• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتنازل في أحكام الله حسبما يريد


ولتبرير استهتارهم بالأحكام الشرعية إليك ما يلي:
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الصّوم باب اغتسال الصائم، وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب الصّيام باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، ووجوب الكفّارة الكبرى فيه، وأنّها تجب على الموسر والمعسر:
عن أبي هريرة قال: بينما نحن جلوس عند النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ جاءَهُ رجُلٌ فقال: يا رسول الله هلكت! قال: "مالك"؟ قال: وقعتُ على امرأتي وأنَا صائِمٌ. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "هلْ تجدْ رقبةً تُعْتِقُها"؟ قال: لا. قال: "فهل تستطيع أن تصومَ شهرين متتابعين"؟ قال: لا. فقال: "فهل تجد إطعَامَ ستّينَ مسكيناً"؟ قال: لا.
قال: فمكث عند النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فبينمَا نَحْنُ على ذلك أُتِيَ النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعرَق فيه تمرٌ، والعَرَق المِكْتَلُ قال: "أينَ السَّائِلُ"؟ فقال: أنا، قال: "خُذْهُ فتَصَدَّقْ به"، فقال الرّجل: أَعْلَى أَفْقَرَ منِّي يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها (يريد الحرَّتينِ) أهلُ بيت أفْقَرَ من أهْل بيتي، فضحِكَ النّبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى بدت أنْيابُهُ، ثم قَالَ: "أَطعمهُ أهْلَكَ".
أنظر كيف تصبح أحكام الله وحدود الله التي رسمها لعباده، من تحرير رقبة على الموسرين، والذين لا يقدرون على تحرير رقبة فما عليهم إلاّ إطعام ستّين مسكيناً، وإذا تعذّر وكان فقيراً فما عليه إلاّ بالصوم، وهو كفّارة الفقراء الذين لا يجدون أموالا كافية لتحرير أو لإطعام المساكين، ولكن هذه الرواية تتعدّى حدود الله التي رسمها لعباده، ويكفي أن يقول هذا الجاني كلمة يضحك لها الرّسول حتّى تبدو أنيابه، فيتساهل في حكم الله، ويبيح له أن يأخذ الصدقة لأهل بيته!!
وهل هناك أكبر من هذه الفرية على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيصبح الجاني مُجازاً على ذنبه الذي تعمّده بدلا من العقوبة؟!، وهل هناك تشجيعاً أكبر من هذا لأهل المعاصي والفسقة، الذين سيتشبّثون بمثل هذه الروايات المكذوبة ويرقصون لها؟!
وبمثل هذه الرّوايات أصبح دين الله وأحكامه لعباً وهزؤاً، وأصبح الزاني يَفْتخر بارتكابه الفاحشة، ويُتغنَّى باسم الزّاني في الأعراس والمحافل، كما أصبح المفطر في شهر الصيام يتحدّى الصائمين؟!
كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسياً:
عن عطاء عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: قال رجلٌ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): زرتُ قبلَ أنْ أَرمي (أي طفتّ بالبيت طواف الزيارة)؟ قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا حرج"، قال آخر: حَلَقْتُ قبل أن أذْبحَ؟ قال: "لا حرج"، قال آخر: ذبحتُ قبل أن أرْمي؟ قال: "لا حرج".
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: أنّ النبىَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بينما هو يخطبُ يوم النّحر إذ قام إليه رجُلٌ فقال: كنتُ أحسبُ يا رسول الله كذَا وكذَا قبلَ كذَا وكذَا، ثمّ قام آخر: فقال: يا رسول الله كنتُ أَحسبُ كذَا وكذَا لهؤلاء الثلاث (الحلق والنحر والرمي)؟ فقال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "افعلْ ولا حرج لَهُنَّ كُلَّهنَّ يومَئذ"، فَما سُئِلَ يومئذ عن شيء إلاّ قالَ افعل افعل ولا حرج.
والغريب أنّك عندما تقرأ هذه الروايات مستنكراً لها يجابهك بعض المعاندين بأنّ دين الله يسر وليس عسراً، وأنّ الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "يسّروا ولا تعسّروا"(1).
وإنّها كلمة حقّ يراد بها باطلا، لأنّه ليس هناك شكاً في أنّ الله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر، وما جعل علينا في الدِّين من حرج، ولكن فيما سطره ورسمه لنا من أحكام وحدود عن طريق القرآن الكريم والسنّة النبويّة المطهّرة، وأعطانا الرخّص اللاّزمة عند اقتضاء الحال، كالتيمّم عند فقدان الماء، أو الخوف من الماء البارد، وكالصّلاة جالساً عند الاقتضاء، وكالافطاروتقصير الصّلاة في السّفر.
كلّ هذا صحيح، ولكن أن نخالف أوامره سبحانه بأنّ نجعل مثلا ترتيب الوضوء أو التيمّم كما نريد، فنغسل اليدين قبل الوجه مثلا، أو نمسح الرجلين قبل الرأس، فهذا لا يجوز.
ولكن الوضّاعين أرادوا أن يتنازل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كلّ شيء ليجدوا منفذاً، وكما يقول كثير من النّاس اليوم عندما تجادلهم في الأُمور الفقهية: لا عليك يا أخي، المهم صلّ فقط، صلّ كما يحلو لك!
والغريب أنّ البخاري نفسه يخرج في نفس الصفحة التي بها قول الرسول "افعل افعل ولا حرج"، واقعةً يظْهِرُ فيها النبي متشدّداً إلى أبعد الحدود، قال عن أبي هريرة: إنّ رجلا دخل المسجد يصلّي ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ناحية المسجد، فجاء فسلّم عليه فقال له: "ارجع فصلِّ فإنّك لم تُصلِّ"، فرجع فصلّى ثمّ سلّم فقال: "وعليك، ارجع فصلّ فإنك لم تُصَلِّ".
وكرّر الرجل الصّلاة ثلاث مرّات، وفي كلّ مرّة يقول له الرّسول "ارجع فصل فإنك لم تُصلّ"، فقال الرجل للرسول: علّمني يا رسول الله، فعلّمه الاطمئنان في الركوع، والاطمئنان في السجود، قال: "ثمّ اركع حتى تطمئن راكعاً، ثمّ ارفع رأسك حتى تعتدل قائماً، ثمّ اسجد حتى تطمئنّ ساجداً، ثمّ ارفع حتّى تستوي وتطمئنّ جالساً، ثمّ اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثمّ ارفع حتى تستوي قائماً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها(2).
كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد، باب قول الله عز وجلّ {فَاقْرَأوا مَا تَـيَسَّرَ مِنَ القُـرْآنِ} .
عن عمر بن الخطّاب يقول: سمعتُ هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاستمعتُ لقرائته فإذا هو يقرأُ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكدتُ أساورُهُ في الصلاة فتصبّرتُ حتّى سلّم، فلبّبْتُه بردَائِهِ فقلتُ: من أقرأك هذه السُّورةَ التي سمعتُك تقرأ؟ قال: اقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلتُ: كذبت أقرأنيها علىّ غير ما قرأت، فانطلقْتُ به أقوده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقُلتُ: إنّي سمعتُ هذا يقرأُ سورة الفرقانِ على حروف لَمْ تُقرئْنيها، فقال: "أَرْسِلْهُ، إقرأ يا هشام"، فقرأ القراءة التي سمعتُهُ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "كذلك أُنزلتْ"، ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "اقرأ يا عُمَرُ"، فقرأتُ التي أقراني فقال: "كذلك أُنزلتْ، إنّ هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسّرَ منه".
فهل يبق بعد هذه الرواية شكّ في أنّ الوضّاعين تطاولوا على قداسة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى من خلال القرآن الكريم، وأنّه علّم الصحابة بقراءات مختلفة، ويقول لكلّ منهم: "كذلك أُنزل"، ولو لم تكن القراءة فيها اختلاف كبير ما كان عمر يكاد يقطع على هشام الصّلاة ويتهدّده.
وهذا يذكّرني بعلماء أهل السنّة الذين يتشبّثون بقراءة معيّنة، فلا يجيزون لأحد أن يقرأ على غير ما يعرفون، وكنتُ يوماً أقرأ: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}(3)فانتهرني أحدُهم بشدّة وصرخ قائلا: لا تكسّر القرآن إن كنت تجهل القراءة.
قلت: كيف كسرت القرآن؟
قال: اذكُروا نِعْمَتِيَ، وليسَ نعْمَتِي.
كما أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الاستقراض وأداء الدّين، في باب الخصومات من جزئه الثالث صفحة 88:
عن عبد الملك بن ميسرة أخبرني قال: سمعتُ النزّال، سمعتُ عبد الله يقول: سمعت رجلا قرأ آيةً سمعتُ من النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خلافها، فأخذتُ بيده فأتيتُ به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: "كِلاكُما محسنٌ".
قال شعبة أظنّه قال: لا تختلفوا، فإنّ من كان قبلكم اختلفوا فهلكُوا.
سبحان الله وبحمده! كيف يُقرُّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اختلافهم بقوله: "كلاكُما محسنُ"؟ ولا يرجع بهم إلى قراءة موحّدة تقطع دابر الاختلاف.
ثمّ بعد ذلك يقول لهم: لا تختلفوا فتهلكوا، أليس هذا هو التناقض؟ يا عباد الله افتونا يرحمكم الله، وهل اختلفوا إلاّ بإقراره هو ومباركته وتشجيعه!! كلاّ وحاش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذا التناقض، والاختلاف الذي تنفُر منه العقول.
أفلا يتدبّرون القرآن الذي يقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}(4)؟! وهل وقع اختلاف أكبر وأخطر على الأمّة الإسلامية من القراءات المتعدّدة التي غيّرت معاني القرآن إلى تفاسير وآراء مختلفة، فأصبحتْ آية الوضوء الواضحة مختلفاً فيها؟!!
____________
1- صحيح البخاري 1: 25 كتاب العلم، باب من جعل لأهل العلم أياماً معلومة، صحيح مسلم 5: 141 كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتسيير وترك التغير.
2- صحيح البخاري 7: 132 كتاب الإيمان والنذور، باب حنث ناسياً.
3- البقرة: 40.
4- النساء: 82.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page