طباعة

زيارة مرقد السيدة الجليلة رقية (عليها السلام) بنت الحسين (عليه السلام)

وأخذت منه العنوان ، وكتبه لي على قصاصة من ورق .. وودَّعته وخرجت ، وعاودتني دوَّامة التساؤل بعد أن ودَّعت الشيخ الهويدي ، وخرجت من مقام السيِّدة زينب
(عليها السلام) ، وأنا في الطريق أسمع سائق ( السرفيس ) يصيح بصوت عال : ( رقيّة رقيّة ) .
فلفت نظري تساؤل : هل هناك منطقة في دمشق اسمها ( رقيَّة ) فدفعني الفضول لأسأله : أين تقع هذه المنطقة ؟ فسألته .. فقال لي : من أين أنت فأجبته : من القامشلي .
فقال : أوه !! في آخر سوريا .. قال لي : يا أخي ! الإيرانيّون واللبنانيّون والخليجيّون يقدِّسون هذه المقامات ، فأنا أصيح حتى أشتغل ، وهذا موسمهم ، لأنّه كل صيفيّة يأتون إلى هنا لزيارة هذه المقامات ، وفعلا عزمت على الذهاب مع السائق لأرى هذه المنطقة التي أجهلها .
ومشت السيارة ، وأنا أتساءل لأوَّل وهلة أسمع هذا النداء وأسمع بهذه المنطقة ، فوصلت إلى هذا المقام الشريف ، ولم أستطع الدخول من شدّة الزحمة ، أمَّة من البشر !! الله أكبر ! ما هذه الزحمة ؟ من أين أتت كل هذه الجموع الغفيرة ؟ وبعد انتظار ساعة من الوقت استطعت الدخول ، ورأيت الناس يلطمون على صدورهم ويصيحون يا حسين .. يا حسين ، يا رقية يا رقية .. الظليمة .. الظليمة ..
فدخلت إلى داخل المقام ، ووصلت إلى الضريح ، وقرأت الفاتحة ، وصلَّيت قربة إلى الله ركعتين زيارة لهذه السيِّدة ، دون أن أعرفها بنت من ؟ لكن عندما رأيت الناس تدخل وتزور وتقبِّل هذا الضريح فعلت مثلهم ، فعرفت أن هنا مقاماً لسيِّدة فاضلة .
فاقتربت من أحد الشباب الذين يلطمون على رؤوسهم وصدورهم ، حيث يضع شريطاً أسوداً مربوطاً برأسه ، وعلى جبينه مكتوب ( يا حسين ) .. فقلت له : إذا سمحت .. السيِّدة رقيّة بنت من ؟
فضحك هذا الشابّ من سؤالي ، واستغرب !! وقال لي : من أين أنت ؟
فأجبته : من القامشلي .
فقال لي : أين تقع مدينة القامشلي ؟
فقلت له : تبعد من هنا ما يقارب 1000 كم ، وقال : أنت من سوريا ولا تعرف هذا المقام لمن ؟
فقال لي : أنت سنّيٌّ ؟
فأجبته : نعم .
فقال لي : حقّك لا تعلم ، هذه السيِّدة رقيَّة بنت الإمام الحسين (عليه السلام) ، عندما جاءوا بأهل البيت سبايا من العراق إلى الشام ، والحسين رأسه محمول على الرمح من هناك إلى هنا ، وعندما وصلوا إلى الجامع الأموي وضعوا رأس الحسين (عليه السلام) في المسجد أمام اللعين يزيد ، وبدأ يزيد يرغي ويزبد ويصيح : أتينا برأس زعيم الخوارج الحسين بن علي بن أبي طالب.
فقاطعته الحديث ، الحسين سيِّد شباب أهل الجنّة يحملون رأسه على الرمح ويأتون به إلى الشام ؟ ماذا تقول يا أخي ؟ أليس الشيعة هم الذين قتلوه ، وهم الآن يبكون ويندبون ويلطمون ندماً وحزناً لأنهم هم الذين قتلوه ؟
قاطعني الشابُّ بحماس ، وقال لي : أنت متعلِّم ؟
فقلت له : نعم .. وأنهيت الدراسة الجامعيّة ، لكن والله العظيم لم أسمع بهذه الأحداث ; لأن هذه القضايا ليست من اختصاصي ، فالصدفة أتت بي إلى هنا .
فقال لي : يا أخي ! أعذرك كلَّ العذر ; لأن الإنسان عدوُّ ما يجهل ، وأنا لم أفرض عليك اعتقاداتي وقناعاتي .. ولكن أنت ابحث بنفسك عن هذه الحقائق ، وقال لي : إذا أردت أن تزور رأس الحسين (عليه السلام) مقامه في الجامع الأموي .
وشطَّ بنا الحديث وتفرَّع ، ورجعنا في الحديث عن السيِّدة رقية ، فقال لي : هذه السيِّدة بنت الإمام الحسين (عليه السلام) ، وعندما توفِّيت كان عمرها ثلاث سنوات تقريباً .. أهل البيت(عليهم السلام)عندما جاءوا بهم إلى الشام كانت هذه الطفلة مع عمّتها زينب (عليها السلام) ، أتعرف مقام السيِّدة زينب (عليها السلام) أخت الإمام الحسين (عليه السلام) ؟
فأجبته : نعم ، الآن جئت من هناك .
فقال : عندما وضعوا رأس الحسين (عليه السلام) في طشت كانت هذه الطفلة تصيح وتبكي ، طفلة تبكي تريد أباها ، فقال يزيد اللعين : خذوا هذا الرأس ، وضعوه أمام الطفلة لكي ترى أباها ، فعندما شاهدت الطفلة رأس والدها انكبَّت على وجهها ، فلم تطق الطفلة ذلك الموقف إلى أن فارقت الحياة فوق رأس والدها .
ماذا تحكي يا أخي ؟ ماذا تقول ؟ هل هذا صحيح ؟ فضيَّعني كلام هذا الشابّ الشيعيّ .
وسألت آخر وآخر .. وكنت في كلِّ مرّة أحصل على نفس الجواب ، فرجعت مرَّة أخرى إلى القفص ، ففاضت دموعي بالبكاء ، وصرت أصيح وأسأل .: بنت الحسين سيِّد شباب أهل الجنة هكذا قتلت ؟ هكذا ماتت ؟ فصرت أردِّد بدون شعور كما تردِّد الشيعة : الظليمة الظليمة ، يا رقيّة ! يا رقية ! ثمَّ بعد هذا ودَّعتها متّجهاً إلى الجامع الأمويّ ، وشاهدت الحشود والجموع تتّجه باتّجاه الشرق ، وتصيح وتلطم : يا حسين ! يا حسين ! لعن الله من ظلمك ، لعن الله من قتلك ، لعن الله يزيد .. فوصلت إلى الباب ، ودخلت بقوَّة من شدّة الازدحام ، حيث وصلت إلى مكان رأس الحسين (عليه السلام) فقبَّلته ، وانهارت دموعي بالبكاء ، فصرت أحدِّث نفسي : ما الذي حصل ؟ ما الأمر ؟ ما القضيَّة ؟ ما الذي حدث ؟ هذا الأخ الشيعي يقول لي : يزيد الذي قتل الحسين (عليه السلام) ، وليس الشيعة ـ كما يقول أحد علمائنا في المنطقة الشرقية !!
فعاودني الصراع السابق الذي عشته ، ورجعت إليَّ دوّامة التساؤل والحيرة ، هل الشيعة بريئون من دم الحسين ؟ هل صحيح أن الشيعة لم يقتلوا الحسين ؟ فإذن لماذا يلطمون ويبكون ويصيحون يا حسين يا حسين ؟ وصرت أفكِّر بكلام الشيخ عندنا عندما كان يحذِّرنا من الجلوس مع الشيعة ، وعدم محاورة الشيعة ، والشيعة هم الذين قتلوا الحسين ، فخرجت من مقام رأس الحسين (عليه السلام) لزيارة النبيِّ يحيى بن زكريا (عليه السلام) في قلب الجامع الأمويِّ .