طباعة

الصفات الإلهية عند السنة والشيعة

أمَّا صفات الله سبحانه وتعالى ، فعلى حسب قول الطائفة المحقّة ، إنّ هذه الصفّات التي أخبر بها القرآن ، نجريها كما جاءت من غير تأويل ، فمثلا قوله تعالى : {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}(1) فلا يمكن أن نؤوِّل معنى اليد ، وفي الوقت نفسه لا نثبت لها معنى خاصاً ، فلا نقول إنّ يد الله تعني قدرته ; لأنه لا دليل على ذلك ، وإنما نثبت لله يداً من غير كف ، وهذا ما قال به السلف الصالح ، فلم يرو منهم على الإطلاق رأي مخالف لما قلناه ، وهذا دليل على صواب هذا الرأي ; لأن السلف أقرب الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأعلم الناس بالقرآن ، وعدم اختلافهم دليل على صدق قولهم ، أمَّا الطوائف الأخرى فقد ذهبت بعيداً في آيات الصفات ، فكل طائفة تؤوِّلها على حسب هواها ، فالقائلون بالتأويل لم يتفقوا على معنى معيَّن ، وهذا وحده دليل على البطلان ، فيتحتَّم أن يكون الطريق أمامنا هو إجراء هذه الصفات كما جاءت من غير تأويل ، وكما قال السلف في مثل هذا المقام : ( الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة ) ولا أعتقد أن إنساناً يخاف الله ويطلب الحق يجادل في هذه المسألة .
استفزّتني هذه الكلمة ، فقاطعته قائلا :
أولا : إنّ الطائفة المحقّة هم أهل السنّة ; لأنهم ساروا على منهج السلف ، وذلك لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّ الفرقة الناجية " ما كنت عليه أنا وأصحابي " ، فإنّ الموضوع أوسع من المدّعى ، وبصورة أخرى : إن الصغرى غير تامّة ، فمن الذي يقول : إنّ الذي عليه أنتم هو نفس ما كان عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه ؟!
وكون أهل السنة هم الطائفة الوحيدة ، التي جسَّدت ما كان عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه ، هذه مصادرة من غير دليل ; لأن كل الطوائف تدّعي وصلا بليلى .
وثانياً : الاختلافات الكبيرة جدّاً بين أهل السنّة هي دليل على بطلان ما تدّعي ، فليس هناك في الواقع مذهب واحد متكامل يسمَّى أهل السنّة ، وكل ما هنالك عنوان يسمّى أهل السنة ، تنطوي تحته مجموعة من المدارس ، التي تختلف في أبسط المسائل الفقهيّة ، بل حتى في طريقة التعامل مع السلف ، فأيّ أهل السنّة والجماعة تقصد ؟ هل هم الوهابية ؟ ويوجد هنالك من يدّعون أنهم أهل السنّة ويكفِّرون الوهابيِّة ، فلا تعمّم الكلام ، ولا تحاول أن تلزمني بالعناوين الفضفاضة .
أمَّا كلامك في الصفات الإلهيَّة فيكتنفه نوع من الغموض ، فما معنى أن نثبت لله ما أثبته لنفسه من غير كيف ؟! فهذا التبرير لا يقبله صاحب عقل سليم ; لأنّ الجهل بالكيفيّة لا يغيّر عنوان القضيّة ، وهو لا يتعدَّى أنّ يكون إبهاماً وألغازاً ; لأنّ إثبات هذه الألفاظ هو عين إثبات معانيها الحقيقيّة ، وصرفها عن معناها الحقيقي هو عين التأويل الذي أنكرته ، وإثبات المعنى الحقيقي لها لا ينسجم مع عدم الكيفيّة ; لأن الألفاظ قائمة بمعانيها ، والمعاني قائمة بالكيفيّة ، وإجراء هذه الصفات بمعانيها المتعارفة هو عين التجسيم والتشبيه ، والاعتذار بقولك : ( بلا كيف ) لا يتعدّى أن يكون لقلقة لسان ، وإذا كانت هذه الألفاظ الجوفاء تكفي لإثبات التنزيه لله عزّ وجلَّ فلا إشكال على من يقول : إن لله : جسماً بلا كيف ، ولا كالأجسام ، وله دم بلا كيف ، ولحم وشعر و... بلا كيف ، كما قال أحد الحشوية : ( إنما استحييت عن إثبات الفرج واللحية ، واعفوني عنهما ، واسألوني عمَّا وراء ذلك ) كما ذكرها الشهرستاني في الملل والنحل .
وإنَّما مشكلتكم هي التقليد في العقائد من غير تفكير ، مع أن التقليد في باب العقائد لا يجوز ، فإذا فكَّرت جيِّداً فيما نسبته للسلف من قولهم : ( الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة ) تجد أنّ هذا الكلام متهافت لأبعد الحدود ; لأنّ الاستواء إذا كان معلوماً فالكيف بالتالي يكون معلوماً ، وإذا كان الكيف مجهولا فكذلك الاستواء يكون مجهولا ، ولا ينفصل عنه ، فالعلم بالاستواء هو عين العلم بالكيفيّة ، والعقل لا يفرِّق بين وصف الشيء وبين كيفيّته ; لأنهما شيء واحد ، فإذا قلت : فلان جالس فعلمك بجلوسه هو علمك بكيفيّته ، فعندما تقول : الاستواء معلوم فنفس العلم بالاستواء هو العلم بالكيفيّة ، وإلاَّ فيكون في كلامك تناقض ، بل هو التناقض بعينه ، فكل تبرير بعدم الكيف مع إجراء المعاني الحقيقيَّة للألفاظ هو تناقض وتهافت ، فقولك : إن لله يداً بلا كيف ، كلام ينقض آخره أوَّله ، والعكس ; لأن اليد بالمعنى الحقيقي لها تلك الكيفيّة المعلومة ، ونفي الكيفيّة منها هو نفي لحقيقتها .



________
1- سوره الفتح ، الآية : 10 .