وبعد أن أتيحت الفرصة للمشاركة والنقاش سمح لي بالحديث ، فقلت : أرجو منك أن تمنحني الفرصة الكافية لأتناول بالتفصيل التوحيد والشرك وصفات الله ومفهوم البدعة .
أولا : إنّ توحيد الله سبحانه وتعالى من أشرف ما يتّصف به الإنسان ، ومعارفه من أشرف المعارف ، ولذلك نجد كل الرسالات السماويَّة كان جلُّ اهتمامها هو نشر التوحيد ، بل كان هو الحدّ الفاصل بين أتباع الرسالة وغيرهم ، ومن هنا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقاتل الكفار حتى يقولوا : ( لا إله إلاَّ الله ، محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ) فإذا قالوا عصموا بها دماءهم وأعراضهم وأموالهم ، وهذا ممَّا لا يختلف فيه مسلمان على وجه هذه الأرض منذ البعثة إلى أن جاء محمّد بن عبدالوهاب ، فقتل المؤمنين الموحِّدين تحت راية التوحيد ، وهذا مما أكَّده أخوه سليمان بن عبدالوهاب في كتابه : ( الصواعق الإلهيَّة في الردّ على الوهابيَّة ) ثمَّ قرأت له مقطعاً من كلامه :
( من قبل زمان الإمام أحمد في زمن أئمّة الإسلام حتى مليت بلاد الإسلام كلّها ، ولم يرو عن أحد من أئمة المسلمين أنهم كفروا بذلك ، ولا قالوا : هؤلاء مرتدّون ، ولا أمروا بجهادهم ، ولا سمَّوا بلاد المسلمين بلاد شرك وحرب كما قلتم أنتم ، بل كفَّرتم من لم يكفر بهذه الأفاعيل وإن لم يفعلها ، وتمضي القرون على الأئمة بعد زمان أحمد علماؤها وأمراؤها وعامتها كلهم كفَّار مرتدُّون . فإنّا لله وإنّا إليه راجعون : واغوثاه إلى الله ! ثمَّ واغوثاه أن تقولوا كما يقول بعض عامتكم : إن الحجّة ما قامت إلاَّ بكم ) .
ويقول أيضاً : ( فإنّ اليوم ابتلي الناس بمن ينتسب إلى الكتاب والسنّة ، ويستنبط من علومها ، ولا يبالي من خالفه وإذا طلبت منه أن يعرض كلامه على أهل العلم لم يفعل ، بل يوجب على الناس الأخذ بقوله وبمفهومه ، ومن خالفه فهو عنده كافر ، هذا وهو لم تكن فيه خصلة واحدة من فعال أهل الاجتهاد ، لا والله ، ولا عشر واحد ، مع هذا فراح كلامه ينطلي على كثير من الجهَّال ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، الأمَّة كلها تصيح بلسان واحد ـ ومع هذا لا يردّ لهم في كلمة ، بل كلّهم كفّار وجهَّال ـ : اللّهمّ اهد هذا الضال وردّه إلى الحق ) .
هذا ما يدعو إليه الوهابيّة من التوحيد ، وهو في الواقع تكفير كل المسلمين ، ووصفهم بالشرك ، كما يقول محمّد بن عبدالوهاب : ( إنّ مشركي زماننا ـ أي المسلمين ـ أغلظ شركاً من الأوَّلين ، لأنّ أولئك يشركون في الرخاء ويوحِّدون في الشدّة ، وهؤلاء شركهم في الحالتين ، لقوله تعالى : {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}(1).
ونحن عادةً نناقش الوهابيَّة في أمور فرعيَّة تتفرَّع من مفهومهم العام للتوحيد والشرك ، وأنا هنا أريد أن أحوِّل مسار النقاش من الفروع إلى الأصول ، والمفاهيم العامة في تحديد مناط العبادة .
____________
1- سورة العنكبوت ، الآية : 65 .
الرد على المُحاضر وبيان حقيقة التوحيد ومفهوم البدعة
- الزيارات: 981