• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أسئلة وأجوبة لا غِنى عنها لكلّ باحث


وردت علىّ رسائل عديدة من أقطار كثيرة، تحمل في طيّها بعض التساؤلات المهمّة، والتي تنبئُ عن حرص القرّاء الكرام لمزيد البحث والتنقيب عن الحقائق، وقد أجبتُ على البعض منها، وأعرضت عن البعض الآخر غير مستخفّ بها، ولكن لأنّ الجواب عليها موجود في كتابي "ثمّ اهتديت"، و"لأكون مع الصادقين".
وتعميماً للفائدة فأنا أنشرها في هذا الفصل مع الأجوبة، ومع الملاحظة بأنّ القارئ سيجدُ بعض الأحاديث والأحداث مكرّرة في الكتاب الواحد أو في الكتب الثلاثة، فقد تعمدّت ذلك اقتداءً بكتاب الله العزيز الذي يكرّر الحادثة في عدّة سور; لترسخ في ذهن المؤمن، ولتكون في متناول الجميع.

س1: إذا كان الرسول يعلم ما سيؤول إليه أمر الأُمة من النزاع والاختلاف بسبب الخلافة فلماذا لم يعيّن خليفة له؟
* ج: لقد عيّن (صلى الله عليه وآله وسلم) خليفة له بعد حجّة الوداع، وهو علي بن أبي طالب، وأشهد على ذلك صحابته الذين حجّوا معه، وكان يعلم بأنّ الأُمة ستغدر به(1)وتنقلب على أعقابها.

س2: كيف لم يسأل الرسول أحدّ من أصحابه عن هذا الأمر وقد كانوا يسألونه عن كلّ شيء؟
* ج: لقد سألوه وأجاب: قال تعالى: {يَقُولُونَ هَلْ لَـنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْء قُلْ إنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ}(2).
وسألوه وقال: {إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(3).
وسألوه فقال: "إن هذا أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي"(4).


س3: لماذا عارض بعض الصّحابة رسول الله حين أراد أن يكتب لهم كتاباً يعصمهم من الضلالة بعده وقالوا بأنّه يهجر؟
* ج: لقد عارض بعض الصحابة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أراد أن يكتب لهم ما يمنعهم من الضلالة واتهموه بالهجر; لمّا عرفوا بأنّه يريد تعيين علي بن أبي طالب كتابيّاً، لأنّه سبقَ أن قال لهم في حجّة الوداع بأنّ المتمسّك بالكتاب والعترة لن يضلّ بعده أبداً، ففهموا بأنّ مضمون الكتاب سيكون بنفس الألفاظ، لأنّ علياً هو سيّد العترة، وإنّما اتهموه بالهجر ليعدل عن الكتابة نهائياً، ولأنّ النزاع والخلاف قام حول الكتاب قبل كتابته، وإذا كان النبىّ يهجر (حسب اعتقادهم) فإنّ كتابه سيكون هذياناً، فالحكمة تقتضي عدم الكتابة.

س4: لماذا لم يصرّ على كتابة الكتاب خصوصاً وأنّه يعصم الأُمّة الإسلاميّة من الضّلالة؟
* ج: لم يكن في وسع الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يُصرّ على الكتابة; لأنّ العصمة من الضلالة قد انتفتْ لموافقة الكثير من الصّحابة على أنّه يهجُر، فأصبح الكتاب هو مصدر ضلالة بدلا أن يكون عاصماً منها، ولو أصرّ النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على كتابته لقامتْ بعده دعاوى باطلة، قد تُشكّك حتّى في كتاب الله ونصوص القرآن.

س5: لقد أوصى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل موته بثلاث وصايا شفويّة فلماذا وصلت إلينا وصيّتان وضاعت الوصية الثالثة؟
* ج: الأمرُ واضحٌ في أنّ الوصيّةُ الأُولى هي التي ضاعتْ لأنّها تخصّ استخلاف علي، ولأنّ الخلافة التي قامتْ منعت الحديث عنها، وإلاّ كيف يصدّق عاقل أن يوصي النّبي فتُنْسى وصيّتُه كما ذكره البخاري.

س6: هل كان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم بموعد موته؟
* ج: لا شكّ بأنّه كان يعلم مسبقاً بموعد وفاته في الوقت المعلوم، وقد علم بذلك قبل خروجه لحجّة الوداع، ومن أجل ذلك سمّاها حجّة الوداع، وبذلك علم أكثر الصّحابة دنوّ أجله.

س7: لماذا جهّز النّبي جيشاً عبّأ فيه وجوه المهاجرين والأنصار من كبار الصّحابة وأمرهم بالمسير إلى مؤتة بفلسطين قبل وفاته بيومين؟
* ج: عندما علم النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمؤامرة التي دبّرتها قريش، وأنّهم تعاقدوا على نبذ العهد بعده، وإبعاد علي عن الخلافة، عمد إلى تعبئة هؤلاء ليبعدهم عن المدينة وقت وفاته، فلا يرجعون إلاّ وقد استتبّ الأمر لخليفته، فلا يقدرون بعدها على تنفيذ مُخطّطهم، وليس هناك تفسيراً مقبولا غير هذا لسريّة أُسامة; لأنّه ليس من الحكمة أن يُخلي النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عاصمة الخلافة من الجيش والقوّة قبل وفاته بيومين فقط.

س8: لماذا لم يُعيّن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً في جيش أُسامة؟
* ج: لأنّه لا ينبغي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يذهبَ إلاّ ويترك خليفة ليدبّر الأُمور بعده، وبما أنّه لم يُعبّئَ عليّاً ضمن ذلك الجيش الذي عبّأ فيه وجوه المهاجرين والأنصار، بما فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف، فدلّ هذا التصرّف الحكيم بأنّ عليّاً هو الخليفة بعد النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة، ولأنّ الذين لم يُعبْئهم رسول الله في الجيش ليس فيهم من يطمع في الخلافة، ولا من يبغضُ عليّاً ويريد الغدر به.

س9: لماذا أمَّرَ عليهم شابّاً صغيراً لا نبات بعارضيه؟
* ج: لمّا كان الحاسدون والغادرون لعلي يتذرّعون بصغر سنّه، وأنّ عظماء قريش الذين بلغوا السّتين لا ينقادون لعلي، وعمره لم يُجاوز الثلاثين إلاّ قليلا، فأمّر عليهم النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أُسامة وعمره سبعة عشر، لا نبات بعارضيه وهو من الموالي; ليّاً لأعناقهم وإرغاماً لأُنوفهم، كي يُبيّن لهم أولا ولكلّ المسلمين ثانياً بأنّ المؤمن الصادق في إيمانه يجب عليه أن يسمع ويُطيع، ولو وجد في نفسه حرجاً ممّا قضى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويسلّم تسليماً.
وأين أُسامة بن زيد بن حارثة من علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وسيّد الوصيّين، باب علم النّبي (صلى الله عليه وآله)، وأسد الله، الغالب وهارون محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولذلك تفطّنوا إلى تدبيره (صلى الله عليه وآله وسلم) في تأميره أُسامة عليهم، فطعنوا في إمارته، ورفضوا الخروج معه والتخلّف عنه، ولا ننسى أنّ فيهم الدّهاة الذين قال في حقّهم القرآن الكريم: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ}(5).

س10: لماذا اشتدّ غضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على المتخلّفين منهم حتّى لعنهم؟
* ج: لقد اشتدّ غضبه (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم لمّا علم أنّهم طعنوا في تأميره، فالطّعن موجّه إليه لا إلى أُسامة، وتحقّق بذلك عنده عدم إيمانهم وإخلاصهم لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّهم عازمون على تنفيذ مُخطّطهم كلّفهم ذلك ما كلّفهم، عند ذلك أطلق لعنته الأخيرة على المتخلّفين; ليفهمهم وأتباعهم والمسلمين كافة بأنّ الأمر قد بلغ منتهاه; ليهلك من هلك عن بيّنة.

س11: هل يجوز لعن المسلم خصوصاً من النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
* ج: إذا كان الإسلام هو التلفّظ بالشهادتين، بأن يقول الإنسان: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله، ثمّ لا يمتثل إلى أوامرهما، ولا يسمع ولا يطيع لله وللرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيجوز لعنه.
وفي القرآن الكريم آيات كثيرة نذكر منها قوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أنزَلْنَا مِنْ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَـيَّـنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ اُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ}(6). وإذا كان اللّه يلعن من كتم الحقّ، فما بالك بمن عاند الحقّ وعمل على إبطاله؟!

س12: هل عيّن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا بكر ليصلّي بالنّاس؟
* ج: من خلال الروايات المتناقضة نفهم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعيّن أبا بكر ليصلّي بالناس، اللّهم إلاّ إذا اعتقدنا ما قاله عمر بن الخطّاب في هجرانه، ومن اعتقد بذلك فقد كفر، وإلاّ كيف يصدّقُ عاقِلٌ بأنّه أمره ليُصلّيَ بالناس في حين أنّه عبّأه في جيش أُسامة، وجعل هذا الأخير أميراً عليه وإماماً له؟! وكيف يُعيّنه لإمامة الصلاة في المدينة وهي خالية منه، والتاريخ يشهد بأنّه لم يكن حاضراً في المدينة يوم وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
والثابت كما ذكر بعض المؤرّخين الذين روى عنهم ابن أبي الحديد بأنّ عليّاً (عليه السلام) اتّهم عائشة بأنّها هي التي أرسلت إلى أبيها ليصلّي بالناس، ولمّا علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك غضب وقال لها: "إنكن صواحب يوسف" وخرج إلى المسجد فأزاح أبا بكر وصلّى بهم صلاة المضطرّين; لئلا يترك لهم حجّة بعد ذلك.

س13: لماذا أقسم عمر بن الخطّاب بأنّ رسول الله لم يمت، وتهدّد كلّ من يقول بموته بالقتل ولم يهدأ إلاّ بوصول أبي بكر؟
* ج: لقد هدّد عمر بالقتل كلّ من حاول أن يقول بموت النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ; ليشكّكهم ويتركهم في حيص بيص حتى لا تتمّ بيعة لعلي، وحتى يصل إلى المدينة أبطال المعارضة الذين تعاقدوا على الأخذ بزمام الأُمور والذين لم يَصِلُوا بعد، فوجد نفسه قد سبقهم، فلعب دور المصاب بالذّهول، وسلّ سيفه فخوّف النّاس.
ولا شكّ بأنّه منع النّاس الدخول إلى الحجرة النبوية ليتثبّتوا الأمر، وإلاّ لماذا لم يجرأ أحدٌ على الدخول إلاّ أبا بكر، عندما وصل دخل وكشف عن وجهه وخرج ليقول لهم: "من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد ماتَ، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حىّ لا يموت".
ولا بدّ لنا هنا من تعليقة صغيرة على هذا القول، فهل كان أبو بكر يعتقد بأنّ في المسلمين من يعبُدُ محمّداً؟ كلاّ وإنّما هو تعبير مجازي على شتم وانتقاص بني هاشم عامّة وعلي بن أبي طالب خاصّة، الذين كانوا يفخرون على سائر العرب بأنّ محمّداً رسول الله منهم وهم أهله وعشيرته وأحقّ الناس به.
وهو أيضاً تعبير عمّا أفصح به عمر بن الخطّاب يوم رزيّة الخميس عندما قال: "حسبنا كتاب الله يكفينا" ولسان حاله يقول: لا حاجة لنا بمحمّد فقد انتهى أمره وولّى عهده، وهذا بالضّبط ما أكّده أبو بكر بقوله: من كان يعبدُ محمّداً فإنّه قد مَاتَ، ويعني بذلك: يا من تفتخروا علينا بمحمّد تأخّروا اليوم فإنّه انتهى أمره، وحسبنا كتاب الله فإنّه حي لا يموت.
ومن الملاحظ أنّ علياً وبني هاشم كانوا يعرفون أكثر من غيرهم حقيقة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانوا يُبالغون في احترامه وتقديسه وتنفيذ أوامره، واتّبعهم على ذلك الموالي من الصّحابة، والذي كانوا غُرباء عن قريش، وكانوا إذا بصق رسول الله بصقة تسارعوا إليها ليمسحوا بها وجوههم، ويتخاصمون على فضل وضوئه أو على شعره، وكلّ هؤلاء المساكين والمستضعفين كانوا شيعة لعلي من زمن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو الذي سمّاهم بهذا الاسم(7).
أمّا عمر بن الخطّاب وبعض الصّحابة من سراة قريش، فكانوا كثيراً ما يُعارضوا أحكام النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويُناقشوه ويعصوه، بل ويُنزّهون أنفسهم عن أفعاله(8).
وقد قطع عمر بن الخطّاب شجرة بيعة الرضوان; لأنّ بعض الصّحابة كانوا يتبرّكون بها، كما فعل الوهابيون في هذا القرن، فإنّهم محوا آثار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الوجود، وحتّى البيت الذي ولد فيه لم يتركوه، وهم يحاولون الآن بكلّ جهودهم وأموالهم أن يمنعوا المسلمين من الاحتفال بذكرى مولده الشريف، ومن التبرّك به وبالصّلاة عليه، حتّى أفشوا لدى المغفّلين بأنّ الصّلاة الكاملة هي شِرْكٌ(9).
    
س14: لماذا اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة سرّاً؟
* ج: لمّا عَلِمَ الأنصار بالمؤامرة التي دبّرتها قريش لإبعاد علي عن الخلافة، اجتمعوا عند وفاة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأرادوا إبرام الأمر فيما بينهم على أن يكون الخليفة منهم، فإذا كان زعماء قريش وهم المهاجرون من قرابة الرّسول وعشيرته يريدون نقض البيعة لعلي، فالأنصار أولى بالخلافة من غيرهم; لاعتقادهم بأنّ الإسلام قام بحدّ سيوفهم، وأنّ المهاجرين عيالٌ عليهم، ولولا أنّهم فتحوا بلادهم ومنازلهم وكلّ ما يملكون لما كان للمهاجرين ذكر ولا فضل، ولولا وجود الخلاف بين الأوس والخزرج الذين كانوا يتنافسون على الزّعامة وكلّ منهما يريدها لقبيلته، لما وجد أبو بكر وعمر فرصة لأخذ الخلافة منهم ولاضطرّا لمتابعتهم.

س15: لماذا أسرع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة إلى السقيفة وفاجؤوا الأنصار؟
* ج: لمّا كان للمهاجرين ـ أعني زعماء قريش ـ أعين تراقب تحرّكات الأنصار وما يدور من تدبيرهم، فقد أسرع أحدهم ـ وهو سالم مولى أبي حذيفة ـ وأعلم أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بالاجتماع السرّي، فأسرعوا إلى السّقيفة ليفسدوا على الأنصار تخطيطهم وما أبرموه، وليفاجئوهم بأنّهم على علم بكلّ ما يحدث في غيابهم.

س16: لماذا كان عمر بن الخطّاب طوال الطريق يُهيئ مقالة لإقناع الأنصار؟
* ج: لا شكَّ بأنّ عمر بن الخطّاب كان يخشى ردّة فعل الأنصار، كما يخشى أن لا يوافق الأنصار على إبعاد علي بن أبي طالب، فيُسبّب ذلك هدم كلّ ما خطّطوه ودبّروه، وتذهب جهودهم أدراج الرّياح بعدما تجرّؤوا على النّبي نفسه، وأفسدوا كلّ تدبيره من أجل الخلافة، ولذلك كان عمر بن الخطّاب في طريقه للسّقيفة يزوّر ماذا سيقوله لهم، حتى يكسب تأييدهم وموافقتهم على المخطّط.

س17: لماذا انتصر المهاجرون على الأنصار وسلّموا الأمر لأبي بكر؟
* ج: هناك عدّة عوامل لعبتْ دورها في هزيمة الأنصار وفوز المهاجرين، فقد كان الأنصار قبيلتين متنافستين على الزّعامة منذ عهد الجاهلية، وسكنت فورتهم بوجود الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بينهم، أمّا والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد مات وقومُه يريدون اغتصاب الخلافة من صاحبها الشرعي، فثار الخزرج يرشحّون لها زعيمهم سعد بن عبادة، ولكن بشير بن سعد ـ وهو زعيم الأوس ـ حسد ابن عمّه، وأيقن أنّه لا يصل إلى الخلافة وسعد بن عبادة موجود، فنقض أمر الأنصار وأنضمَّ إلى صف المهاجرين، ومثّل دور النّاصح الأمين.
كما أن أبا بكر أثار فيهم النّعرة الجاهلية، وضرب على الوتر الحسّاس بقوله: لو سلّمنا هذا الأمر للأوس فلن ترض الخزرج، وإذا سلّمناه للخزرج فلن ترض الأوس، ثمّ إنّه أطمعهم بأن يقاسمهم الحكومة بقوله: نحن الأُمراء وأنتم الوزراء، ولا نستبدّ عليكم بالرأي أبداً.
ثمّ إنّه بذكاء لعب دور النّاصح الأمين للأُمّة، إذ أخرج نفسه وأظهر زهده في الخلافة، وأنّه لا يرغب فيها بقوله: اختاروا من شئتُم من هذين الرجلين، يعني عمر بن الخطّاب أو أبا عبيدة عامر بن الجرّاح.
وكانت الخطّة محكمة والمسرحيّة ناجحة، فقال عمر وأبو عبيدة: لا ينبغي لنا أن نتقدّم عليك، وأنت أوّلنا إسلاماً، وأنت صاحبه في الغار، فابسط يدك نبايعك، فبسط أبو بكر يده لهذه الكلمات، فسبق إلى بيعته بشير بن سعد سيّد الأوس، وتتابع الباقون إلاّ سعد بن عبادة.

س18: لماذا امتنع سعد بن عبادة عن البيعة وهدّده عمر بالقتل؟
* ج: عندما بايع الأنصار وتسابقوا إلى أبي بكر; لينالوا بذلك الجاه والقُربى من الخليفة، امتنع سعد بن عبادة عن البيعة، وحاول جهده منع قومه عنها، ولكنّه عجز عن ذلك لشدّة مرضه إذ كان طريح الفراش ولا يُسمع صوته، عند ذلك قال عمر: اقتلوه إنّه صاحب فتنة; ليقلع بذلك دابر الخلاف، ولئلاّ يتخلّف عن البيعة أحد; لأنّه سيشقّ عصا المسلمين، ويتسبّب في انقسام الأُمّة وخلق الفتنة.

س19: لماذا هدّدوا بيت فاطمة الزهراء بالحرق؟
* ج: لقد تخلّف عدد كبير من الصّحابة الذين لم يبايعوا أبا بكر في بيت علي بن أبي طالب، ولو لم يُسارع عمر بن الخطّاب وطوّق الدّار بالحطب وهدّدهم بالحرق، لاستفحل الأمر وانشقّت الأُمّة إلى حزبين علوي وبكري، ولكنّ عمر ومن أجل فرض الأمر الواقع ذهب شوطاً بعيداً عندما قال: "لتخرجنّ للبيعة أو لأحرِّقنّ الدّار بمن فيها"(10)ويقصد عليّاً وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وبهذا القول لا يبقى في النّاس أحد تسوّل له نفسه شقّ عصا الطاعة وعدم الدخول في البيعة، فأيّ حرمة له أكبر من حرمة سيّدة نساء العالمين، وزوجها سيّد الوصيّين؟

س20: لماذا سكت أبو سفيان بعدما هدّدهم وتوعّدهم؟
* ج: لمّا رجع أبو سفيان للمدينة بعد وفاة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان أرسله لجمع الصّدقات، فوجئ بخلافة أبي بكر، وأسرع إلى دار علي بن أبي طالب وحرّضه على الثورة، وعلى حرب الجماعة واعداً إيّاه بالمال والرّجال، ولكنّ علياً طرده لعلمه بنواياه.
ولمّا علم أبو بكر وعمر بذلك ذهبا إليه واستمالاه، ووعداه بإعطائه كلّ ما جمعه من الصدقات، وباشراكه في الأمر بتعيين ابنه والياً على الشام، فرضيَ أبو سفيان بذلك وسكت عنهم، فعيّنوا يزيد بن أبي سفيان والياً على الشام، ولمّا مات عيّنوا أخاه معاوية بن أبي سفيان مكانه، ومكّنوه من الوصول إلى الخلافة.
    
س21: هل رضي الإمام علي بالأمر الواقع وبايع الجماعة؟
* ج: لا، أبداً لم يرض الإمام علي بالأمر الواقع ولم يسكت، بل احتجّ عليهم بكلّ شيء، ولم يقبل أن يبايعهم رغم التهديد والوعيد، وذكر ابن قتيبة في تاريخه بأنّ عليّاً قال لهم: والله لا أبُايعكم وأنتُم أولى بالبيعة لي، وحمل زوجته فاطمة الزهراء يطوف بها على مجالس الأنصار، فكانوا يعتذرون بأنّ أبا بكر سبق إليهم(11).
وقد ذكر البخاري(12)بأنه لم يُبايع مدّة حياة فاطمة، فلما تُوفّيتْ واستنكر وجوه النّاس اضطرّ لمصالحة أبي بكر.
وقد عاشت فاطمة ستّة أشهر بعد أبيها، فهل ماتت فاطمة وليس في عنقها بيعة، وأبوها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "من مات وليست في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة"(13)؟!(14)
وهل كان علي يعلم بأنّه سيعيش إلى ما بعد أبي بكر، فيتأخر عن بيعته تلك الشهور الستّة؟ فعلىٌّ لم يسكتْ، وبقي طيلة حياته كلّما وجد فرصة إلاّ وأثار مظلمته واغتصاب حقّه، ويكفي دليلا على ذلك ما قاله في خطبته المعروفة بالشقشقيّة.

س22: لماذا أثاروا فاطمة وأغضبوها بينما هم في حاجة إلي المصالحة؟
* ج: لقد تعمّدوا إثارة فاطمة بانتزاع أرضها وممتلكاتها، ومنعها ميراث أبيها، وتكذيبها في كلّ دعواها، حتّى يسقطوا بذلك هيبتها وعظمتها من نفوس النّاس، وحتّى لا يُصدّقوها إذا ما أثارت نصوص الخلافة، ولذلك اعتذر الأنصار إليها بأنّ بيعتهم سبقتْ لأبي بكر ولو سبق إليهم زوجها لما تخلّفوا عنه.
ولذلك اشتدّ غضبها على أبي بكر وعمر حتّى صارت تدعو عليهما في كلّ صلاة تصلّيها، وأوصت زوجها بأن لا يحضر جنازتها أحدٌ منهما، وأنْ يجنّبها تلك الوجوه التي تكرهها.
وقد تعمّدوا إيذاءها ليشعروا عليّاً بأنّه أهون عليهم من ابنة النّبي التي هي سيدة نساء العالمين، والتي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها، فما عليه إلاّ السّكوت والرّضى.

س23: لماذا تخلّف عن سريّة أُسامة عظماء القوم؟
* ج: لمّا استتبّ الأمرُ لأبي بكر، وأصبح خليفة المسلمين بجهود عمر رغم أُنوف المعارضين، طلب من أُسامة أن يترك له عمر بن الخطّاب ليستعين به على أمر الخلافة، لأنّه لا يقدر على إتمام المخطّط بمفرده، ولا بدّ له من العناصر الفعّالة الذين لهم من القوّة والجُرأة ما عارضوا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يبالوا بغضب الله ولا بلعن النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن تخلّف عن بعث أُسامة ممّن عبأهم بنفسه، ولا شكّ بأنّ المخطّطين لهذا الأمر تخلّفوا عن السريّة ليبرموا أمرهم، ويتعاونوا على تركيز قواعدهم.

س24: لماذا أُبعد الإمام علي عن كلّ مسؤولية ولم يشركوه في شيء؟
* ج: بالرّغم من أنّهم قرّبوا عدداً كبيراً من الطلقاء، وأعطوهم المناصب في حكومتهم، وأشركوهم في أمرهم، وعيّنوا منهم أُمراء وولاة في كلّ الجزيرة العربية، وفي كلّ الأقطار الإسلاميّة، ومن هؤلاء الوليد بن عقبة، ومروان بن الحكم، ومعاوية ويزيد ابنا أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وأبو هريرة، وكثيرون من الذين كانوا يجرّعون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الغْصص، إلاّ أنّهم أبعدوا علي بن أبي طالب فنبذوه وتركوه حبيس داره، ولم يشركوه في شيء من أمرهم طيلة ربع قرن; ليذلّوه ويُحقّروه ويُبعدوا النّاس عنه; لأنّ الناس عبيد الدنيا يميلون مع صاحب السّلطة والجاه والمال، وما دام علي لا يجد قوت يومه إلاّ بكسب يمينه وعرق جبينه، فسيتفرق النّاس عنه ولا يميلون إليه.
وفعلا فقد بقي علىّ سلام الله عليه على تلك الحالة مدّة خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان رهين البيت، يعملُ الجميع على تحقيره، وإطفاء نوره، وإخفاء فضائله ومناقبه، وليس له من حطام الدّنيا وما يرغّب النّاس فيه.

س25: لماذا حاربوا مانعي الزّكاة رغم تحريم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك؟
* ج: لأنّ الصحابة الذين حضروا بيعة الإمام علي في غدير خم، وهم راجعون من حجّة الوداع بصحبة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، امتنعوا عن أداء الزّكاة لأبي بكر، لأنّهم لم يحضروا وفاة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا الأحداث التي أعقبتها في شأن تبديل الخلافة من علي لأبي بكر; لأنّهم لا يسكنون المدينة، ولا شكّ بأنّ بعض الأخبار وصلت إليهم بأنّ فاطمة تخاصمتْ معهم وغضبتْ عليهم، وبأنّ عليّاً امتنع عن بيعتهم، لكلّ ذلك رفضوا إعطاء الزكاة لأبي بكر حتّى يتبيّنوا الأمر.
ومن هنا قرّر أبو بكر وعمر وجهاز الحكم أن يبعثوا إليهم جيشاً بقيادة خالد بن الوليد الذي كان سيفهم المسلول، فأخمد ثورتهم، وأسكت حسّهم، وقتل رجالهم، وسبى نساءهم وذراريهم، ليكونوا عبرةً لمن تحدّثه نفسه بعدم الطاعة أو بمسّ هيبة الدّولة.

س26: لماذا منعوا تدوين ونقل الأحاديث النّبوية؟
* ج: عملوا من الأيام الأُولى على منع الأحاديث النّبويّة جملة وتفصيلا، ليس فقط لأنّها تتضمّن نصوص الخلافة وفضائل الإمام علي، بل لأنّ الكثير منها يتعارض مع أقوالهم وأفعالهم التي يديرون بها شؤون الحياة، ويركّزون على أسُسها معالم الدوّلة الجديدة التي ابتدعوها وفق اجتهاداتهم.

س27: هل كان أبو بكر قادراً على تحمّل أعباء الخلافة؟
* ج: لم يكن أبو بكر قادراً على تحمّل أعباء الخلافة لولا عمر بن الخطّاب، وبعض الدّهاة من رؤوس بني أُميّة، ولقد سجّل التاريخ بأنّ أبا بكر كان دائماً يخضع إلى أحكام وآراء عمر بن الخطّاب الحاكم الفعلي، ودليل ذلك قصة المؤلَّفة قلوبهم الذين جاؤوا لأبي بكر في بداية خلافته، وكتب لهم كتاباً وبعثهم إلى عمر الذي كان بيده أمر بيت المال، فمزّق عمر الكتاب وطردهم، فرجعوا إلى أبي بكر يسألونه: أأنت الخليفة أم هو؟ فأجابهم: هو إن شاء الله!
وكذلك عندما أقطع أبو بكر قطعة أرض إلى عيينة بن حصن والأقرع بن حابس، فرفض عمر عندما قرأ كتاب أبي بكر وتفل فيه ومحاه، فرجعا إلى أبي بكر يتذمّران ممّا فعله عمر، وقالا لأبي بكر: والله ما ندري أأنت الخليفة أم عمر؟ فقال: بل عمر هو الخليفة، ولمّا أقبل عمر مغضباً وناقش أبا بكر على إعطائه الأرض بكلام غليظ، قال له أبو بكر: ألم أقل لك: إنّك أقوى منّي على هذا الأمر لكنّك غلبتني(15).
وقد أخرج البخاري في صحيحه بأنّ عمر كان يحثّ النّاس على بيعة أبي بكر فيقول لهم: إنّ أبا بكر صاحب رسول الله ثاني اثنين، وإنّه أولى المسلمين بأُموركم، فقوموا فبايعوه، قال أنس بن مالك: سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذ: أصعد المنبر، فلم يزل به حتّى صعد المنبر، فبايعه النّاس عامّة(16).

س28: لماذا عقد أبو بكر الخلافة وعهد بها إلى عمر قبل وفاته؟
* ج: بما أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي لعب الدور البطولي في إقصاء علي عن الخلافة; بمعارضته العنيفة للنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوّلا، وبحمل الأنصار على بيعة أبي بكر وفرضها على النّاس بكل حزم وشدّة، حتّى وصل به الأمر إلى تهديد بيت فاطمة بالحرق.
وبما أنّه كان هو الخليفة الفعلي ـ كما قدّمنا ـ فكانت له الكلمة الأُولى والأخيرة، ولا شكّ بأنّه كان من دُهاة العرب، فعلم بأنّ المسلمين وخصوصاً الأنصار لا يُوافقُون على بيعته لطبعه الفظ الغليظ وسرعة غضبه، فعمل على تقديم أبي بكر لهم لأنّ في طبعه ليناً ورقة، وهو أسبقهم للإسلام، وابنتُه عائشة هي المرأة الجريئة القادرة على ركوب الصّعاب وتغيير الأُمور، وهو يعلَم علم اليقين بأنّ أبا بكر طوع يديه ورهن إشارته في كلّ ما يصبوا إليه.
ولم يكن عهد أبي بكر بالخلافة لعمر يخفى على كثير من الصّحابة من قبل كتابته، فقد قال له الإمام علي منذ اليوم الأوّل: "أحلب حلباً لك شطره، واشدد له اليوم ليردّه عليك غداً"(17)، كما قال آخر لعمر عندما خرج بالكتاب الذي عهد فيه أبو بكر قال له: "أنا أعرف ما فيه، إنّك أمّرته عام أوّل وأمّرك هذا العام"(18).
فعهد أبي بكر لعمر بالخلافة أمرٌ معلوم لدى عامّة النّاس، وإذا كان في حياته يعترف له أمام الجميع بأنّه أقوى منه على هذا الأمر، فلا غرابة أن يسلّم له مقاليد الخلافة عند الموت.
وبهذا يتبيّن لنا مرّة أُخرى بأنّ ما يقوله أهل السنّة بأنّ الخلافة لا تكون إلاّ بالشورى أمرٌ ليس له وجود، وليس له في خيال أبي بكر وعمر أيّ اعتبار، وإذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) توفّي وترك الأمر شورى بين النّاس ـ كما يزعمون ـ فإنّ أبا بكر هو أوّل من هدّم هذا المبدأ، وخالف سُنّة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعهده لعمر بن الخطّاب من بعده.
وأهل السنّة دائماً تراهم يتبجّحون بكلّ فخر واعتزاز على أنّهم يؤمنون بالشّورى ولا تصلح الخلافة إلاّ بها، ويسخرون من قول الشيعة الذين يعتقدون بأنّها لا تكون إلاّ بالنصّ من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وتسمع أغلبهم ينتقِدُ هذا الاعتقاد على أنّه دخيل على الإسلام من قبل الفرس الذين يقولون بوراثة السّلطة الإلهية.
وكثيراً ما يستدلّ أهل السنّة بآية: {وَأمْرُهُمْ شُورَى بَـيْنَهُمْ}(19)على أنّها نازلة بخصوص الخلافة، وعلى هذا فيحقّ لنا بأن نقول: إنّ أبا بكر وعمر خالفا الكتاب والسنّة معاً، ولم يُقيمَا لهما وزناً في شأن الخلافة.

س29: لماذا اشترط عبد الرحمن بن عوف على علي بن أبي طالب أن يحكم بسنّة الخليفتين؟
* ج: من هوان الدنيا على الله أن يصبح عبد الرحمن بن عوف هو الذين يتحكّم بمصير الأُمّة بعد عمر، فيختار لهم من يشاء، ويُقصي من يشاء، كلّ ذلك من تدبير عمر الذي رجّح كفّتَه على بقيّة الصّحابة، وعبد الرحمن بن عوف هو الآخر من دهاة العرب، ولا شكّ بأنّه من أعضاء الحزب المخطط للخلافة وصرفها عن صاحبها الشرعي.
وإذا كان البخاري يعترف بأنّ عبد الرحمن بن عوف كان يخشى من علىّ شيئاً(20)، فمن الطبيعي أن يعمل هو الآخر على إبعاده عنها ما استطاع لذلك سبيلا. وعبد الرحمن بن عوف يعرف كغيره من الصّحابة بأنّ عليّاً لم يكن يُوافقُ على اجتهادات أبي بكر وعمر، وما غيّراه من أحكام الكتاب والسنّة، وكان يحاول جهده معارضتهما والإنكار عليهما، لذلك اشترط عبد الرحمن على علي أن يحكم بسنّة أبي بكر وعمر، وهو يعلمُ مسبقاً أكثر من غيره بأنّ عليّاً لا يداهن ولا يكذب ولا يقبل بذلك الشرط أبداً، كما كان يعلم بأنّ صهره عثمان هو الذي ترتاح إليه قريش وكلّ أعضاء المخطّط.

س30: حديث الأئمة الاثني عشر هل له وجود عند أهل السنّة؟
* ج: أخرج البخاري ومسلم وكلّ المحدّثين من أهل السنّة حديث النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا يزال الدين قائماً حتى تقوم السّاعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش"(21).
وبقي هذا الحديث من الألغاز العويصة التي لا جواب لها عند أهل السنّة والجماعة، ولم يجرأ أحد من علمائهم أنْ يعدّ بعد الخلفاء الراشدين الأربعة سوى عمر بن عبد العزيز، وهؤلاء خمسة، ويبقي من العدد سبعة لا وجود لهم.
فإمّا أن يقولوا بإمامة علي وبنيه الذين تقول بهم الإمامية، ويصبحوا شيعة لأهل البيت النّبوي، وإمّا أن يكذّبوا الحديث وتصبح صحاحهم مجرّدة من الحقّ وليس فيها إلاّ الأكاذيب.
أضف إلى ذلك بأنّ هذا الحديث الذي يخصّص الخلافة في قريش وحدها يتنافى مع مبدأ الشورى الذي يقولون به; لأنّ الاختيار والديمقراطية تشمل كلّ أفراد الأُمة، ولا تختصّ بقبيلة معيّنة دون سائر القبائل الأُخرى، بل يتعدّى القبائل العربية إلى غيرها من القبائل الإسلامية غير العربية!!
هذه أجوبة سريعة ومختصرة لنوضّح للقارئ بعض المسائل التي قد تخامر ذهنه، على أنّه قد يجد إجابة مفصّلة في كتب التاريخ، وكذلك في كتابي "ثمّ اهتديت"، و"لأكون مع الصادقين".
فعلى الباحث أن يرجع إلى المصادر الموثوقة، وأن يتجرّد للحقيقة، فيمحّص الروايات والأحداث التاريخية; ليكتشف من خلالها الحقائق المكسوّة بثياب الباطل، فيجرّدها وينظر إليها في ثوبها الأصلي.

____________
1- المستدرك للحاكم 3: 142 وصحّحه وصرّح الإمام الذهبي في تلخيص المستدرك بصحته، كنز العمال 11: 617 ح32997، تاريخ بغداد 11: 216 رقم 5928، تذكرة الحفاظ للذهبي 3: 995.
2- آل عمران: 154.
3- المائدة: 55.
4- تاريخ الطبري 2: 63، الخصائص للنسائي: 49 ح65 في حديث الدار حينما انذر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عشيرته، وسند الحديث صحيح.
5- ابراهيم: 46.
6- البقرة: 159.
7- الدر المنثور 6: 379 سورة البيّنة، المعجم الكبير 1: 319 ح948، فتح القدير للشوكاني 5: 477.
8- صحيح البخاري 3: 114 كتاب المظالم، باب الاشتراك في الهدي.
9- قال أحمد بن زيني دحلان مفتي الشافعية بمكّة ـ في كتابه فتنة الوهابية الصفحة 20: "وكانوا يمنعون من قراءة دلائل الخيرات المشتملة على الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى ذكرها كثير من أوصافه الكاملة، ويقولون: إنّ ذلك شرك، ويمنعون من الصلاة عليه على المنابر بعد الأذان، حتى إنّ رجلا صالحاً كان أعمى وكان مؤذناً وصلّى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد الأذان بعد أن كان المنع منهم، فأتوا به إلى ابن عبدالوهاب، فأمر به أن يقتل فقتل...".
وقال أيضاً في الدرر السنيّة في الردّ على الوهابية الصفحة52: "... ومنع الناس من قراءة دلائل الخيرات ومن الرواتب والأذكار ومن قراءة مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنائر بعد الأذان، وقتل من فعل ذلك...".
قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: 366 "ورخص بعضهم في السلام عليه إذا دخل المسجد للصلاة ونحوها، وأمّا قصده دائماً للصلاة والسلام فما علمت أحداً رخّص فيه".
وقال عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ في فتح المجيد: 224 "وأمّا دخولهم عند قبره للصلاة والسلام عليه هناك أو الصلاة والدعاء فلم يشرعه (أي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)) لهم بل نهاهم عنه...".
ومنه تعرف أنّ ما ذكره في كشف الجاني الصفحة 136 ما هو إلاّ لجاج، لقصر باعه عن الحجاج بالدليل الساتر لما يرتكبه أبناء مذهبه وما قام عليه من الاُسس الواهية.
10- تاريخ الطبري 2: 443. وورد تهديد فاطمة (عليها السلام) بإحراق دارها أيضاً في المصنّف لابن أبي شيبة 8: 572 بسند صحيح.
11- الإمامة والسياسة 1: 29.
12- صحيح البخاري 5: 82 كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، صحيح مسلم 5: 154، كتاب الجهاد، باب قول النبي "لا نورث..".
13- صحيح مسلم 6: 22 كتاب الامارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين، المعجم الكبير 19: 335، كتاب السنة: 489 ح1057 وفيه: "من مات وليس عليه امام مات ميتة جاهلية".
14- قال إبراهيم الرحيلي في كتابه الانتصار للصحب والآل: 172 إنّ هذا الكلام يتنافى مع ماذكره المؤلّف في كتابه الشيعة هم أهل السنة، حيث قال هناك: "..ولولا استسلام علي وتضحيته بحقّه في الخلافة ومسالمته لهم لقضي عليهم وانتهى أمر الإسلام"، بينما هنا نراه ينقض كلامه ويقول بأنّ علياً (عليه السلام) لم يرض بالأمر الواقع؟!
وفي الحقيقة لا يوجد تدافع في كلام المؤلّف هنا وهناك، والتخالف المتصوّر هو في ذهن الرحيلي فقط، وإلاّ فالكلام واضح حيث بيّن المؤلّف هناك أنّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) لم يشهر سيف المعارضة، ولم يقم بالقوّة لأخذ حقّه الذي غصبوه منه، وهذا هو الواقع الذي ينقله التاريخ.
أمّا هنا فالمؤلّف بيّن بأن علي بن أبي طالب شهر المعارضة، لكن المعارضة القولية لا السيفية، وأخذ يبيّن حقه كلما واتته الفرصة، وكلماته في ذلك مشهورة معلومة في النهج وغيره، بل البخاري نقل لنا معارضة الإمام علي الفعليّة وذلك برفضه بيعة الأوّل لمدّة ستّة أشهر، وأضاف الزهري بأن علي بن أبي طالب لم يكن المعارض الوحيد للبيعة، بل بنو هاشم عموماً كانوا معارضين أيضاً، فلا تضارب بين الكلامين بل بينهما تمام المواءمة لمن نزع عن رأسه العصبيّة الأموية ونظر بعين الحقيقة الصافية.
15- العسقلاني في كتابه الإصابة في معرفة الصّحابة 4: 64، "ترجمة عيينة"، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 12: 59.
16- صحيح البخاري 8: 126 كتاب الأحكام باب الاستخلاف، المصنّف لعبد الرزاق 5: 438 وفيه: "لقد رأيت عمر يزعج أبا بكر إلى المنبر ازعاجاً" والسند صحيح.
17- الإمامة والسياسة 1: 29.
18- المصدر نفسه 1: 38.
19- الشورى: 38.
20- صحيح البخاري 8: 123 كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الناس الإمام.
21- صحيح مسلم 6: 3 كتاب الإمارة، الناس تبع لقريش والخلافة في قريش، صحيح البخاري 8: 127.

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page