قال الأستاذ عبد المنعم السوداني : في إحدى المرَّات التقى بعض الإخوة الشيعة مع مجموعة وهابيّة صدفة ، وكنت موجوداً ، ولم تكن الرؤية واضحة لديَّ وإن كانت ملامح الصواب بدأت تلوح لي ، ويبدو أن هؤلاء الوهابيّة كان لهم حوار سابق مع الشيعة ، فبدأوا معهم النقاش حول قضية الحسين (عليه السلام) وكربلاء ، ورأيت الوهابيّة وقد احتوشوا الإخوة والشرر يتطاير من أعينهم وكأنهم يريدون القتال .
تحدَّث أحد الشيعة عن عدم أحقّيّة معاوية في تنصيب يزيد خليفة للمسلمين ، فذكر اسم معاوية مجرَّداً من الترضّي عليه ، فصرخ أحدهم في وجهه قائلا : قل : رضي الله عنه ، هل هو أخوك حتى تذكره مجرَّداً ؟!
فردَّ عليه الشيعي : هل أنت وأنا أفضل من عليٍّ (عليه السلام) وأكثر فهماً منه ؟ فشمَّر أحدهم عن ساعديه ، وكأنه ينوي ضربه ، وهو يقول : اسمعوا ، هذا هو ديدن الشيعة ، يشكِّكون في كل شيء ، وهذا الرجل يسألنا سؤالا بديهياً والإجابة عنه واضحة ، فلا أحد يرى أن هنالك أفضل من عليٍّ سوى الخلفاء الثلاثة ، رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم .
فالتفت إليه الشيعي وقال : أولا : فليتكلَّم أحدكم ، ثانياً : إذا أردت الحديث فافهم أولا ما أقول ثمَّ تحدَّث ، وثالثاً : إذا كان علي (عليه السلام) أفضل منّا ـ وهو كذلك بلا شك ـ فهو أدرى منا بالأصول ، أليس كذلك ؟!
قالوا بحذر : نعم .
فقال لهم : عليٌّ (عليه السلام) حارب معاوية ، ليس فقط لم يترضَّ عليه كما تطالبوني ، بل قاتله أشدَّ قتال ، ولو ظفر به لألحقه بأجداده .
قال أحدهم وهو يمضغ مسواكاً : نقول كما قال السلف : تلك دماء عصم الله منها سيوفنا فلنعصم ألسنتنا ، ونحن نرى معاوية صحابيّاً جليلا ، وأنه فعل خيراً عندما نصب يزيد ، ونرى أن خروج الحسين بن علي (عليه السلام) كان خطأ منه ، وقد تاب يزيد .
قال الشيعي : قولك : فنعصم منها ألسنتنا ، لا ينطبق عليك ; لأنك الآن تقول إن معاوية صحابيٌّ جليل ، إذن لقد أخطأ عليٌّ في حربه لمعاوية ، ثمَّ من قال لك : إنك لن تسأل عن تلك الدماء ؟ لابدّ أن يكون لكم موقف تجاه ما جرى ، فهما جهتان : إحداهما على حقٍّ ، والأخرى على باطل ، ووقوفك الآن في وجهي اشتراك في تلك ( الفتنة ) كما تدّعي .
أمَّا عن الحسين بن علي (عليه السلام) فهو لم يخطىء كما تقول ، فهو كما قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : سيِّد شباب أهل الجنة(1) ، وهو من أهل بيت النبوَّة ، وتعلَّم من جدِّه كيف ينصر الحق ، ويزيد تعلَّم من أبيه ما تعلَّم كما نقلت إلينا كتب التأريخ .
قاطعه أحد الوهابيّة ، وساق كلاماً سيّئاً خارجاً عن حدود الأدب في الحوار والمناظرة ، كما هي عادة أمثاله وشاكلته ، بدل أن يدلي بحجّة أو برهان .
فقال له أحد الشيعة وهو يبتسم : هكذا دائماً كان أعداء الشيعة ، باسم الحقّ يقتلون الحقّ ، وباسم الفتنة يحجبون الناس عن الحقائق ، وبالنتيجة أنت لا تفترق عن سلفك كثيراً ، إنك تربية ذلك المنهج الذي تبنَّاه معاوية ويزيد وآل أميَّة ومن إليهم .
وبعد مشادّة كلاميّة عنيفة حصلت بينهم .. يقول الأستاذ عبد المنعم فقال له بعضهم : على كل حال يجب ألا تتأثَّر بكلام هؤلاء ، فإن في حديثهم سحراً يؤثِّر .
ضحكت وقلت له : هذا ما قالته قريش للنبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما جاء بالقرآن ، ورجعت إليه مرَّة أخرى قائلا له : دعنا من كل ذلك ، فأنا أسألك حول قضيّة الحسين بن علي (عليهما السلام) كمسألة واضحة ماذا تقولون فيها ؟
سكت وكأنه يبحث عن إجابة ، ثمَّ قال : لماذا تبحثون عن هذه الأشياء ؟!
قلت : أجب على سؤالي ، ودع عنك السبب .
قال : معاوية صحابيٌّ جليل ، ويزيد كان أميراً على المسلمين ، والحسين خرج على وليِّ أمر زمانه ، ولو كان يزيد قد أخطأ فربَّما يكون قد تاب ، فلا داعي لأن نتحدَّث حوله ونشهِّر به .
قلت مختتماً هذا الحوار الذي لن يثمر عن شيء : أنت بهذا تلغي الآيات القرآنية التي شهَّرت بقابيل ونمرود وفرعون والسامري .. وغيرهم من الطغاة أعداء الرسالات ، وبقولك هذا تبرِّر لكل مخطىء في هذه الدنيا ; لأنه ربما يتوب ، وبهذه العقليّة تعطِّل الدين ، ويصبح كل التأريخ بلا فائدة .
كلمة أخيرة أقولها لك : أنتم لا ترتقون لمستوى الدفاع عن شريعة السماء ; لأنها لا تحتاج إلى مراوغة وكذب وافتراء ، وحديثي معك الآن إذا لم أصبح بسببه شيعيّاً فهو يبعدني عنكم أكثر فأكثر .
وحاول أن يعتذر قائلا : على كل حال ، نصيحة لك لا تقرأ لهؤلاء ، ونحن سنكون بالمرصاد لهم .
قلت : إذا كانوا على حق فالله ناصرهم ، وإن كانوا على باطل فأنتم أكثر بطلاناً منهم .
وتركته وانصرفت راجعاً إلى الإخوة ، فوجدت أن الوهابيّة لم تزل تدافع عن يزيد ومعاوية ، فتركتهم وانصرفت إلى بعض أشغالي أسفاً على حال هؤلاء المساكين الذين يردِّدون ما يقوله أحبارهم بلا وعي ولا فهم(2) .
____________
1- روى ابن أبي شيبة الكوفي ، عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة .
وروى ابن أبي شيبة الكوفي ، عن حذيفة قال : أتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فصلَّيت معه المغرب ، ثمَّ قام يصلّي حتى صلى العشاء ، ثمَّ خرج فاتبعته ، فقال : ملك عرض لي ، استأذن ربَّه أن يسلِّم عليَّ ، ويبشِّرني أن الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة .
راجع : المصنّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : 7/512 ، سنن الترمذي : 5/321 ح3856 ، صحيح ابن حبان : 15/413 ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : 167 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 3/35 ـ 38 ح2599 وح2608 وح2611 ، ذخائر العقبى ، أحمد بن عبدالله الطبري : 129 .
2- بنور فاطمة (عليها السلام) اهتديت ، عبد المنعم حسن السوداني : 189 ـ 192 .