أخرج البخاري في جزئه الثاني في باب ما أُدّيت زكاتُه فليس بكنز، عن الأحنف بن قيس قال: جلست إلى ملاً من قريش، فجاء رجلٌ خشِنُ الشعر والثياب والهيئةِ حتّى قام عليهم فسلّم ثمّ قال: بشّر الكانزين برضْف يُحمى عليه في نار جهنم، ثم يوضع على حلَمة ثديِ أحدهم يخرج من نُغضِ كتفِهِ، ويوضَعُ على نُغضِ كتفِهِ حتى يخرجَ من حلمة ثديه يتزلزلُ، ثُمّ ولّى فجلس إلى سارية، وتبعته وجلست إليه، وأنَا لا أدري من هو.
فقلت له: لا أرى القومَ إلاّ قد كرهوا الذي قُلت، قال: إنّهم لا يعقلون شيئاً، قال لي خليلي...، قلت: من خليلك؟ قال: النبىُّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال لي: "يا أبا ذر أتبصر أحداً"؟ قال: فنظرتُ إلى الشمس ما بقي من النهار، وأنَا أرى أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يُرسلني في حاجة لَه، قلت: نعم، قال: "ما أحبّ أن لي مثل أُحُد ذهباً أُنْفِقُه كُلَّهُ إلاّ ثلاثةَ دنانير. وإنّ هؤلاء لا يعقلون إنّما يجمعُون الدنيا، لا والله لا أسألهم دنْيا، ولا أستفتيهم عن دين حتّى ألقى الله عزّ وجلّ". (صحيح البخاري 2: 112)(2).
وأخرج البخاري في جزئه السابع في باب الحوض وقول الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "بينما أنا قائم فإذا زمرةٌ حتّى إذا عرفتهم خرج رجُلٌ من بيني وبينهم فقال: هَلُمَّ، فقلتُ: أين؟ قال: إلى النّار والله، قلت: وما شأنُهم؟ قال: إنّهم ارتدّوا بعدك أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة حتّى إذا عرفتهُم خرج رجُلٌ من بيني وبينهم فقال: هَلُمَّ، قلتُ: أين؟ قال: إلى النّار والله، قلتُ: ما شأنهم؟ قال: إنّهم ارتّدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراهُ يخلصُ منهم إلاّ مثل همل النَّعَمِ".
وعن أبي سعيد الخدري: "فيقال إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدَكَ، فأقُولُ: سُحْقاً سُحْقاً لِمنْ غيَّرَ بعدي". (صحيح البخاري 7: 208).
كما أخرج البخاري في جزئه الخامس من باب غزوة الحديبية وقول الله تعالى: {لَـقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُـبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} :
عن العلاء بن المسيّب، عن أبيه قال: لقيتُ البراء بن عازب رضي الله عنهما فقُلتُ: طوبى لك صَحِبتَ النبىَّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبايعتَهُ تحت الشجرةِ، فقال: يابن أخي، إنّك لا تدري ما أحدثنَا بعده. (صحيح البخاري 5: 66).
وإنّها لشهادةٌ كبرى من صحابي كبير كان على الأقل صريح مع نفسه ومع النّاس، وتأتي شهادته مؤكّدة لِمَا قاله اللّهُ تعالى فيهم: {أفَإنْ مَاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَابِكُمْ} .
ومؤكّدة لما قاله النبىُّ (صلى الله عليه وآله وسلم): "فيقال لي، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى".
والبراء بن عازب وهو صحابي جليل من الأكابر، ومن السّابقين الأوّلين الذين بايعوا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الشجرة: يشهد على نفسه وغيره من الصحابة بأنّهم أحدثوا بعد وفاة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كي لا يغترّ بهم النّاس، وأوضح بأنّ صحبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومبايعته تحت الشجرة، والتي سمّيت بيعة الرضوان، لا تمنعان من ضلالة الصحابي وارتداده بعد النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأخرج البخاري في جزئه الثامن في باب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "لتتبعنّ سنن من كان قبلكم" عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "لتتّبعنَّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتّى لو دخلوا جُحْر ضبّ تبعتموهم"، قلنا: يا رسول اللّهِ اليهود والنّصارى;
قال: "فمن"؟ (صحيح البخاري 8: 151).
____________
1- الأعراف: 179.
2- ولعلّ قائلا يقول: من قال بأنّ هؤلاء كانوا من الصحابة؟
وللجواب عليه نذكر ما قاله ابن حجر العسقلاني في الإصابة 2: 469 حيث قال: ".. إنّ من كان في عصر أبي بكر وعمر رجلا وهو من قريش فهو على شرط الصحبة، لأنه لم يبق بعد حجة الوداع منهم أحد على الشرك، وشهدوا حجة الوداع مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)...".
شهادة أبي ذر الغفاري في بعض الصحابة
- الزيارات: 915