أقولها وبكل صراحة : إن الحقَّ هو اتّباع أهل البيت(عليهم السلام) ، الذين أوصى النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتمسُّك بهم فقال : إني تارك فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرَّقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونني فيهما(1) .
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلَّف عنها هلك(2) .
آه وا أسفاه على ماض كنت فيه مغمضة العينين ، أمشي مع أقراني وقومي وهم على طريق الضلالة ، ولكن الحمد لله الذي هداني بفضل هذه الفتاة المؤمنة الصادقة النيَّة ، وليهنأ وليعتزَّ بنفسه كل شيعي ، فهو الذي يتمسَّك بالعروة الوثقى ، وهو من الفرقة الناجية التي حدَّث عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث له .
انتهيت من قراءة الكتب وقد تشيَّعت تماماً ، وطويت صفحة الأيام الماضية ، وقرَّرت أن أبدأ من يومي هذا حياة جديدة .
وفي اليوم الذي وعدتني به صديقتي بتول جزاها الله عنّي كل خير ، أتت إليَّ وقد بدا عليها الحزن قليلا ، فقلت : لم ـ يا صديقتي ـ هذا الحزن ؟
قالت : إنه يوم عاشوراء ، وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) ـ إنه علينا أن لا نبتسم في هذا اليوم ففيه قتل الحسين (عليه السلام)(3) ، وكانت هذه مصيبة على الأمّة الإسلاميّة كلِّها .
فقلت : لعن الله أعداء الإسلام ، وعجِّل فرجك أيُّها الإمام المنتظر لتملأ هذه الدنيا قسطاً وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجوراً .
فاستغربت صديقتي وقالت : أتهزأين ؟ قلت : حاشا وكلاّ ، وقبلَّتها بين عينيها ، وقلت : أشكرك ، أشكرك يا بتول على هذه الهديَّة ، فلقد أنقذتيني من ظلام وجهل كنت أعيشه ، ونقلتيني إلى النور والعلم والنبوَّة والعقائد الصحيحة ، إلى أحضان أئمَّة الهدى أحفاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهل من مزيد من هذه الكتب ؟
فقالت : إذا كنتِ قد اكتفيتِ ، وصار عندكِ يقين تام فسأعطيكِ بعضاً من كتبنا من المؤلِّفين الشيعة .
_____________
1- سنن الترمذي : 5/328 ـ 329 ح 3876 ، مسند أحمد بن حنبل : 3/14 و17 و26 و59 ، المصنّف ، ابن أبي شيبة : 7/176 ح5 ، مسند أبي يعلى الموصلي : 2/376 ح166 ، المعجم الصغير ، الطبراني : 1/131 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/163 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : 16 .
2- تقدمت تخريجات الحديث في مناظرة الشيخ الأنطاكي مع أحد مشايخ الأزهر وهي المناظرة الخامسة فراجع .
3- جاء في كتاب المصباح للشيخ الطوسي عليه الرحمة ، عن عبدالله بن سنان قال : دخلت على سيدي أبي عبدالله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في يوم عاشوراء ، فألفيته كاسف اللون ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط ، فقلت : يا ابن رسول الله ! مم بكاؤك ؟ لا أبكى الله عينيك ، فقال لي : أو في غفلة أنت ؟ أما علمت أن الحسين بن علي أصيب في مثل هذا اليوم ؟ إلى أن قال (عليه السلام) : فإنه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلَّت الهيجاء عن آل رسول الله ، وانكشفت الملحمة عنهم ، وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً في مواليهم ، يعزُّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)مصرعهم ، ولو كان في الدنيا يومئذ حيّاً لكان صلوات الله عليه وآله هو المعزَّى بهم ، قال : وبكى أبو عبدالله (عليه السلام) حتى اخضلَّت لحيته بدموعه ..
( مصباح المتهجِّد ، الطوسي : 782 ، المزار ، محمّد بن المشهدي : 473 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 98/303 ح4 ) .
وروى ابن قولويه عليه الرحمة ، عن أبي عمارة المنشد قال : ما ذكر الحسين بن علي (عليهما السلام) عند أبي عبدالله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في يوم قط فرئي أبو عبدالله (عليه السلام) في ذلك اليوم متبسِّماً إلى الليل ( كامل الزيارات ، ابن قولويه : 203 ح6 ) .
وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة ، عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا (عليه السلام) : إن المحرَّم شهر كان أهل الجاهليَّة يحرِّمون فيه القتال ، فاستحلَّت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)حرمة في أمرنا ، إن يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلَّ عزيزنا ، بأرض كرب وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء ، إلى يوم الانقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإن البكاء يحطُّ الذنوب العظام . ثم قال (عليه السلام) : كان أبي ( صلوات الله عليه ) إذا دخل شهر المحرَّم لا يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين ( صلوات الله عليه ) . ( الأمالي ، الصدوق : 190 ح2 ) .