الهدى والضلالة ونسبتهما إلى الله تعالى([1])
حقيقة الجواب تتضح في التفريق بين الهداية العامة التي عليها تبتني مسألة الجبر والإختيار، والهداية الخاصة التي لا تمت إلى هذه المسألة بصلة:
1 ـ الهداية العامة: وتشمل:
أ ـ الهداية العامة التكوينية: والمراد منها خلق كل شيء وتجهيزه بما يهديه إلى الغاية التي خلق لها، قال تعالى: (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى). طه / 50
ب ـ الهداية العامة التشريعية: وهي عبارة عن الهداية الشاملة للموجود العاقل المدرك المفاضة عليه بتوسط عوالم خارجة عن ذاته وذلك كالأنبياء والرسل والأوصياء والعلماء، قال تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط). الحديد / 25
2 ـ الهداية الخاصة:
وهذه الهداية تختص بجملة من الأفراد الذين إستضاؤوا بنور الهداية العامة تكوينها وتشريعها، ليقعون مورداً للعناية الخاصة منه سبحانه، ومعنى هذه الهداية هو تسديدهم في مزالق الحياة إلى سبل النجاة وتوفيقهم للتزود بصالح الأعمال، ويكون معنى الإضلال في هذه المرحلة هو منعهم من هذه المواهب وخذلانهم في الحياة ويدل على ذلك قوله تعالى: (إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب). الرعد / 27
فعلق الهداية على من إتصف بالإنابة والتوجه إلى الله تعالى وقوله: (والله لا يهدي القوم الظالمين). الجمعة / 5
وعلى ضوء ما تقدم نعرف أن الهداية العامة التي بها تناط مسألة الجبر والإختيار عامة شاملة لجميع الأفراد ففي وسع كل فرد أن يهتدي بهداها، وأمّا الهداية الخاصة والعناية الزائدة فتختص بطائفة المنيبين والمستفيدين من الهداية الأولى.
بقي هنا سؤال هو أن جملة من الآيات تعرب عن عدم تعلق مشيئة الله بهداية الكل كقوله: (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها). السجدة / 13
والجواب أن هذه الآيات ناظرة إلى الهداية الجبرية بحيث تسلب عن الإنسان الإختيار والحرية، وهي تنافي التكليف ومسؤولية الإنسان عن تصرفاته التى بها منزلته.
____________________________________
[1] سبحاني، الإلهيات: 1 / 731 ـ 739.