قال الوهابي : إنكم تتحدَّثون بلا علم ، والوقت ضيِّق الآن ، فلنأخذ من الموضوع شيئاً نتناقش حوله ، وفي وقت آخر أكون مستعدّاً لنتحاور أكثر من ذلك .
قلت : عندي سؤال أخير حول التوحيد : ماذا تقولون في صفات الله ؟
قال : نحن لا نقول ، إنما نصفه بما وصف به نفسه في القرآن .
قلت : وبماذا وصف نفسه ؟ هل قال بأنه جسم يتحرَّك ؟ أو أن له يداً وساقاً وعينين ؟
قال : نحن نقول بما جاء في القرآن ، لقد قال تعالى : {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}(1) ، وكثير من الآيات الأخرى التي تصف الله لنا ، فنقول : إن لله يداً بلا كيف .
قلت : إن قولك هذا يستلزم التجسيم ، والله ليس بجسم ، وهو ليس كمخلوقاته ، ثمَّ ما هو الفرق بينكم وبين مشركي مكة ؟ أولئك نحتوا أصنامهم بأيديهم وعبدوها ، وأنتم نحتم أصناماً بعقولكم ، وظلَّت في أذهانكم تعبدونها ، لقد جعلتم لله يداً وساقاً وعينين ومساحة يتحرَّك فيها {مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً}(1) ، وبكلمة : إن الآيات التي ذكرتها مجازيّة ، وترمز لمعان أخرى .
قال : نحن لا نؤمن بالمجازات والتأويلات في القرآن ؟
قلت : ما رأيك فيمن يكون في الدنيا أعمى ؟ هل يبعث كذلك أعمى ؟
قال : لا !
قلت : كيف وقد قال تعالى : {وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى}(2) ، وأنتم تقولون : لا مجاز في القرآن ، ثمَّ إنه بناء على كلامك إن يد الله ستهلك ، وساقه ، وكل شيء مما زعمتموه ـ والعياذ بالله ـ عدا وجهه ، ألم يقل البارىء جلَّ وعلا : {كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}(3) ، و{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالاِْكْرَامِ}(4) .
قال : هذه الأشياء لا ربط بينها وبين ما نقوله .
قلت : كلام الله وحدة واحدة لا تتجزَّأ ، وإذا استدللتم به على صحَّة قولكم يحقُّ لي أن أنطلق منه لتفنيد هذا القول ، وأنتم تستدلّون على مجي الله مع الملائكة صفّاً يوم القيامة ، كما فهمتم من القرآن .
قال : ذلك ما قاله الله تعالى في القرآن .
قلت : المشكلة تكمن في فهمك للقرآن ، إن في القرآن آيات محكمات وأخر متشابهات ، فلا تتّبع المتشابهات فتزيغ ، وإلاَّ أين كان الله حتى يأتي ؟
قال : هذه أمور لا يجب أن تسأل عنها .
قلت : دعك من هذا ، ألا تقولون إن الله ينزل في الثلث الأخير من الليل ليستجيب الدعاء ؟
قال : نعم ، ذلك ما جاءنا عبر الصحابة والتابعين من أحاديث .
قلت : إذن أين هو الله الآن ؟!
قال : فوق السماوات .
قلت : وكيف يعلم بنا ونحن في الأرض .
قال : بعلمه .
قلت : إذن الذات الإلهيَّة شيء ، وعلمه شيء آخر .
قال : لا أفهم ماذا تقصد !
قلت : إنك قلت إن الله في السماء ، وبعلمه يعلم بنا ونحن في الأرض ، إذن الله شيء ، وعلمه شيء آخر .
سكت متحيِّراً ... واصلت حديثي : أو تدري ماذا يعني ذلك ؟ إنه يعني الشرك الذي تصفون به الآخرين ; لأن الفصل بين الذات الإلهيَّة والعلم واحد من اثنين ، إمَّا أن العلم صفة حادثة فأصبح الله عالماً بعد أن كان جاهلا ، وإمَّا أنها صفة قديمة وهي ليست الذات كما تدّعون فيعني الشرك ; لأنكم جعلتم مع الله قديماً ، أو يأخذنا قولكم هذا إلى أن الله مركَّب ، والتركيب علامة النقص ، والله غنيٌّ كامل ، سبحانه وتعالى عمَّا يصفه الجاهلون .
عندما وصلت إلى هذا الموضع من الكلام قال أحد الحاضرين : إذا كانوا يقولون بذلك فالله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم براء ، ثمَّ التفت إليَّ قائلا : ما تقول أنت حول هذا الموضوع ؟ ومن أين لك بذلك ؟
_________
1- سوره الفتح ، الآية : 10 .
2- سورة نوح ، الآية : 13 .
3- سورة الإسراء ، الآية : 72 .
4- سورة القصص ، الآية : 88 .
5- سورة الرحمن ، الآية : 26 .
النقاش في مسألة التجسيم
- الزيارات: 963