• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التّناقض في الفضائل


ومن الأحاديث المتناقضة التي تجدها في الصّحاح، هو تفضيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على كلّ الأنبياء والمرسلين، وأحاديث أُخرى ترفع من شأن موسى درجة أعلى من درجته.
وأعتقد بأنّ اليهود الذين أسلموا في عهد عمر وعثمان، أمثال: كعب الأحبار، وتميم الدّاري، ووهب بن منبّه، هم الذين وضعوا تلك الأحاديث على لسان بعض الصّحابة الذين كانوا معجبين بهم، أمثال أبي هريرة، وأنس ابن مالك وغيرهم.
فقد أخرج البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} :
عن أنس بن مالك حكاية طويلة تحكي إسراء النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ عروجه إلى السماوات السّبع، ثم إلى سدرة المنتهى، وقصّة فرض الصّلوات الخمسين التي فرض على محمّد وأُمّته، وبفضل موسى رُدتْ إلى خمس، عمليّة وما فيها من الكذب الصريح، والكفر الشنيع من أنّ الجبّار ربّ العزّة دنا فتدلّى حتّى كان من النّبي قاب قوسين أو أدنى، وغيرها من التخريف، ولكن ما يُهمّنا في هذه الرواية هو أنّ محمّداً لمّا استفتح السّماء السّابعة، وكان فيها موسى، وأنّ الله رفعه في السابعة بتفضيل كلام الله، فقال موسى: ربِّ لم أَظُنَّ أنْ يُرْفع علىَّ أَحَدٌ(1).
وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأخرج البخاري في صحيحه كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم قصّة أُخرى تشبه الأُولى، وتحكي الإسراء والمعراج، ولكن تقول بأنّ موسى كان في السّماء السادسة، وإبراهيم في السابعة، والذي يهمّنا منها هو هذا المقطع.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "فأتينا على السّماء السّادسة، قيل: من هذا؟ قيل: جبرئيل، قيل: من معك؟ قال محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به ولنعم المجيءُ جاء.
فأتيتُ على موسى فسلّمتُ عليه، فقال: مرحباً بكَ من أخ ونبىٍّ، فلمّا جاوزتُ بَكَى، فقيل: ما أَبْكَاكَ؟ فقال: يا رَبِّ هذا الغُلاَمُ الذي بُعِثَ بعْدِي يدخُلُ الجنّةَ من أُمّتِهِ أفْضلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتي".
كما أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها: عن أبي هريرة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "أنا سيّد الناس يوم القيامةِ، وهل تدرون ممّ ذلك; يُجمع النَّاسُ الأولين والآخرين في صعيد واحد يُسمعهم الدّاعي، وينفذُهم البصَرُ، وتدنو الشمسُ فيبلغُ النّاسَ من الغمِّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملونَ، فيقولُ النّاسُ: ألا ترونَ ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعض: عليكم بآدم.
فيأتونَ آدم (عليه السلام)، فيقولون له: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما قد بَلغَنَا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبلهُ مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّه نهاني عن الشجرة فعَصَيتُهُ، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح.
وتمضي الرواية وهي طويلة جدّاً ـ ونحن دائماً نريد الاختصار ـ إلى أن يطوف النّاس على نوح، ثمّ على إبراهيم، ثمّ على موسى، ثمّ على عيسى، وكلّهم يقول: نفسي، نفسي، نفسي، ويذكر خطيئته أو ذنبه، عدا عيسى لم يذكر ذنباً، ولكنّه قال: نفسي! نفسي! نفسي! اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمّد.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فيأتوني، فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقعُ ساجداً لربّي عزّ وجلّ، ثم يفتَحُ الله علىَّ من محامده وحسنِ الثّناء عليه شيئاً لم يفتحهُ على أحد قبلي، ثمّ يقال: يا محمّد، ارفع رأسَكَ، سَلْ تُعْطَه، واشفع تُشفع.
فأرفع رأسي، فأقول: أُمّتي يا ربّ أُمتي ياربّ، فيقال: يا محمّد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنّة، وهم شركاء النّاس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثمّ قال: والذي نفسي بيده إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكّة وحُمير، أو كما بين مكّة وبُصرى".
وفي هذه الأحاديث يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه سيّد النّاس يوم القيامة! ويقول بأنّ موسى قال: يا ربّ ما كنت أظنُّ أنْ يُرفَعَ عليَّ أحَدٌ، ويقول بأنّ موسى بكى وقال: يا ربّ هذا الغلامُ الذي بُعثَ بعدي يدخُلُ الجنة من أُمته أفضلُ ممّا يدخُل من أُمتي.
ونفهم من خلال هذه الأحاديث بأنّ كلّ الأنبياء والمرسلين من آدم حتى عيسى مروراً بنوح وإبراهيم وموسى (عليهم وعلى نبينا أفضل الصّلاة وأزكى التسليم) لن يشفعوا عند الله يوم القيامة، وخصّ الله بها محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونحن نؤمن بكلّ ذلك، ونقول بتفضيله (صلى الله عليه وآله وسلم) على سائر البشر، ولكنّ الإسرائيليين وأعوانُهم من بني أُميَّة لم يتحمّلوا هذا الفضل والفضيلة لمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى اختلقوا رواياتٌ تقول بتفضيل موسى عليه.
وقد مرّ بنا في خلال أبحاث سابقة قول موسى لمحمّد ليلة الإسراء والمعراج، ولما فرض الله عليه خمسين صلاة، قال له موسى: أنا أعلم بالنّاس منك.
وهذا لم يكف، فاختلقوا روايات أُخرى تقول بتفضيله (أي موسى على محمّد) على لسان محمّد نفسه، فإليك بعض هذه الروايات:
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب التوحيد، باب في المشيئة والإرادة (وما تشاؤون إلاّ أن يشاء الله):
عن أبي هريرة قال: استبَّ رَجُلٌ من المسلمين ورَجُلٌ من اليهودِ، فقالَ المسلمُ: والذي اصطفى محمّداً على العالمين في قسم يُقسِمُ به، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسَى على العالمين، فرفع المسلم يدهُ عند ذلك فلطَمَ اليهودىُّ.
فذهب اليهودىُّ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأخبرَهُ بالذي كان من أمره وأمرِ المسلم، فقال النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا تُخيِّروني على موسى، فإنّ النّاس يصعقونَ يومَ القيامةِ، فأكون أوَّلَ من يفيقُ، فإذا موسى باطِشٌ بجانب العَرْشِ، فلا أدري أكان فيمن صَعِقَ فأفاقَ قبلي، أو كان ممّن استثنى الله".
وفي رواية أُخرى للبخاري قال: جاء رجلٌ من اليهود إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد لُطِمَ وجهَهُ وقالَ: يا محمّد إنّ رجلا من أصحابك من الأنصار لطَمَ في وجهي، قال: "ادعوهُ" فدعوهُ، قال: "لمَ لطمت وجْهَهُ"؟ قال: يا رسول الله إنّي مررتُ باليهود فسمعتُهُ يقول: والذي اصطفى موسَى على البشر، فقلتُ: وعلى محمّد، وأخذتني غضبةٌ فلطمتُه.
قال: "لا تُخيِّروني من بين الأنبياء، فإنّ النّاس يصعقون يوم القيامة، فأكون أوّل من يفيقُ، فإذا أنا بموسَى آخِذٌ بقائمة من قوائم العرشِ، فلا أدري أفاق قبلي أمْ جُزِيَ بصعقةِ الطُّور"(2).
كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب تفسير القرآن، سورة يوسف عليه الصلاة والسلام، باب قوله (فلمّا جاءه الرسول):
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يرحَمُ الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبْثت في السجن ما لبث يوسفُ لأجبتُ الدّاعي، ونحنُ أحقُّ من إبراهيم إذ قال لَهُ: أو لم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليطمئنّ قلبي.
ولم يكفهم كلّ ذلك حتّى جعلوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الشاكين حتّى في مصيره عند ربّه، فلا الشفاعة، ولا المقام المحمود، ولا تفضيله على الأنبياء والمرسلين، ولا تبشير بالجنة لأصحابه; إذا كان هو نفسه لا يعرفُ مصيره يوم القيامة، إقرأ معي هذه الرواية التي أخرجها البخاري، وأعجب أو لا تعجب:
أخرج البخاري في صحيحه باب في الجنائز من كتاب الكسوف من جزئه الثاني الصفحة 71:
عن خارجة بن زيد بن ثابت، أنّ أُمّ العلاء أمرأةً من الأنصار بايعت النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أخبرتْهُ أنّهُ اقتسم المهاجرونَ قرعةً، فطارَ لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا، فوجِعَ وجعَهُ الذي توفّيَ فيه، فلمّا توفِّي وغُسِّل وكُفِّنَ في أثوابه دخَلَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلُتُ: رحمة الله عليك أبا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عليكَ لقدْ أكرمَكَ الله.
فقال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "وما يدريك أنّ الله أكرمه"؟ فقُلتُ: بأبي أنتَ يا رَسولَ الله، فمن يكرِمُهُ الله، فقال (عليه السلام): "أمَّا هو فقد جاءه اليقينُ، والله إنّي لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنَا رسول الله ما يُفْعَلُ بي". قالت: فوالله لا أزكّي أحداً بعده أبداً.
إنّ هذا لشيء عجاب والله! فإذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقسم بالله أنّه لا يدري ما يفعَلُ به، فماذا يبقى بعد هذا؟!
وإذا كان الله سبحانه يقول: {بَلِ الإنسَانُ عَلَى نَـفْسِهِ بَصِيرَةٌ}(3)وإذا كان الله يقول لنبيّه: {إنَّا فَـتَحْنَا لَكَ فَـتْحاً مُبِيناً * لِـيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَـقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَـتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً * وَيَـنْصُرَكَ اللّهُ نَصْراً عَزِيزاً}(4).
وإذا كان دخول الجنة للمسلمين موقوفاً على اتباعه واطاعته والتصديق به، فكيف نصدّق هذا الحديث الذي لا أقبح منه، نعوذ بالله من عقيدة بني أُميّة الذين ما كانوا يؤمنون يوماً بأنّ محمّداً هو رسول الله حقّاً، وإنّما كانوايعتقدون بأنّه ملك، تغلب على النّاس بذكائه ودهائه، وهذا ما صرّح به أبو سفيان ومعاوية ويزيد، وغيرهم من خلفائهم وحكّامهم.

____________
1- صحيح البخاري 8: 204، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا..).
2- صحيح البخاري 5: 196، 8: 48.
3- القيامة: 14.
4- الفتح: 1 ـ 3.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page