جاء في شرح النهج لابن أبي الحديد : فأمَّا الكعبة فإن الحجاج في أيام عبدالملك هدمها ، وكان الوليد بن يزيد يصلّي إذا صلى أوقات إفاقته من السكر إلى غير القبلة ، فقيل له ، فقرأ : {فَأَيْنََما تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ}(1) .
وخطب الحجاج بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بالمدينة ، فقال : تبّاً لهم ! إنّما يطوفون بأعواد ورمَّة بالية ! هلاّ طافوا بقصر أميرالمؤمنين عبد الملك ! ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله !(2)
وروى أبو داود في سننه بسنده عن المغيرة عن الربيع بن خالد الضبي قال : سمعت الحجاج يخطب ، فقال في خطبته : رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه ، أم خليفته في أهله ؟ فقلت في نفسي : لله عليَّ ألا أصلِّي خلفك صلاة أبداً ، وإن وجدت قوماً يجاهدونك لأجاهدنَّك معهم(3) .
وقال الأوزاعي : قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثها ، وجئنا بالحجاج لغلبناهم(4) .
وقال أبو بكر بن عياش : عن عاصم بن أبي النجود : ما بقيت لله حرمة إلاَّ وقد ارتكبها الحجاج .
وقال عبد الرزاق : عن معمّر ، عن ابن طاووس أن أباه لما تحقَّق موت الحجاج تلا قوله تعالى : {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(5)(6) .
وقال ابن حجر في ترجمته : حجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي ، الأمير الشهير ، ولد سنة ( 45 ) أو بعدها بيسير ، ونشأ بالطائف ، وكان أبوه من شيعة بني أمية ، وحضر مع مروان حروبه ، ونشأ ابنه مؤدِّب كتّاب ، ثمَّ لحق بعبد الملك بن مروان ، وحضر مع قتل مصعب بن الزبير ، ثمَّ انتدب لقتال عبدالله بن الزبير بمكة ، فجهَّزه أميراً على الجيش ، فحضر مكة ورمى الكعبة بالمنجنيق إلى أن قتل ابن الزبير .
وقال جماعة : إنه دسَّ على ابن عمر من سمَّه في زجّ رمح(7) ، وقد وقع بعض ذلك في صحيح البخاري ، وولاَّه عبدالملك الحرمين مدّة ، ثمَّ استقدمه فولاَّه الكوفة وجمع له العراقين ، فسار بالناس سيرة جائرة واستمرَّ في الولاية نحواً من عشرين سنة ، وكان يزعم أن طاعة الخليفة فرض على الناس في كل ما يرومه ، ويجادل على ذلك ، وخرج عليه ابن الأشعث ومعه أكثر الفقهاء والقرَّاء من أهل البصرة وغيرها ، فحاربه حتى قتله ، وتتبَّع من كان معه فعرضهم على السيف ، فمن أقرَّ له أنه كفر بخروجه عليه أطلقه ، ومن امتنع قتله صبراً ، حتى قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم .
وأخرج الترمذي من طريق هشام بن حسان : أحصينا من قتله الحجاج صبراً فبلغ مائة ألف وعشرين ألفاً .
وقال زاذان : كان مفلساً من دينه ، وقال طاووس : عجبت لمن يسمّيه مؤمناً ، وكفَّره جماعة منهم سعيد بن جبير ، والنخعي ، ومجاهد ، وعاصم بن أبي النجود ، والشعبي .. وغيرهم .
وقالت له أسماء بنت أبي بكر : أنت المبير الذي أخبرنا به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وروى ابن أبي الدنيا بسنده ، عن زيد بن أسلم قال : أغمي على المسور بن مخرمة ، ثمَّ أفاق فقال : أشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وأن محمّداً رسول الله أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها ، إلى أن قال : وعبدالملك والحجاج يجرّ ان أمعاء هما في النار .
قال : قلت : هذا إسناد صحيح ، ولم يكن للحجاج حينئذ ذكر ، ولا كان عبدالملك ولي الخلافة بعد ; لأن المسور مات في اليوم الذي جاء فيه نعي يزيد
ابن معاوية من الشام ، وذلك في ربيع الأول سنة ( 64 ) من الهجرة .
وقال القاسم بن مخيمرة : كان الحجاج ينقض عرى الإسلام عروة عروة .
وقال موسى بن أبي عبدالرحمن النسائي عن أبيه : ليس بثقة ولا مأمون .
وقال الحاكم أبو أحمد : ليس بأهل أن يروى عنه .
ومما يحكى عنه من الموبقات قوله لأهل السجن : {اخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ} مات سنة ( 95 ) بواسط وهو الذي بناها ، وقيل إنه لم يعش بعد قتل سعيد بن جبير إلاَّ يسيراً .
وقال الأصمعي : عن أبي عمرو بن العلاء : لمَّا مات الحجاج ، قال الحسن : اللهم أنت أمته فأمت سنَّته .
وعن أشعث الحداني ـ وكان يقرأ للحجاج في رمضان ـ قال : رأيته في منامي بحالة سيئة ، فقلت : يا أبا محمّد ! ما صنعت ؟ قال : ما قتلت أحداً بقتلة إلاَّ قتلت بها ، قلت : ثمَّ مه ؟ قال : ثمَّ أمر به إلى النار ..(8) .
____________
1- سورة البقرة ، الآية : 115 .
2- شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 15/242 .
3- سنن أبي داود : 2/400 ، رقم : 4642 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 9/151 .
4- تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 12/186 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 6/267 .
5- سورة الأنعام ، الآية : 45 .
6- البداية والنهاية ، ابن كثير : 6/267 .
7- الزُجّ بضمِّ الزاي المعجمة : الحديدة في أسفل الرمح ، ونصل السهم .
8- تهذيب التهذيب ، ابن حجر : 2/184 ـ 187 .
جملة من أخبار الحجاج في التأريخ
- الزيارات: 1042