طباعة

مناظرة الهاشمي بن علي التونسي مع بعض الشيعة في حديث العشرة المبشَّرة ووصوله إلى الحقيقة

قال الهاشمي بن علي التونسي في بداية تعرُّفه على الحقائق : كنت أدرس في الصفِّ مادة التأريخ ، وكان عندنا أستاذ يتبنَّى الفكر القوميّ ، ولمَّا مررنا على معركة صفّين ابتسم الأستاذ وقال : فاقترح الداهية عمرو ابن العاص فكرة رفع المصاحف حتى يخدعوا جيش عليٍّ (عليه السلام) ، وينجوا من الهزيمة المنكرة التي بدأت تلوح لهم .
صعقني جدّاً هذا الكلام ، فقلت في نفسي : أعمرو بن العاص يفعل هذا ؟ هذا الصحابيّ الجليل ـ الذي عرفناه من أقطاب الصحابة كما قال لنا شيوخنا ـ يخدع ويمكر ؟! إذن أين تقوى الصحابة وإخلاصهم الذي دمغجنا به شيوخنا ؟!
شعرت حينها بتمزُّق نفسيٍّ شديد بين ثقافتي الإسلاميّة التي تقدِّم كل الصحابة ، وترفعهم إلى صفوف الملائكة ، وبين حقائق التأريخ إن كانت حقَّه ، رجعت إلى البيت مغموماً ، وسألت أخي عن المسألة فقال لي : إن هذا ليس من شأننا فلا تخض فيه ، وهم ـ أي الصحابة ـ أدرى بزمانهم .
ولم يقنعني هذا الكلام البارد الفارغ من كل معنى ، وهل يمكن أن يمارس المؤمن العادي الخداع والمكر ؟! فكيف بالصحابة ؟!
وتمضي السنوات ، وتبقى في نفسي أشياء وأشياء ، لكنّي لمَّا لم أصل إلى الجواب قفلت عليها في صدري ، وألقيت حبلها على غاربها ومضيت .
وتشاء الأقدار أن تجمعني بصديق قديم ، وزميل دراسة ، كنَّا تفارقنا مدَّة من الزمن ، وإذا بي أسمع أنه شيعي ، لقد كنت أعتقد أن المذهب السنّيّ هو المذهب الصافي ، وخاصّة أتباع الإمام مالك ، إمام دار الهجرة ، حيث إن أكثر إفريقيا مالكيُّون ، وكنت أعتقد أن بقيَّة المذاهب الثلاثة وإن كانت على الحقّ ، لكنَّ المذهب المالكي أصفاها وأحقُّها ، نعم كانت أحياناً تجول في خاطري تساؤلات حول الاختلافات التي ما بين هذه المذاهب الأربعة ، وكنت لا أرى مبرِّراً لاختلافها ، نعم لقد تعلَّمنا منذ صغرنا أن اختلافها رحمة ، وأنهم كلَّهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ملتمس ، لكن كان في نفسي من ذلك ما كان ، لكنّي قنعت بحجّة شيوخنا ، أو ربَّما أقنعت بها نفسي .
وكنت قاطعاً ببطلان مذهب الشيعة ، وأنهم متطرِّفون في عقائدهم ، وكنت أسمع ما كان ينقله البعض حول بكائهم على الحسين (عليه السلام) ، وسبِّهم للصحابة ، فيزداد عجبي ، وكنت أتمنَّى أن ألتقي بواحد منهم لأقنعه ، أو على الأقل لأعرف لماذا هم هكذا ؟
كان أوَّل ما ناقشني فيه صديقي الشيعي حديث العشرة المبشَّرين بالجنَّة ، وقال لي : هل يعقل أن يكون طلحة والزبير وعلي (عليه السلام) في الجنة ، وقد قتل بعضهم بعضاً ، وشتم بعضهم بعضاً ؟!
وهل يعقل كذلك أن يكونوا في النار ؟! فكان مما أجابني به أن الصحابة على ثلاثة أقسام : قسم الثابتين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقسم المرتدّين
( فعلا لا قولا ) ، وقسم المنافقين ، وعليه لا يمكن أن يكونوا كلُّهم عدولا .