طباعة

حول حديث (عمار تقتله الفئة الباغية)

سألني الشيعي قائلا : ألم تقل : عندكم سيِّدنا معاوية قتل سيِّدنا الحسن (عليه السلام) ؟
قلت له : نعم ، يقول علماؤنا ذلك ، بأن سيِّدنا معاوية اجتهد فأخطأ فله نصف الأجر .
الشيعي : وما تقول في البخاري ؟
المحاور : أصدق كتاب عندنا ، وهو لا يقبل الشك .
الشيعي : ينقل لنا البخاري في صحيحه حديثاً مشهوراً ومتواتراً ـ اسأل عنه علماؤكم ـ : يا عمَّار ! تقتلك الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار(1) .
أليس الفئة الباغية هي فئة معاوية من خلال الحديث ؟ وهي التي قتلت عمّاراً ، ألم يقل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في عمار : إن عمّاراً ملئ إيماناً من قرنه إلى قدمه ؟(1)
قلت له : نعم .
قال : فمن أين جاء ؟ فأين له وجه الاجتهاد كي يحصل على نصف الأجر ، وهو قد قتل الصحابي الجليل عمار بن ياسر الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : صبراً صبراً آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة(2) ؟ فأين له من عمار بن ياسر ؟
وجاء الليل وجاء الصراع ، عقلي يقول : هل علماؤنا مضلَّلون عبر التاريخ ؟ هل علماؤنا ضحايا لإعلام مضلِّل ؟ تفكيرهم قائم على الطريقة التقليديّة الموروثة ، لا يقبلون الناش والحوار ، ومن خالفهم في الرأي اتهموه بالكفر وفسّقوه وضلَّلوه ، وأقاموا عليه الدنيا وأقعدوها ، لأنه خالفهم في الرأي ، وأخذوا يشهِّرون به في المجالس ، ويحذِّرون الناس منه لمجرد أنه أثار تساؤلا لا يعرفون الإجابة عليه ، أو لا يريدون الخوض فيه .
أستاذي العالم ! لا تريد أن تبحث فدعني أبحث ، دعني أقرأ .. دعني أفكِّر ، فإلى متى ( ممنوع أن تقرأ ، ممنوع أن تبحث ، ممنوع أن تفكِّر ) إلاّ بإذن من الشيخ ، وإلاَّ فسَّقني ودمَّرني ، وأقام عليَّ أهل البلد .
الله أكبر ! ما هذه السلطة المستبدّة ؟ ما هذه الدكتاتوريَّة ؟ نفسي تقول : إيَّاك أن تقرأ ! الرعب مسيطر عليها ، تحذيرات الشيخ في المنطقة والشيخ الدكتور عبد الفتاح صقر ، والتحذيرات الحادّة من الشيخ طارق اللحام ، دوَّامة لا أعرف متى الخروج منها ؟ فاستيقظت ليلا من شدّة الصراع الذي أرهقني وهدَّ كياني ، أفكار هذا الصديق الشيعي وطريقته في الحوار مقنعة ... إذا كان هذا الكتاب على ضلال فليردَّ عليه علماؤكم ، فليحاوروا هذا الكتاب ، وإلاَّ فإن هذا الكتاب كتاب صحيح .
وكيف تفكِّر وتقول : سيِّدنا معاوية قتل سيِّدنا عمّاراً (رضي الله عنه) ، وسيِّدنا معاوية سمَّ أو قتل سيِّدنا الحسن (عليه السلام) ، والحسن معروف بسيِّد شباب أهل الجنة ؟ ما هذا التناقض الحادّ ؟ هل الدين جاء بالتناقض ؟ لا والله لم يأتِ بالتناقض .





_________
1- صحيح البخاري : 3/207 ، صحيح مسلم : 8/186 ، مسند أحمد بن حنبل : 3/91 ، صحيح ابن حبان : 15/553 ـ 555 ، المستدرك ، الحاكم النيسابوري : 3/149 ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ، فتح الباري ، ابن حجر : 1/451 ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : 43/46 ، البداية والنهاية ، ابن كثير : 3/264 .
2- روى الواحدي النيسابوري في أسباب نزول الآيات : 190 عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن عماراً ملىء إيماناً من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه .
وروى ابن أبي شيبة بالإسناد عن هانئ بن هانئ ، قال : كنّا جلوساً عند علي(عليه السلام) ، فدخل عمّار فقال : مرحباً بالطيِّب المطيب ، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : إن عماراً ملئ إيماناً إلى مشاشه .
راجع : المصنّف ، ابن أبي شيبة الكوفي : 7/217 ح7 ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 43/391 ـ 392 ، تهذيب الكمال ، المزي : 21/222 ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : 1/413 ، تهذيب التهذيب ، ابن حجر : 7/358 ، الإصابة ، ابن حجر : 4/473 ، كنز العمال ، المتقي الهندي : 11/724 ح 33540 .
وعن عمرو بن شر حبيل قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن عماراً ملئ إيماناً إلى مشاشه . المصنف ابن أبي شيبة الكوفي : 7/217 ح6 .
وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 10/103 روى الحديث مثله وقال : ويروى إلى أخمص قدميه .
قال ابن حجر في فتح الباري : 7/72 : وقد جاء في حديث أن عماراً ملئ إيماناً إلى مشاشه . أخرجه النسائي بسند صحيح ، والمشاش بضمِّ الميم ومعجمتين الأولى خفيفة ، وهذه الصفة لا تقع إلاَّ ممن أجاره الله من الشيطان .
وقال المناوي في فيض القدير : 4/473 ح5604 : ( عمار ملئ إيماناً إلى مشاشه ) بضمِّ الميم بضبط المصنّف ; أي ملأ الله جوفه به حتى تعدَّى الجوف ووصل إلى العظام الظاهرة ، والمشاش رؤوس العظام ، وفي رواية أبي نعيم أيضاً : عمار ملي إيماناً من قرنه إلى قدمه قال : يعني مشاشه . (صلى الله عليه وآله وسلم)(صلى الله عليه وآله وسلم)
3- المستدرك ، الحاكم النيسابوري : 3/383 و388 ـ 389 ، وقال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : 1/161 ، الطبقات الكبرى ، ابن سعد : 3/249 ، المعجم الكبير ، الطبراني : 24/303 ، المعجم الأوسط : 2/141 ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : 9/293 ، وقال : رواه الطبراني ورجاله ثقات ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 13/255 .