وأثارني حديث آخر استغربت منه أشدَّ الاستغراب : عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( من يريد أن يحيى حياتي ، ويموت موتي ، ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ، فليتولَّ عليَّ بن أبي طالب ، فإنه لن يخرجكم من هدى ، ولن يدخلكم في ضلالة ) ، فسجَّلته وسجَّلت مصادره وتابعت القراءة إلى أن وصلت ص 137 ، حيث جاءت آية قرآنية تقول : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(1)(2) ، وأخرج النسائي في صحيحه نزولها في عليٍّ
(عليه السلام) عن طريق رواية عبدالله ابن سلام ، وأخرج نزولها صاحب الجمع بين الصحاح الستة في تفسير سورة المائدة ، وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير نزولها في أميرالمؤمنين (عليه السلام) ، فراجعت المصادر ووقفت عليها .
واستدلَّ العالم الشيعي على أن الولاية بعد الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، وتابع القول في آية أخرى : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(3) ، ويقول : ألم يصدع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتبليغها عن الله يوم الغدير حيث خطب خطابه ، وعبَّ عبابه ، فأنزل الله يومئذ : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}(4) ألم تر كيف فعل ربك يومئذ بمن جحد ولايته علانية ، وصادر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جهرة ، فقال : اللهم إن كان هذا هو الحق فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فرماه الله بحجر من سجّيل ، كما فعل من قبل بأصحاب الفيل ، وأنزل في تلك الحالة : {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع * لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ}(5) .
وهنا جاء التأمُّل والصراع ، والمسألة مع النفس ومع الذات ، فراجعت المصادر ، ووقفت عليها ، ووجدت صدق ما يأتي به العالم الشيعي ، فاستغربت من قوّة استدلال هذا العالم ، وإحاطته الدقيقة بالتأريخ والسيرة والصحاح ، واستهواني الكتاب بأسلوبه الجذّاب ، وثوبه الناعم المزركش ، وصرت أفكِّر ، يا إلهي ! أين كنت أنا ؟ أين علماؤنا من هذه الكتب ؟ فهل يعرف علماؤنا ما في هذه الكتب من أدلّة ويتعمَّدون طمس هذه الحقائق عنّا ؟ لأنه ليس من اختصاصنا البحث في الدين وإنما هو حكر على الشيوخ والعلماء فقط ، أم أنهم لا يعلمون حقيقة هذه الكتب ؟!
________
1- سورة المائدة ، الآية : 55 .
2- قال هشام قطيط معلِّقاً في الهامش : وقفت على صحّة هذه الأقوال ، يقول العالم الشيعي : أجمع المفسِّرون ـ كما اعترف به القوشجي الأشعري ، وهو من فطاحل علماء السنة ، في مبحث الإمامة من شرح التجريد ـ على أن الآية نزلت في علي (عليه السلام) عندما تصدَّق بخاتمه وهو راكع .
3- سورة المائدة ، الآية : 67 ، نزلت هذه الآية يوم 18 من ذي الحجة سنة 10 من الهجرة ، في حجّة الوداع ، في رجوع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكة إلى المدينة ، في مكان يقال له : غدير خم ، فأمر الله نبيَّه (صلى الله عليه وآله وسلم)أن ينصب علياً (عليه السلام) إماماً وخليفة من بعده .
4- سورة المائدة ، الآية : 3 .
5- سورة المعارج ، الآية : 1 ـ 2 ، نزلت هذه الآيات في النعمان الفهري لمَّا شك في تنصيب النبي لعلي(عليهم السلام)الخلافة فوقع عليه العذاب . راجع : شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي : ج2 ، ص286 حديث : 1030 ـ 31 ـ 32 ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي : ص30 .
ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)
- الزيارات: 832