• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

رسالة الجاحظ

رسالة الجاحظ(1) التي أرشدني إليها الشيخ الهويدي في تفضيل علي (عليه السلام) .
قال : هذا كتاب من اعتزل الشك والظنّ ، والدعوى والأهواء ، وأخذ باليقين والثقة من طاعة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وبإجماع الأمَّة بعد نبيِّها (عليه السلام)ممَّا يتضمَّنه الكتاب والسنّة ، وترك القول بالآراء ، فإنَّها تخطىء وتصيب ; لأنَّ الأمَّة أجمعت أن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) شاور أصحابه في الأسرى ببدر ، واتّفق على قبول الفداء منهم ، فأنزل الله تعالى : {مَا كَانَ لِنَبِيّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى}(2) .
فقد بان لك أن الرأي يخطئ ويصيب ، ولا يعطي اليقين ، وإنّما الحجّة لله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما أجمعت عليه الأمّة من كتاب الله وسنّة نبيِّها ، ونحن لم ندرك النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا أحداً من أصحابه الذين اختلفت الأمّة في أحقِّهم ، فنعلم أيّهم أولى ونكون معهم ، كما قال تعالى : {وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}(3) ، ونعلم أيّهم على الباطل فنجتنبهم وكما قال تعالى : {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً}(4) حتى أدركنا العلم ، فطلبنا معرفة الدين وأهله ، وأهل الصدق والحقّ ، فوجدنا الناس مختلفين ، يبرأ بعضهم من بعض ، ويجمعهم في حال اختلافهم فريقان : أحدهما قالوا : إن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مات ولم يستخلف أحداً ، وجعل ذلك إلى المسلمين يختارونه ، فاختاروا أبا بكر ، والآخرون قالوا : إن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) استخلف عليّاً ، فجعله إماماً للمسلمين بعده ، وادّعى كل فريق منهم الحقَّ .
فلمَّا رأينا ذلك وقفنا الفريقين لنبحث ونعلم المحقَّ من المبطل ، فسألناهم جميعاً : هل للناس من وال يقيم أعيادهم ، ويجبي زكاتهم ، ويفرِّقها على مستحقيها ، ويقضي بينهم ، ويأخذ لضعيفهم من قويِّهم ، ويقيم حدودهم ؟
فقالوا : لابدَّ من ذلك .
فقلنا : هل لأحد أن يختار أحداً ، فيولّيه بغير نظر من كتاب الله وسنّة نبيِّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
فقالوا : لا يجوز ذلك إلاَّ بالنظر .
فسألناهم جميعاً عن الإسلام الذي أمر الله به ، فقالوا : إنه الشهادتان ، والإقرار بما جاء من عند الله ، والصلاة ، والصوم ، والحج ـ بشرط الاستطاعة ـ والعمل بالقرآن ، يحلُّ حلاله ويحرِّم حرامه ، فقبلنا ذلك منهم لإجماعهم .
ثمَّ سألناهم جميعاً : هل لله خيرة من خلقه ، اصطفاهم واختارهم ؟
فقالوا : نعم .
فقلنا : ما برهانكم ؟
فقالوا : قوله تعالى : {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}(5) .
فسألناهم : من الخيرة ؟
فقالوا : هم المتقون .
فقلنا : ما برهانكم ؟
فقالوا : قوله تعالى : {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}(6) .
فقلنا : هل لله خيرة من المتقين ؟
قالوا : نعم ، المجاهدون بأموالهم ، بدليل قوله تعالى : {فَضَّلَ اللّهُ الُْمجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً}(7) .
فقلنا : هل لله خيرة من المجاهدين ؟
قالوا جميعاً : نعم ، السابقون من المهاجرين إلى الجهاد ، بدليل قوله تعالى : {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ}(8) .
فقبلنا ذلك منهم لإجماعهم عليه ، وعلمنا أن خيرة الله من خلقه المجاهدون السابقون إلى الجهاد .
ثم قلنا : هل لله منهم خيرة ؟
قالوا : نعم .
قلنا : من هم ؟
قالوا : أكثرهم عناء في الجهاد ، وطعناً وحرباً وقتلا في سبيل الله ، بدليل قوله تعالى : {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ}(9) {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ}(10) .
فقبلنا منهم ذلك ، وعلمنا وعرفنا : أن خيرة الخيرة أكثرهم في الجهاد عناء ،وأبذلهم لنفسه في طاعة الله ، وأقتلهم لعدوِّه ، فسألناهم عن هذين الرجلين ـ علي ابن أبي طالب (عليه السلام) وأبي بكر ـ أيُّهما كان أكثر عناء في الحرب ، وأحسن بلاء في سبيل الله ؟
فأجمع الفريقان على أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه كان أكثر طعناً وحرباً ، وأشدَّ قتالا ، وأذبَّ عن دين الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فثبت بما ذكرنا من إجماع الفريقين ، ودلالة الكتاب والسنة أن عليّاً (عليه السلام) أفضل .
وسألناهم ـ ثانياً ـ عن خيرته من المتقين ، فقالوا : هم الخاشعون ، بدليل قوله تعالى : {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيد * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّاب حَفِيظ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْب مُّنِيب}(11) ، وقال تعالى : {وَذِكْراً لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم}(12) .
ثم سألناهم : من الخاشعون ؟
فقالوا : هم العلماء ، لقوله تعالى : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}(13) .
ثم سألناهم جميعاً : من أعلم الناس ؟ قالوا : أعلمهم بالقول ، وأهداهم إلى الحق ، وأحقُّهم أن يكون متبوعاً ولا يكون تابعاً ، بدليل قوله تعالى : {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْل مِّنكُمْ}(14) . فجعل الحكومة لأهل العدل .
فقبلنا ذلك منهم ، وسألناهم عن أعلم الناس بالعدل من هو ؟
قالوا : أدلُّهم عليه .
قلنا : فمن أدلُّ الناس عليه ؟
قالوا : أهداهم إلى الحقِّ ، وأحقُّهم أن يكون متبوعاً ولا يكون تابعاً ، بدليل قوله تعالى : {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى}(15) ، فدلَّ كتاب الله وسنَّة نبيِّه (صلى الله عليه وآله وسلم) والإجماع : أن أفضل الأمّة بعد نبيِّها أميرالمؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) ، لأنه إذا كان أكثرهم جهاداً كان أتقاهم ، وإذا كان أتقاهم كان أخشاهم ، وإذا كان أخشاهم كان أعلمهم ، وإذا كان أعلمهم كان أدلَّ على العدل ، وإذا كان أدلَّ على العدل كان أهدى الأمّة إلى الحقِّ ، وإذا كان أهدى كان أولى أن يكون متبوعاً ، وأن يكون حاكماً ، لا تابعاً ولا محكوماً .
وأجمعت الأمّة بعد نبيِّها (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه خلَّف كتاب الله تعالى ذكره ، وأمرهم بالرجوع إليه إذا نابهم أمر ، وإلى سنّة نبيِّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فيتدبَّرونهما ، ويستنبطون منهما ما يزول به الاشتباه ، فإذا قرأ قارئكم : {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ}(16) ، فيقال له : أثبتها ، ثمَّ يقرأ : {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}(17) ، وفي قراءة ابن مسعود : إنَّ خيْرَكُم عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ، ثمَّ يقرأ : {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيد * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّاب حَفِيظ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ}(18) فدلَّت هذه الآية على أن المتقين هم الخاشون .
ثمَّ يقرأ فإذا بلغ قوله : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}(19) فيقال له : اقرأ حتى ننظر هل العلماء أفضل من غيرهم أم لا ؟ فإذا بلغ قوله تعالى : {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}(20) علم أن العلماء أفضل من غيرهم .
ثمَّ يقال : اقرأ ، فإذا بلغ إلى قوله : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات}(21) قيل : قد دلَّت هذه الآية على أن الله قد اختار العلماء ، وفضَّلهم ورفعهم درجات ، وقد أجمعت الأمّة على أن العلماء من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين يؤخذ عنهم العلم كانوا أربعة : علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وعبد الله بن العبّاس ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت .
وقالت طائفة : عمر ، فسألنا الأمّة : من أولى الناس بالتقديم إذا حضرت الصلاة ؟
فقالوا : إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : يؤمُّ القوم أقرؤهم ، ثمَّ أجمعوا على أن الأربعة كانوا أقرأ من عمر فسقط عمر .
ثمَّ سألنا الأمَّة : أيُّ هؤلاء الأربعة أقرأ لكتاب الله ، وأفقه لدينه فاختلفوا ، فأوقفناهم حتى نعلم ، ثمَّ سألناهم : أيُّهم أولى بالإمامة ؟
فأجمعوا على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إذا كان عالمان فقيهان من قريش فأكبرهما سنّاً وأقدمهما هجرة ، فسقط عبدالله بن العبّاس ، وبقي علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، فيكون أحقَّ بالإمامة ; لما أجمعت عليه الأمّة ، ولدلالة الكتاب والسنة عليه . انتهى(22) .




____________
1- الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ، أسد حيدر : 2/94 .
2- سورة الأنفال ، الآية : 67 .
3- سورة التوبة ، الآيه : 119 .
4- سورة النحل ، الآية : 78 .
5- سورة القصص ، الآية : 68 .
6- سورة الحجرات ، الآية : 13 .
7- سورة النساء ، الآية 95 .
8- سورة الحديد ، الآية : 10 .
9- سورة الزلزلة ، الآية : 7 .
10- سورة البقرة ، الآية : 110 .
11- سورة ق ، الآية : 31 ـ 33 .
12- سورة الأنبياء ، الآية : 48 ـ 49 .
13- سورة فاطر ، الآية : 128 .
14- سورة المائدة ، الآية : 95 .
15- سورة يونس ، الآية : 35 .
16- سورة القصص ، الآية : 68 .
17- سورة الحجرات ، الآية : 13 .
18- سورة ق ، الآية : 31 ـ 33 .
19- سورة فاطر ، الآية : 28 .
20- سورة الزمر ، الآية : 9 .
21- سورة المجادلة ، الآية : 11 .
22- ذكر هذه الرسالة الإربلي في كشف الغمة : 1/37 ـ 40 ، وقال : إنها نسخت عن مجموع للأمير أبي محمّد الحسن بن عيسى المقتدر بالله .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page