الأول وهو عند العرب ادريس. وعند العبرانيين اخنوخ وهو أول من درس الكتب ونظر في العلوم وانزل الله عليه صحائف. هرمس الثاني : كان بعد الطوفان وهو بارع في علم الطب والفلسفة. هرمس الثالث : سكن مصر وكان بعد الطوفان مشهور بالطب والفلسفة.
6 ـ العرمس : الناقة الصلبة.
7 ـ عن نفحة الريحانة للمحبي ج ٤ ص ١٤١.